in

ديانة بني إسرائيل ومملكة يهوذا القديمة

بدأت ديانة بني إسرائيل ومملكة يهوذا في أوائل القرن العاشر قبل الميلاد، ضمن حدود المجتمع السامي الغربي، أو ما يعرف بالمجتمع الكنعاني. في بداياتها، بين القرنين العاشر والسابع قبل الميلاد، كانت ديانة بني إسرائيل تعتقد بتعدد الآلهة، بيد أن ذلك تغير مع الوقت من خلال الاحتفاء بإله واحد أو إلهين رئيسيين، عبر ممارسة دينية سميت بالوحدانية المشوبة.

اعترفت هذه الممارسة بوجود عدة آلهة، لكنها تحتفي بتقديس وعبادة إله واحد رئيسي، وضمن مجتمعات بني إسرائيل ومملكة يهوذا كان هذا الإله في أغلب الأحيان هو (يهوه). خلال نشأة مملكتي إسرائيل ويهوذا، كان (يهوه) هو الإله الرئيسي في تلك المنطقة، وقد تبعت هذه الفكرة ممارسات دينية معينة في العصر البرونزي.

تجسدت تلك الممارسات بإنشاء مراكز العبادة والطقوس الشعائرية مثل يوم الغفران، احتفالات القمر الجديد، وعيد الفصح اليهودي، وهو ما شكّل محوراً رئيسياً ومركزياً في تلك الديانات. كما نجد شكلاً آخر للتقوى الدينية يتمثل بمفهومي النبوءة والتكهن بالمستقبل، ومن ناحية أخرى نجد أن اتباع التصرفات الأخلاقية قد لعب دوراً مهماً في طريقة تعبير متبعي هذه الديانات عن تقواهم.

فيما يلي سنكتشف بمزيد من التفصيل ديانتي مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا

الحال في منطقة الغرب السامي

خريطة منطقة الغرب السامي 830 قبل الميلاد.

برزت ديانة الإسرائيليين القدامى ومملكة يهوذا ما بين القرن العاشر والسابع قبل الميلاد، ضمن المعابد وفي شكل الطقوس الدينية. وعلى الرغم من ظهور (يهوه)، ضمن العديد من التقاليد المسيحية واليهودية، باعتباره الإله الرئيسي والوحيد طوال التاريخ الديني لبني إسرائيل ومملكة يهوذا، غير أن علم الآثار والكتابات المنقوشة بالإضافة إلى الإنجيل اليهودي بحد ذاته، قد أشاروا إلى غير ذلك تماماً. وفي كلتا الحالتين فإن الإله الذي عُبد، غالباً (يهوه)، كان إله بكينونة فيزيائية جسدية، يتواجد في المعبد، لديه أحاسيس ويمتلك حرية الإرادة.

كما تشاركت الديانتان، الإسرائيلية وديانة مملكة يهوذا، بفكرة أن الإله هو روح سماوية عليا. تمثلت هذه الروح السماوية بفكرة القداسة، ما تطلب من متعبدي هذه الروح أن يعتنوا بقداسة المعبد ليتسنى للإله أن يعيش فيه، فكان بمثابة منزلٍ له. جُسّد مفهوم القداسة عبر عدة أشكال منها الأضاحي، الهدايا، والشعائر التي كانت تقدم للإله. وبشكل عام، شكلت هذه الممارسات الإطار العام لكيفية تعبير بني إسرائيل والعبرانيين عن تقواهم تجاه آلهتهم.

ما قبل شاؤول الملك وداود

داوود يعزف القيثارة للملك شاؤول، رامبرانت 1650

قبل أن تبدأ مفاهيم الدولة والسلطات المركزية بالظهور حوالي القرن العاشر قبل الميلاد، قام الناس في منطقة سوريا-فلسطين بممارسة عدة طقوس أدت لنشأة “ديانة العائلة”. أشارت العديد من الأدبيات في رسائل «تل العمارنة» في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، بالإضافة إلى العديد من النقوش عبر منطقة سوريا-فلسطين إلى هذا المفهوم. غير أن هذه البيانات متفرقة، أي أن هناك ما بين 400 إلى 2000 جزء تشكل هذا اللغز.

