in

أكبر 10 محتالين في التاريخ، جمعوا أموالاً طائلة عن طريق مخططات ذكية جداً لا تخطر ببال أحد

تشارلز بونزي، والذي اشتق من اسمه (مخطط بونزي) المخادع والشهير.

النصب، الاحتيال، الخداع.. هذه ليست أموراً جديدة على أي من هؤلاء الأشخاص، في عام 193 للميلاد تم بيع الإمبراطورية الرومانية إلى من يدفع أكثر من قبل الحرس الإمبراطوري، وبذلك تمتع الإمبراطور سيء الحظ (ديديوس جوليانوس) Didius Julianus بملكية الإمبراطورية لـ9 أسابيع سعيدة قبل أن يتم كشف عملية الاحتيال ويرحل هذا الإمبراطور بالطريقة التي رحل بها الكثير من سابقيه (القتل).

أما هدف الاحتيال فهو ليس دوماً المكسب المادي، إذ أن كل شيء من الاكتشافات الجغرافية وصولاً إلى المكاسب التعليمية، من المعتقدات الدينية إلى السلطة السياسية، جميعها كانت هدفاً للنصب والاحتيال خلال فترة أو أخرى من التاريخ البشري.

يعتمد الاحتيال بالطبع بشكل كبير على أهبة الضحية أو الضحايا للوقوع في الاحتيال، ولكنه يتطلب أيضاً مستوى عالياً من المهارة والموهبة من طرف المحتال، لذلك نقع دوماً في حب قصص الاحتيال الذكية والمتقنة إذا كان الضحية شخصاً آخر بالطبع، وخصوصاً إذا كان هذا الشخص يستحق الإهانة والإحراج المرافقين للوقوع ضحية النصب.

فيما يلي نعرض لائحة من أكثر مدبري عمليات الاحتيال الأكثر إبداعاً ونجاحاً، وعدد من المجازفات العبقرية التي قاموا بها، هنالك بالتأكيد عدد كبير من الآخرين الذين يستحقون الذكر، لكننا سنكتفي بالحديث عن أهم 10 منهم.

1. وليام تشالونر

السير إسحاق نيوتن.

لعل السبب الأكبر لشهرة (وليام تشالونر) هو هوية الشخص الذي كشفه وليس عمليات الاحتيال التي قام بها بحد ذاتها، لقد كان التزوير لعبته المفضلة، أما عدوه اللدود فكان العالم العظيم إسحق (نيوتن).

بدأت القصة في خمسينات القرن السابع عشر بولادة طفل نشيط وشقي لإحدى العائلات الفقيرة في منطقة (ووريكشر) Warwickshire، كبر هذا الطفل ليصبح شاباً ذكياً وماكراً، مما دفع أباه اليائس لإرساله إلى حداد في برمنغهام للعمل هناك.

في ذلك الوقت، كانت مدينة برمنغهام مركزاً مزدهراً لصناعة منزلية ممنوعة هي تزوير العملات، وخصوصاً عملة الجروت (Groat) الفضية القديمة التي تساوي قيمتها 4 بنسات، أما النسخة المزورة منها فكانت مشوبة بالحديد، وظهرت في السوق دون أن تلفت الأنظار وتثير جدلاً واسعاً.

كان التزوير عملية خطرة على الرغم من ذلك، إذ تراوحت العقوبات المفروضة بحق المزورين من الإعدام شنقاً إلى الحرق وهم على قيد الحياة، كما أن الانتقال من تزوير الجروت الإنكليزي البسيط إلى العملات الفرنسية الأغلى ثمناً والأكثر تعقيداً تطلب الكثير من المهارة وحمل خطورة عالية.

في ذلك الحين كان (تشالونر) موجوداً في لندن ومنخرطاً في عمل التزوير الذي كان صناعة مربحة ونامية بشكل كبير، في سبعينات القرن السابع عشر اشترى منزلاً ريفياً كبيراً ونقل عمله بعيداً عن أعين القانون، لذلك كانت الخطوة الخطرة الوحيدة هي إدخال العملات المزورة ليتم تداولها في السوق، من أجل هذه العملية قام (تشالونر) بتوظيف وسطاء إذ لم يكن من الشائع إمساك هؤلاء وشنقهم، بقيت عملية نفاد (تشالونر) من القانون وحقيقة أنه كان دوماً متقدماً بخطوة على الشرطة دليلاً على ذكاء هذا الشخص وقدرته على الهرب.

ثم في عام 1696 وبعد مسيرة علمية حافلة بالإنجازات، قبل عالم الفيزياء الإنجليزي الكبير السير (إسحق نيوتن) منصب الإشراف على دار الصك الملكية، كان التوجه السائد للنظام المالي الإنجليزي في ذلك الحين هو الانتقال من العملات المعدنية إلى العملات الورقية، ومن الغني عن الذكر أن (تشالونر) لم يوفر أي وقت في تطبيق مهاراته في هذا المجال الجديد، في هذه الفترة نفد (تشالونر) من المحاسبة عدة مرات لسبب بسيط هو إعطاء الدولة أولوية لصناعة النقود الورقية ومنع أي مشاكل أو تعقيدات قانونية من تأخير هذه العملية، لكنه نتيجة ذلك أصبح تحت أعين النظام، وفي قيادة ذلك النظام وقف في وجهه العالم (إسحق نيوتن).

مثلت المرحلة التالية لعبة مطاردة متقنة ومدروسة بين رجلين خارقي الذكاء، لكن (تشالونر) ترك خلفه الكثير من الأدلة وعمليات إلقاء القبض التي لم تصل إلى إدانة واضحة ونفد منها بصعوبة، مما رسم في النهاية بعد جمع المعطيات المتاحة صورة واضحة للحياة التي بناها خارج سلطة القانون، كما أن (تشالونر) كان قد اشترى حريته في العديد من المرات السابقة عن طريق الوشاية بشركائه في التزوير، كان حبل المشنقة مصير الكثير منهم لكن (نيوتن) استطاع جمع الكثير من الأدلة وتوجيه إصبع الاتهام بعد مقابلة الباقين والاستفادة من شهاداتهم.

