in

كيف أخطأ عالم الفلك (بيرسيفال لويل) بين عينه وسطح الزهرة

كان لعالم الفلك الأمريكي (بيرسيفال لويل) -والذي يحمل أحد مراصد أريزونا اسمه- اسهاماتٍ هامةً جدًا في مجال رصد الكواكب. وكانت أعظم مساهماته في علم الفلك هي البحث عن الكوكب المجهول وراء مدار نبتون، وعلى الرغم من فشله في إيجاد ذلك الكوكب، فقد اكتُشف بلوتو في نهاية المطاف باستخدام مرصد (لويل) -الذي تأسس لدراسة كوكب المريخ- بالقرب من الموقع الذي توقع إيجاده فيه.

سحر الكوكب الأحمر (لويل)، وكان يعتقد بوجود كائنات ذكية على سطحه، مستدلًا على كلامه برصده لقنوات تشبه المباني على سطح المريخ. معتقدًا أن هذه القنوات ما هي إلا قنوات مياه أنشأتها حضارات من شعوب المريخ لجلب المياه من القمم القطبية إلى المناطق الاستوائية في محاولة أخيرة للنجاة على هذا الكوكب.

خريطة للممرات المائية على سطح المريخ رسمها عالم الفلك الإيطالي (جيوفاني شياباريلي) عام 1880، والذي كان أول من اقترح نظرية القنوات.

أثارت رؤى (لويل) مجموعة من الأشخاص مثل الكاتب (هربرت جورج ويلز) الذي تكهن بوجود حياة على المريخ مختلفة عن حياتنا على كوكب الأرض. وقد رأى (ويلز) أنه في كوكب مثل المريخ لن يكون للكائنات جهاز هضمي ولا أيدي، بل اعتقد بوجود مخالب تستخدمها لحقن دماء الكائنات الأخرى في عروقها للبقاء على قيد الحياة. وقد استفاض (ويلز) في طرح فكرته هذه أيضًا في كتابه «حرب العوالم».

استمرت كتابات (ويلز) في التأثير على كتّاب الخيال العلمي حتى منتصف القرن العشرين. فذكر (روبرت أنسون هيينلين) قنوات المريخ في كتابه «الكوكب الأحمر» الذي أطلق في العام 1949، وكذا الأمر في كتاب «سجلات المريخ» لـ (راي برادبري) عام 1950. ولا تزال بعض التكهنات المستمدة من نظريات (لويل) تنبثق في أعمال العديد من المؤلفين، ولا زالت تقرأ على نطاق واسع على أنها كلاسيكيات في الخيال العلمي.

بقيت فكرة القنوات المائية المريخية راسخة حتى عام 1972، عندما أرسلت المركبة الفضائية (مارينر 9) التابعة لوكالة ناسا صورًا قريبة لسطح المريخ تؤكد عدم وجود مثل هذه القنوات على الكوكب الأحمر.

ما كانت تلك الانابيب على كوكب الزهرة؟

تفسير لويل لقنوات المريخ

في عام 1896، بدأ (لويل) دراسة كوكب الزهرة بعد وقت قصير من حصوله على تلسكوب جديد مقاس 24 بوصة وتثبيته في مرصده. لاحظ (لويل) وجود بقعة مظلمة على سطح الكوكب، مع مجموعة من الهياكل المشابهة للأسلاك منبثقة منه. عرف (لويل) أن لكوكب الزهرة غلافًا سميكًا لا يمكن اختراقه بصريًا، ومع ذلك استطاع رؤية هذه العلامات على سطح الكوكب. إلا أن الغريب في الأمر، أن هذه الهياكل دائمًا ما تبقى مواجهة لسطح الأرض، مما يشير إلى أن كوكب الزهرة في دوران متزامن مع الشمس؛ وأكثر ما يثير الحيرة هو عدم قدرة أي كان على رؤية هذه العلامات باستثناء (لويل).

سخرت الجمعية العلمية من نتائج أبحاث العالِم، إلا أنها لم تستطع أن تقدم تفسيرًا حول ما رآه، ولمَ هو الوحيد الذي يمكنه رؤية ذلك. وقد تركت هذه القضية حيرة كبرى حتى اقترح عالما فلك نظرية تنص على أن “(لويل) كان يحدق في عينه!”.

فكثيرًا ما شاهد (لويل) الزهرة في ضوء النهار، مما اضطره إلى تضييق عدسة التلسكوب إلى أقل من 3 بوصات للحد من تأثير الغلاف الجوي النهاري. وهذا ما جعل قرنية عينه تتقلص وتقترب من عدسة التلسكوب إلى ثقبٍ قطرهُ أقل من 0.5 ملم، مما حول التلسكوب إلى منظار عملاق شبيه بالذي يستخدمه أطباء العيون لفحص أعين المرضى.

الأسلاك في الزهرة

رسم (لويل) رسمًا توضيحيًا للزهرة كما يراها والأسلاك تحيط بها (الصورة في اليسار) فتشبه إلى حد ما الجزء الخلفي للعين البشرية (الصورة في اليمين).

وأوضح (أندرو يونغ) من جامعة سان دييغو أن قطر قرنية العين غالبًا ما يلقي ظلال الأوعية الدموية على شبكية العين مما يجعلها مرئية؛ وعندما تتحرك القرنية في ثقب المنظار الصغير، فإن الزاوية التي تصل إليها الأشعة تسبب تغيرات في الشبكية، فتلقي بعض أجزاء العين بظلالها المتغيرة على ثقب المنظار مما يمكّن من رؤيتها.

ولتوضيح ذلك يمكن القول أنّ ما رآه (لويل) من أسلاك كان في الواقع ظلال الأوعية الدموية وغيرها من أجزاء شبكية العين، لذا بدلًا من رسم خريطة سطح الزهرة، فقد رسم (لويل) عينه. في حين أن هذا قد يبدو غريبًا، ولكن هذه الظاهرة كثيرًا ما تصادف علماء الفلك عند مراقبة الكواكب بالاعتماد على نسبة تكبير عالية.

وعندما تحدث الراحل (كارل ساغان) في جامعة غلاسكو عام 1985 خلال محاضرات جيفورد، استخدم قصة (لويل) كمثال على إفراط العقل في العمل والبحث عن التفوق والنجاح. ومن المفارقات أن (لويل) قورن بـ (ساغان) نفسه في ورقة نشرت في مجلة علوم الفضاء عام 2007، إذ وصف المؤلفون (لويل) بأنه كان “الأكثر شهرة في علوم الكواكب في أمريكا قبل (ساغان)”.

مقالات إعلانية