in

ما الذي يجعل شخصا ما جذابا ومثيرا في نظرك؟

يفكر كل كائن دائما ويسأل نفسه السؤال التالي: ”مع من سأتكاثر يا ترى؟“، فنحن كبشر نمضي الكثير من الوقت نفكر في اختيار شركائنا، ذلك أن تمرير جيناتنا في وقت أبكر وبشكل أكبر هو مقياس نجاحنا الحقيقي في هذه الحياة، ومن وجهة نظر تطورية، يعتبر التكاثر وتمرير الجينات إلى الجيل التالي أكثر أمر مهم يفعله الكائن الحي، إذا تمكن من فعله في المقام الأول.

وبسبب الأهمية الكبيرة التي تحيط بموضوع التكاثر تجده معقدا على قدر أهميته تلك، الأمر الذي قد تكون لاحظته الآن عزيزي القارئ.

يعتبر مصدر فهمنا العام لموضوع التكاثر هذا والانتخاب الطبيعي وتمرير الجينات هو العالم الإنجليزي الشهير (تشارلز داروين)، الذي كان قد اقترح أن بعض الأفراد يحظون بالكثير من ”العلاقات التكاثرية“ أكثر من غيرهم، وذلك كله بفضل الانتخاب الجنسي.

الانتخاب الجنسي: هو أن يفضل أحد جنسَيِّ نوع ما التكاثرَ مع الآخر، الذي يكون حاملا لبعض الخصائص والصفات التي يراها مثيرة ومستقطبة حتى يتمكنا معا من تمرير تلك الخصائص والجينات بشكل أوسع إلى الأجيال التالية بين نوعهما، فقط ألق نظرة على طائر الطاووس هذا:

طائر طاووس

قد يعتبر البعض صفاته هذه التي يتميز بها مبالغا فيها كثيرا، لكن بالنسبة للإناث من نوعه فتعني حزمة كبيرة من الريش الناعم والملون أن هذا الطائر يتمتع بصحة جيدة، كما يتمتع بجينات جيدة كذلك، ومنه تعتبر حظوظ نسلها أفضل في البقاء والاستمرار مع جيناته أكثر من غيره، وكنتيجة للانتخاب الجنسي؛ تطورت ذكور الطاووس لتبدو على هذا المظهر ”المبالغ“ فيه.

أما البشر، فمثل الطاووس، قد تطوروا ليعجبوا ببعض الخصائص والصفات أكثر من غيرها، ويعود تاريخ هذه التفضيلات إلى زمن كانت فيه هذه الخصائص بالذات تمنح أفراد نوعنا مزايا عظيمة ساعدته على الاستمرار والبقاء.

أتعلم ما الذي يثيرنا أكثر في الجنس الآخر؟ إنه التناظر الثنائي Bilateral Symmetry، حيث ينجذب البشر إلى الأشخاص الذين تكون أجسامهم ووجوههم متناظرة في كلا جانبيها تناظرا دقيقا، وعلى قدر دقة التناظر يكون الانجذاب. غير ذلك، نحن نترجم -لا إراديا- عدم التوازن التناظري على أن صاحبه تعرض لنوع من الضغوطات والإجهاد خلال سنوات تطوره المبكرة ولم يكن قويا بما فيه الكفاية ليتغلب عليها.

عرض الخصر بالنسبة للأرداف لدى الرجل والمرأة

وبشكل مشابه، لدى قيمة عرض الخصر بالنسبة للأرداف نفس التأثير لدى كلا الجنسين من نوع البشر فيما يتعلق بالإنجذاب، حيث يتم تحديد مكان تخزين الدهون وتراكمها في الجسم من طرف الهرمونات الجنسية، أي التستوستيرون لدى الذكور، والإستروجين لدى الإناث، فيكون لدى الإناث التي تنتج القدر المثالي من مستويات هرمون الإستروجين خصر يشكل نسبة 70 بالمائة من عرض الأرداف لديها بشكل عام، ونفس الأمر ينطبق على الذكور وهرمون التستوستيرون.

وأثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يتمتعون بهذه المعدلات والنسب المثالية غالبا ما يكونون أقل عرضة للإصابة بالأمراض والإضطرابات القلبية، والسرطان، والسكري، كما أن النساء بشكل خاص اللواتي يتمتعن بهذه النسب المثالية يواجهن صعوبات أقل لدى الحمل والإنجباب.

الآن قد تكون تفكر: ما الذي يشوب شخصا ما يتمتع بتناظر ثنائي ممتاز ونسبة عرض خصر بالنسبة للأرداف مثالية حتى لا تشعر تجاهه بأي انجذاب، بينما نفس الشخص يجعل أحد أصدقائك يجول بسيارته ذهابا وإيابا حول منزله من شدة انجذابه نحوه؟

قد يكمن أحد الأسباب التي تجعل البعض منا ينجذب إلى نوع معين من الأشخاص الذين قد لا نجدهم نحن جذابين في جيناتنا، حيث يطلق الجميع نوعا من الإشارات الكيميائية يطلق عليها اسم ”الفرمونات“، التي تكوّن فكرة لدى الشركاء الجنسيين المحتملين عن هويات وخصائص جيناتنا، على قدر ما قد يبدو هذا جنونيا فهو حقيقي وعلمي إلى أبعد الحدود.

الفرمونات

أظهرت الدراسات أن كلا من الرجال والنساء يكونون منجذبين إلى الفرمونات التي يطلقها الأفراد القريبون جينيا إلى أنفسهم وذواتهم، مع استثناء كبير واحد: ألا وهو أنهم يفضلون الشركاء الذين يتمتعون بنوع مختلف من الجينات الخاصة بالجهاز المناعي يطلق عليها اسم (معقد التوافق النسيجي الكبير) Major Histocompatibility Complex، أو باختصار الـMHC، وتساعد المزاوجة بين نوعين مختلفين من هذه الجينات لدى على إنتاج نسل له قدرة أكبر على حاربة الأمراض بشكل أفضل، ومنه فإن الفرمونات لدينا تخبر شركائنا بشكل أساسي عن أي نسخة من هذا الجين نحتوي.

لكن حتى بعد أن نأخذ بعين الاعتبار التناظر والجينات والنسب المثالية يبقى التزاوج والتكاثر أمرا معقدا للغاية بالنسبة لنا كبشر.

مقالات إعلانية