in

التاريخ المروّع لابتسامة غلاسكو: طريقة التعذيب الشنيعة التي ابتدعتها عصابات اسكتلندا الأولى

يبدو أن البشر يمتازون بالإبداع في ابتكار طرق جديدة لإنزال الألم بالبشر الأضعف منهم، وتاريخنا البشري، من مختلف الحضارات والثقافات، يشهد على ذلك من خلال عدة طرق مروعة استخدمها الناس لتعذيب أبناء جنسهم. واليوم، سنتحدث عن إحدى هذه الطرق التي نالت حظاً من الشهرة، وهي ابتسامة غلاسكو.

ابتسامة غلاسكو هي شقّ يبدأ من أحد جانبي فم الضحية، أو كليهما، ليمتد وصولًا إلى الأذنين. نشأت طريقة التعذيب هذه خلال فترة مظلمة من تاريخ مدينة غلاسكو الاسكتلندية، وهكذا اكتسبت اسمها. فوق ذلك، يتسبب صراخ الضحية بتمزيق تلك الشقوق أكثر، ما يؤدي إلى ندبٍ مرعبٍ يبقى على وجه الضحية إلى الأبد.

في عالمنا اليوم، رُبطت هذه الابتسامة –والتي تُعرف أيضًا بابتسامة تشيلسي أو تكشيرة تشيلسي– بشخصية «جوكر» الشريرة ضمن قصص البطل الخارق «باتمان». لكن في الحقيقة، يحمل تاريخ هذه الابتسامة مزيداً من الشر والرعب.

الولادة من الأحياء الاسكتلندية الفقيرة

صورة لمدينة غلاسكو من عام 1864. صورة: Wikipedia

في الحقيقة، إن أصول ابتسامة غلاسكو تلك تكمن في أعماق الأحياء الفقيرة من اسكتلندا إبان الثورة الصناعية. بين عامي 1830 و1880، تضاعف تعداد سكان مدينة غلاسكو الاسكتلندية جراء هجرة الفلاحين من مزارعهم الصغيرة في الأرياف.

أدى تأسيس عدة مصانع وورش بحرية إلى جعل غلاسكو إحدى أكثر الوجهات شعبية بنظر أولئك العمال الجدد القادمين من الأرياف، فتحولت غلاسكو من مدينة تاريخية صغيرة إلى أكبر مدن اسكتلندا.

لسوء الحظ، أدى هذا السعي وراء العمل في الصناعة إلى غياب الكثير من معايير الحياة الكريمة لسكان غلاسكو الجدد، تحديداً الأمان والصحة، فكانت الطبقة العاملة الجديدة تعيش باكتظاظ في المباني التي ضربها المرض وسوء التغذية والفقر، وتلك الأمور وصفة كلاسيكية لانتشار العنف والجرائم واليأس.

زادت نهاية الحرب العالمية الأولى من حدة تلك المشاكل، فظهرت في غلاسكو مجموعة من المنظمات الإجرامية، وكانت عبارة عن عصابات متسلحة بالشفرات الحادة، وتسيطر على إمبراطورية إجرامية صغيرة في القسمين الشرقي والجنوبي من المدينة، تحديداً في الحي الذي يُعرف باسم غوربالز، وهو حي قائم على الضفة الجنوبية من نهر كلايد، ازداد تعداد سكانه في نهاية القرن التاسع عشر بشكل كبير وازدادت بالتالي كثافة السكان، فكان جلّ قاطنيه من المهاجرين من القرى بحثًا عن فرص العمل، وفي ثلاثينيات القرن العشرين، تضخم تعداد السكان ليصل إلى 90 ألف شخص، وكانت كثافة السكان تعادل 40 ألف فرد في الكيلومتر المربع.

ساهمت عصابات غلاسكو، مثل عصابة بريدجتون هذه، في نشر ابتسامة غلاسكو، وهي طريقة تعذيب تشمل إحداث شق واسع وعميق من إحدى نهايتي الفم وصولاً إلى الأذن. صورة: Mitchell Library, Glasgow

في المقابل، كان لهذه العصابات اختلافات دينية أيضًا، فكانت عصابة (بيلي بويز) البروتستانتية تواجه عصابة (نورمان كونكس) الكاثوليكية، بينما أدت العصابة الأخيرة إلى بروز عصابات ومجموعات أصغر وأشد عنفاً، تقاتل خصومها باستخدام الشفرات في معارك لا تنتهي.

