in

ماذا سيحدث لو دارت الأرض بضعف سرعتها الحالية؟

في نهاية عام 2016 تم إضافة ثانية واحدة إلى الساعة العالمية وذلك بجعل يوم 31 كانون الأول\ديسمبر من ذلك العام يمتد ثانية إضافية، بحيث أن الساعة انتقلت من 23:59:59 إلى 23:59:60 بدلاً من الانتقال إلى 00:00:00.

لم تحدث هذه الثانية تغييراً مهماً على حياة البشر في الواقع لكن إضافتها كانت مهمة جداً من ناحية دقة قياسنا للوقت، كون الأرض منذ تشكلها تقريباً تلاقي تراجعاً مستمراً في سرعة دورانها حول محورها، وبذلك فالأيام تصبح أطول مع الوقت ولو بشكل لا يمكن الإحساس به حقاً بسبب بطأ هذا الأمر الشديد.

لكن ماذا لو أن العكس هو صحيح، وبدلاً من أن تكون الأرض متباطئة في دورانها أن تصبح أسرع من الدوران الحالي، ولنقل أن تكون بضعف سرعة دورانها الحالية؟

الأمر قد يبدو بسيطاً في البداية كوننا كبشر ربما نجد التأقلم مع هكذا شيء سهلاً نسبياً، خصوصاً مع كون عدد كبير من البشر تخلوا عن التقسيم المعتاد لليوم والمرتبط بالليل والنهار، ومع الإنارة التي نستخدمها فمن الممكن تمويه أي فترة من الزمن، لكن على مستوى الكوكب فالأمر مختلف جداً وسينعكس على حياتنا، فالتأثيرات عديدة وأكبر مما يخطر بالبال للوهلة الأولى.

بالمتوسط، تدور الأرض عند خط الاستواء بسرعة 460 متراً في الثانية الواحدة (حوالي 1656 كيلومتراً في الساعة)، أي أنها عند خط الاستواء أسرع من الطائرات التجارية الحالية حتى، لكن هذه السرعة غير متساوية في كل الأماكن على الأرض وكلما ابتعدنا عن خط الاستواء فالسرعة الخطية لدوران الأرض حول نفسها ستكون أصغر فأصغر، لتنعدم تقريباً بالوصول للقطبين الجغرافيين للأرض.

هذا التفاوت في سرعة دوران الأرض هو السبب الأساسي لشكلها المنتفخ قليلاً زيادة عند خط الاستواء، بالإضافة للتأثير على التيارات المائية في البحار والمحيطات وحتى العواصف والأعاصير وشدتها.

مضاعفة سرعة الأرض مرتين ستتسبب بتغييرات في مجالات عديدة بعض منها هي:

خسارة الثقل

قوة الطرد المركزي للأرض
قوة الطرد المركزي للأرض ترتبط بسرعة دورانها بالدرجة الأولى وتزداد بالاقتراب من خط الاستواء، وفي حال تضاعفت سرعة دوران الأرض ففرق الثقل بين خط الاستواء والقطبين سيصبح أكبر ولو أنه صغير ليُلاحظ.

في الفيزياء، هناك مصطلحان مختلفان كثيراً ما يتم الخلط بينهما: الثقل والكتلة، فبينما الكتلة تتبع لكمية المادة في جسم ما ولا تتغير بتغير القوى المؤثرة عليه مثلاً أو موقعه الجغرافي، فالوزن هو القوة التي نتعرض لها نتيجة تجاذب الكتل إلى بعضها البعض.

هذه القوة متغيرة بتغير الجاذبية والقوى المطبقة، لذا فثقل الإنسان على القمر هو جزء من ستة من ثقله على الأرض، وفي محطة الفضاء الدولية مثلاً يعيش الإنسان تجربة انعدام الثقل تقريباً، ما يهم من التوضيح أن تغير السرعة لن يغير كتلتنا لكن سيغير ثقلنا.

بسرعة الأرض الحالية فنحن نعاني من تغير بثقلنا في الواقع، قد يكون غير ملحوظ لكنه موجود تماماً، فأي شيء يزن 100 كغ على القطب الشمالي أو الجنوبي سيكون وزنه (ثقله) 99.65 كيلوغراماً حيث يفقد حوالي 0.35٪ من الثقل عند الانتقال إلى خط الاستواء حيث قوة الطرد المركزي الناتجة عن دوران الأرض حول نفسها تؤثر باتجاه معاكس لقوة الثقالة، وبالتالي تقلل من تأثيرها.

كون قوة الطرد المركزي تتبع لسرعة الدوران فتضاعف سرعة الأرض يعني تضاعف شدتها وتضاعف الفرق في الوزن بين القطبين وخط الاستواء.

