in

إليكم نظرة على ”موسوعات الحيوانات“ في العصور الوسطى، وكيف وصف البشر الحيوانات حينها

موسوعات الحيوانات القديمة

اليوم وحينما يراودنا الفضول تجاه حيوانٍ ما، كل ما علينا فعله هو إمساك هاتفنا النقال واستخدام شبكة الإنترنت بحثاً عن ضالتنا. الأمر كان بمثل هذه البساطة بالنسبة لسكان العصور الوسطى (على الأقل من سُمح له بتعلم القراءة ومن كان لديه وقت للاطلاع). كان كلّ ما عليهم فعله هو إمساك موسوعة دُعيت بـ«موسوعة الوحوش» أو بالإنجليزيّة Bestiary، وسيجدون ما يبحثون عنه. وبالضبط كما أن أيّ شخص اليوم بإمكانه أن يزرع أي معلومة –وإن كانت خاطئة– في الشبكة العنكبوتيّة، فلم يتوان كتّاب العصور الوسطى عن استخدام مخيلتهم في تلك الموسوعات.

هناك صفة أخرى امتلكتها هذه الموسوعات غير الوصوف والمعلومات –والتي نذكّر أنها يمكن أن تكون خاطئة أحياناً– فقد تميزّت أيضاً بإدراج العبر الدينية والرسائل الإلهيّة التي جسدتها هذه الحيوانات في الطبيعة، فيذكر إنجيل أيوب: ”فَاسْأَلِ الْبَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ. أَوْ كَلِّمِ الأَرْضَ فَتُعَلِّمَكَ وَيُحَدِّثَكَ سَمَكُ الْبَحْرِ. مَنْ لاَ يَعْلَمُ مِنْ كُلِّ هَؤُلاَءِ أَنَّ يَدَ الرَّبِّ صَنَعَتْ هَذَا! الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ.“ أيوب 12:7-10

تشكّل موسوعة الوحوش دمجاً ما بين نص مسيحي تعليمي كُتب في اليونان في القرن الثالث ميلادي دُعي بـPhysiologus، وهو أحد أوائل النصوص التي حاولت إعلاء كلمة الله على الأرض باستخدام الطبيعة، وذلك عن طريق تقديم وصف بسيط عن كلّ حيوان يليه شرحٌ مفصل عن معاني وماورائيات وكيفية تفسير وجود هذا الكائن، وما بين كتابات (إيسيدرو الإشبيلي) الذي كان مؤرخاً ومبشراً إسبانياً عاش ما بين (560-636م)، وكذلك تعتمد في مصادرها على نصوص تاريخية قديمة عن الطبيعة مثل كتاب المؤرخ (بلينوس الأكبر) بعنوان: Naturalis Historia.

تعد موسوعات الوحوش أكثر دقة من الناحية الوصفية من تلك النصوص التي ارتكزت عليها، لكنها لا تخلو من اللغط ولا يمكن الاعتماد عليها، وسنلاحظ أن بعضاً من معلوماتها مستمدة من قصص شعبيّة ومن خرافات مشهورة.

الآن إليكم نظرة على ”ويكيبيديا“ العصور الوسطى:

1. الظبي

نرى هنا ظبياً يخرج ثعباناً من وكره باستخدام أنفاسه، إنكلترا 1200-1210م. صورة British Library
نرى هنا ظبياً يخرج ثعباناً من وكره باستخدام أنفاسه، إنكلترا 1200-1210م. صورة British Library

كان للبشر ولع بالغزلان والظُبي منذ أقدم العصور، فقاموا برسمها على جدران كهوفهم وزينوا بها خوذهم خلال العصر البرونزي. لعل أكثر ما جذبنا لتلك المخلوقات هي قرونها، وهو أمر ما يزال يشدنا إليها لكونها تعدّ من البضائع النفسيّة، كما أننا لا نزال مولعين بالغزلان والظباء لكننا نفضل تعليق رؤوسها على جدراننا اليوم!

تميّزت هذه الكائنات بغموض التف حولها وقد دعاها الإيرلنديون بقطيع ”الجنيات“، كما كان صيد الظبي يعتبر من الهوايات الشائعة في فترة الصور الوسطى بالإضافة إلى وجود مكانة خاصة لها ضمن الرمزيّة المسيحيّة.

تتحدث الموسوعة عن كون الظباء هم الأعداء الطبيعيون للأفاعي، إذ ما إن يعثر أحد الظباء على وكرٍ لهم حتى يبصق فيه ثم يبدأ بمحاولة إغواء الأفعى حتى تخرج من مخبئها ويتم ذلك عن طريق استخدام أنفاسه التي يشاع أنها تسحر الأفاعي.

بعد أن تخرج الأفعى تقوم الظباء الأصحاء بالسير عليها إلى أن تهلك ثم تشرع الظباء الكبيرة في السن أو المريضة في التهام الأفعى بهدف زيادة مناعتها، ويتبعون ذلك بشرب كميات كبيرة من الماء بهدف التغلب على سُمها.

تشتهر الظباء أيضاً بأعمارها المديدة، وقد قام يوليوس قيصر وكذلك ألكسندر الأعظم بتثبيت أطواق حول رقاب الظباء الخاصة بهم وذلك حتى يعلم الناس بملكية تلك الظباء ويتجنبون مسها بأي أذى، وقد وجدت هذه الظباء لاحقاً مع أطواقها في حالة جيدة.

بإمكان الناس معرفة عمر الظبي عن طريق أسنانه (الأمر سيان بالنسبة للأحصنة). وفيما يخص تنقل الظباء فهي تسير في قطيع وحينما تحاول قطع مجرى مائي من أجل الوصول إلى الطعام فهي تشكل خطاً مستقيماً حيث يسند كل ظبي رأسه إلى ظهر الظبي الذي يقف أمامه.

إن أصيب الظبي برمح يكون قادراً على التخلص منه ومن الإصابة التي يخلفها عن طريق تناول نبتة يطلق عليها اسم Dittany وهي نوع من أنواع الشجيرات العشبيّة.

إن الإمساك بهذا الحيوان أمرٌ شبه مستحيل، إذ تتمتع هذه الكائنات بسمع حادٍ جداً وبالأخص حينما تكون آذانها منتصبة، لكن خدعة الإمساك بها بسيطة وتعتمد على العزف على البوق، حيث تمتلك الظباء ولعاً شديداً تجاه الموسيقى.