رغم ذلك، وعندما نقوم بربط هذه الشذرات مع المصادر التاريخية عبر الزمن، يتضح أن مفهوم “ديانة العائلة” كان الشكل الشائع في إسرائيل ومملكة يهوذا، وقد شكّل هذا المفهوم هوية وطنية لهذين الكيانين. وهكذا، فمن المرجح أن العائلات كرمت أسلافها عبر الطقوس الكلامية وتقديم الهدايا، فيما ركزوا تقواهم الدينية على “إله الأب” أو “إله البيت”. وعبر ممارستهم هذه كانوا قد رسخوا هويتهم الجمعية مع أنسابهم في مسقط رأسهم.

هذا كان السياق الذي بدأت فيه ديانة بني إسرائيل والعبرانيين بالظهور. غير أن الصراع ما يزال محتدماً حول موضوع تسمية هذه الشعوب قبل تشكل الهوية الوطنية للإسرائيليين والعبرانيين، لذلك ولإبقاء الأمور بسيطة سنطلق عليهم اسم “الإسرائيليون القدامى”. بافتراض أن التوراة يمثل ديانة الإسرائيليين القدام، فقد ورد فيه أدلة على أ ممارسة الطقوس كانت بهدف تكريم الأسلاف، حيث يشرح الباحث (فان دير توورن) ذلك، بمثال من سفر صموئيل الأول، ويقول:

”ما نستنتجه من هذا المقطع وجود وجبة جماعية يستهلك فيها اللحم، حيث يجب على كل القبيلة التواجد، وقد تم هذا الاحتفال في بيت لحم، وهي مسقط رأس داوود افتراضاً، باعتبار أنه المكان الذي دفن فيه أسلافهم. بناءً على هذه المعطيات، تم اقتراح أن التضحية التي قامت بها القبيلة كانت في الواقع الحدث الذي يتم فيه استدعاء أرواح الأسلاف.“

بعبارات أخرى، من المرجح أن الإسرائليين الأوائل قاموا بشكل من أشكال الطقوس العائلية أو القبلية. ومع اتجاه ديانة العبرانيين والإسرائيليين القدامى نحو الوحدانية المطلقة في الفترة بين القرنين العاشر والسادس قبل الميلاد، نجد أن مفهوم ديانة العائلة يصبح متجسداً أكثر لدى العبرانيين الأقدم. حيث أن مفهوم بيت إسرائيل أو بيت يهوذا متجذر في فكرة ديانة العائلة. ومع توسع شبكة التحالفات السياسية المنضوية تحت لواء إسرائيل ويهوذا، فإن إله العائلة تحول ليصبح إله الدولة.

الوحدانية المشوبة

تماثيل لمعبودات غير يهوه. صورة: Gil Cohen Magen

أحد أفضل الأمثلة عن الديانة العبرانية والإسرائيلية، خارج سياق التوراة، يأتي من الموقع الأثري في «كونتيلة عجرود»، التي يعود تاريخها غالباً إلى القرن العاشر قبل الميلاد. احتوت إحدى النقوش في هذا الموقع على النص التالي: “إلى يهوه في السامرة وإلى أشيراتا”، كما يتواجد نص آخر يقول: “إلى يهوه في إيدوم وإلى أشيراتا”. كلا النصين يظهران أن بعض من الإسرائيليين القدامى والعبرانيين لم يكونوا يؤمنون بالوحدانية المطلقة، بل كانوا يفضلون إله واحداً ويؤمنون بالعديد منها، أو ما يدعى بالوحدانية المشوبة.

