على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن؛ بقي هيكل خشبي ذو خمسة طوابق من الخشب المهترئ مع سلالم أدراج طويلة ومتموجة وشرفات بارزة بشكل عشوائي؛ منتصباً على قمة هضبة في وسط وادي (وابيتي) بالقرب من بلدة (كودي) في ولاية (وايومينغ) في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ليس ببعيد جدا عن منتزه (يلوستون) الوطني الأمريكي.
والجدير أن هذا المنزل كان ثمرة حب وهوس من نوع خاص، فقد تم تشييده على يدي رجل واحد، كان مهندسا غريب الأطوار عرف باسم (فرانسيس لي سميث).
قضى (سميث) إثني عشر سنة يحاول بناء هذا المنزل الكبير باستعمال خشب البناء، الذي استرجعه من حريق طبيعي مهول أتى على جبل قريب يدعى بجبل (راتلسنانيك) أو «جبل أفعى الجلجلة». بعد أن تسببت الحرائق في إتلاف الأشجار على منحدرات الجبل؛ أصبحت أخشابها الصالحة للبناء نصف المحروقة قابعة هناك ليأخذها كل من يرغب فيها، في مسعى من طرف السلطات في تنظيف الجبل منها. وبالاستعانة ببعض المساعدة؛ قام (سميث) بسحب ونقل تلك الأخشاب التي يحتاجها أسفل الوادي، وبدأ عملية بناء كوخ أحلامه.
(سميث) الذي ينحدر من بلدة (كودي)، استقر للسكن في هذا المنزل بمعية زوجته وابنه وابنته بمجرد انتهائه من بناء الطابق الأرضي، لكنه لم يتوقف يوماً عن عمليات البناء، فليلة بعد أخرى؛ ظل (سميث) يعمل على منزله باستعمال ضوء مصباح وحيد، حتى تسبب هوسه وجنونه بهذا المنزل في تقطيع أواصل زواجه وعائلته، وفي نهاية المطاف تسبب له في هلاكه.
لم يكن هذا المنزل قريبا حتى من أدنى أشكال الرفاهية، حيث لم يكن موصولا بشبكة مياه ولا بقنوات الترصيص والصرف الصحي ولا بالكهرباء، عدا عن تلك التي ينتجها مولد صغير موجود فيه. كان مصدر الحرارة الوحيد في المنزل فرن صغير يعمل على احتراق الحطب موجود في الطابق السفلي، كما كان يستعمل في نفس الوقت في طهو الطعام.
كانت طاولة طعام العائلة عبارة عن جذل شجرة عريض وضخم، وكانت بدل الكراسي تحيط بها مجموعة من أجذع الأشجار الصغيرة، وخلال فصل الشتاء كانت العائلة كلها تنام داخل أكياس النوم المفروشة على الأرضية محيطين بالفرن، ذلك المصدر الوحيد للحرارة في المنزل. وخلال الصيف، كان السيد (سميث) ينام على أرجوحة شبكية، وأحيانا كان أبناؤه ينامون داخل أكواخ صغيرة تشبه بيوت الكلاب لكنها واسعة نوعا ما موزعة على الشرفة الخارجية الأمامية.
اتخذت العديد من الحيوانات البرية من المنزل مأوى لها كذلك إلى جانب هذه العائلة، من حيوانات الراكون إلى القطط البرية إلى طيور البوم وغيرها من الحيوانات الأخرى التي تعج بها المنطقة، التي أخذت تأوي داخل هذا الهيكل الخشبي تباعاً على الرغم من كون العائلة تعيش هناك.
بعد بضعة سنوات، سئمت زوجة (سميث) من نمط المعيشة المتشرد الذي فرضه عليها وعلى أبنائهما وقامت بتطليقه، فرحلت عنه واصطحبت معها الأبناء إلى بلدة أخرى. بقي الأطفال يزورون والدهم وكانوا أحيانا يقضون بعض الليالي معه في المنزل.
مع رحيل عائلته، تفرغ (سميث) بشكل كامل لبناء منزل أحلامه، فكان يبني إضافة تلو الأخرى دون أية تصاميم أو مخططات، يشبه البناء الفوضوي لهذا المنزل كثيراً منزل (سارا وينشستر) الشهير في (سان خوزي) في كاليفورنيا، الذي ظلت «أرملة قطب البندقية» تبنيه لمدة 38 سنة.
في سنة 1992، لقي (سميث) حتفه بسبب هوسه هذا بمنزله عندما سقط من إحدى شرفاته بينما كان يعمل على بنائه وتوفي متأثرا بجروحه وإصاباته البليغة، ولم يتم اكتشاف جثته إلا بعد يومين من حادثة سقوطه.
منذ وفاته، قبع ذلك ”القصر“ فارغاً ومهجوراً، حيث كان معرضا للعوامل الطبيعية، فبدأت هياكله الخشبية تتهاوى وتهترئ شيئا فشيئا، كما كان للمخربين نصيبهم منه في إحلال بعض التلف والضرر به، ومنذ عدة سنوات الآن، وابنة (سميث)، وهي (ساني لارسن)، تحاول جمع المال من أجل إعادة تهيئته، غير أنه في وقت سابق من هذا الشهر، ملّت هي الأخرى وعرضت المنزل للبيع بسعر 750 ألف دولار.