in

دخلك بتعرف جيش الأشباح الذي خدع النازيين الألمان

جيش الأشباح

يعتبر المكر والخداع جزءاً لا يتجزأ من الإستراتيجيات الحربية، فخلال الحرب العالمية الثانية قامت القوات المتحالفة بتنفيذ الكثير من الخدع التي أربكت وشتتت وأرعبت الجيش الألماني، من القيام بإسقاطات مظلية لدمى مزيفة عوضاً عن مظليين حقيقيين، إلى إسقاط ورق القصدير، إلى تزوير موت الرائد الوهمي (ويليام مارتن)، إلى تغطية مصنع للطائرات الحربية، ولكن هناك خدعة عرفنا عنها منذ بضعة سنين فقط وكانت تُدعى بخدعة ”جيش الأشباح“.

كان جيش الأشباح عبارة عن 1100 رجل، وكان يعرف رسمياً باسم (قيادة القوات الخاصة الـ23)، وكان هدف هذا الجيش خداع العدو وإيهامه بجبروت هذه الوحدة العسكرية، فجنودها لم يكونوا جنوداً عاديين بل كانوا فنانين ورسامين ومهندسي صوت وخبراء تخفّي، تم انتقائهم من مدارس الفن في نيويورك وفيلاديلفيا.

لم تكن بحوزة هذه الوحدة لا صواريخ (M1) ولا (طومسون)، ولكنهم كانوا يحملون دبابات ضخمة منفوخة بالهواء، وطائرات مطاطية، ومضخمات صوتية لمحاكاة الأصوات العالية التي تصدر من القوات العسكرية كالطائرات مثلاً، أو صوت سير الدبابات، أو حتى الجنود كنوع من الخداع والإيهام وذلك لإيصال رسالة مفاداها أنهم جيش كبير ومصيركم أيها الأعداء الموت أمامه.

جيش الأشباح

خلال فترة الحرب، سافر جنود جيش الأشباح عابرين كل أوروبا منظمين لعروض عسكرية وهمية، وخادعين جحافل جيش هتلر بإيهامهم بقدومهم نحوهم، حيث قاموا بأكثر من 20 عملية مختلفة، كعمليات طلب تعزيزات مزيفة أو القيام بانقسامات وهمية -مثلاً سرية من هنا وسرية من هنا- وعمدوا إلى عقد مؤتمرات وإنشاء مقرات وهمية أيضاً لإيهام العدو بقرب هذه القوة العسكرية الضخمة، ولكي يعلم العدو موقعهم بالضبط فينشغل بهم بدلاً من القوة العسكرية الحقيقة التي تهاجم مكاناً آخراً وهكذا، تم التكتم على أمر هذا الجيش تماما، حيث أن العالم لم يعرف بوجوده إلا بعد مرور 40 سنة على انتهاء الحرب.

قامت الوحدات الموجودة في هذا الجيش بوضع دبابات مطاطية مزيفة ومدافع وطائرات منفوخة بالهواء، كما قامت بتشغيل صوت مسجّل لوحدات مدرعة ووحدات مشاة وهي تسير وإذاعته عبر مكبرات الصوت الضخمة، التي يمكن أن يصل صوتها لمسافة تُقدر بنحو 24 كم.

جيش الأشباح
هذه واحدة من الشاحنات التي كانت تحمل معدات خداع صوتية، كانت تحمل كل شاحنة من هذه الشاحنات 400 كيلوغراما من التجهيزات الصوتية القادرة على إذاعة الصوت لمدة نصف ساعة ونشره لمسافة 24 كيلومتر

بثت الإذاعات أخباراً مزيفة تعبر عن ضخامة وجبروت هذا الجيش، كما قام بعض الممثلين بارتداء ملابس عسكرية والتجوّل بين المقاهي ناشرين الأخبار التي تتكلم عن قوة هذا الجيش لكي يسمعها الجواسيس وينقلونها إلى مقرات العدو لدب الرعب في نفوسهم، كما كان بعض الممثلين الآخرين يلعبون دور جنرالات هامة في الجيش والتجول من مدينة لمدينة بقافلة من سيارات الجيب.