ويعد (يهوه) المذكور في النقوش السابقة الإله الرئيسي للقبيلة، وهو مذكور بشكل واضح في التوراة. أما بالنسبة إلى (أشيراتا)، تعرف أيضاً باسم (أشيرا)، فكانت إلهة مقدسة ضمن البانثيون الأوغاريتي. كما تعد هي الأخرى رمزاً من الرموز في التوراة. وهكذا يمكننا القول، بكل ثقة، أنه من بين كل أشكال العبادات الدينية التي مُرست في إسرائيل القديمة ومملكة يهوذا، فإن (أشيرا) و(يهوه) لقيا التكريم والتقديس عند العديد من الطوائف، غير أن الأولوية كانت دائما إلى (يهوه).

وفي نقش آخر من موقع أثري ثانٍ، في خربة الكوم ويعود للقرن الثامن قبل الميلاد، مكتوب فيه: “بارك يهوه (أورياو) إذ أنقذه من أعدائه بهيئة أشيراتا”. هنا دليل قوي آخر على أن (أشرياتا)، الإله، تجسدت بهيئة شخص يدعى قبل (أورياو).

في الأدب الأوغاريتي، نستنبط فهماً مماثلاً للآلهة. فنجد أن الإلهة الأوغاريتية (أثيرات)، كانت تمثل شفيعاً لدى (إيل)، الإله الرئيسي في البانيثون الأوغاريتي. التشابه في كيفية فهم الناس للآلهة (يهوه بالنسبة إلى أشيراتا، مثل إيل بالنسبة إلى أثيرات) يوضح أن الإسرائيليين القدماء والعبرانيين تشاركوا ثقافة واحدة وإطاراً دينياً واحداً مع المجتمع الغرب السامي الأوسع، لكنهم كانوا مختلفين عنهم في طريقة عبادتهم لإله واحد مخصص، مثّل نظامهم القبلي بشكل فريد. لكن يجدر الملاحظة أن هذا التفسير مازال محط جدل واسع في النقاشات البحثية.

يمكن إيجاد أمثلة أخرى في التوراة ذاته. فعلى سبيل المثال نجد في «سفر المزامير 82»، أن (يهوه) قد وقف في مجلس الإله (إيل)، الإله الأعلى في ميثولوجيا منطقة الغرب السامي، متهماً الآلهة الأخرى في المجلس بعدم مساعدة الفقراء والمحتاجين. بمعنى آخر، أن بقية الآلهة فشلوا في القيام بواجباتهم الربانية. ونتيجة لذلك قام (إيل) بإنهاء القدرات الإلهية لهم وجعل (يهوه) هو الحاكم لكل الشعوب. في هذا النص الشعري من مملكة يهوذا وإسرائيل، نجد مثالاً عن محورية دور (يهوه) في مجمع الآلهة المتعددين.

مدخل مدينة خربة قيافة، هي موقع أثري يعود إلى العصر الحديدي. صورة: Ricardo Tulio Gandelman

كما روى التوراة قصة مشابهة، فيذكر في «سفر الملوك الأول 16:33»، أن الملك (آخاب) قد صنع مقاماً للإله (أشيرا). كما أشار «سفر المماليك الثاني 17:16» إلى أناس يعبدون (أشيرا) و (بعل). وبشكل مشابه، كانت عبادة الإله (بعل) تذكر بشكل مستمر خلال التناخ اليهودي، مما يشير إلى أن الإله (بعل)، قد احتل مكانة كبيرة في معتقدات الشعب الإسرائيلي خلال العصر الحديدي.