تعتبر الظباء حيواناتٍ مراوغة وذكية، فما إن تسمع عواء كلب صيدٍ حتى تغير طريقها وتبدأ بالهرب عكس اتجاه الرياح لتظليله.

على الجانب الديني، تمثل الظباء تجسيداً للمسيح، إذ أنها عدوة للشر كما هو، والحادثة التي توضح ذلك هي تغلب الظباء على الأفاعي والتهامها لها، ويمثل تخلصها السنوي من قرونها ومن ثم إعادة إنمائها صورة توضح موت وقيامة المسيح.

كما أن تناول الخبز في طقوس (الافاخاريستا) –حيث يمثل الخبز جسد يسوع– ينقي روحيّاً ويحمي من الشر، فإن تناول لحم الظباء له المفعول ذاته، فهو يحمي من الأمراض. بالإضافة لكل تلك الرموز فإن صورة عبور الظباء بخط مستقيم تمثلّ بالنسبة للعديد من الأشخاص الطريق الذي يقطعه الإنسان من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، وتتضمن هذه الصورة أيضاً رسالةً تُشير إلى وجوب مساعدة المسيحيين بعضهم البعض من أجل الوصول إلى النعيم.

2. الدب

تقوم الأم بلعق صغارها مشكلةً أياهم بعد أن كانوا كتلة لا شكل لها، إنكلترا 1230م. صورة: British Library
تقوم الأم بلعق صغارها مشكلةً أياهم بعد أن كانوا كتلة لا شكل لها، إنكلترا 1230م. صورة: British Library

كما الظباء، فقد اعتبرت الدببة حيوانات ممتعة للصيد، ورموزاً تتضمن رسائل إلهية. نظر البشر في العصور الوسطى إلى الدببة ورأوا حيواناً يكاد يقترب من منزلة البشر، وقد أتى ولعهم هذا نتيجة مقدرة الدببة في الوقوف على قوائمها الخلفية ما جعل شكلها يبدو أقرب ما عليه من شكل البشر؛ إذ كان الفرق آنذاك بين البشر والحيوانات هو أنّ الأخيرة تسير على أربع.

كما نظر بعض الكتاب إلى الدببة ورأوا بشراً مشوهين، وهكذا صُنفت الدببة في مرتبة عالية ضمن مملكة الحيوان. أضف إلى كل ذلك أن خوف البشر من قوة الدببة الهائلة ومعرفتهم لمدى عدوانيّة هذه الكائنات نتيجة احتكاكهم الدائم معها في محاولتهم المستمرة لصيدها قد جلب مزيداً من الاحترام لها.

تذكر الموسوعة أن الدببة تولد ككتلة عديمة الشكل، بدون عيون أو زغب، وأن الأم تقوم بتشكيل صغارها عن طريق لعقهم باستمرار (ومن هنا يأتي أصل تعبير إنكليزي مشهور: To lick into shape). تولد الدببة حصراً في فصل الشتاء ولذلك يتوجب على الأم أن تحافظ على دفء أطفالها على الدوام كالطائر الذي يرقد على بيوضه.

تتزاوج الدببة كالآدمين، بل وتعدّ غالبية تصرفاتها تجسيداً لتصرفات البشر. ينفصل الذكر والأنثى حالما يحصل الحمل، ويقضي كلٌّ منهما الشتاء في كهوف منفصلة، أو يقومان بتقسيم كهفهما إلى جزئين عن طريق حفر خندق عميق، ولا يلمس الدب الذكر الأنثى إطلاقاً في فترة الحمل.

يخرج رأس الدب أولاً من رحم أمه، ما يعني أن رأسه هو أضعف جزء في جسده، وأن قوته تكمن في أطرافه وهذا ما يسمح له بالوقوف كالبشر. تتحدث القصص عن مصارعة الدببة للثيران وتغلّبِها عليها عن طريق أمساك قرونها ومهاجمة خصمها.

تنجوا الدببة من حالات التسمم عن طريق تناول لحاء الشجر أو نبتة البوصير (يُطلق عليها أيضاً مسمى آذان الدب).
كرمزٍ ديني، ترمز الدببة للكنيسة، وبالأخص الدببة الأم التي يتم استخدامها كاستعارة، حيث تشدد الكنيسة الكاثوليكيّة على تلقين وتعليم أبنائها والمحافظة على طهارتهم، وهكذا تقوم كما الدببة الأم بلعق أبنائها إلى أن يصبحوا على الشكل الذي تريده.

كما أنها إشارة لأن يقوم الآباء بتأديب أطفالهم. كذلك يرمز رفض الدب الذكر لأن يلمس الأنثى في أثناء الحمل إلى رسالة أرادت الكنيسة إيصالها وهي كون ممارسة الجنس مع المرأة الحامل أمر محرم ومكروه للغاية وأنه ضار وخطر بالنسبة للجنين (وهي معلومة خاطئة تماماً). يتم تأكيد هذه الرمزية بوصف وضعية ممارسة الجنس عند الدببة بالعناق.

3. الثعلب

يقوم الثعلب المكار بالتظاهر بالموت من أجل اصطياد العصافير، إنكلترا 1230م. الصورة: British Library
يقوم الثعلب المكار بالتظاهر بالموت من أجل اصطياد العصافير، إنكلترا 1230م. الصورة: British Library

تتشابه اليوم نظرتنا للثعالب مع نظرة سكان العصور الوسطى، فقد نُظر للثعالب على أنها حيوانات مخادعة مكّارة تستخدم ذكائها في التغلب على العقبات التي تواجهها.

استُخدمت الثعالب كطرائد للصيد في العصور الوسطى وقد حلت في المرتبة الثانية من حيث الحيوانات المفضلة للاصطياد وذلك بعد الغزلان.

يتضمن أدب العصور الوسطى العديد من القصص التي تتحدث عن طرق الثعالب في المراوغة والفرار، وكانت النظرة العامة تجاه الثعالب متمثلة في رؤيتها كوباء يجب التخلص منه، ويعود ذلك لاعتماد الثعالب في حميتها الغذائية على اقتناص الماشية.

تشير الموسوعات إلى عدم قدرة الثعالب على الركض في خط مستقيم وعن كونها تتحرك في دوائر فقط وذلك لقصر أطرافها اليمنى.