تم إلقاء القبض على (تشالونر) وإحالته إلى المحكمة في مواجهة شهادة أعدائه القدامى الذين بقوا على قد الحياة، وأرامل من فقد حياته منهم، ترأس (نيوتن) جانب الادعاء في المحكمة، وفي النهاية قام قاضي الإعدام السير (سالاثيل لوفل) بإصدار الحكم النهائي وإقرار كون (تشالونر) مذنباً، حاكماً عليه بالموت عقوبة على جرائمه.

بعد ادعاء الجنون ومحاولة إقناع السجانين بإطلاق سراحه عن طريق الرشوة أو الابتزاز أو حتى التوسل، تم اقتياد (وليام تشالونر) إلى المشنقة في 22 آذار مارس من عام 1699، وبهذا انتهت الحياة الطويلة والناجحة لهذا المزور المحترف.

2. غريغور ماكغريغر

غريغور ماكغريغور. صورة: Getty Images

يعرف هذا المخادع قليل الشهرة باسم ملك المحتالين، أسس هذا المحتال دولة وهمية مما يدفعنا للاعتقاد بأنه يستحق شهرة وسمعة سيئة أكثر مما حصل عليه في الواقع.

تعتمد كل عملية نصب ناجحة في الأساس على جعل الآخرين يصدقون أمراً لا وجود له في الواقع، إذ اعتمدت آلة الإعلام النازية على سبيل المثال إلى اتباع المبدأ القائل بأن قابلية الناس لتصديق كذبة ما تزداد بازدياد حجم الكذبة، لذلك لم يكتف (ماكغريغر) بالتفكير على نطاق ضيق، وأصبحت خدعته واحدة من أكبر عمليات النصب وخداع الثقة في التاريخ.

ولد (ماكغريغر) في ليلة الميلاد عام 1786 في المنزل التاريخي لعائلة (ماكغريغر) على الشاطئ الشمالي لبحيرة كاترين في اسكتلندا، وبعد قضاء مسيرة مهنية في الجيش البريطاني، توجه (ماكغريغر) إلى أميركا الجنوبية للقتال لقاء المال في حرب الاستقلال الفنزويلية، تزوج من قريبة (سيمون بوليفار)، وقاد عدداً من الحملات العسكرية الصغيرة في الكاريبي.

بالرغم من كونه جمع ثروة كبيرة من المغامرات، لكن الثروة المادية كانت تهرب منه دوماً، حتى أتى اليوم الذي أتته فيه فكرة ذكية وغير مألوفة، وفي عام 1820 أقنع أحد الملوك المحليين واسمه (جورج فردريك) أغسطس بمنحه 8 ملايين فدان من منطقة ساحل موسكيتو (The Mosquito Coast) على ساحل البحر الكاريبي في دولتي نيكاراغوا وهندوراس حالياً، استغل (ماكغريغر) هذه المساحة الكبيرة من الأدغال غير المأهولة وابتدع منها دولة خيالية بالكامل.

في أواسط العام 1821 عاد إلى إنجلترا مقدماً نفسه على أنه ”كازيك“ (أي حاكم باللغة المحلية) دولة بوياس (Poyas) التي قدمها على أنها دولة مزدهرة وغنية بالموارد الطبيعية التي تنتظر قدوم المستثمرين للاستفادة منها، كما وصف السكان المحليين لدولته المزعومة بأنهم ودودون ونشيطون، أما العاصمة سانت جوزيف فكانت مستعمرة أوروبية خلابة تتميز ببنائها المنظم ودار الأوبرا المميزة، وفر ميناء الدولة المزعومة وصولاً سهلاً إلى مياه المحيط مما يشجع التجارة، كما أن مناخها المعتدل ساهم في القضاء على الأمراض الاستوائية الشائعة، باختصار كان بوياس جنة على الأرض لا ينقصها سوى الاستثمار والاعتراف بها تحت الإدارة البريطانية.

أدت هذه المواصفات المغرية إلى جذب انتباه الأثرياء من الشعب الإنجليزي من خلال حملة ترويج مدروسة بعناية تضمنت كتباً سياحية، شهادات من أشخاص يفترض أنهم عاشوا هناك، صوراً ورسومات مزيفة، عملات وأعلام للمدينة والدولة، أما الباقي فتكفلت به براعة ”معاليه غريغور“ في المفاوضة والترويج.

قام المستثمرون بشراء صكوك لـ 100 فدان من الأراضي الزراعية بقيمة 11 جنيه إسترليني، بينما قام الضباط والعسكريون بدفع عمولات أعلى بكثير لقاء التطوع في الجيش المحلي، تم بيع تراخيص لافتتاح المصارف وباقي النشاطات التجارية والخدمية، كما تم عرض فرص عمل وعقود مغرية على الموظفين الراغبين بالعمل في بوياس لقاء تعرفة صغيرة.

تم تقدير ما حصده (غريغور) من هذه الخدعة بحوالي 200 ألف جنيه إسترليني، وهو مبلغ هائل بلغة عام 1820، كما أدت بعض عمليات النصب التجارية الأخرى إلى جمع مبلغ 1.3 مليون جنيه إسترليني، مما يعادل 3.6 مليار جنيه إسترليني من نقود اليوم إذا ما أخذنا التضخم الاقتصادي بعين الاعتبار.

من الغني عن الذكر أن المستوطنين الأوائل الذين وصلوا إلى بوياس وجدوا أمامهم أرضاً موحشة مستوطنة بالأمراض المعدية، ومن الواضح أن الكازيك لم يبق هناك، بل هرب واستقر لفترة من الزمن في باريس، مات (ماكغريغر) في فنزويلا عام 1845 رجلاً فاحش الثراء وغير مدان بأي جريمة.

