in

عشر كلمات في طب وعلم النفس يُساء استعمالها

علم النفس

إذا كنت مثل كتير من الناس، فقد تكون ”موَسوساً“ عندما يتعلق الأمر بقواعد اللغة، ولكن، في الجهة المقابلة، قد يقول أحدهم بأنك مصابٌ بنقص الانتباه لأنك سيءٌ في استعمال مفردات اللغة. وربما يصفك صديق بأنك ”مفصومٌ“ أو ”مجنون“ عندما تغضب أو تتصرف بشكل غريب. فما المعنى الحقيقي لهذه الكلمات؟ سنستكشف معاني هذه الكلمات وغيرها من خلال هذا المقال.

1. اضطراب الوَسواس القهري Obsessive Compulsive Disorder

اضطراب الوَسواس القهري Obsessive Compulsive Disorder
اضطراب الوَسواس القهري

كثير من الناس يستعملون هذا المصطلح ليعنوا الرغبة في النظافة والترتيب. ”إنها موسوسة عندما يتعلق الأمر بنظافة بيتها!“، ”انظر إلى النظام في مكتبه، لا بد أنه مُصاب بوَسواس!“..

الوَسواس القهري ليس مجرد رغبةٍ في النظافة والترتيب. يُعرّف الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية—النسخة الخامسة (DSM-5) الوساوس بأنها أفكار اقتحامية ودخيلةٌ متكررة غير مرغوبة لدى المريض. أمّا القهر، أو الأفعال القَهريّة، فهي أفعالٌ يقوم بها المريض لتخفيف التوتر الناتج عن الوساوس، أو منع حدوث شيءٍ ما يهابه المريض.

ولكن الوساوس والأفعال القهرية لا تكون، في العادة، مرتبطة بشكل منطقي، أو قد يكون مُبالغاً فيها. كما أنها تستهلك جزءاً كبيراً من وقت المريض، وتتداخل بشكل سلبي مع حياته. (فقد يقوم شخصٌ مصاب بهذا المرض بغسل يديه عشرات المرات في اليوم بعد لمس أي شيء خوفاً من الإصابة بالإيدز، على سبيل المثال).

يميّز الدليل التشخيصي بين الوسواس القهري واضطراب الشخصية الوسواسية القهرية. فالأخير يتميز بشكل مفرط من صفاتٍ قد تراها في بعض الناس. ومثالها الانهماك الشديد بالقواعد والأنظمة، والتفاني الزائد في العمل، وعدم المرونة الشديد في التعامل، وما نطلق عليه عادة حُب السيطرة. فلو كنت تعرف أحداً ينشغل كثيراً بالتفاصيل الدقيقة للأمور، بشكلٍ يعيق إنجاز ذلك الأمر، أو يفسده تماماً، أو يصرّ دوماً على قواعد أو مبادئ معينة إلى درجة مؤذية وتخريبية، فقد يكون ذلك الشخص يعاني من اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية.

لذلك؛ إذا كنت تحب الترتيب في كل شيء، فإنك على الأغلب لا تعاني من اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية، ومن المؤكد بأنك لست مصاباً بالوسواس القهري.

2. اضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط Attention Deficit/Hyperactivity Disorder

اضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط Attention Deficit/Hyperactivity Disorder
اضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط

يستعمل البعض هذا المصطلح ليصفوا شخصاً ذا تركيزٍ وانتباه قليليْن. وقد يعتبره البعض حجة لإسكات الأطفال المزعجين عن طريق العلاج الدوائي. ولكن هذا الاضطراب حقيقي، وهو يجعل حياة المريض أصعب مما يجب أن تكون.

يوجد في الدليل التشخيصي والإحصائيّ للأمراض النفسية—النسخة الخامسة تسعة أعراض تتعلق بنقص الانتباه، وتسعة أخرى بفرط النشاط والاندفاعية.

لتشخيص هذا الاضطراب، يلزم وجود ستة أعراضٍ من أي منهما أو ستة من كليهما. كما أنه يجب أن تكون هذه الأعراض قد استمرت لستة أشهر على الأقل، لدرجة أصبحت تتعارض مع النمو الطبيعي، وأثرت بشكل سلبي ومُباشَر على النشاطات الاجتماعية والأكاديمية والعملية.