تعشق الثعالب الفاكهة، وتسبب أضرار كبيرة لمالكي الكروم، وقد ذكر ذلك في سفر نشيد الإنشاد: ”خذوا الثعالبَ،
الثعالبَ الصّغار، فهي تُتلف الكروم، وكرومنا أزهرت“-سفر نشيد الإنشاد 2:15

تتميز ذيول الثعالب بأنها تشبه ريشة الرسم، وهي بذلك الشكل حتى لا يتمكن الكلاب من الإمساك بها. تستطيع الثعالب تسلق الأشجار، وهي تستخدم قدرتها هذه لتضليل الكلاب التي تحاول اللحاق بها، إذ يتسلق الثعلب الشجر عالياً حتى تعجز الكلاب عن التقاط رائحته وحينما يبتعد الكلب عن الشجرة يجري الثعلب بالاتجاه المعاكس.

إحدى أمكر الخدع التي يستخدمها الثعلب هي التظاهر بالموت وهو ينفذها باحترافية، حيث يتمرغ بوحل أحمر حتى يبدو وكأنه مدمّى ثم يستلقي على ظهره ويمتنع عن التنفس فتأتي الطيور الساذجة معتقدة أن وقت غدائها قد حان لكنها ما تلبث أن تصبح هي الغداء.

يعارك الثعلبُ الغريرَ محاولاً الاستيلاء على جحره بالرغم من صغر حجم الثعلب مقارنة بالغرير، وفي الحقيقة غالباً ما يفوز الثعلب بفضل ذكائه.

يطلق على الثعلب باللاتينيّة اسم Vulpis ويترجم إلى ”الطمع“ وقد أتت هذه التسمية نتيجة الحب الشديد الذي لدى هذا الكائن تجاه الطعام، بالإضافة إلى شكل الثعلب الخارجي الذي يدل على مكره وبالأخص فروه الأحمر.

اقترن الثعلب في العصور الوسطى بالشيطان وذلك بسبب سمة المكر التي عرفت عنه. تقول إحدى الموسوعات التي تعود للقرن الثالث عشر أن الثعلب يرمز للشيطان الذي يتماوت متوارياً عن الأنظار إلى أن يطبق على رقاب البشر، وترمز الطيور الساذجة إلى المسيحيين الذين يقعون في شرك الشيطان وينتهي بهم الأمر إلى الهلاك.

هناك تفسيرات أخرى تشير إلى أن هذه الطيور هي تجسيد للواعظين الخطائين الذين يجرون رعيتهم نحو الخطيئة فيما يظهرون للعالمين كأتقياء صالحين.

عدم قدرة الشيطان في السير بخط مستقيم هي إشارة أخرى إلى طرق الشيطان الملتوية.

4. الفيل

فيل وعلى ظهره قصر، إنكلترا، في بدايات القرن الثالث عشر. الصورة: Pinterest
فيل وعلى ظهره قلعة، إنكلترا، في بدايات القرن الثالث عشر.

بُنيت معرفة سكان أوروبا عن الفيلة على مجموعة من القصص والأخبار التي سمعوها من هنا وهناك، وقد نظر السكان إلى تلك الحيوانات على أنها مجموعة من المخلوقات الشرقيّة الغريبة تماماً مثل (الباسيليسك) و(الغرفين) –الغيلان–. كذلك حصلوا على معلوماتهم عن طريق الأدب اللاتيني والأعمال الأدبية عن الأسفار مثل (أسفار ماركو بولو – The Travels of Marco Polo) وقد شكلت هذه الأعمال المصدر الرئيس الذي اعتمدت عليه موسوعات الوحوش.

كما كل المعلومات في تلك الموسوعات، فقد كان بعضها دقيقاً للغاية فيما شطح بعضها الآخر ليكون ضرباً من ضروب الخيال. أما بالنسبة لفناني العصور الوسطى فقد امتلكوا فكرة جيدة عن شكل الفيل وقد قاموا بمقارنة ومقاربة شكله بحيوانات كانوا أكثر معرفة بها، وهكذا قد نجد في بعض الأحيان معالم قنادس في لوحات تصوّر الفيلة.

تذكر الموسوعة أن الفرس والهنود يستخدمون الفيلة في حروبهم، حيث يعملون على بناء أبراج فوق ظهور هذه الكائنات وتستعمل الأبراج لرمي الرماح كما في القلاع.

تستخدم الفيلة خراطيمها لكي تحمل الطعام إلى فمها، وتدافع عن نفسها باستخدام قرونها العاجيّة، كما تتمتع قرونها بخصائص علاجية ويمكن طحنها لصناعة شراب لعلاج الأشخاص المصابين بالنزيف، كما يمكن حرق القرون من أجل طرد الثعابين.

تعتبر الفيلة حيوانات ذكية للغاية، كما تمتلك ذاكرة طويلة الأمد. تتمتع الفيلة كذلك بحياة طويلة، فهي حيوانات معمرة تعيش لما يقارب الثلاثة قرون. تصل الفيلة إلى أحجامٍ هائلة، واسمها مشتق من الكلمة الإغريقيّة Eliphio والتي تعني الجبل.

تسافر الفيلة ضمن قطيع مشابه لقطعان الماشية. لا تملك الفيلة أية مفاصل في ركبها وهكذا مثل قمل الخشب إن سقطت على ظهرها أو إن قامت بالجلوس ستصبح غير قادرة على معاودة النهوض. إن حدث وسقط أحد الفيلة يجتمع حوله إثني عشرة فيل ويحاولون إنهاضه ثم يأتي الفيل الثالث عشر لينجح بذلك عن طريق سحب الفيل من خرطومه وذلك بالرغم من صغر حجمه.

تبحث الفيلة حين ترغب بالنوم عن شجرة قوية وثابتة لتتكئ عليها لعدم قدرتها على الجلوس، لكن عادة النوم هذه تجعلها فريسة سهلة للصيادين، حيث يعمل الصيادون على إضعاف الأشجار عن طريق نشرها قليلاً وهكذا ما إن يقوم الفيل بالإتكاء على الشجرة حتى يسقطان معاً ليهرع الصيادون باتجاهه ويقوموا بذبحه.