إضافة إلى ذلك وثقت واحدة من أبكر ترجمات التناخ اليهودي إلى لغة أخرى، في القرن الثالث قبل الميلاد، الوحدانية المشوبة لدى الإسرائيليين القدامى. وفي الترجمة الإغريقية للعهد القديم، يذكر في «سفر التثنية 32:8»: “حينما كان الإله الأسمى يقوم بتجزيء الأمم، موزعاً أبناء أدم، فقد أقام حدود الأمم تبعاً لعدد أبنائه المقدسين”. وهنا ذكر “الإله الأسمى” يشير إلى (إيل). في هذا النص، قام (إيل) بتوزيع الأمم والشعوب وفقًا لأبنائه المقدسين، أو الآلهة، حيث أعطى إسرائيل إلى (يهوه). وهكذا نجد أن العهد القديم يُمثل الوحدانية المشوبة لدى سكان إسرائيل القدامى وشعوب المنطقة المحيطة بشكل أعم.

وكما تشير النقوش السابقة إلى أن عبادة آلهة عدة غير (يهوه) كان الحالة الشائعة في حياة الناس، لكن نجد في التوراة أن (يهوه) هو الإله الوحيد الذي يجب على الناس أن يعبدوه دائماً. غير أنه على النقيض مما يقوله التوراة، فالدلائل في النقوش السابقة مثل سفر المزامير، سفر الملوك، وسفر التثنية بالإضافة إلى العديد من الدلائل غير المذكورة، تشير أن الوحدانية المشوبة كانت هي الحالة الحقيقية والأصلية لدى الإسرائيليين القدامى والعبرانيين.

العادات والطقوس

منزل اسرائيلي قديم. صورة: Talmoryair

بعد اطلاعنا على بعض أفكار الإسرائيليين القدامى والعبرانيين عن آلهتهم، يمكننا الآن أن نناقش كيف مارسوا ديانتهم في بيئتهم المادية، بمعنى آخر، ما هي الأفعال التي قاموا بها جسدياً لعبادة إلههم الرئيسي، “يهوه”؟

ورد في سفر اللاويين حول التقاليد المتبعة آنذاك أنه يوجد خمسة أنواع رئيسية للتضحية: هدايا الحرق، هدايا الزرع، هدايا الصحة الجيدة، هدايا الخطيئة، هدايا الندم. وضمن كل نوع من هذه الأضاحي، كان هناك ثلاث درجات لنوعية المواد المقدمة. والسبب وراء هذه التنوع هو لضمان تمكن الفقراء في المجتمع من تقديم الأضاحي إلى الإله.

على سبيل المثال، يمكن لشخص يحضر أضحية الحرق أن يقدم ثوراً أو خروفاً، أو ماعز، كما يمكنه أن يقدم حمامة. بمعنى آخر يمكن لهم أن يقدموا عطايا ثمينة، أو عطايا متوسطة القيمة، أو عطايا رخيصة. وهكذا لباقي أنواع الأضاحي، مما يمنح الفقراء فرصة ليقوموا بتضحياتهم مهما كانت أمكانياتهم. في بعض النصوص الدينية الواردة من مدينة سورية تدعى “إيمار”، ذكرت كذلك نفس الأنواع الثلاث من الأضاحي، التي ضمنت للفقراء تقديم العطايا.

يوم الغفران

معبد سليمان، القدس.

يأتي يوم الغفران كواحد من أكثر الأيام أهمية في الطقوس الشعائرية السنوية، حيث أن الهدف من هذا اليوم هو تنقية المعبد، حيث يقيم يهوه، فقد اعتقدوا أن الخطايا تؤدي إلى تلويث المعبد، ومن دون هذه الطقوس سيقوم يهوه بمغادرته، ومن دون “يهوه” في المعبد فلن يتواجد أي إله ليدافع عن شعب يهوذا. وكنتيجة لاجتماع “يهوه” مع “إيل”، فقد أوكل “إيل” إلى “يهوه” منطقة إسرائيل تبعاً لبعض التقاليد الإنجيلية، كما ذكرنا.