علاوة على ذلك، فإن عدداً من أعراض هذا المرض يجب أن تكون موجودة عند المريض قبل سن الثانية عشر، وفي مجالين مهمين على الأقل من مجالات الحياة. يُشخَّص عدد أكبر من الناس بهذا المرض من بقية الأمراض في هذه القائمة، وهناك حالات خفيفة الشدة لا يتم تشخيصها قَط. أمّا مجرد شعورك بالملل من نشاطٍ يجده معظم الناس مملاً، فهذا ليس معياراً تشخيصياً بأي حال من الأحوال.

3. النرجسية Narcissism

النرجسية Narcissism
النرجسية

من الشائع استخدام كلمة ”نرجسي“ لوصف أي شخص مغرور أو أناني. ”أبناء هذا الجيل نرجسيون! دائماً ما يصوّرون أنفسهم صور السيلفي!“ أو ”هذا السياسي نرجسي، ودائماً ما يرجع الفضل لنفسه في كل شيء!“

تأتي هذه الكلمة من الأساطير الإغريقية عن رجلٍ يُدعى نارسيسَسْ. كان هذا الرجل دائم النظر إلى انعكاس وجهه في الماء، حتى وقع فيها يوماً ومات.

على أرض الواقع، فإن هناك تشخيصاً طبياً يسمى باضطراب الشخصية النرجسية. ويُعرّف هذا الاضطراب ،حسب الدليل التشخيصي، بأنه ”نمطٌ دائمٌ ومستمر من الشعور بالعظَمة (سواءً في أفكار الشخص أو في تصرفاته)، والحاجة الدائمة للإطراء“.

ويبدأ هذا النمط في الظهور في بداية سن البلوغ (الثامنة عشر من العمر)، ويكون واضحاً عند الشخص في عدة سياقات. يلزم وجود خمسة على الأقل من أصل تسعة أعراضٍ لتشخيص هذا الاضطراب، ويجب أن تشمل هذه الأعراض: الغرور، والاستغلالية، والشعور الدائم بالأحقيّة.

يعتقد الكثيرون بأن عدداً من الشخصيات العامة لديها هذه الأعراض، ولكنه من الصعب تخيّل أن يقوم هؤلاء بالذهاب بأنفسهم إلى الطبيب لتقييمهم. صفة الأنانية وحدها لا تعني تلقائياً ”النرجسية“. من الجدير بالذكر أن الصفات النرجسية شائعة إلى حدٍ ما في المراهقين، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم سيُصابون بهذا الاضطراب لاحقاً.

4. ثنائي القطب/الهوس الاكتئابيُّ Bipolar/Manic Depression

ثنائي القطب/الهوس الاكتئابيُّ Bipolar/Manic Depression
ثنائي القطب/الهوس الاكتئابي

يعتقد الكثيرون بأن ثنائي القطب عبارة عن مجرد تقلباتٍ في المزاج. تتحدث أغنية جيمي هندرِكس ”هوس اكتئابي/ Manic Depression“ عن عدم الاستقرار العاطفي، وما يصاحبه من تقلباتٍ في العاطفة والمزاج، أمرٌ لا يستدعي، بأي حال من الأحوال، دخولك المستشفى.

كلمة ”هوس اكتئابي“ لم تعد مستخدمة في المجال الطبي. يسمي الدليل التشخيصي هذا الاضطراب بثنائي القطب، وهو فعلياً طيفٌ من الاضطرابات التي تتميز جميعها بوجود تقلباتٍ بين نوبات من الاكتئاب المرضي، وأخرى من الهوس (الزَهو) المرضي.

وتكون نسب الانتحار والأفكار الانتحارية عند المصابين بهذه الاضطرابات من أعلاها بين الاضطرابات النفسية ككل.

تمتاز نوبات الهوس بعلوّ المزاج أو سرعة الانزعاج بشكل غير طبيعي ومستمر، وزيادة غير طبيعية في النشاط والطاقة بشكل كبير، لفترةٍ لا تقل عن أسبوع. كما تتضمن أعراضاً مثل كثرة الثرثرة، وقلة الحاجة إلى النوم، وتلاحق الأفكار، والتصرفات الخطرة وغير المسؤولة.

النوبات الاكتئابية ليست بالضرورة النقيض التام لنوبات الهوس—فقد يكون الشخص المصاب بنوبة الاكتئاب، في بعض الأحيان، هائجاً بدلاً من أن يكون خاملاً—ولكنهم بشكلٍ عام يعانون من أعراض معاكسة لأعراض الهوس.