التشويش في حياة البشر والتأثير على الكائنات الحية

على الرغم من كوننا كبشر ذوو قدرة كبيرة على التكيف مع معظم الحالات التي نصادفها، فالاعتياد على برنامج يومي أساسه 12 ساعة بدلاً من 24 أو حتى محاولة الاستمرار ببرنامج أساسه 24 ساعة في عالم تدور فيه الأرض حول نفسها كل 12 ساعة سيكون صعباً للغاية، فالإضاءة الصناعية تستطيع تعويض التوزيع الغريب لليل والنهار ربما، لكن الأمر سيكون غريباً وبالأخص في مجال العمل، حيث سيصبح الأمر صعباً من حيث أن يوم العمل المعتاد الممتد لثمانية ساعات هو أطول من النهار في هكذا عالم، ومحاولة تقسيمه تعني تضييع المزيد من الوقت في المواصلات وغيرها وعدم راحة كبير جداً.

على أي حال، فالصعوبات التي يواجهها البشر قابلة للتخطي، لكن الأمر ليس نفسه بالنسبة للكائنات الحية الأخرى وبالأخص الزواحف ذات الدم البارد التي ستعاني من فترات نشاط أقل وبالتالي تغذية أقل كذلك، وحتى الكائنات المفترسة الليلية وغيرها عدا عن النباتات والحشرات وغيرها.

من الصعب تقدير مدى تأثير هكذا أمر على مختلف الكائنات الحية لكن بالتأكيد سيكون هناك بعض الكائنات التي لن تتمكن من التكيف مع توزيع اليوم بهذا الشكل، وسيكون مصيرها بطبيعة الحال هو الانقراض.

أعاصير وعواصف أشد بكثير

إعصار مصور من محطة الفضاء الدولية
تنتج الأعاصير الكبيرة من تأثير كوريولس الذي يتبع لسرعة دوران الأرض حول نفسها، ومع تضاعف هذه السرعة ستزداد شدة تأثير كوريولس وتنتج عواصف أكبر وأشد من الآن.

في حال كان التغيير تدريجياً من سرعة دوران الأرض حالياً إلى سرعة دورانها لو كانت الضعف، فالتغييرات في البداية لن تكون ملحوظة بالنسبة للرياح المحلية التي تكون الحرارة هي المؤثر الأساسي الذي يدفعها بسبب تغير الضغط الجوي بتغير الحرارة، لكن زيادة سرعة الدوران وبالأخص في المناطق الاستوائية ستؤدي لازدياد قوة ما يسمى بـ”تأثير كوريوليس“ الذي يؤثر على حركة تيارات المياه والرياح التي عادة ما تبدأ من القطبين باتجاه الاستواء، حيث دائماً ما تنحتي باتجاه الشرق بدلاً من المسار المستقيم والسبب في ذلك هو هذا التأثير.

في حال زيادة سرعة الأرض للضعف فتأثير كوريوليس سيكون أكبر بكثير ويؤدي لانحناء أكبر في حركة الرياح والتيارات المائية في المحيطات، عدا عن كون هذه التغييرات ستؤدي لأنماط جوية من المستحيل حسابها بدقة في الواقع (بسبب التعقيد الكبير وصعوبة محاكاة كل المتغيرات الخاصة بها)، فالمؤكد هو أنها ستؤدي لازدياد سرعة دوران الأعاصير، وازياد سرعة الدوران هذه يعني أن الأعاصير ستمتلك طاقة أكبر من الحالية تتيح لها الاستمرار على مسافات أكبر على اليابسة مع قوة تدميرية أكبر من الحالية بالطبع.

هزات أرضية وزلازل أكثر

الصفائح التكتونية
الطبقات التكتونية للأرض في حركة مستمرة وبطيئة، وازدياد سرعة الألرض سيؤثر عليها بشكل كبير مع كون الأماكن التي تشهد التقاء هذه الصفائح (تظهر على الخريطة بسبب البراكين والزلازل التي تنتج منها) ستكون الأكثر تأثراً.

في حال ازدادت سرعة الأرض فالقوة الطاردة المركزية عند الاستواء ستزداد بشكل كبير كذلك، ومع الوقت سيؤدي ذلك إلى تغير شكل الأرض بشكل طفيف وتفلطحها أكثر عند خط الاستواء مقابل تسطح أكبر في منطقة القطبين.

عند النظر للأمر بالنسبة للكرة الأرضية ككل فالأمر يبدو ذا تأثير صغير، لكن بالنسبة للصفائح التكتونية التي تشكل القشرة الأرضية فهذا التغيير كبير جداً بحيث سيتسبب بحركة إضافية لها وتصادمات أو تباعدات فيما بينها.

سينتج هذا الأمر جبالاً جديدة وبحاراً وخلجان جديدة ربما، بينما ستختفي بحار وخلجان أخرى وتنهار سلاسل جبال أو تنخفض جزئياً على الأقل، لكن على المدى القصير فالأمر سيكون كابوساً من الزلازل العديدة وانفجارات البراكين المتتالية بشكل يهدد وجود الحياة (بشكلها الحالي) على الأرض.