3. جين دو فالوا سان ريمي

جين دو فالوا سان ريمي. صورة: Wikimedia Commons

تعتبر حكاية القلادة الألماسية من عام 1785 واحدة من أكثر عمليات النصب شهرة وجرأة في التاريخ، كما أنها كانت عظيمة النتائج إذ أنها أدت في النهاية إلى تهاوي النظام الملكي البريطاني وسقوط المقصلة على رأس (ماري أنطوانيت).

تبدأ هذه القصة مع الكاردينال (لويس رينيه إدوار دو روهان) Louis René Édouard de Rohan رأس السلطة الكنسية في فرنسا، والذي كان رجلاً وسيماً لكنه غير مسؤول مما أدى إلى تلطيخ سمعته لدى الأسرة الملكية في فرنسا بعد أن كثرت أخطاؤه السياسية والاجتماعية، لقد كان من التقليدي في تلك الفترة من التاريخ الفرنسي أن يحصل رؤساء السلطة الدينية على مناصب سياسية عالية، لكن نظام حياة روهان وعلاقته السيئة مع السلطة الملكية حالا دون تحقيق ذلك.

ثم وفي عام 1785 اتخذ (روهان) لنفسه صاحبة اسمها (جين دو فالوا سان ريمي) والمعروفة أيضاً باسم (جين دو لا موت) (Jeanne de la Motte)، وهي تنتمي بشكل غير شرعي إلى أحد أفرع عائلة (فالوا) Valois الملكية الفرنسية، يبدو أن الأحاديث الخاصة التي تمت بين (روهان) وصاحبته الجديدة تطرقت إلى طموحات (روهان) والإحباط الذي قابلها، مما دفع (جين) الذكية إلى تدبير مخطط: فقد ادعت أنها صديقة مقربة من (ماري أنطوانيت)، ووعدت (روهان) بأنها سوف تتدخل نيابة عنه، تلا ذلك محادثة طويلة من الرسائل بين (روهان) والملكة (أنطوانيت) ظاهرياً إذ كانت (جين) تكتب لـ (روهان) باسم الملكة، في هذه الرسائل عفت الملكة عن (روهان) وغفرت له أخطاءه السابقة، كما وعدت بإعادة تنصيبه في مركز سياسي مرموق حتى أنها لمحت له بالرغبة في علاقة عاطفية.

كانت هذه الرسائل كذبة كبيرة بالطبع، إذ كانت جميعها صنيعة (جين دو لا موت) وزوجها، لكن (روهان) كان منسجماً بالموضوع تماماً، وعندما أصر لاحقاً على مقابلة الملكة قامت جين (بإدخاله) خلسة إلى حديقة قصر فرساي، وجمعته مع بائعة هوى شبيهة إلى حد ما بالملكة (ماري أنطوانيت).

فيما بعد، طلب الملك الفرنسي (لويس الخامس عشر) من كبار صاغة القصر إعداد قلادة باهظة الثمن من الألماس في محاولة منه لإبهار صاحبته، لكنه توفي قبل أن تنتهي عملية إعدادها، وهنا وقع الصاغة في ورطة كبيرة إذ بقيت في أيديهم قطعة باهظة الثمن لا يمكن لأحد من خارج العائلة الملكية أن يدفع ثمنها، لذلك قاموا بعرضها على (ماري أنطوانيت) التي رفضت القلادة، لعلها كانت عالمة بالتوتر الحاصل في الشارع والحقد على العائلة الحاكمة لذلك رأت من الحكمة ألا تقوم بتصرف متهور يزيد من هياج الشعب.

هنا أتى دور (جين دو لا موت)، فإذا كان (روهان) يصدق بأنها صديقة مقربة من الملكة، تمنى الصاغة كون ذلك صحيحاً وكانوا ميالين لتصديق هذه الكذبة، لذلك تواصلوا مع (جين) وطلبوا منها التواسط عند الملكة من أجل إقناعها بشراء القلادة قبل أن يضطروا لإعلان الإفلاس تحت وطأة تكاليف إعداد القلادة، هنا توجهت (جين) إلى (روهان) المتيم بالحب، والذي كان متيقناً من حب الملكة له بعد لقائه ببائعة الهوى التي انتحلت شخصية الملكة في حديقة القصر الملكي، تمكنت (جين) بدهائها الخارق من إقناع (روهان) بشراء القلادة نيابة عن الملكة، ومن ثم تسليمها لـ (جين) من أجل إيصالها إلى الملكة، ومن الغني عن الذكر أن أحداً لم ير تلك القلادة بعد ذلك.

أدت هذه المشكلة إلى إدانة (ماري أنطوانيت) في نظر الشعب بالرغم من كونها بريئة من هذا الموضوع تماماً مما أدى إلى تغذية نار الثورة، بالرغم من ذلك، تم إلقاء القبض على (جين دو لا موت) وإحالتها إلى القضاء. تمكن (روهان) من الهرب بفضل مساعديه، أما (جين) فقد حكم عليها بالسجن مدى الحياة مع الجلد والإهانة على الملأ، لكن مصير القلادة الألماسية الثمينة بقي لغزاً لم يتم حله حتى اليوم.

4. فيكتور لوستيغ

فيكتور لوستيغ.

يعرف هذا الشخص باسم ”الرجل الذي باع برج إيفل مرتين“، كما يلقب أيضاً بأكثر المحتالين حذاقة في التاريخ، كانت المرة الأولى التي باع فيها برج إيفل في عام 1925، لكنها لم تكن أكثر عمليات النصب براعة أو منفعة مادية، لقد كان مجال العمل الأساسي ل(لوستيغ) هو التزوير، وكان التزوير هو ما أودى به في النهاية، لكن قصة برج إيفل هي التي جعلته شخصاً مشهوراً.

بحلول عام 1925، كانت فرنسا قد تعافت من آثار الحرب العالمية الأولى، أما باريس فقد كانت مدينة مزدهرة كغيرها من المدن الكبيرة في العالم الغربي، قرأ (لوستيغ) في صباح أحد الأيام أن سلطات مدينة باريس تشكو من تكاليف صيانة برج إيفل والإشراف عليه مما أعطاه فكرة مبدعة.

