in

من سيفوز في اختبار الذاكرة القصيرة؟ الشمبانزي أم الإنسان؟

الشمبانزي

منذ أن بدأ وعينا كبشر بالتشكل والتمايز ساد الاعتقاد بكوننا مختلفين عن الحيوانات الأخرى، فحتى الآن يرفض العديدون نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي لأنها تلغي تميز البشر بكونهم مختلفين عن الحيوانات الأخرى. والنقطة الأساسية التي لطالما اعتمدنا عليها بكوننا متمايزين هي تفوقنا الدماغي على جميع الحيوانات الأخرى.

هذا التفوق الدماغي للبشر لطالما جعلنا نشعر بالسعادة عند مشاهدة دولفين يلعب بكرة في حوض مائي أو عند استجابة الكلاب للكلمات والأوامر، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فتبعاً للأبحاث في الأعوام الأخيرة يبدو أن أقرب أقاربنا وهو الشمبانزي يتفوق علينا في مجال مهم هو الذاكرة قصيرة المدى والتفكير الاستراتيجي.

تبعاً لأبحاث الخريطة الجينية، فالشمبانزي الذي يتشارك معنا في 99% تقريباً من حمضه النووي هو الأقرب إلينا حتى في التصرفات والبنية الاجتماعية، ووفقاً للتجارب الأخيرة فعلى الرغم من كون دماغ الشمبانزي أصغر من نظيره البشري بثلاث مرات فالشمبانزي يستطيع استرجاع ذكريات حية ومصورة ولو كان زمن رؤية المشهد لا يتجاوز 0.2 ثانية فقط (أي أقل من نصف الوقت اللازم للعين لترمش مرة واحدة).

الشمبانزي
الشمبانزي

تفوق الشمبانزي على البشر يأتي نتيجة لدراسة قام بها عالما النفس كولن كاميرير (Colin Camerer) وتتسورو ماتسوزاوا (Tetsuro Matsuzawa) عام 2014، حيث تتضمن الدراسة لعب الشمبانزي والبشر للعبة تتطلب الذاكرة والتخطيط الاستراتيجي بنفس الوقت، فاللعبة تلعب للاعبين أمام كل منهما شاشة حاسوب تعرض صورتين عليهما أن يختارا إحداها حيث يفوز اللاعب الأول إذا كان خيارا اللاعبين متطابقين ويفوز اللاعب الثاني إذا كان الخياران مختلفين، علماً أن خيار الشخص الآخر يعرض على الشاشة بعد كل جولة من اللعبة.

هذه اللعبة كما العديد من الألعاب مثل البوكر أو حتى الشطرنج تتضمن أنماطاً معينة للعب بحيث يطور كل شخص نمطاً معيناً يلعب تبعاً له، وعند اللعب ضده كفاية من الممكن التنبؤ بتصرفاته وطريقة لعبه اللاحقة تبعاً للنمط المعتاد الذي يلعب على أساسه ووفق ما يعرف بـ”نظرية اللعبة“ (Game Theory) حيث أن أي نمط لعب بأي لعبة من الممكن التنبؤ به وتمثيله على شكل مجموعة من المعادلات المعقدة.

بطبيعة الحال فالتنبؤ بأنماط الألعاب يبدو سهلاً على الورق بحضور المعادلات المعبرة عن الأنماط وغيرها، لكنه يتطلب ذاكرة قوية للغاية لتذكر خيارات الخصم الأخيرة والطريقة التي لعب فيها، ومن ثم ربط المعلومات مع بعضها لإنتاج نمط لعب للخصم واللعب على أساسه لتحقيق الحد الأعلى من الربح الممكن.

عند القيام بالتجربة، تمت مقارنة طريقة لعب كل من الشمبانزي والبشر بالمعادلات الخاصة بنظرية اللعبة، حيث تبين أن الشمبانزي كانو أقرب بكثير إلى اللعب على أساس الأنماط التي يظهرها الخصم بشكل مشابه للعب على نتائج معادلات نظرية اللعبة، بينما انحرف البشر أكثر وأكثر عن مسار النظرية حيث ظهر عجز الذاكرة قصيرة المدى لدى البشر مقابل نظيرتها لدى الشمبانزي.

هذه التجربة ليست الوحيدة في هذا المجال، ففي دراسة جرت في اليابان تمكن كل من البشر والشمبانزي الإجابة على أسئلة اختبارات الذاكرة قصيرة الأمد بدقة تتراوح حول 80% من الحالات عندما كانت الصور تظهر لمدة 0.8 ثانية فيما بدأ الموضوع بالتغير مع تقصير وقت عرض الصور، حيث استمر الشمبانزي بتقديم إجابات صحيحة في 80% من الحالات حتى مع وصول مدة عرض الصورة إلى 0.4 ثانية فقط فيما انخفضت نسبة الإجابات الصحيحة للبشر بشكل كبير مع تناقص وقت عرض الصور.

قد يبدو الموضوع غريباً عند معرفة أن الدماغ البشري أكبر من نظيره لدى الشمبانزي بثلاث مرات ويمتلك عدد مشابك عصبية أكبر بثلاث مرات ونصف، فعموماً نحن نتفوق بحجم دماغنا وعدد مشابكه العصبية. إلا أن التفسير الأفضل للحالة هو أن البشر ببساطة تطوروا بشكل مختلف عن الشمبانزي منذ الانفصال عن السلف المشترك، فبينما احتفظ الشمبانزي (والعديد من الرئيسيات الأخرى) بقدرته على التذكر الصوري الحي حتى ولو كانت مدة النظر صغيرة للغاية؛ خسر البشر هذه الميزة مقابل اكتسابهم لقدرات أهم مثل القدرة على التعامل مع اللغة بشكل سلس وأداء المهمات الدماغية المعقدة الخاصة بالتفكير المنطقي والحسابي والنطق.

فيديو التجربة الكامل:

مقالات إعلانية