خريطة العالم ستتغير بشكل كبير

خريطة العالم حسب الارتفاع
ستسبب زيادة سرعة دوران الأرض حول نفسها بانحسار المياه من القطبين وارتفاع منسوبها عند خط الاستواء لتغرق مساحات شاسعة من الأرض هناك، بينما ستظهر الكثير من المساحات الجديدة في الشمال والجنوب.

عدا عن تأثير تحرك الصفائح التكتونية الذي سيكون بطيئاً نسبياً، فالتغيير الجغرافي الأكبر لن يكون بسبب اليابسة في الواقع بل بسبب المياه بالدرجة الأولى، فقوة الطرد المركزي التابعة للسرعة ستكون أكبر بكثير بالنسبة للمناطق الاستوائية جالبة الكثير من المياه من المناطق الشمالية والجنوبية، حيث سترتفع منسوبات المياه في المنطقة الاستوائية بحيث تغطي جزءاً كبيراً من أراضي أمريكا الجنوبية مخفية عن الوجود بلداناُ مثل البرازيل وكولومبيا وفنزويلا مثلاً، وبشكل مشابه فبلدان أفريقيا الوسطى ستتعرض للغرق مع انقسام القارة إلى جزئين يفصل بينهما محيط من المياه الضحلة نسبياً مع بعض الجزر المتناثرة خصوصاً حول الجبال الكبيرة مثل جبل كليمنجارو.

بالنسبة لآسيا فالأمر لن يكون مختلفاً مع تقلص أراضي كل من الصين والهند بشكل كبير جداً واختفاء بلدان مثل ماليزيا وأندونيسيا، بالإضافة لأجزاء كبيرة من شمالي أستراليا، وطبعاً سيكون مصير الجزر الاستوائية؛ في المحيطيات الهادي والأطلسي والهندي، التلاشي التام كذلك.

بالمقابل فالمياه التي ستندفع نحو الوسط ستنحسر من الجنوب والشمال وتنتج بذلك الكثير من الأراضي الجديدة التي كانت مغمورة سابقاً، والعديد من المدن الساحلية حالياً ستكون على بعد كيلومترات من السواحل الجديدة خصوصاً بالنسبة لأوروبا وأمريكا الشمالية.

مع التغيير الجغرافي هذا وتغطي جزء كبير من المناطق الاستوائية بالمياه فهذه المناطق ستكون ماطرة أكثر من أي وقت سابق، فالمساحة الإضافية من المياه ستسمح بالمزيد من التبخر الذي لن يجد يابسة ليهطل عليها مما يعني نشوء ضباب كثيف وعلى الأرجح سحباً دائمة في تلك المنطقة.

هذا الأمر (في حال كان البشر لا يزالون موجودين) سيجعل التنقل بين الشمال والجنوب أصعب بكثير من الآن، فالنقل البحري سيكون أكثر صعوبة مع التيارات المائية الأقوى والظروف الجوية الأشد، وسيتأثر الطيران أيضا بشكل كبير بسبب الغطاء الكثيف للغيوم والعواصف الدائمة.

هل من الممكن أن تتسارع الأرض إلى ضعف سرعتها الحالية؟

الجواب يعتمد على تتمة السؤال، فإن كان السؤال عن إمكان تسارعها على الإطلاق فالأمر ممكن بفرض صدم كويكب أو مذنب كبير كفاية للأرض بحيث يؤثر على دورانها بشكل كبير، لكن بالطبع فصدمة كافية لإحداث هكذا تغيير ستتسبب بانقراض جماعي وعلى الأرجح تقضي على البشر بشكل كامل بحيث لن يشاهدوا أياً من التأثيرات اللاحقة، لكن في حال كان السؤال عن كون الأرض قد تتسارع دون مؤثر جديد فالجواب هو العكس تماماً فالأرض تتباطأ منذ مليارات السنين في الواقع.

وفق تقديرات العلماء فخلال الفترة الأولى من تشكل الأرض قبل 4.5 مليار سنة تقريباً كانت مدة دورة الأرض حول نفسها تبلغ حوالي 4 ساعات فقط، أي أنها كانت تدور أسرع من الآن بست مرات، ومنذ ذلك الوقت والسرعة في تباطؤ مستمر خصوصاً مع تشكل القمر الذي يلعب دوراً كبيراً في إبطاء دوران الأرض التي كان طول يومها 23 ساعة فقط في بداية عصر الديناصورات وهو مستمر بالتباطؤ بمعدل أجزاء من الثانية كل مئة عام تقريباً.

بالمحصلة فالخوف من تسارع الأرض لا مبرر له في الواقع، والخوف من تباطؤها غير مبرر كذلك نظراً لكون تباطؤها صغيراً جداً ليؤثر بشكل حقيقي في ملايين السنين القادمة.

مقالات إعلانية