متنكراً بزي وزير في الحكومة الفرنسية، تواصل (لوستيغ) مع 6 من تجار المعادن الأغنياء، داعياً إياهم إلى تفكيك برج إيفل وبيعه كخردة بعد شرائه منه، مدعياً بأن هذا البرج القبيح لم يكن مرغوباً به كمعلم أساسي في وسط باريس.

اعتنى (لوستيغ) بالتفاصيل من أجل إقناع ضحيته المحتملة، فقد تم عقد اجتماع واستئجار سيارة ليموزين ثم تدبير جولة في برج إيفل، قام (لوستيغ) بأداء تمثيلي رائع، وبحلول المساء كانت أيادي التجار في جيوبهم وهم يقلبون الموضوع وتفاصيل السعر في رؤوسهم، لكن نجاح الصفقة كان مهدداً بسبب زوجة مشككة لأحد الشارين المحتملين.

سألت هذه الزوجة (لوستيغ): ”لماذا يتم الموضوع بهذه السرية الكبيرة؟“ أخذها (لوستيغ) جانباً وأخبرها بقصة ملفقة، اعترف لها بأنه رجل سياسة فاسد، وبأن الصفقة يجب أن تتم تحت الطاولة لذلك تعتبر السرية شرطاً أساسياً، كانت هذه الكذبة منطقية ومفسرة لتفاصيل الصفقة لذلك صدقتها الزوجة بالإضافة إلى باقي الموجودين.

كان الفساد منتشراً بشكل واسع في فرنسا خلال تلك الفترة لدرجة أن إيجاد موظف فاسد كان أسهل بكثير من إيجاد موظف نزيه، تم إتمام الصفقة بنجاح وخلال فترة قصيرة كان (لوستيغ) في طريقه إلى فيينا حاملاً حقيبته الممتلئة بالنقود.

بعد بضعة أشهر، تسلل (لوستيغ) عائداً إلى باريس مرة أخرى، وتفاجأ بأن ضحيته تاجر الحديد المدعو (أندريه بواسون) شعر بالإهانة من وقوعه في عملية نصب بهذه البساطة لدرجة أنه لم يقم بتقديم شكوى رسمية حول الحادثة حتى، جمع (لوستيغ) مرة أخرى مستنداته المزورة وتوجه إلى دفعة جديدة من تجار المعادن، لكن أخبار عمليته وصلت إلى آذان الشرطة في هذه المرة وتم إحباط محاولته الثانية، لم يتأثر (لوستيغ) بهذا الإخفاق بل هرب من قبضة العدالة وتابع حياته كمحتال محترف.

كان عام 1935 هو العام الذي ألقي فيه القبض على (لوستيغ) أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية، فقد وجد رجال الشرطة بحوزته مفتاحاً تم تعقبه إلى خزينة في محطة المترو في منطقة التايمز سكوير في نيويورك، داخل هذه الخزينة وجدوا 51 ألف دولار من النقود المزيفة بالإضافة إلى القوالب المستخدمة في صنعها، بذلك انتهت لعبة (لوستيغ).

تم إرسال (لوستيغ) إلى السجن، لكنه هرب في اليوم السابق لمحاكمته، لم تكن فترة هروبه طويلة إذ تم إلقاء القبض عليه مرة أخرة وحكم عليه بالسجن لمدة 20 سنة في سجن ألكاتراز حيث بقي لمدة 12 سنة قبل أن يموت بمرض ذات الرئة (Pneumonia) في التاسع من آذار في عام 1947، وبذلك انتهت قصة واحد من أنجح المحتالين في ذلك العصر.

5. جورج سي باركر

جورج سي باركر وجسر بروكلين.

كان بيع برج إيفل عملية نصب ناجحة بالتأكيد، لكن بيع جسر بروكلين مرتين في الأسبوع لمدة 30 سنة يتفوق على ذلك بكل تأكيد.

كانت مدينة نيويورك في ثمانينات القرن التاسع عشر مركز التقاء للمهاجرين القادمين إلى العالم الجديد من شتى أنحاء العالم، كان معظم القادمين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة، لكن بعضهم أتى حاملاً أمواله وخططاً للاستثمار، متشوقاً لتحقيق الحلم الأميركي، يمكن أن يرى الزائر الجديد سيء الحظ لافتة (معروض للبيع) موقعة ومعلقة على إحدى دعامات جسر بروكلين الكبير وحديث الإنشاء.

عند نظر الزائر إلى اللافتة، غالباً ما كان يقابله رجل أنيق المظهر مقدماً نفسه على أنه مالك الجسر، ويذكر في سياق الحديث أنه هو –جورج سي باركر –اقترح جعل الجسر مأجوراً ووضع نقطة تحصيل لأجور العبور عليه مما قد يدر ثروة طائلة، كما يذكر أيضاً أنه يبحث عن شخص موثوق لاستلام نقطة التحصيل، وبما أن الضحية زائر جديد لمدينة نيويورك كان (باركر) سعيداً بإعطائه فرصة العمل لبدء حياته الجديدة.

ثم يذكر (باركر) أن الجسر كان حقاً معروضاً للبيع، لذلك كان لافتة (معروض للبيع) معلقة على أعمدته، لذلك فإن هذا المهاجر البسيط –إن كان يرغب حقاً في تحصيل ثروة –فإنه سيندفع لشراء الجسر بنفسه لقاء سعر مغر جداً ووضع نقطة تحصيل الأجور بنفسه.

لا أحد يعلم العدد الحقيقي من المرات التي نجح فيها (باركر) بهذه العملية، لكن الأسطورة الشعبية تقول إنه باع جسر بروكلين مرتين كل أسبوع لمدة 30 عاماً لقاء أسعار تتراوح من 50 إلى 50 ألف دولار تبعاً لمظهر وميزانية كل ضحية، إذ يتم اصطحاب الضحية بعد الاتفاق على سعر معين إلى مبنى ذي مظهر حكومي للتوقيع على أوراق تبدو رسمية، يتلو ذلك تسليم المبلغ المتفق عليه واختفاء (باركر) عن أعين الضحية إلى الأبد.