تشابه نوبات الهوس والاكتئاب التقلبات المزاجية الاعتيادية التي يشعر بها معظم الناس كتشابه الطائرة بالقارب، فالفرق بينهما شاسع ولا يمكن القول بأنهما وجهان لعملة واحدة.

5. الفِصام/الشيزوفرينيا Schizophrenia

لوحة تحترق Sean Mundy
صورة لـSean Mundy

تحدثت في مقالٍ سابقٍ عن الفرق بين الفِصام واضطراب تعدد الشخصيات (وهو يُسمى حالياً اضطراب انفصال الهُوية)، ولكن لا ضير في الحديث بإيجاز عن هذا الموضوع؛ سيّما أن كثيراً من الناس ما زالوا يخلطون بين هذين الاضطرابين.

أصل كلمة شيزوفرينيا يوناني، وتعني باليونانية انفصال أو انفصام العقل. إلا أن كلمة انفصام تعود إلى الانفصام الذي يحدث بين وظائف العقل المختلفة وليس في الشخصية، كما يعتقد كثير من الناس.

هناك تنوعٌ في أعراض هذا المرض، ولكن، وحسب الدليل التشخيصي، ليتم تشخيصه يلزم وجود أعراضٍ من الهلاوس، والأوهام (المعتقدات التوهمية)، و/أو عدم الترابط في الكلام أو كثرة الخروج عن مسار الحديث. وقد يكون المريض يعاني من الجامود (حالة شبيهة بالشلل)، أو قد تكون تصرفاته غريبة للغاية، أو قد يفتقر إلى القدرة على التعبير عن مشاعره وإرادته.

يجب أن تستمر الأعراض السالفة ذكرها لما لا يقل عن ستة أشهر، ويجب أن تتضمن هذه الأشهر شهراً واحداً على الأقل من الأعراض في أشد حالاتها.

مما يدعو للأسف، أن كثيراً من الناس يأخذون فكرة عن مرضى الفِصام من التلفاز والأفلام بأنهم عنيفون أو قتلة مهووسون. على أرض الواقع، فإن الغالبية العظمى من مرضى الفِصام غير عنيفين على الإطلاق، بل ويكونون في كثير من الأحيان ضحيةً للمجتمع.

6. الزَوْريّة/البارانويا Paranoia

الزَوْريّة/البارانويا Paranoia
الزَوْريّة/البارانويا

كثيراً ما تُستعمل هذه الكلمة للتعبير عن كون الشخص شديد الانتباه أو الحذر أو الخوف. فربما سمعت أحدهم يقول بأنه يشعر بالبارانويا عندما يتعلق الأمر بحمله لطفل صغير؛ فيكون حذِراً أكثر من المعتاد. إلا أن البارانويا في علم وطب النفس، شيءٌ آخر تماماً.

كلمة بارانويا في الأساس، كلمة يونانية الأصل تعني ”جانب العقل“، وكانت تُستعمل لتعني المرض النفسي بشكلٍ عام. إلا أن هذا المصطلح في الوقت الحاضر تشخيصٌ لمرضٍ معين في الطب النفسي.

حسب الدليل التشخيصي، فإن اضطراب الشخصية الزّوْريّة (الشكيّة)، هو نمط مستمر من انعدام الثقة والشك بالآخرين، ويتمثل ذلك بأن يقوم المُصاب به بتفسير دوافع الآخرين دوماً بأنها سيئة وضارة. ولا يعني بأي حال من الأحوال كثرة الخوف أو الحذر فحسب. يفهم هؤلاء الأشخاص أي إطراءٍ بأنه انتقادٌ مبطّن، ويرون بأن الأخطاء غير المقصودة تحمل طابعاً شريراً ومقصوداً، كما أنهم يحملون الأحقاد على الآخرين لفتَرات طويلة. لا يظن هؤلاء الأشخاص بأن الآخرين يريدون النيل منهم، ولكنهم متأكدون تمام التأكد من ذلك؛ ولذلك فإنهم يبغضونهم.

7. مفصوم Psychotic

مفصوم Psychotic
مفصوم

في الاستعمال الدراج، كلمة ”مفصوم“ تعني المجنون أو المتناقض. يستعمل الناس هذه الكلمة في العادة لوصف أي شخص ذي تصرفات أو معتقدات تبدو غير منطقية أو متناقضة.