ولتجنب قيام يهوه بمغادرة المعبد، فقد قام كاهن بممارسة طقوس التضحية، وذلك ليضحي عن خطايا الناس بسكب الدم فوق المذبح. وبعد ذلك يضع يده على رأس ماعز، لينقل بذلك الآثام إلى تلك الماعز، ويقدم في النهاية أضحية الحرق تكفيراً وغفراناً للناس عن خطاياهم (سفر اللاويين 16). عزز هذا الغفران الجماعي قوة الرابطة السياسية للناس ووحدهم.

يتشابه يوم الغفران مع شعائر وجدت في النصوص الأوغاريتية، والتي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. غير أن هذه الطقوس تختلف عن يوم الغفران بشيء أساسي، حيث أن الطقوس الأوغاريتية مورست في عدة معابد، في حين أن يوم الغفران، تبعا لسفر اللاويين، كان يجري في معبد واحد، مقدس واحد. وهكذا نجد أن الإسرائليين القدامى والعبرانيين قد تشاركوا نفس الإطار العام لشعائرهم الدينية، لكنهم اختلفوا مع مناطق الغرب السامي في فكرة مركزية المعبد الواحد.

الساباث (السبت اليهودي)

«السبت اليهودي» هو يوم الراحة في نهاية الأسبوع، أي اليوم السابع، يمتد من غروب شمس يوم الجمعة إلى ليل يوم السبت. المصادر التاريخية ﻷصل يوم «الساباث» غير واضحة، لكن وفقاً للمصادر الإنجيلية، تعود أهمية يوم السبت إلى ارتباطه ارتباطاً وثيقا بقصة الخلق، كما ذُكر في «سفر التكوين 1:1-2:3». وفقاً للقصة، فقد توقف (يهوه) عن الخلق في اليوم السابع.

تميل بعض النصوص، كما ورد في «سفر الخروج 31:12-18»، إلى تفسير «يوم الراحة» باعتباره دليلاً مبكراً للعلاقة بين «الإسرائيليين القدامى» و(يهوه). وفقاً لـ «سفر الخروج 1:1-2:3»، الذي يعود تاريخه إلى الفترة الفارسية، يرجح أن «السبت اليهودي» أصبح يوماً مقدساً ومركزياً في الديانة اليهودية في الفترة بين القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، غير أنّ الحال لم يكن كذلك على الدوام، فرغم ذكر «الساباث» في الكتابات الأولى في العديد من الأسفار قبل هذا التاريخ كسفر «الملوك الثاني 4:23، 11:4-12، 16:17-18»، غير أنه لم يصبح طقساً مقدسًا إلّا في فترة الحكم الفارسي.

تتفق نصوص سفر «أخبار الأيام الأول» وسفر «أخبار الأيام الثاني» في الإشارة إلى طقوس «السبت اليهودي»، هذه النصوص هي تحديث لسفر «الملوك الأول» وسفر «الملوك الثاني» خلال العهد الفارسي، حيث تذكر ممارسة النذور يوم السبت في المعبد كما في سفر «أخبار الأيام الثاني 2:4»، الذي يشير إلى تحضير الخبز خصيصاً ليوم السبت.

بدأت طقوس يوم «السبت اليهودي»، بالاتضاح أكثر، كما ذكر في كتاب «نحيما» الذي يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد. هذه الطقوس شملت: التوقف عن شراء وبيع الطعام، والتوقف عن نقل البضاعة والتجارة خلال يوم السبت. جدير بالذكر أن الكتابات المكتشفة في جزيرة «إليفانتين» المصرية، لم تشر أبداً إلى يوم السبت، وهذا يزيد من احتمالية أن الإسرائيليين لم يمارسوا طقوسه إلا في فترة متأخرة من الديانة الإسرائيلية القديمة، تحديداً خلال العصر الهلنستي.

