in

لماذا يتشابه الكثير من المرتبطين في الشكل؟ إليكم السبب العلمي وراء هذه الظاهرة الغريبة

في عام 2016، قررت (أوليفيا برونر)، إجراء اختبار الحمض النووي لكنها بالطبع لم تكن مدفوعة بالفضول الخالص. فقد كانت تحمل تشابهًا مذهلاً مع صديقها آنذاك، (جريج)، من لون الشعر والبشرة وصولاً إلى تعابير الوجه، ولسنوات، كان الناس يعتقدون بأنهم أقارب. لقد احتاجت إلى التأكيد، من أجل راحة البال، أنهم لم يكونوا كذلك، خاصة بعد أن تم تبنيها وهي طفل رضيع.

تذكر (برونر) ذات السادسة والعشرين عامًا، “فكرنا مرارًا.. ماذا لو كان هناك فرصة ضئيلة للغاية أننا في الواقع أقرباء إلى حد ما؟ لقد أشار إلينا الناس كثيرًا بالتشابه حتى بات الأمر مقلقًا. لا أعرف ما الذي كان علينا فعله”.

تبين أن مخاوفهم لم تكن في مكانها، ليتزوج الثنائي في العام التالي. يقول (جريج)، ذو الـ 26 عامًا كذلك، إن التشابه الغريب بينهما هو مجرد ”نكتة يمكن للجميع أن يكونوا جزءًا منها. المرة الوحيدة التي كنا نفكر فيها بالأمر حقًا هي عندما نتعجب كيف سيبدو أطفالنا؟ حسنًا، سيبدون مثلنا“.

لطالما استحوذت ظاهرة الأزواج المتشابهين على انتباه وافتتان الناس عامةً، حتى شرع علماء من جامعة ميشيغان في عام 1987 بدراسة ظاهرة الشركاء المتزوجين الذين يكبرون معًا ليبدوا متشابهين أكثر بمرور الوقت. (كانت نظريتهم، التي لا يزال العلماء يستشهدون بها حتى اليوم، هي أن عقودًا من المشاعر والظروف المشتركة تؤدي إلى تشابه أكبر غالبًا بسبب تشارك التجاعيد والتعبيرات المماثلة بسبب العمر.) لكن كيف ينتهي الأمر بالعديد من المُحبّين المتشابهين معًا في المقام الأول؟

على الرغم من الفكرة القديمة عن تجاذب الأضداد، فإن عالم النفس الاجتماعي (جاستن ليميلر)، وهو زميل باحث في معهد كينزي ومؤلف كتاب Tell Me What You Want، يقول إن الناس ينجذبون بشكل تلقائي نحو الأشخاص المألوفين، على الرغم من أن العملية برمتها تتم على الأرجح في اللاوعي. بالطبع، هناك بعض السمات التي نفضلها بشكل أكبر في العلاقة عندما تتواجد في شريك معارض -مثل مشاعر الهيمنة والاستسلام- ولكن بشكل عام، ”ما هو مألوف لنا يميل إلى أن يكون موضع حبنا وانجذابنا، حتى لو لم نكن على علم بذلك صراحةً“. يقول (ليميلر).

تمتد هذه الظاهرة إلى الشكل. فيقول: ”أنت على دراية بمظهرك، لذا فإن رؤية أشخاص آخرين يشاركونك تلك الصفات الشكلية المماثلة قد يؤدي إلى المزيد من الإعجاب لهذا السبب بالذات“.

وجدت دراسة من عام 2013 أن الأمر صحيح. ففي التجربة التي أُجريت فيها، عُرض على الأشخاص صور لوجه شريكهم العاطفي والتي تم تعديلها رقميًا لتشمل بعض الميزات من وجه آخر، إما من وجوه أخرى عشوائية، أو من وجه المشارك في الدراسة نفسه. صنف كل من المشاركين من الذكور والإناث باستمرار الصور التي تتضمن جزء من وجههم على أنها الأكثر جاذبية.

توصلت دراسة سابقة إلى نتيجة مماثلة و وجدت أيضًا أن الناس ينجذبون بشكل لا شعوري إلى سمات والدهم من الجنس الآخر. حيث صنف المشاركون في الدراسة صور الآخرين على أنها أكثر جاذبية عندما تومض صورة لوالدهم من الجنس الآخر بسرعة عبر الشاشة أولاً، مما يشير إلى أنهم كانوا مهيئين لا شعوريًا بوجه مألوف. وجدت دراسة أخرى من عام 2018 تبحث في الأشخاص من أعراق مزدوجة أنهم يميلون إلى الانجذاب إلى الأشخاص الذين يشبهون آبائهم، بغض النظر عن الجنس.