في الأيام التي لم يأت فيها شراة جدد لجسر بروكلين، استغل (باركر) وقته في بيع معالم أخرى من مدينة نيويورك، إذ قام في أوقات مختلفة ببيع حديقة ماديسون سكوير غاردن (Madison Square Garden)، ضريح غرانت وحتى تمثال الحرية.

أدى (باركر) عملياته بنجاح لأكثر من 40 سنة، حتى السابع عشر من كانون الأول ديسمبر من عام 1928 حين تم أخيراً إلقاء القبض عليه وإدانته بـ 3 عمليات نصب واحتيال مما أدى إلى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة في سجن سينغ سينغ (Sing Sing) أحد أسوأ سجون نيويورك سمعة، توفي (باركر) خلف القضبان بعد 8 سنوات من حكمه المؤبد في عام 1936 لكن أسطورته ستبقى حية في أذهان سكان المدينة الكبيرة من خلال العبارة الشعبية ”إذا كنت تصدق هذه التفاهات فأنا لدي برج لأبيعك إياه“.

6. تشارلز دوسون

تشارلز دوسون. صورة: Wikimedia Commons

كان (تشارلز دوسون) هاوي علم المستحاثات هو الشخص المسؤول عن اكتشاف ”رجل بيلتداون“ (Piltdown Man) الأسطوري الذي أثبت أن دوافع الاحتيال والتزوير ليست دوماً هي المنفعة المادية، بل قد تمثل الشهرة والنجاح المهني دوافع لا تقل إغراء عن المكسب المادي.

كان (دوسون) محامياً وعضواً نشيطاً في نادي علوم المستحاثات الإنكليزي في بداية القرن العشرين، في الثامن عشر من كانون الأول ديسمبر من عام 1912 قدم قطعة أثرية إلى الجمعية الجيولوجية في لندن مما قلب العالم الأكاديمي رأساً على عقب، إذ عثر في إحدى البرك في جنوب شرق إنكلترا على بقايا جمجمة وعظام فك، وادعى أنها تنتمي إلى أحد الأسلاف الشبيهة بالبشر غير المعروفة من قبل كما أطلق اسمه على هذا الجنس الجديد فأسماه (Eoanthropus dawsoni).

تم عرض هذه المكتشفات في قسم الأحفوريات ضمن المتحف البريطاني، وبعد تجارب وفحص مطولين تم قبول هذا الجنس كجسر يصل الإنسان بباقي الرئيسيات والذي كان يعرف في السابق باسم ”الحلقة المفقودة“ في سلسلة التطور، بدأت المؤسسات العلمية بتقبل هذا الاكتشاف، وتم إدراج رجل بيلتداون في السجلات العلمية كما وصفه (دوسون) تماماً.

خلال العامين التاليين اكتشف (دوسون) عدداً كبيراً من الأدوات والبقايا التي ادعى أنها جزء من المجموعة ذاتها، تم قبولها جميعاً من قبل المجتمع العلمي بما أن أساس الفرضية كان معترفاً به، أما الاكتشافات المزامنة لها في أفريقيا، والمتركزة حول الإنسان المنتصب (Homo Erectus) فهي لم تحظ بالاهتمام الكافي بسبب تركز أنظار الجميع على إنسان بيلتداون المزعوم.

بقيت نظرية (دوسون) محط تقديس ورفض لجميع الشكوك في الوسط العلمي حتى عام 1926 حين كشفت دراسة لمناطق اكتشاف الآثار المتعلقة بإنسان بيلتداون أن جيولوجيا المنطقة أقل قدماً تاريخياً بكثير مما كان معتقداً، ترافق ذلك مع اكتشاف باحثي علوم الأحافير للكثير من أسلاف الإنسان، لذلك تم عزل إنسان بيلتداون وفصله عن الجدول الأحفوري البشري مع إجراء تحقيقات مفصلة لكل اكتشاف جديد.

في النهاية، ثبت أن إنسان بيلتداون كان مكوناً من عظم الفك السفلي والأسنان لقرد الأورانغوتان مع الشمبانزي، جميعها معدلة ومعتقة باستخدام محلول حمضي من سلفات الحديد، حتى أن الأسنان تم تعديلها لتشابه الأسنان المسطحة للإنسان، لحسن حظ تشارلز (دوسون) تم اكتشاف هذه الأمور بعد وفاته بكثير، وبذلك هرب من الإحراج المهني والشخصي المرافق لهذا التزوير، أما السؤال الوحيد الباقي فقد كان عن هوية القائم بتزوير المكتشفات، بقي هذا السؤال بدون إجابة لفترة طويلة من الزمن مع تحديد عدد كبير من المشتبه بهم.

في عام 2009 بدأ علماء من جامعة جون مورز في ليفربول بالتحقيق في هذا الموضوع، وكشفت أدلة الحمض النووي أن الأسنان والفك السفلي ليست فقط لحيوان الأورانغوتان، بل إنها تنتمي إلى الحيوان ذاته، وبينما كان الاعتقاد السائد أن شخصاً آخر قام بتزوير البقايا التي اكتشفها (دوسون)، في النهاية تراكمت الأدلة المشيرة إلى إدانته، لم يجن (دوسون) أي أموال من كذبته لكنه تمتع في بقية حياته بثقة وتقدير أعظم علماء المستحاثات في بريطانيا، هذا كان طموحه الحقيقي الذي سعى إليه.

7. تشارلز بونزي

تشارلز بونزي. صورة: Getty Images

خدعة (بونزي) Ponzi Scheme تبقى واحدة من أكثر تقنيات الخداع شهرة ونجاحاً في الوقت ذاته، دوماً ما يعبر المحققون وعلماء الجريمة عن انذهالهم بقدرة هذه الحيلة البسيطة على حصد كل هذا النجاح، فقد أدت أكبر عمليات النصب في التاريخ المعاصر وهي عملية (بيرني مادوف) The Bernie Madoff Episode إلى حصد 65 مليون دولار، لكن مادوف يدين بنجاحه إلى الرجل الذي منح هذه الخدعة اسمها الأصلي، هذا الرجل هو (تشارلز بونزي).