حسب الدليل التشخيصي، فإن كلمة مفصوم (ويجب الإشارة هنا إلى أن المصطلح العلمي هو الذُهان)، كلمة تشمل عدة اضطرابات، بما فيها الفِصام العقلي. يجمع هذه الاضطرابات واحدٌ أو أكثر من الأعراض الآتية: الأوهام، والهلاوس، وتشوش التفكير والحديث، واضطرابات في الحركة، والأعراض السلبية. يُقصد بالأعراض السلبية نقص العاطفة، وفقر الحديث، ونقص الإرادة (لفعل أي شيء)، وانعدام التلذذ (بالنشاطات التي ما يجدها الشخص ممتعة في العادة)، وانعدامٌ شبه كامل للتواصل الاجتماعي.

باختصار، فإن الفرق بين الاستعمال الشائع لكلمة مفصوم ومعناها الحقيقي كالفرق بين قولك ”لقد مِتُّ من الضحك“ وبين موتك الحقيقي.

8. سايكوباثي Psychopath

سايكوباثي Psychopath
سايكوباثي

ربما تكون قد سمعتهم يستعملون هذا المصطلح في فيلم أو مسلسلٍ أجنبي عن قاتل متسلسل أو مجرم خطير، أو حتى عن أي شخص لا يفهم معنى الشعور بالذنب أو الخجل. في كثير من الأحيان، يُستعمل هذا المصطلح للحديث عن أي شخصية عامة غير محبوبة أو سببت الكثير من الأذى للآخرين.

لا يستعمل الدليل التشخيصي هذا الاصطلاح للحديث عن الأشخاص. وهو يتجنب بشكل عام اختزال المريض بمرضه؛ فلا يقول ”مفصوم“، وإنما شخص مصاب بالفِصام، ولا يقول ”مدمن الكحول“، وإنما شخص مصاب باضطراب استعمال الكحول، وهكذا.

بكلمات أخرى، فإنه لا يوجد تشخيصٌ تحت هذه التسمية (وإن كان الناس يستعملونه ليعنوا حالة شبيهة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع). استعماله لنعني الجنون أو الميل نحو الإجرام، هو استعمال غير دقيق، ولا يوجد أساسٌ طبيٌ له. يجدر بالذكر أن هناك فَرعاً من العلوم النفسية يُسمى ”السايكوباثولوجي“ (علم الأمراض النفسي) وهو علمٌ يُعنى بشكل رئيسي بشرح أعراض الاضطرابات النفسية وأنواعها وأسبابها.

9. مختل Insane

لم ترد هذه الكلمة في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية—النسخة الخامسة قَط. كانت هذه الكلمة قيد الاستعمال الرسمي، إلا إنها لم تعد تستعمل في أي سياق؛ كونها أصبحت عُرضة لسوء الفهم والتحيّز.

10. مجنون Crazy

مجنون Crazy
الجنون

على عكس كلمة ”مختل” فإن كلمة “مجنون“ ورد ذكرها في الدليل التشخيصي، ولكن ليس كتشخيص أو كاصطلاح طبي، طبعاً.

وردت هذه الكلمة لتصف مخاوف بعض المصابين باضطرابات القلق من الشعور بالجنون أو أن يراهم الناس بهذا الشكل. مريض الرّهاب (أو القلق) الاجتماعي يخاف من أن يبدو للآخرين وكأنه كثير القلق، أو ضعيفاً، أو غبياً، أو مجنوناً أو مملاً أو مخيفاً حتى.

أحد أعراض نوبات الفزع، حسب الدليل التشخيصي، ”الخوف من أن يصبح الشخص مجنوناً“—ولكنه يشرح بأن ذلك مجرد تعبير بالعامِيّة يستخدمه المصابون بهذا الاضطراب لوصف شعورهم في تلك اللحظة، ولا يُقصد به أبداً أي نوعٍ من الإهانة، أو أن يُستعمل كاصطلاح طبيٍ تشخيصي. السبب في هذا التوضيح، أن كثيراً من الناس يستخدمون هذه الكلمة ليقصدوا بها الإهانة.

هناك تاريخ طويلٌ في ثقافتنا لاستعمال السخرية عندما يتعلق الأمر بالأمراض النفسية، بنفس الطريقة التي نسخر بها من بعض الأمراض والإعاقات الجسدية: ”معاق“ أو ”أخرس“ وغيرها الكثير. كلمة مثل ”مجنون“ توضح كيف نميل للتعامل مع المرض النفسي: بخوف، أو بشكل مهين، أو حتى بالرغبة بالسخرية منه.

مقالات إعلانية