في القرن الثاني قبل الميلاد، قرر الحاكم السلوقي (أنطيوخوس الرابع) إخضاع العبرانيين لسيطرته، عبر دمج العبرانيين بالثقافة الهيلنستية. لذلك هاجم (أنطيوخوس) مدينة القدس في يوم السبت، وقام بتحويل معبدٍ لـ(يهوه) إلى معبدٍ للإله (زيوس)، من خلال إحراق خنزير على مذبح المعبد، كما منع التوراة والختان. ونتيجة لهذا الفعل المنافي لأفكار العبرانيين، فقد نشأ شرخ كبير بين الهيلنستيين والعبرانيين. هذا الشرخ دفع العبرانيين إلى التمسك أكثر بهذه المفاهيم: الساباث، معبد (يهوه) في القدس، نجاسة لحم الخنزير، التوراة، والختان.

عيد الفصح اليهودي

احتفال عائلة يهودية بعيد الفصح

عيد الفصح اليهودي أو كما يعرف بالعبرية “بيسح” أي العبور، يتم الاحتفال فيه بخروج الإسرائيليين من مصر بقيادة موسى. تبدأ قصة يوم الفصح اليهودي عندما عاد موسى إلى مصر لإخراج أتباعه منها، وطلب من الفرعون الحاكم آنذاك إعطائه مهلة ثلاثة أيام لكن الفرعون رفض، وعندها أرسل الإله عشرة أوبئة إلى مصر، منها تحويل نهر النيل إلى اللون الأحمر لكثرة الدماء، إمراض الماشية، إرسال العواصف، إرساء الظلام لثلاثة أيام، وأنهاها بقتل كل طفل مولود حديثاً بواسطة ملاك منتقم. لكن الإسرائيليين تجنبوا ذلك بوضع علامة، هي دم الخروف على أبواب منازلهم وذلك كي يعرفهم ملاك الموت و”يعبر” من جوارهم فلا يقتل أحد من أبنائهم.

وخوفاً من العقاب، أقنع المصريون حاكمهم بإطلاق سراح الإسرائيليين، فقادهم “موسى” بسرعة إلى خارج مصر، غير أن الفرعون غير رأيه وأرسل جنوده لإلقاء القبض عليهم، وفي حين كان الجيش المصري يقترب من قافلة اليهود عند حدود البحر الأحمر حصلت معجزة، فقد شق الإله البحر إلى نصفين وسمح لموسى وأتباعه بالعبور ثم أغلق الممر وأغرق المصريين.

على الرغم من أن الاحتمالية التاريخية لحدوث الأوبئة العشرة، المذكورة في سفر الخروج، لا يمكن تأكيدها وبالتالي لا يمكن تأكيد أصل عيد الفصح اليهودي، غير أن هذا الاحتفال يتشابه إلى حد كبير مع احتفال آخر اكتشف في موقع أثري في سوريا (في القرن الثاني عشر قبل الميلاد). حيث أشارت السجلات الأدبية في هذا الموقع إلى إحتفال “zukru” والذي يحمل الكثير من الميزات الشبيهة بعيد الفصح اليهودي، فهو يقام في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول للسنة، يستمر لسبعة أيام، يوضع الدم على الأبواب، ويتم التضحية بالمولود الأول للحيوانات. تبعاً للتشابه بين هذين الاحتفالين، فمن المرجح أن الفكرة القائمة وراء عيد العبور تعود لما قبل القرن السابع قبل الميلاد.

طقوس يهودية أخرى

عرس يهودي
عرس يهودي

كما تم ذكر شعائر أخرى في التوراة منها احتفال القمر الجديد وأعياد أخرى للاحتفال بالتغيرات الموسمية، وقد تضمنت هذه الشعائر تقديم أضحيات إلى يهوه، كما هو الحال في يوم الغفران.