يعمل مخطط (بونزي) بالاعتماد على صيغة شديدة البساطة والفعالية، الطمع هو الدافع وراء كل عملية خداع للثقة، كما أن قابلية الأشخاص الأذكياء لإيقاف تفكيرهم النقدي والانقياد وراء خدع واضحة تزداد عندما يكون المقابل هو الربح المادي الكبير والسريع.

استخدم (بونزي) طريقة خاصة به لأداء هذه الخدعة، ولد (تشارلز بونزي) في بارما، إيطاليا في عام 1882 ووصل إلى بوسطن عام 1903 خالي الجيوب مثل الغالبية العظمى من المسافرين، بدأ حياته المهنية بعدد من المهن الغريبة مرفقاً ذلك ببيع الشيكات المزورة مما أوصله إلى سجن الكيبيك الذي قضى فيه 3 سنوات، فيما بعد حكم عليه بالسجن لمدة عامين في أحد سجون أتلانتا بتهمة المتاجرة بالبشر، كل ذلك حدث قبل أن تلمع برأسه الفكرة التي ستجلب له ثروة طائلة.

في أحد الأيام، تلقى (بونزي) رسالة من شركة إسبانية تتضمن ما كان يعرف في ذلك الوقت باسم استمارة الرد الدولي (International Reply Coupon)، تعني هذه الاستمارة أن المستلم يستطيع شراء طوابع على حساب المرسل من خلال صرف هذه الاستمارة في مكتب البريد المحلي، أدرك (بونزي) أن السعر المعروض في إسبانيا أو إيطاليا كان أقل بكثير من سعر الطوابع في الولايات المتحدة، لذلك بدأ بتكوين شبكة من المزودين خارج البلاد لإحضار الاستمارات التي استخدمها لشراء الطوابع وبيعها بسعر أعلى من سعر الشراء.

لقد كان نموذج الاستثمار الذي اتبعه (بونزي) بسيطاً وقانونياً إلى حد ما، لكنه اتخذ خطوات إضافية من أجل زيادة الأرباح إذ عرض على الزبائن الدخول في المخطط بشكل استثمار، سرعان ما تحول هذا إلى نموذج هرمي.

وعد (بونزي) المستثمرين بالكثير من الأرباح خلال فترة قصيرة، وانخرط في خطة استثمارية لجذب المستثمرين ودفع مبلغ مالي معين من خلال إيجاد استثمارات جديدة، يعتبر المخطط الهرمي أمراً معروفاً في الوقت الحالي، أما في تلك الفترة المتميزة بتضخم رؤوس الأموال والاستثمارات الكبيرة قبل انهيار سوق الصرافة والأزمة المالية العالمية فقد كانت هذه فكرة جديدة جنى منها (بونزي) ثروة ضخمة.

كما كان متوقعاً، بدأت تفاصيل هذا المخطط بالظهور بعد أن بدأت الصحافة بالتحقيق في هذه العائدات الخيالية، انتهت هذه التحقيقات بحملة على شركة (بونزي) التي أعلنت الإفلاس في النهاية، تم إلقاء القبض على (بونزي) في الثاني عشر من آب أغسطس من عام 1920، وتم توجيه 86 ادعاء نصب واحتيال بريدي إليه، نتيجة ذلك حكم عليه بالسجن لمدة 14 سنة، ومات فقيراً في مدينة ريو دي جانيرو عام 1949.

لعل تشارلز (بونزي) جنى ثروة ضخمة وخسرها، لكن عبقرية مخططه تكمن في بساطته، طالما كان الإنسان محكوماً بالطمع فهو سيقع فريسة سهلة لخفة اليد وطلاقة اللسان التي يمتلكها أشخاص مثل (تشارلز بونزي)، مما يدفع الكثير من الأثرياء لوضع أيديهم في جيوبهم وإخراج مبالغ كبيرة في سبيل تحقيق ربح سهل وكبير، لا يمكن لهذا المخطط أن يستمر إلى الأبد، لكنه يكون مربحاً بشكل خيالي في الفترة التي يجري فيها على ما يرام.

8. أوسكار هارتزل

السير فرانسيس دريك.

الآن سوف نتحدث عن واحدة من أقوى الخدع وأشهرها في التاريخ الحديث، إنها حيلة ثروة دريك (The Drake Fortune Swindle) الحيلة الذكية الناتجة عن عبقرية مخادع شديد الدهاء.

ولد (أوسكار هارتزل) في عام 1876 في مقاطعة ماديسون كاونتي في ولاية آيوا الأميركية لفلاح معتدل الثراء، وفي عام 1915 التقى باثنين من المحتالين الذين طلبا منه مبلغ 6 آلاف دولار واعدين إياه بإعادة 6 ملايين بدلاً عنها، وذلك من خلال إدخاله معهما كشريك في الميراث المفقود للمستكشف الإنكليزي البحري الشهير السير (فرانسيس دريك).

لم يكن (هارتزل) ليقع في هذه الخدعة على الإطلاق، لذلك ذهب المخادعان في طريقهما، لكن الفكرة عششت في رأس (هارتزل) الذي فكر في تطبيقها بنفسه ولكن باستخدام مقاربة أكثر منطقية وإقناعاً، فقد قام بإنشاء وثائق ومستندات مزورة وذهب إلى ولاية آيوا باحثاً عن أي شخص يحمل اسم (دريك) ومتوجهاً إليه حاملاً بعض الجمل الأساسية والمدروسة جيداً.

من المؤكد أن السير (فرانسيس دريك) مات رجلاً فاحش الثراء، لقد عمل خلال حياته كـ ”بحار مستقل“، وهو مصطلح مهذب لعمله الحقيقي وهو القرصنة، خلال فترة حكم الملكة (إليزابيث الأولى)، كان هؤلاء البحارون المستقلون يعملون تحت حماية السلطة وبتصريح كامل لمهاجمة سفن الأسطول الإسباني ونهب المرافئ الإسبانية على البحر الكاريبي، هذا ما قام به (دريك) الذي لاقى نجاحاً باهراً في حياته مرسلاً بعض الغنائم إلى التاج الملكي، ومحتفظاً بالغالبية العظمى منها له.