إن أكثر الأمور إثارةً للاهتمام بالنسبة للفيلة هي طريقة حملها وإنجابها، إذ لا يملك ذكر الفيل أي رغبات جنسية وحين ترغب الأنثى بالإنجاب يتوجب عليها القيام بخداعه. تسير الإناث نحو الجنة وتتناول نبتة اللفاح، وتجلب بعضاً منها للذكر حيث تعمل هذه النبتة على إغوائه، وهكذا يقوم طوعا بالبدء بعمليّة التزاوج.

تنجب الإناث في الماء فقط حيث أن وضعهن لصغارهن على اليابسة سيعرضهم لخطر التنانين المعروف عنهم شربهم لدماء الفيلة لقدرتها على تبريد معدة التنين المحترقة. يحمي الذكر أطفاله أيضاً حيث يعمل على حراستهم بشكل دائم.

بالرغم من قدرة الفيلة على قهر التنانين إلا أنها تخاف من الفئران. إن طريقة التكاثر الغريبة التي تتبعها الفيلة قد جعلت منها رمزاً لآدم وحواء، إذ أنهما مثل الفيلة لم يكن لديهما أية رغبة جنسية إلى أن تناولت حواء الفاكهة المحرمة وأعطت بعضها لآدم، الأمر الذي جلب غضب الله عليهما ودفعهما لأن يطردا من الجنة.

كذلك يمثل الإثنا عشر فيلٍاً الأنبياء اليهود الذين لم يكونوا قادرين على إنقاذ البشرية إلى أن أتى المسيح المتواضع (الفيل الصغير) وأنهض البشرية.

5. الحوت

رسمٌ لحوت مأخوذ من موسوعة Ashmole، إنكلترا، في بدايات القرن الثالث عشر. الصورة: Bestiary.ca
رسمٌ لحوت مأخوذ من موسوعة Ashmole، إنكلترا، في بدايات القرن الثالث عشر. الصورة: Bestiary.ca

نُظر إلى الحوت كحيوانٍ شيطاني على امتداد العصور الوسطى، وقد أتى أساس هذا الاعتقاد من الإنجيل نفسه، حيث يتنكر شيطان يهودي على شكل حوتٍ وحشي يدعى لوياثان ويذكر اسمه 5 مرات في الكتاب المقدس. يصف إنجيل أيوب هذا الكائن بالتفصيل قائلاً: ”جسده كدروعٍ مذابة معاً، مطبقةٍ… سيردي الحديد كالقش، والنحاس كالخشب المهترئ…سيحيل أعماق البحار إلى الغليان“ 41:7;18;22

كما أن هنالك قصة يونس المشهورة والتي تتحدث عن ابتلاعه من قبل حوت ضخم. يوصف الحوت في موسوعات الوحوش على أنه كائن ضخم يشبه في تكوينه الحجر، ولشدة ضخامته فهو يبدو كالجزيرة، وتشير بعض الموسوعات لكون الحوت يظهر دوماً مغطى بطبقة من الرمل نتيجة الوقت الطويل الذي يمضيه على سطح الماء. يرى البحارة السذج الحوت يطفو على سطح الماء ويعتقدون أنه جزيرة وهكذا يبحرون باتجاهه لكي يرسوا بجانبه، وتذكر النسخة الإنكليزية القديمة لـ Physiologus: ”لكن راحتهم هذه قصيرة الأمد إذ أن الحوت يقبع ساكناً منتظراً اللحظة المناسبة للإنقضاض“.

في حقيقة الأمر يتعمد الحوت إخفاء نفسه بهذا الشكل في سبيل قتل البحارة، ويظهر مكر الحوت في قصصٍ أخرى تتحدث عن طريقة صيده للأسماك، فهو يجذب الأسماك برائحة أنفاسه العطرة ما يجعلها تسير طواعية نحو فمه الكهفي والذي ما إن تدخله كمية من الأسماك حتى يطبق عليها، ويظهر أنه وبالرغم من حجم الحوت الهائل فهو يعتمد على المكر والخداع في صيد طعامه.

يُصوّر الحوت على أنه الشيطان نفسه، وكما يخدع الثعلب فرائسه بالتظاهر بالموت، فإن الحوت يستغل سذاجة الناس في القضاء عليهم. يوّضح الـPhysiologus ذلك: ”كما طُرُق الشياطين فإن الحوت يخفي قوته ويقبع في انتظار البشر الساهين، ويحيدهم عن طريق الصواب، ويخدعهم إلى أن يطلبوا العون من أعداءٍ متخفين إلى أن يرديهم أعداؤهم في يد الشيطان الرجيم.“

تمثل رائحة أنفاس الحوت العطرة ملذات الحياة الدنيا ويرمز السمك إلى الأشخاص الذين يسعون وراء تلك الملذات.

6. أحادي القرن

عملية اصطياد آحادي القرن، إنكلترا، القرن الثالث عشر. الصورة: British Library
عملية اصطياد آحادي القرن، إنكلترا، القرن الثالث عشر. الصورة: British Library

تأتي شهرة أحادي القرن من الأساطير العديدة التي تحدثت عنه وكذلك من وجوده في العديد من شعارات النبالة. لم تمنع حقيقة كون أحادي القرن كائناً أسطوريًا تواجده في العديد من الأعمال الأدبية والفنية في العصور الوسطى، بل صدّق العديد من الأشخاص وجود هذا الكائن فعلاً ودعموا إيمانهم هذا بأدلة ”علميّة“ تمثلت بحريش البحر (والذي يسمى أيضاً الحوت وحيد القرن)، وبقرون الظباء والغزلان التي حصلوا عليها عن طريق التجارة التي كانت تحصل مع شمال أفريقيا.

تم الاحتفاء بأحادي القرن بشكل كبير لما يرمز له دينياً، ولم يبالي أحد بأن عين بشريّ لم تقع على هذا الكائن قط. قام (ماركو بولو) بوصف وحيد قرن رأه في الهند على أنه أحادي قرنٍ ضارب في البشاعة.

تصف الموسوعات أحادي القرن على أنه وحشٌ ذو لونٍ أبيض ساطع، يشبه في شكله حصاناً صغيراً أو عنزة، يملك هذا الكائن قرناً طويلاً ويبرز هذا القرن من جبينه. يتمتع أحادي القرن بسرعة عالية ويعد حيواناً خطراً وقاتلاً إذا ما تمّ استفزازه، ولذلك من الصعب جداً اصطياده بل ومن شبه المستحيل. يقال أنّ هذا الكائن يتمتع بذكاء حاد وهو أذكى سكان المملكة الحيوانيّة.

