in

باحث يتمكن أخيراً من حل اللغز الذي خيّم على واحدة من أكثر اللوحات الفنية الفاضحة إثارةً

هذا اللغز الذي ظل يحير الباحثين ومؤرخي الفنّ على مدى عقود قد وصل إلى نهايته أخيراً.

لوحة فنية على جدار
صورة: Francois Mori/AP

وصل هذا الجدل الذي استمر على مدى عقود حول هوية المرأة التي رسمها (غوستاف كوربي) في لوحته سنة 1866 بعنوان: «أصل العالم» إلى نهايته أخيراً. فقد قال أحد المؤرخين الفرنسيين أنه قام أخيرا بفك لغز واحدة من أكثر القضايا الغامضة لأكثر اللوحات الفنية فضحاً في تاريخ الفن، ويتعلق الأمر هنا بهوية العارضة العارية التي تموضعت حتى يقوم الرسام (غوستاف كوربي) برسم لوحته المعنونة «أصل العالم» مستلهماً بجسدها في سنة 1866.

عُرفت هذه اللوحة التي تبرز الأعضاء الحميمية لامرأة عن كثب باسم «أكثر مهبل فاضح في تاريخ الفن»، حيث لا تبرز اللوحة للناظر من العارضة سوى صدرها نزولا إلى أعضائها التناسلية لأن الفنان تجنب إبراز وجهها، وقد كانت لوحة حميمية بهذه الصورة صادمة وفاضحة كثيرا بالنسبة للناس في القرن التاسع عشر، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لدرجة جعلت موقع الفيسبوك يحظرها ويغلق كل الحسابات التي تنشرها، كما وصلت حتى إلى أروقة المحاكم في قضية تناولتها إحدى المحاكم الفرنسية في سنة 2011 تتعلق بها.

غير أن هوية العارضة خلف هذه اللوحة بقيت غامضة ومجهولة منذ رسمها وعرضها لأول مرة، الأمر الذي ترك مؤرخي الفنون في حيرة من أمرهم يتجادلون حول الموضوع منذ ذلك الحين.

كان يُعتقد إلى حد كبير أن هوية المرأة خلف اللوحة هي عشيقة (كوربي)، العارضة الإيرلندية (جوانا هيفرنان)، لكن الأمر حامت حوله بعض الشكوك، ذلك أن (هيفرنان) كانت مشهورة بشعرها الأحمر المجعّد، وشعر العانة المحيط بالأعضاء الحميمية التي تبرزها اللوحة هو أسود داكن.

واستمر الغموض قائماً على هذه الحال إلى أن جاء المؤرخ الفرنسي (كلود شوب) واكتشف دلائل جديدة تشير في الواقع إلى امرأة أخرى تماما، وهي راقصة الباليه الباريسية (كونستانس كينيو).

الآنسة كونستانس كينيو
يقول الباحثون أنهم متأكدون بنسبة 99 بالمئة من أن هوية العارضة صاحبة «المهبل الغامض» هي راقصة الباليه الباريسية (كونستانس كينيو).

اكتشف المؤرخ (شوب) علاقة بين هوية عارضة (كوربي) واتصالات جمعت بين (ألكزاندر دوماس) وصديقه (جورج ساند) عندما كان يقرأ نسخاً عن رسائل (دوماس) حول كتاب معين، وقد انتابه نوع من الفضول حيال سطر معين كان قد ترجمه مسبقاً بـ:”إن المرء لا يقوم برسم أكثر ’حوار‘ رنّان وجميل الذي يعود للآنسة (كينيو) من دار الأوبيرا“، وأدرك (شوب) أنه قد أساء قراءة كلمة ’حوار‘ Interview ومنه أساء ترجمتها كذلك، وهي التي كانت لتعني Interior التي تترجم لـ’باطن‘ بدل ذلك، أي أن العبارة يجب أن تقرأ ”إن المرء لا يقوم برسم أكثر ’باطن‘ رنّان وجميل الذي يعود للآنسة (كينيو) في دار الأوبيرا“، ومنه اعتبر (شوب) أن العارضة التي تموضعت عارية أمام (كوربي) ليرسم أعضاءها الحميمية هي الآنسة (كينيو) وليست عشيقته ذات الشعر الأحمر.