ادعى (هارتزل) أن ثروات (دريك) وورثته الباهظة لم توزع على ورثته الشرعيين إنما بقيت محفوظة في بنك إنكلترا مع فوائد وأرباح متراكمة يوماً بعد يوم، وقد أصبحت تساوي أكثر من 100 مليار دولار، ادعى أيضاً أن كل من كان يحمل اسم دريك له حق في الثروة في حال نجاح الدعوى القضائية التي نوى رفعها على الحكومة البريطانية، لذلك بدأ بحملة تبرعات لحملته القضائية واعداً المتبرعين بمردود 500 دولار على كل دولار يستثمرونه في الدعوى، حتى أن جرأته وصلت إلى ادعاء أن ورثة (دريك) تشمل مدينة بريطانية كاملة هي بورتسموث.

تدفقت الأموال على (هارتزل)، إذ قام عشرات الآلاف من سكان آيوا بسحب مدخراتهم وتسليمها له بكل طيب خاطر، فيما بعد وسع (هارتزل) مجال عمله للمستثمرين من خارج ولاية آيوا، من ضمنهم العديد من الأشخاص الذين لا يحملون اسم (دريك) حتى، وهكذا استمرت الأموال بالتدفق.

عندما أدرك (هارتزل) أن عملية احتياله قضت مسارها الطبيعي، جمع أمواله واطلق إلى لندن مدعياً أن سبب الزيارة كان متابعة بعض الشؤون القانونية، لكن السبب الحقيقي كان ببساطة هو الرغبة في عيش حياة هادئة ومرفهة متمتعاً بالدخل الباهظ الذي يرده بشكل مستمر، تابع بعد ذلك بمحاولة اجترار أموال إضافية من خلال إرسال طلبات إلى المستثمرين الذين استمروا بتحويل الأموال إليه إلى أن بدأت فترة الكساد الاقتصادي العالمي، حتى في هذه الفترة الصعبة بقي بعض المستثمرين المتحمسين يرسلون بعض الأموال أملاً في اكتساب جزء من الثروة الضخمة.

لم تنتبه السلطات إلى نشاطات (هارتزل) المشبوهة حتى عام 1933 حين تم إلقاء القبض عليه وإرساله إلى الولايات المتحدة حيث مثل أمام المحكمة بتهمة الاحتيال، وتوفي عام 1943 تاركاً حوالي 100 ألف شخص ينتظرون حصتهم من ثروة (دريك)، والغريب في الأمر أن التبرعات استمرت بالوصول إليه حتى عندما كان يقضي فترة محكوميته.

9. فردريك كوك

صورة شخصية لـ فريدريك كوك.

المرتبة الثانية في هذه اللائحة يحتلها رجل قام بالاحتيال دون أي طمع مادي، لكن السؤال المحير هو فيما إذا كان قد قام بالاحتيال أساساً، فالأمر المثير للجدل في قضية كوك–بيري (Cook – Peary) المحيرة حول هوية من وصل أولاً إلى القطب الشمالي هو أن (فردريك كوك) قد يكون المحتال، لكن غريمه (روبرت بيري) قد يكون ببساطة هو المحتال الحقيقي، وهذا ما يجعل هذه المشكلة أمراً مشوقاً ومثيراً للاهتمام.

لقد كان (كوك) ابن مهاجر ألماني شق طريقه بالطريقة الصعبة في أحياء وأزقة مدينة نيويورك، في عام 1890 تخرج من كلية الطب في جامعة نيويورك لكن زوجته خسرت حياتها أثناء ولادة ابنها، ولهذا السبب حاول الترويح عن نفسه بالعمل كطبيب متنقل مما مثل الرحلة الكبيرة الأولى في حياة (روبرت بيري).

أصبح (بيري) فيما بعد ضابطاً في البحرية الأميركية، وكان مولعاً بالشهرة بقدر اهتمامه بالاكتشاف الجغرافي، كما قاده عمله كقائد رحلات بحرية إلى البحث عن أهدافه الشخصية على حساب مصلحة طاقم العمل، لذلك تدهورت علاقته مع (كوك) منذ المغامرة الأولى، والتي كانت بداية السباق بين الرجلين للوصول إلى القطب الشمالي.

انطلق (كوك) من مدينة غلوسيستر في ولاية ماساتشوستس الأميركية في تموز يوليو عام 1907، بينما بدأ (بيري) مشواره في الجليد في الوقت نفسه تقريباً من العام التالي، تحديداً في آب أغسطس عام 1908، كان العائد الأول من الرحلة هو (كوك) بعد حوالي 14 شهراً، وبعد عدة أشهر أعلن للعالم أنه وصل إلى نقطة القطب.

أما نقطة الخلاف الرئيسية فكانت ببساطة أن (كوك) وصل إلى منطقة متحضرة في أنواتوك (Annoatok) على الساحل الشمالي الغربي لغرينلاند، وبعد تدوين مذكراته ومخططاته، تعجل بالسفر جنوباً ليعلن أنه وصل إلى القطب الشمالي.

في البداية قوبل ادعاؤه بالاحترام المتوقع وتم تدوين إنجازه في السجلات العالمية، لكن (بيري) عاد بعد فترة قريبة إلى الحضارة، وادعى أيضاً أنه وصل إلى القطب الشمالي، وهو أيضاً عاد من طريق أنواتوك، لكن الأمر الخلافي هو أن (بيري) لم ير في طريق العودة جنوباً أياً من الملاحظات التي سجلها (كوك) في مذكراته.