يعد أحادي القرن العدو الأول للأفيال، ويقوم بقتلها عن طريق الانزلاق أسفل الحيوان الضخم وطعنه باستخدام قرنه في الجزء الطري من معدة الفيل.

إن قرن هذا الكائن ثمينٌ جداً لما يتمتع به من خصائص، فهو قادر على إبطال أي سمٌ وضع في طعام أو شراب، كما أنه يتمتع بقدرته على إثارة الشهوة الجنسية، ويمكن طحنه واستخدامه كمبيض للأسنان.

بالرغم من ذكاء وقوة وخفة أحادي القرن، فهناك طريقة واحدة أكيدة لاصطياده وهي كالتالي: يتم اقتياد فتاة عذراء إلى الغابة التي يقطنها أحادي القرن، وحين يرى هذا الكائن الفتاة يسير نحوها ويجلس قبالتها واضعاً رأسه في حجرها، ولا يلبث أن يغط في النوم، فيهرع الصيادون الذين يختبئون بجوار طعمهم العذري إلى تقييد هذا الكائن أو إلى ذبحه فوراً.

تشرح البُسط التي تصوّر أحادي القرن هذه العملية كاملة وهي معروضة الآن في متحف The Cloister في نيويورك-الولايات المتحدة الأمريكية.

يتم الاحتفاء بأحادي القرن كرمزٍ للمسيح، ونجد في إنجيل مزامير ”أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَالٍ إِلَى الأَبَدِ. لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ. وَتَنْصِبُ مِثْلَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ قَرْنِي“ 92:10 وقد تم تفسير
”قَرّنِي“ بأنها رمزٌ للمسيح، كما يمثّل أحادي القرن بصغر حجمه (دون أخذ قرنه بعين الاعتبار) تواضع المسيح وتمثّل عملية الامساك به وذبحه كيف طعن جسد المسيح برمح (لونجينوس). يذكر إنجيل يوحنا: 31 ”ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ لأَنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيماً سَأَلَ الْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا. 32 فَأَتَى الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبَيْنِ مَعَهُ. 33 وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. 34 لَكِنَّ وَاحِداً مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ 35 وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. 36 لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». 37 وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: «سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ.“ 19:31-37، ويرمز وضع أحادي القرن لرأسه في جحر العذراء أي بالقرب من رحمها إلى الحبل بلا دنس. وكما يرمز اللون الأبيض في يومنا هذا إلى النقاء والطهارة فلون هذا الكائن يمثل ذلك بالضبط وهي صفات اقترنت دوماً بالمسيح.

7. القندس

يقوم القندس بإخصاء نفسه لكي يحمي نفسه من الموت، الرسم من موسوعة (Harley) ، إنكلترا، بين 1230م و 1240م. الصورة: British Library
يقوم القندس بإخصاء نفسه لكي يحمي نفسه من الموت، الرسم من موسوعة (Harley) ، إنكلترا، بين 1230م و 1240م. الصورة: British Library

قد يبدو من الغريب مناقشة أحد أشهر رموز أمريكا الشماليّة في مقالٍ يتحدث عن فترة العصور الوسطى في أوروبا، لكن من المهم أن نتذكر أن القنادس كانت منتشرة وبكثرة في تلك الفترة على امتداد أوروبا، لكن بحلول القرن الثاني عشر أصبحت القنادس معدودة في المنطقة وتواجد أغلبها في أنهار اسكتلندا والويلز، ومع ذلك فقد كان النقاش حول القنادس أمراً شائعاً وخاصة بعد أن تحدثت قصص (أيسوب) عن تصرفات هذه الكائنات المذهلة، وفي نهاية الأمر شكلت هذه القنادس التي كانت نادراً ما تُرى جزءاً مهماً من مدى معرفة العصور الوسطى للعالم.

تقول الموسوعات أن القنادس تبني قصوراً في منتصف الأنهار بمنتهى البراعة والدقة، وتكمن أهمية قصورها هذه في أنها تمكنها من ملاحظة ارتفاع الماء. بعكس البشر الذين يقومون بنقل الخشب فوق العربات والسفن فإن القنادس تستخدم بعضها البعض في هذه العملية، حيث يستلقي بعضها في الماء على ظهورها وتوضع الأخشاب فوق بطونها ثم تقوم قنادس أخرى بجر هؤلاء على طول الماء عن طريق تثبيت أسنانها بالخشب، ومن ثمة سحب الخشب والقندس سوياً. تستخدم القنادس فروع أشجار الصفصاف لكي تربط الخشب ببعضه.

بإمكان القنادس البقاء تحت الماء أو فوقه حسب ما تشاء وقدر ما تشاء، وهي تستخدم ذيولها كدفة لتكون قادرة على التحكم في مسارها في أثناء السباحة.

تحتوي خصيتا القندس على ما يدعى بالكاستر (Castor) وهو مفرز تنتجه الذكور البالغة فقط وهو باهض الثمن للغاية إذ يستخدم في صناعة الأدوية (في يومنا هذا يستخدم في صناعة العطور)، وهكذا يتم اصطياد القنادس لأجل غددها، لكن هذه الحيوانات تتمتع بالذكاء الشديد وهي تعلم حينما تكون محط نظر صيادٍ ما ولتنقذ حياتها فهي تقوم بقطع خصيتيها باستخدام أسنانها، ومن ثمة تتركها للصياد ليتركها وشأنها.

حينما تكون القنادس مخصية سابقاً والكلاب لا تزال تطاردها، فهي تصعد إلى مكان عالٍ وتقوم برفع أقدامها حتى تُري الصياد أن ما يسعى لإصطياده غير موجود. إن هذه العملية الغريبة التي تقوم بها القنادس مذكورة من قبل (إيسوب) و(بلينوس الأكبر) و(إيسيدور الإشبيلي) وهم مجموعة من المؤرخين الذين عاشوا في فترات زمنية مختلفة.

صنفت القنادس على أنها من الأسماك بسبب الوقت الطويل الذي تمضيه في الماء، ما جعل تناولها في أيام الجمعة أمراً ممكناً وقد يفسر هذا الأمر ندرتها.