كانت أبرز طرق الانتقام لدى تلك العصابات هي «ابتسامة غلاسكو»، وبإمكانها أداؤها بسرعة وسهولة باستخدام الشفرات أو السكاكين أو حتى شظايا الزجاج. كانت تلك الابتسامة مصير كل فرد من غلاسكو يواجه غضب وحنق إحدى تلك العصابات العديدة والمتقاتلة.

حاول شيوخ المدينة التخلص من سمعة غلاسكو السيئة جراء عالم الجريمة السفلي والعنف المتفشي، فاستعانوا بالشرطي المخضرم في المملكة المتحدة، واسمه (بيرسي سيليتو)، لمحاربة العصابات. استطاع أداء مهمته وانتهت فترة الثلاثينيات بتفكيك الكثير من العصابات وزجّ قادتها في السجن. لكن التخلص منها لم يمنع انتشار تلك السمة المميزة لعصابات غلاسكو، وهي الابتسامة. بالتالي، أصبحت «ابتسامة غلاسكو» طريقة عالمية للتفنن في تشويه الضحية.

أمثلة عن ابتسامة غلاسكو، من الفاشيين إلى ضحايا جرائم بشعة

سياسي فاشي يصبح ضحية ابتسامة غلاسكو

السياسي البريطاني (وليام جويس) الذي تعرض خلال حياته لهجوم على طريقة ابتسامة غلاسكو، ما ترك هذا الشق الواضح بعد علاجه.

لم تقتصر ابتسامة غلاسكو على عصابات اسكتلندا، فمثلاً، كان السياسي البريطاني أمريكي المولد (وليام جويس) أحد الضحايا أيضًا. وُلد (جويس) في بروكلين، نيويورك، لأب آيرلندي كاثوليكي فقير، فلم يكن (جويس) من النبلاء أو الأرستقراطيين أبداً. لاحقًا، انخرط (جويس) في حرب الاستقلال الآيرلندية، ثم توجه إلى انجلترا، واكتشف هناك عشقه للفاشية وأصبح من مضيفي وخدم الفاشيين البريطانيين.

في تلك الفترة، كان النشطاء البريطانيون الفاشيون يجدون فرص عمل لهم في حماية السياسيين من أعضاء الحزب المحافظ، وهذا ما عمل به (جويس) خلال عام 1924. لكن في ليلة 22 من شهر أكتوبر من ذاك العام، وتحديداً في منطقة لامبيث ضمن لندن، كان (جويس) يقف في نوبة حراسة، وفوجئ بشخص يهاجمه من الخلف ويضربه على وجهه بأداة حادة قبل أن يختفي بعيداً.

تعرض (جويس) لشق طويل وعميق مخيف في الجانب الأيمن من وجهه، وبعد علاجه وشفائه، ترك هذا الشق «ابتسامة غلاسكو» على وجه الرجل. لاحقاً، التحق (جويس) باتحاد الفاشيين البريطانيين، ثم عمل لاحقاً لدى النازيين في إحدى الإذاعات التي تبث البروباغندا النازية من هامبورغ إلى بريطانيا، مطلقاً عبارته الشهيرة على الراديو ”ألمانيا تنادي، ألمانيا تنادي“ بلكنة بريطانية أرستقراطية. كان يطلق على جرحه ذاك اسم ”دي شرامه“ أو ”الخدش“، كما حصل على الجنسية الألمانية عام 1940. وهكذا، عندما اجتاح الحلفاء ألمانيا النازية عام 1945، استطاعوا التعرّف على (جويس) بسبب الشق على وجهه، ثم أعدموه بعد بضعة أشهر بتهمة الخيانة.

المجرم وقاتل الأطفال الذي ترك ابتسامة غلاسكو على وجه إحدى الضحايا

السفاح (ألبرت فيش) الذي مارس هذه الطريقة البشعة على إحدى ضحاياه. صورة: Wikimedia Commons

لم تكن ابتسامة غلاسكو حكراً على بريطانيا، ففي عام 1934، انتهى عهد الرعب الذي أثاره قاتل في نيويورك عُرف باسم «مصاص دماء بروكلين»، واسمه الحقيقي (ألبرت فيش). كان لهذا الرجل بارد الطباع عادة مرعبة تتمثل بتشويه وتعذيب أجساد ضحاياه الأطفال، ثم تناول أولئك الضحايا.