كانت (كينيو) عشيقة الدبلوماسي العثماني آنذاك خليل شريف باشا عندما رسمت اللوحة سنة 1866، ويُعتقد الآن أن خليل نفسه هو من طلب من (كوربي) رسمها ليضعها ضمن مجموعة لوحاته الخاصة، وقد لمّحت هذه الوقائع للمؤرخ (شوب) بأن (كينيو) كانت ذلك الوجه المخفي خلف تلك اللوحة الإباحية المثيرة والفاضحة، ولم تكن حبيبته (جوانا)، وهو الاكتشاف الذي حققه من باب الصدفة.

لوحة «أصل العالم» للفنان (غوستاف كوربي) - صورة: Francois Mori/AP
لوحة «أصل العالم» للفنان (غوستاف كوربي) – صورة: Francois Mori/AP

وقد قال (شوب) في هذا الصدد: ”عادة أحقق الاكتشافات بعد أن أكون قد عملت باجتهاد وبشكل مضني ولسنوات طويلة“، وأضاف قائلا: ”وهنا حققته دون كلل، يجعلني هذا تقريبا أشعر بعدم الإنصاف“.

شارك (شوب) اكتشافه هذا الذي حققه مع رئيسة قسم مطبوعات المكتبة الفرنسية الوطنية (سيلفي أوبيناس)، التي اتفقت معه في طرحه واستنتجت أن نظريته في خصوص هوية العارضة خلف لوحة «أصل العالم» من إبداع (كوربي) دقيقة جدا، فتقول: ”إن هذه الشهادة من ذلك الزمن تقودني إلى الاعتقاد بنسبة 99 بالمائة أن عارضة (كوربي) كانت (كونستانس كينيو)“.

وقد قالت (أوبيناس) كذلك أن الأوصاف التي وُصفت بها الآنسة (كينيو) على أنها تلك الشابة ذات ”أهداب العين السوداء الجميلة“ تطابقت مع شعر العانة المحيط بالأعضاء التناسلية للعارضة في اللوحة، كما تعتقد كذلك أنه شاع آنذاك بين الجميع لوقت من الزمن بأن (كينيو) كانت العارضة وراء اللوحة العارية، لكن بارتقائها في سلم الطبقات الاجتماعية عملت على دحض تلك الأقاويل، التي زالت مع مرور الوقت، خاصة أنها اشتهرت لاحقا بأعمالها الإنسانية الكبيرة.

لكن، وتماما مثلما تظهره اكتشافات (شوب) الحديثة، لم يتم مسح جميع الأدلة التي ربطت الآنسة (كينيو) بتلك العارضة العارية في لوحة (كوربي) الشهيرة. علاوة على ذلك، وعند وفاتها في سنة 1908، تركت (كينيو) لوحة زهرية من إبداع (كوربي) التي تضمنت زهرة (كاميليا) في المنتصف، وقد ارتبط هذا الأسلوب وهذه الزهرة بالذات ببائعات الهوى في ذلك الزمن، ويعود بعض الفضل في ذلك إلى (دوماس) وعمله بعنوان «سيدة الكاميليا».

تقول (أوبيناس): ”ما هو أفضل جزاء قد يقدمه الفنان لـ(كونستانس) كشكر وتقدير؟“، بالطبع كانت أفضل طريقة يشكر بها (كوربي) عارضته التي أعارت أعضاءها التناسلية لتاريخ الفن هي من خلال إهدائها لوحة فنية ذات تعابير إيحائية عميقة.

مقالات إعلانية