جعلت عادة خصي القندس لنفسه منه رمزاً مهماً ويقال ”على كل رجلٍ يسعى نحو تحقيق وصاياً الله ويريد أن يعيش عفيفاً أن يقوم بنأي نفسه عن الرذائل وعن الأعمال الفاحشة وأن يقوم بردها في وجه الشيطان، عندئذٍ يرى الشيطان أن العبد لا يملك شيئاً سوى نفسه فيتركه ونفسه وهو في حيرة من أمره“.

8. الذئب

 ذئب يقترب من قطيعٍ من الأغنام، إنكلترا، بين عامي 1200م و 1210م. الصورة: British Library
ذئب يقترب من قطيعٍ من الأغنام، إنكلترا، بين عامي 1200م و 1210م. الصورة: British Library

يبذل العديد من المحافظين على البيئة الجهد والمال من أجل القيام بدراسات علمية على الذئاب، لكن وبالرغم من الجهود المبذولة لا يزال البشر ينظرون إلى هذه الحيوانات ويرون أعداءاً يجب إقصاؤهم.

إن أكلة اللحوم هذه كانت منتشرةً في أنحاء المعمورة لكن نتيجة الاضطهادات المستمرة تجاهها لم يبق لديها أي وجود سوى في بعض الأماكن التي وفرت لها حماية قانونيّة.

يأتي هذا الحقد على الذئاب من العصور القديمة وتحديداً بسبب الموروث الثقافي الرعوي، حيث أدى نمط معيشة الذئاب –والقائم على انتقاء فرائسها من قطعان الأغنام التابعة للبشر– إلى اعتبارها العدو الطبيعي للرعاة وماشيتهم، وقد حدث الأمر ذاته في فترة العصور الوسطى لكن أضف على ذلك انتشار سيط كون هذه المخلوقات من أعمال الشيطان.

تذكر الموسوعات أن الذئاب تعمل على الترصد لقطعان الأغنام وتقترب منها متظاهرة بكونها كلاب الحماية، وهكذا تخدع الكلاب الحقيقية منتظرةً فرصتها للانقضاض. إن حدث وداس الذئب على أحد الأغصان اليابسة عن طريق الخطأ فهو يقوم بمعاقبة نفسه بعضّ الطرف الذي خطى على الغصن. كما يعرف عن الذئاب التهامها للبشر، فإن رأى الذئبُ الإنسان قبل أن يلاحظه الأخير فسوف يتجمد الإنسان في مكانه ولن يستطيع معاودة السير إلى أن يقوم بالتجرد من ملابسه بالكامل كما عليه أن يحاول طرق حجرين معاً، على الجانب الآخر إن شاهد إنسانٌ ذئباً قبل أن يشاهده هو فسيتجمد الذئب مكانه وسيخسر ضراوته ويصبح غير قادر على الركض أو الهرب.

تشتهر الذئاب بجشعها ولذلك تلقب بائعات الهوى بالذئاب، إذ أنهن يقمن بتدنيس ممتلكات من يقع في حبهن.

لا تنجب إناث الذئاب إلا خلال العواصف الرعدية وتحديداً تلك التي تحصل في الشهر الخامس من السنة. تتمتع إناث الذئاب بالذكاء والحنكة فهي تصطاد بعيداً عن صغارها ثم تقوم بجلب الطعام لهم وذلك حتى لا تجذب الانتباه إلى مكان وجودهم.

تشتهر الذئاب بمقدار قوة عضّتها، كما تستطيع أن تعيش بدون التهام الفرائس فيكفيها تناول التراب والهواء حتى تبقى على قيد الحياة. تلمع عيون الذئاب في الليل.

ليست الذئاب شراً مطلقاً، فهي تملك في أجزاء من جسدها مكاناً للحب، إذ أن لديها خصلة من الشعر والتي تتوضع في نهاية ذيولها، وهي خصلة ذات خصائص مهمة تجعلها مكوناً أساسيّاً في تحضير إكسير الحب، حيث يقال أنها تعمل على إثارة الشهوة الجنسية، لكن بالطبع فإن الحصول على هذه الخصلة شبه مستحيل حيث يجب أن يكون الذئب على قيد الحياة حين تنزع عنه ويجب أن لا يشعر بوجود خطر قريب أو احتمالية لموته وإلا فسوف يقوم بالتخلص من هذه الخصلة مفقداً إياها قدراتها العجيبة.

لا تستطيع الذئاب أن تدير رأسها للخلف، وحينما تقع في كمين ما تقوم ببتر أطرافها بنفسها في محاولة منها للفرار.
تشتهر ذئاب إثيوبيا بإمتلاكها عرْفاً من الشعر الذي يمتد على طول رقبتها، كما تتميز بقدرتها على القفز عالياً وتتحد هاتان الميزتان لتبدو هذه الذئاب حينما تقفز وكأنها تطير.

عُدّت الذئاب من وجهة نظر دينيّة كأعلى مخلوقات الشيطان، ويرمز التفاف الذئاب حول الأغنام في المرعى واندساسها فيما بينها إلى طريقة عمل الشيطان الذي يجوس حول رعيّة الكنيسة ويحاول اقتناصهم، يقول المسيح: ”أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف“ يوحنا 10:11

إن عيون الذئاب اللماعة تبدو جميلة للناظر لتخدعه كما وعُود الشيطان البراقة وإغراءاته لضعاف النفوس. وتشير عدم قدرة الذئب على الالتفاف برأسه للخلف إلى عدم قدرة الشيطان على التوبة لكون كبرى خطاياه الكبرياء.

9. البازيليسق

يهاجم ابن عرس البازيليسق وهو قادرٌ على قتلها، إنكلتر، 1200-1210م. الصورة: British Library
يهاجم ابن عرس البازيليسق وهو قادرٌ على قتلها، إنكلتر، 1200-1210م. الصورة: British Library

تختلف كينونة هذا الكائن كلياً عما ظهرت عليه في الجزء الثاني من سلسلة هاري بوتر (Harry Potter and the Chamber of Secrets) فقد ظهر في الكتب ولاحقاً في الأفلام كأفعى عملاقة، (مواصفات البازيليسق في هاري بوتر تطابق كائناً كان يدعى بالـWyrm في العصور الوسطى.)