قام (بيري) مدعوماً من قبل المؤسسة البحرية بتحدي (كوك) لإثبات اكتشافه المزعوم، وهذا ما لم يستطع (كوك) تقديمه بدون وثائق كافية، بينما قدمت مدونات (بيري) توصيفاً أكثر موثوقية وبالتالي تحول رأي المجتمع العلمي إلى صالحه، انسحب (كوك) بعد ذلك من هذه المعركة ولم يحاول التأكيد على رأيه، لهذا تم اعتباره مدعياً وكاذباً لسنوات، لكن المقارنات الحديثة بين وصف (كوك) والوثائق العائدة للمستكشفين اللاحقين كانت تميل إلى مصلحة (كوك)، بسبب الاختلاف بين توصيف الرجلين للرحلة إلى القطب الشمالي كان من الواضح أن أحدهما يكذب، لكن السؤال بقي هو ذاته: أيٌّ منهما على حق؟

لم يصل أحد إلى جواب مقنع عن هذا السؤال إلى اليوم، على أية حال كان عام 1968 هو العام الذي حدثت فيه أول رحلة برية ناجحة بشكل لا يترك مجالاً للجدل إلى القطب الشمالي، ويعود هذا الإنجاز إلى المستكشف (رالف بليستد).

10. دونالد كروهرست

دونالد كروهرست. صورة: TOPFOTO; ERIC TALL/ KEYSTONE/ GETTY IMAGES. COLOURING BY DAN MURRELL

أخيراً وصلنا إلى المرتبة الأولى في هذه القائمة، وهي تعود إلى الرجل الذي زور الفوز في سباق (غولدن غلوب)  الذي أطلقته صحيفة (سنداي تايمز)، وهو سباق قوارب فردي من دون توقف حول العالم، تشمل قصة (كروهرست) المغامرة والاحتيال والكثير من الحزن.

بدأت القصة في عام 1968 بعد إطلاق المسابقة من قبل سنداي تايمز وكانت الجائزة هي 5 آلاف جنيه استرليني، حازت هذه المسابقة على اهتمام البحارين الفرديين من شتى أنحاء العالم، لكن أحد المنتسبين المتأخرين كان شخصاً بعيداً عن هذا العالم، إنه مهندس الإلكترونيات الإنكليزي (دونالد كروهرست) الذي وضع اسمه في اللحظة الأخيرة.

كان الانطباع العام عن (كروهرست) هو أنه بحار هاو متحمس ممن يمارسون الإبحار في القوارب الصغيرة في عطلة نهاية الأسبوع ليس إلا، فهو اخترع وسجل براءات اختراع للعديد من أجهزة التوجيه البحري وكان ولوعاً بهذا المجال لكنه لم يحمل خبرة عملية حقيقية، قام هذا البحار المتحمس برهن منزله ومكان عمله لبناء قاربه الخاص ذي التصميم المميز الذي كان نموذجاً أولياً لم يؤد أداء جيداً في الاختبارات الأولية، لكن مع اقتراب موعد السباق لم يكن لديه خيار آخر سوى تحضير القارب على عجل واستخدامه في السباق حول العالم.

مساء يوم الحادي والثلاثين من تشرين الأول أكتوبر عام 1968، انطلق (كروهرست) من مدينة تاينموث (Teignmouth) في الريف الغربي لإنكلترا بادئاً رحلته حول العالم، في البداية بدا أن الأمور تسير بشكل جيد إذ تلقى المندوب الإعلامي لـ (كروهرست) في العاشر من كانون الأول ديسمبر –أي بعد حوالي 6 أسابيع من الإبحار –أخباراً تفيد بأن عميله يسافر بسرعة مذهلة تقدر بحوالي 243 ميلاً في اليوم مما يجعله متقدماً بفارق مريح عن باقي المتسابقين.

في ذلك الحين، كان العديد من المشاركين قد تخلى بالفعل عن أمله وانسحب من السباق، وبدأ هذا البحار الهاوي يظهر كمرشح حقيقي لتحقيق المستحيل والفوز بالسباق، أتى عيد الميلاد وسجل (كروهرست) وصوله إلى مدينة كيب تاون (Cape Town) على ساحل جنوب أفريقيا، ثم في نيسان أبريل عام 1969 تم الإعلان عن تجاوز (كروهرست) لرأس كيب هورن (Cape Horn) في تشيلي وانطلاقه شمالاً إلى المحيط الأطلسي في الجزء الأخير من هذه الرحلة الطويلة.

ليس من الصعوبة الآن تخيل ما حدث، إذ سلك (كروهرست) طريقاً مختصراً بالدوران حول المحيط الأطلسي ذهاباً وعودة بدلاً من المخطط المرسوم للسباق حول العالم، لقد كان القارب الذي استخدمه (كروهرست) سيئاً وغير مجهز لرحلة كهذه، فقد كان يسرب الماء بسرعة ولا يستطيع تجاوز سرعة بضع أميال في الساعة حتى عندما تساعده حركة الرياح، لا أحد يعلم التاريخ الدقيق لبدء نشر الأخبار الكاذبة، لكن (كروهرست) بدأ بإرسال مواقع غير حقيقية تظهر تقدماً مبهراً في المحيط الأطلسي، وبينما تحمس الجمهور لإنجازه الرائع في الوطن، كان هو يهيم على غير هدى في جنوب المحيط.

فكر (كروهرست) أن أحداً لن يقوم بالتحقيق في إنجازه إذا لم ينه السباق في المركز الأول، وكانت خطته تسير على ما يرام إذ كان هناك متسابقان يتقدمان عليه، لكن لسوء الحظ انسحب أحدهما من السباق وسجل الآخر سرعة دون التوقعات مما جعله يتأخر في السباق، ولم يجد أي مخرج من الورطة التي أوقع نفسه فيها.

في الأول من تموز يوليو من عام 1969، تم العثور على قارب (كروهرست) منجرفاً على جزر كايمان (Cayman Islands) بدون أي أثر لقبطانه، يبدو أن اليأس والعزلة والقلق فعلوا فعلهم به وأوصلوه إلى الانتحار، لم يتم العثور على جثة البحار المفقود، لكن سجلاته كشفت مصيره المشؤوم، وهكذا كانت نهاية قصة البحار الهاوي ذي الطموح الكبير (دونالد كروهرست).

مقالات إعلانية