في بعض الأحيان، كانت الوحدة مكونة من عدة شاحنات عسكرية، ولكن الصوت الصادر يوهم بمرور فيلق كامل مجهز بالعتاد، حتى أنهم كانوا يوهمون العدو بقدوم وحدة مشاة مكونة من 20-40 ألف جندي، بينما في الحقيقة عدد الجنود كان لا يتعدى الألف.

جيش الأشباح
كانت الدبابة الوهمية M-4 التي تظهر في الصورة الدعامة الأساسية في تشكيلة جيش الأشباح المزيف هذا، والذي كان يملك المئات منها

كان أحد أكبر العروض التي قام بها هذا الجيش في آخر فترة الحرب، ففي شهر آذار من عام 1945 كان الجيش التاسع يستعد لقطع نهر (الرين) للدخول إلى ألمانيا، تم استدعاء جيش الأشباح وقتها للقيام بعملية عبور وهمية لنهر الرين من جهة مختلفة عن جهة وجود الجيش التاسع وذلك لسحب القوات الألمانية وإشغالها لكي ينجح الجيش التاسع في العبور بأقل الخسائر، وفعلاً نجحوا في هذا الأمر، حيث تم نصب أكثر من 600 مدفع ودبابة مطاطية مزيفة، وفي الليل تم تشغيل التسجيلات التي تُظهر تقدم الشاحنات، وفي الصباح تم تشغيل التسجيلات التي تدل على وصول المعدات الثقيلة، وكأن عملية نقل العتاد والقوات العسكرية قد انتهت، حيث تم جلب الجنود والآلات الثقيلة.

رجال يقومون بتجميع الدبابة المزيفة
رجال يقومون بتجميع الدبابة المزيفة

تم أيضا محاكاة الضوء الذي يظهر عند القصف المدفعي بواسطة قنابل ضوئية لإيهام العدو بأن هذه المدافع المطاطية هي مدافع حقيقية وقادرة على قصفهم، والجميل في الأمر هو نجاح هذه الفكرة حيث تمكن جيش الأشباح من إلهاء الألمان وتشتيت جهدهم الذي ضاع سدى في محاربة جيش مطاطي، بينما تمكن الجيش الحقيقي الآخر من عبور النهر والتقدم نحو ألمانيا دون مقاومة تُذكر.

أكمل الجنود الذين بقوا على قيد الحياة مسيرتهم الفنية -يُقدر عددهم بنحو 50 شخصاً أو أقل- بعد انتهاء الحرب، وأصبح بعضهم مشهوراً كمصمم الأزياء الشهير (بيل بلاس) والرسام (ألسويرث كيلي) والمصور (آرثر كانوفسكي)، يعود فضل الكشف عن وجود هذا الجيش بعد مرور أكثر من 70 سنة على تشكيله إلى وثائقي لقناة (PBS) بُثّ عام 2013 بعنوان (جيش الأشباح)، حيث تم إجراء مقابلات مع العديد من الأعضاء.

مصمم الأزياء Bill Blass والرسام Ellsworth Kelly والمصور الفوتوغرافي Arthur Kanofsky
من اليمين إلى اليسار: مصمم الأزياء Bill Blass والرسام Ellsworth Kelly والمصور الفوتوغرافي Arthur Kanofsky
جيش الأشباح
صورة من وثائقي PBS حول جيش الأشباح
جيش الأشباح
طائرة مزيفة
جيش الأشباح
نعم، وصل بهم الأمر إلى تصميم عوامات مزيفة أيضا
جيش الأشباح
مدفع مزيف أيضا
جيش الأشباح
القوة العسكرية الضخمة والوهمية

مقالات إعلانية