لكن الكائن الأساسي هو عبارة عن دمجٍ غريب بين أفعى ودجاجة وديك وهو يشبه إلى حدٍ كبير الأصلة (بالإنكليزيّة: Cockeatrice) وغالباً ما أخطأ الناس في التميز بينهما.

يملك البازيليسق رأس ديك وجسد أفعى وأقدام وأجنحة دجاجة، وبالرغم من الأجزاء التي تنتمي للدواجن فيه إلا أنه اعتبر ملك الثعابين، وقد أتى اسمه من الكلمة الأغريقية Basiliscus والتي تعني الملك الصغير.

تشير الموسوعة إلى أن البازيليسق يولد حينما يرقد ديك على بيضة ثعبان.

يستطيع البازيليسق قتل الناس حتى دون أن يلمسهم، فيكفي أن يحدق أحدهم في عيون هذا الكائن بل ويكفي أن يشتم رائحته، وهكذا يحاول البشر دوماً البقاء بعيدين قدر الإمكان عن هذا الوحش.

يقطن البازيليسق في الصحاري وحينما يصادف شخصاً عطشاً يبحث عن ماء يروي به ظمأه، يسعى لإصابته بفوبيا الماء ويجعله مجنوناً.

بالرغم من مدى خطورة البازيليسق على حياة البشر وكونها كائنات من شبه المستحيل قتلها، فهنالك شيءٌ واحدٌ قادر على ذلك وهو ابن عرس، حيث أن رائحة هذا الحيوان سامة للغاية بالنسبة للوحش، وهكذا يقضي البشر عليه عن طريق إسقاط ابن عرس في جحره.

لا يوجد العديد من التفسيرات الدينية بالنسبة للبازيليسق، لكن معظم الموسوعات الوحشية تستخدم هذا الوحش للدلالة على إحسان الخالق، إذ أنه وبالرغم من كونه أوجد هذا الوحش الشرير والسام فقد جعل التخلص منه ممكناً.

كما توجد أيضاً إشارة إلى المعركة التي دارت بين المسيح والشيطان في إنجيل (نيقوديموس)، حيث هُزم الشيطان من قبل ابن الله المتواضع والبسيط كما يهزم البازيليسق من قبل ابن عرس البالغ الصغر.

كما تشتهر الأفاعي ومنذ القدم بكونها من أتباع الشيطان.

10. البلشون أو مالك الحزين.

طائر البلشون يصطاد السمك، إنكلترا، 1225-1250م. الصورة: Bestiary.ca
طائر البلشون يصطاد السمك، إنكلترا، 1225-1250م. الصورة: Bestiary.ca

كان طائر البلشون محط حسد إنسان العصور الوسطى، والسبب كالتالي: كانت الكنيسة الكاثوليكية قد منعت تناول اللحوم في أيام الجمعة كطقس للتذكير بأن المسيح قد صُلب في ذلك اليوم من الأسبوع، وهكذا شكلت الأسماك الحل المناسب كبديل عن باقي أنواع اللحوم وأصبحت جزءاً مهماً من الحمية الغذائية لسكان العصور الوسطى.

ما أثار الحسد وما جعل من البلشون في الوقت ذاته محطاً لإعجابهم هي قدرة هذا الطائر المميزة ومهارته في صيد الأسماك.

كان كذلك صيد البلشون نوعاً من أنواع التسلية والرياضة بالنسبة للناس، وقد تضمنت عملية صيده مطاردة وفق مسار حلزوني واستخداماً لرمحٍ طويل، كما استخدمت هذه الطريقة في صيد صقور الشاهين أيضاً.

تقول الموسوعات: يطلق على طائر البلشون باللاتينيّة مسمى Ardea وهي كلمة مأخوذة من Ardua والتي تعني الارتفاع الشاهق، تأتي هذه التسمية من قدرة الطائر على التحليق لمسافات شاهقة في العلو، وتحلق هذه الطيور عالياً لتجنب المطر الذي تكرهه بشدة، فترتفع عالياً في السماء إلى أن تصل إلى مستوى أعلى من ارتفاع الغيوم.

يتمتع البلشون بلونٍ أبيض ورمادي، ويملك منقاراً حاداً طويلاً يشبه السيف يستخدمه في الصيد وفي حماية أطفاله.

تعشش طيور البلشون في الأشجار على الرغم من أنها تقضي معظم وقتها في الأنهار تصطاد السمك. إن طائر البلشون ذكيٌّ جداً وهو صيادٌ ممتاز فهو قادر على الإمساك بالأسماك بسهولة كبيرة، فيقوم أولاً بإلقاء بعض التعاويذ عليها ما يجعل صيدها أمراً يسيراً بالنسبة له. ومن الممكن استخدام لحم البلشون كطعمٍ للصيد حيث تقوم بدورها بتسهيل العملية على الصيادين بسبب قدرات البلشون السحرية.

نُظر للبلشون كمثال ممتاز عن حياة الإنسان المسيحي الجيد، وقد فسرت ألوانها على أنها انعكاس لفضائل معينة، فكان اللون الأبيض دليلاً للطهارة والبراءة ومثّلّ اللون الرمادي التوبة.

تُصوّر عاداته في الطيران فوق الغيوم على أنها تجسيد للصالحين الذين يتجنبون اغراءات الشيطان بتوجيه قلوبهم وعقولهم نحو السماء. ويمثل عيشه في الأشجار عالياً وصيده الأسماك من الأنهار رسالة وتعليمات للمسيحين أن يأخذوا الضروريات فحسب من المتاع المؤقتة في هذه الحياة وأن يضعوا آمالهم في ما هو أهم. كذلك تشير حماية البلشون المستميتة لصغاره إلى رئيس الكنيسة الذي يحارب في سبيل أتباعه.