كانت (غريس باد) البالغة من العمر 10 سنوات أول ضحية لـ (فيش)، وأدى التحقيق في قضية اختفاءها إلى الكشف عن مزيد من الضحايا، أو ما تبقى منهم. كان (بيلي غافني) هو الضحية الثانية، ففي شهر فبراير من عام 1927، لم يعد الطفل إلى منزله، وجاءت التحقيقات والشبهات في نهاية المطاف لتشير إلى (فيش)، فاكتشفت الشرطة الكثير من الفظائع، وتبيّن لهم أن (فيش) قطع أذني (غافني) وأنفه، وأحدث شقاً في وجهه من الأذن اليمنى إلى اليسرى.

حوكم (فيش) بتهمة قتل (غريس باد) عام 1935، لكن عائلة (غافني) لم تحظ حتى بفرصة دفن ابنها، إذ أن بقايا الطفل لم تُكتشف أبداً، بينما بقيت صورة وجه الطفل الصغير المشوه آخر ما تبقى منه، لتنتهي بذلك صفحة أشهر القتلة المتسلسلين الأوائل في تاريخ أمريكا.

مقتل داليا السوداء، أشهر جرائم ولاية كاليفورنيا

الممثلة (إليزابيث شورت)، والتي لاقت حتفها بطريقة شنيعة عام 1947 عندما عُثر عليها ميتة، بينما قُطع وجهها من الأسفل إلى نصفين. صورة: Wikimedia Commons

في السياق الأمريكي، برزت ابتسامة غلاسكو في إحدى أكثر جرائم البلاد شهرة، وهي جريمة مقتل (إليزابيث شورت)، التي عُرفت باسم «داليا السوداء». كانت (شورت) ممثلة هاوية طموحة في لوس أنجلوس، لكن في إحدى أيام يناير من عام 1947، عُثر على جثتها المشوهة في إحدى الأماكن المفتوحة.

حققت قضية مقتلها شهرة عالمية، إذ أن وجه الضحية كان مقسوماً إلى نصفين، وعلى أطرافها علامات جروح باستخدام السكين، كما أن أطرافها تُركت في وضعية غريبة، والأهم أن وجهها قُطع بشكل دقيق من الفم إلى الأذن اليمنى. بقيت هذه الصورة في ذاكرة الأمريكيين كثيراً، خاصة بعدما تهافتت الصحف والمجلات إلى نشر صورتها المروعة.

على الرغم من التحقيق الكبير الذي جرى، والذي اشتبهت فيه السلطات بنحو 150 شخص، وظهور الكثير من التحليلات والادعاءات والاعترافات المميزة بخصوص هوية القاتل، لم يُعرف حتى اليوم من قتل (إليزابيث شورت)، وتبقى تلك إحدى القضايا المثيرة للرعب في التاريخ الإجرامي.

لسوء حظ (إليزابيث)، لم تستطع الفتاة تحقيق الشهرة من خلال دور أو عمل أدته، بل من خلال صورة وجهها المشوه بابتسامة غلاسكو، وبالطريقة المقرفة التي قُتلت بها.

انتعاش ابتسامة غلاسكو مجدداً

للأسف، عادت ابتسامة غلاسكو للظهور، وفي بلد المنشأ أيضاً. ففي سبعينيات القرن الماضي، برزت عصابات تتمحور حول فرق كرة القدم في المملكة المتحدة، كانت تتسبب في العنف أثناء إقامة المباريات. في المقابل، تزايد عدد منظمات البيض العنصرية والنازيين الجدد وجماعات الكره الأخرى في المملكة المتحدة. من هذا المزيج السام وُلد ما يُعرف باسم ”صيادي رؤوس تشيلسي“، وهي مجموعة من المجرمين ارتبطت بنادي تشيلسي لكرة القدم، وأسست سمعتها على أساس الوحشية والإجرام الشديدين.

في المباريات الساخنة، كان أعضاء ”صيادي رؤوس تشيلسي“ يواجهون أخصامهم في مناطق وضواحي لندن، وغالباً ما أدت تلك المواجهات إلى معارك صاخبة لم يرغب الشرطة حتى في التدخل لفكّها. في شارع كينغز رود ضمن مدينة لندن، وهو الشارع القريب من ملعب ستامفورد بريدج الخاص بنادي تشيلسي، كان أولئك المجرمون يشوهون وجوه أي شخص يعترضهم، حتى لو كان هذا الشخص من مشجعي النادي نفسه، أما مشجعوا النوادي الأخرى، فكان حظهم أسوأ.

مقالات إعلانية