لم تكن الشعائر الدينية هي الشكل الوحيد للتعبير عن التقوى الدينية. فقد كان التنجيم، والذي اعتبر في وقت ما بمثابة شيء محرم، جزءاً مهما من ديانة العبرانيين والإسرائيليين القدامى. وقد روى سفر صموئيل الأول 28 زيارة الملك شاؤول ﻷحد مستحضري الأرواح في منطقة إندور. كان غرض هذه الزيارة هي حاجة الملك شاؤول للتحدث إلى روح النبي صموئيل. في هذا المقطع نجد أن قيام الساحر باستحضار الأرواح لم يكن مستهجناً. يوضح هذا النص أن التنجيم قد حصل فعلاً في إسرائيل القديمة، ولم يكن بالضرورة شيئاً غير مقبول.

في ذات الوقت احتوت بعض الأعراف تحريماً صريحاً للتنجيم. ففي كتاب التثنية 18:10، نجد منعاً واضحاً للتنجيم: “لا تتركوا أحداً منكم أن يذهب بابنه أو ابنته إلى النار، أو أن يكون منكم متبصّرٌ أو منجّمٌ أو عرّاف أو ساحر، ولا تجعلوا بينكم من يلقي التعاويذ، أو يستدعي الأشباح أو الأرواح المعروفة، أو أولئك الذين يستحضرون الموتى.” ولن يكن هناك حاجة لقانون كهذا لو لم يمارس التنجيم فعلاً. هذا يقتضي أن التنجيم كان موجوداً فعلاً في ديانات الإسرائيليين القدامى والعبرانيين وفي بعض تقاليدهم، لكن بعض النصوص، كما في كتاب التثنية 18:10-11، وقفت ضد هذه الممارسة.

الأخلاق عند اليهود

يهود يصلون في الكنيست بمناسبة يوم الغفران، لوحة ماوريسيو غوتيب

في العالم القديم لعبت التصرفات الأخلاقية دوراً مهماً في الدين. فعلى سبيل الذكر، شددت الكتب الخمس الأولى من التوراة على أهمية التصرف الأخلاقي. لكن موضوع الفعل الأخلاقي ليس موضوعاً منفصلاً بحد ذاته في ديانة العالم القديم، بل كان مرتبطًا أكثر فيما إذا كان هذا التصرف سيجعل الإله، هنا هو يهوه، يغادر منزله أو لا. وبالنتيجة، فقد فهم التصرف الأخلاقي على أن أنه متعلق باستمرار يهوه بحماية الإسرائيليين القدامى والعبرانيين دونًا عن باقي الشعوب.

هذا النوع من الترابط واضح ضمن نصوص التوراة. مثلاً، نجد ذكر لمجموعة من الناس عاشت على جبل السامرة، يشار إليهم على أنهم “أناس اضطهدوا الفقير وسحقوا المحتاج” (سفر عاموس 4:1). وردّاً على أفعال هؤلاء الناس، قام يهوه بحرمانهم من الطعام والمطر مما سبب لهم القحط والجوع. يشير هذا أن الأخلاق قد أثرت فعلاً على قرارات يهوه بإرسال الأرزاق إلى الناس. نجد في كتاب صموئيل الأول 4 مثالاً آخر يشير إلى قيام صورة يهوه، أي الحضور الجسدي له، بمغادرة المعبد كنتيجة للفساد الأخلاقي عند أبناء “إيلاي”.

كما يشير سفر اللاويين 18-22 إلى سلسلة من الفضائل والمعايير الأخلاقية، وقد كان استبعاد الأفراد من الجماعة هو ضرورة بعد الحياد عن هذه المعايير. لكن الشيء المهم أن هذه النتيجة لم تكن عقاباً عن التصرفات السيئة، لكنها فعلٌ ملزم للحفاظ على الطهارة والقدسية في المجتمع وضمن المعبد، فحين يصبح منزل يهوه ملوثاً، يقتضي بالضرورة أن يغادره يهوه. نستنتج من هذا أن الأخلاق عند شعوب العبرانيين كانت جانباً دينياً هاماً فهي تضمن بقاء الإله في معبده، مما يوفر لهم الحماية وحياةً مباركة ووفيرة.

مقالات إعلانية