11. القنفذ

القنفذ وهو في خضم عملية جمع الفاكهة، إنكلتراـ 1200-1210م. الصورة: British Library
القنفذ وهو في خضم عملية جمع الفاكهة، إنكلتراـ 1200-1210م. الصورة: British Library

اعتبرت القنافذ في غالبية الأحيان كائنات لطيفة، ينظر الناس إليها أو يسمعونها تنخنخ بجوار السياج وفي البساتين ويعجبون بها كما يتعجبون من قدرتها في الإلتفاف حول نفسها إلى أن تصبح كرةً من الأشواك. لكن هناك بعض الأشخاص الذين كانت نظرتهم أكثر سوداوية تجاه هذه الكائنات الصغيرة، وقد أتت هذه النظرة من إشاعاتٍ خاطئة مفادها أن القنافذ تشرب الحليب من ضروع البقرة ما أدى إلى اضطهاد هذه الكائنات وفي النهاية إلى انخفاض أعدادها بشكل هائل في العديد من الأماكن. مع ذلك فإن شهرتها التاريخية تظهر لكثرة الألقاب التي لُقبت بها.

تشير الموسوعات إلى أن اسم القنفذ في الإنكليزيّة Hedgehog يأتي من الكلمة Hedge التي تعني السياج وهو المكان المفضل للعيش بالنسبة لهذه الكائنات الظريفة، ومن الكلمة Hog والتي تعني الخنزير. تستطيع القنافذ تكوير نفسها لتحمي نفسها من المفترسين من جميع الجهات. وكذلك تعد هذه الكائنات ذكية للغاية، ويتضح ذلك من طريقتها في الحصول على الفاكهة، إذ أنها في موسم الحصاد تتسلل إلى حقول الفاكهة وتقوم بالتدحرج على الفاكهة التي سقطت على الأرض ما يؤدي إلى انغراسها في أشواكها فتقوم بحملها حتى تصل إلى مخبئها والذي غالباً ما يكون داخل شجرة مجوفة.

وتملك القنافذ أيضاً طريقة للحصول على الفاكهة من كروم العنب، فتقوم باختيار الفاكهة التي تريدها وتصعد أعلى الكرمة وتبدأ بهزها حتى تسقط أرضا لتقوم مجدداً بغرزها في أشواكها وتخبئتها في انتظار حلول الشتاء.

لقد ألهمت أشواك القنفذ الناس في إيجاد العديد من التفسيرات الدينية لهذا الكائن، فمنهم من تحدث عن أن نظام حماية القنفذ هذا يشبه راهباً يحمي نفسه من متاع الدنيا ويهب نفسه للصلاة، ومنهم من رأى في القنفذ صورة عاصٍ عنيد وهنا تمثل الأشواك المعاصي والذنوب التي لا يمكن التكفير عنها بل وتحيط بحاملها، وبالرغم من أنه حين يلتف على نفسه فهو يختفي عنها إلا أنها تبقى محيطة وملتصقة به.

على الرغم من التفسير الأخير، فإن رسامي الموسوعات الوحشية يركزون على تصوير القنفذ وهو يجمع طعامه مستمتعين بذلك بدون أن يبدو اهتماماً كبيراً لتفسير هذا المشهد دينياً.

12. البجع

تقتل طيور البجع صغارها ومن ثم تعيدها للحياة، إنكلترا، 1200-1210م. الصورة: British Library
تقتل طيور البجع صغارها ومن ثم تعيدها للحياة، إنكلترا، 1200-1210م. الصورة: British Library

ننهي مقالنا بصحبة طائر البجع المبهر من العصور الوسطى، حيث أنه يختلف عن طائرنا الذي نعرفه في يومنا هذا وذلك بحسب موسوعات الوحوش.

نرى في الصورة أعلاه ما يعد طائر البجع الاعتيادي بالنسبة لرسامي الموسوعات، وهو لا يشبه أبداً الطائر غريب الأطوار حسن الشكل الذي نراه اليوم، بل هو أقرب لأن يكون نسخة مبسطة عن الطيور المفترسة. من المحتمل لو أنه تم رصد البجع حقيقة في ذلك الوقت لكان الناس قد فسروا منقاره الطويل على أنه رمز للجشع والطمع وهي دليل على مضار المتع الدنيوية على الحياة الروحيّة.

صور البجع بالطريقة نفسها أعلاه في العمارة الكنائسيّة ولكن تمّ الإحتفاء به بسبب تصرفاته الاستثنائية.

يرد في الموسوعات أن البجع يعيش فقط على ضفاف نهر النيل، وهناك نوعان من البجع، الأول يعيش على الماء ويقتات على الحيوانات السامة مثل التماسيح والسحالي، النوع الآخر يعيش في الجزر ويقتات على السمك وله صوت يشبه صوت الحمار حينما يشرب الماء.

يتمتع النوعان بجوع لا يُشبع، وهكذا كل ما تتناوله هذه الكائنات يتم هضمه بسرعة كبيرة. يستخدم النوعان كذلك أقدامهما في تناول الطعام ويغمسان وجبتهما في الماء قبل تناولها (إن لم تكن مصطادة من الماء أصلاً) ثم يضعانها في أفواههما وهو أمرٌ غير مألوف بالنسبة للطيور.

يكرس البجع نفسه لأجل صغاره، ويتمثل ذلك في الآتي: ترعى الأم صغارها في العش ولا تفكر في أي شيءٍ آخر ليل نهار إلى أن يبدأ الصغار في النمو فيصبحون عدائيين للغاية، ويبدؤون بضرب والديهما في الوجه ويقوم الوالدان فيقتلان صغارهما عن طريق الخطأ.

بعد ثلاثة أيام تستخدم البجعة الأم منقارها وتقوم بطعن نفسها في الصدر ثم تجعل دمها يسيل على أولادها فيعودون للحياة ويطيرون بعيداً ليبدؤوا حياة جديدة، فيما يكلف هذا الأمر البجعة الأم حياتها.

يمثّل البجع المسيح في رمزية لا شك فيها، لكونه ابن الله فإن المسيح هو جزء من الثالوث المقدس، ولكن ما إن خلق الله البشر حتى أصبحوا جاحدين وبدؤوا بارتكاب المعاصي، لإنقاذهم وإعطائهم حياة خالدة قام المسيح بالتضحية بنفسه تماماً كما تفعل البجعة الأم.

كما يمثل البجع الذي يقتات على التماسيح المسيح أيضاً، حيث يرمز التمساح إلى الشر وتناول البجع للتمساح دليل على انتصار الخير.

تنتشر صورة تضحية البجع بنفسه لأجل أبنائه في الكنائس والكاتدرائيات وحين تريد أن تبحث عنها تذكر أن لا تتوقع العثور على منقار ضخم.

مقالات إعلانية