الممثل (بيندكت كامبرباتش) وزوجته المخرجة (صوفي هنتر) والشبه الكبير. صورة: Getty Images

قد يبدو هذا التفضيل الأبوي غريبًا بعض الشيء، لكنه ليس إشكاليًا أو حتى مفاجئًا بشكل خاص، كما يقول (ليميلر) إنه من المحتمل أن تكون عملية تقوم في اللاوعي تمامًا، ولها علاقة بارتباطنا الطبيعي بما هو ممتع وجذاب ومحبوب لدينا. يستطرد: ”قد يُنظر إلى هذه السمات على أنها مريحة. وإنهم مألوفون لك.“

تقول (زارا باري)، التي تبلغ من العمر 31 عامًا وتعيش في مدينة نيويورك، إنها واعدت ثلاث نساء على الأقل يشبهنها. رغم أنها متزوجة الآن من امرأة لا تشبهها في شيء بحسب زععمها. وصرّحت إنها لم تكن على دراية بالنمط في البداية ولم تلاحظ عادة التشابه حتى أشار إليه شخص آخر.

تذكر (باري): ”قد يخيفني ذلك، خاصة عندما يسأل أحدهم: هل أنتما توأم؟ قد يبدو الأمر غريب ومنحرف. ومن ثم يجعلك تقلق أيضًا: هل أنت نرجسي إذا كنت تنجذب إلى أشخاص يشبهونك؟“ ربما لا، كما يقول (ليميلر).

يمكن أيضًا تقارب الشركاء المتشابهين من بعضهم البعض، بشكل لا شعوري، بسبب جيناتهم. فقد وجدت الكثير من الدراسات أن الأزواج غالبًا ما يكونون أكثر تشابهًا وراثيًا من الغرباء، كما يتشاركون في نفس الميول والرغبات. هناك أيضًا بعض الأدلة الأولية على أن الناس قد ينجذبون إلى شركائهم المحتملين الذين ينتمون إلى نفس السلالة، على الأقل للأزواج البيض، حيث أنهم كانوا محور معظم الأبحاث المبكرة. كل من هذه المعايير يمكن أن تترجم عمليا إلى أوجه التشابه الجسدية ما بين الأحباء.

يذكر (بن دومينجو)، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات العليا في جامعة ستانفورد، والذي درس التشابه الجيني بين الأزواج والأصدقاء، إن الأشخاص المتقاربين وراثيًا يميلون إلى إيجاد بعضهم البعض بسبب الأرضية الاجتماعية أو الثقافية أو البيئية المشتركة. ويقول: ”إن أوجه التشابه الجيني إما تجعل الناس ينتهون في بيئات متشابهة، أو أنهم مرتبطون بأشياء وظروف تجعلهم في بيئات مماثلة. لكن بمجرد أن يكونوا في تلك البيئات -جامعة أو حي معين- فذلك هو المكان الذي ستجد فيه شريكك”.

هذا صحيح بالنسبة إلى مثالنا الأول آل (برونر)، الذين التقوا حينما كانوا طلاب في جامعة سيراكيوز. لكن كلاً من (دومينجو) و(ليميلر) يقولان إن هذه الظاهرة قد تتغير، حيث يتم استبدال المفاهيم القديمة عن المواعدة بمفاهيم أكثر مرونة.

فمثلًا يتزوج الناس حاليًا في وقت متأخر من حياتهم بعدما سافروا لمسافات أطول من أجل التعليم والعمل، مما يمنحهم المزيد من الفرص للعثور على أشخاص من خلفيات وظروف مختلفة والاقتران بهم في نهاية المطاف. يقول (ليميلر): ”عندما تتعرض للعديد من الخيارات المختلفة ويكون مجتمعك أكبر، فقد يُسّهل ذلك الانجذاب لنطاق أوسع من السمات“.

يقول (دومينجو) إن المواعدة عبر الإنترنت بدأت أيضًا في تغيير اللعبة. ويوضح أنه مع وجود شركاء محتملين في أماكن قاصية، لم يعد الأشخاص مقيدين بالعثور على شريك داخل دائرتهم الاجتماعية أو بيئتهم المباشرة. وبينما أشار بعض الخبراء إلى أن تطبيقات المواعدة التي تسمح للناس بالفرز حسب العرق أو الدين أو الاهتمامات تفرض التحيز والتجانس، تشير أبحاث أخرى كذلك إلى أن المواعدة عبر الإنترنت أدت بشكل عام إلى المزيد من التنوع في الأزواج.

فبينما وجد مكتب الإحصاء الأمريكي أن حوالي 10٪ من الزيجات كانت بين أزواج من أعراق مختلفة من عام 2012 إلى عام 2016، يشير تقدير مركز بيو للأبحاث Pew Research Center إلى نسبة أعلى من ذلك، فهو يسرد إن ما يقرب من 20٪ من الأزواج في الولايات المتحدة كانوا مختلفي الأعراق اعتبارًا من عام 2015، مقارنة بـ 7 ٪ عام 1980.

لكن من الصعب التكهن بما إذا كانت ظاهرة الأزواج المتشابهين ستتلاشى في السنوات القادمة، حيث تستمر أنماط الزواج والمواعدة في التحول والتغيّر، ويرجع السبب إلى حد كبير لأنه دائمًا ما يصعب تحديد معايير الجاذبية، كما يقول (ليميلر).

ويُعلّق: ”الجاذبية هي ظاهرة معقدة للغاية، وهناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا فيها. التشابه المبدئي قد يقودك إلى الانجذاب نحو  شخص ما، لكن هذا لا يعني أنكم ستحظون بعلاقة سعيدة. الانجذاب ليس شيئًا يسهل التنبؤ به“.

مقالات إعلانية