in

حالات المادة أكثر من ثلاث، ولا… لا يمكنك اختراق الجدران!

حالات المادة
كاس به H20 في الحالات الثلاثة للمادة (صلب وسائل وغاز) - الصورة لـ nikkytok

يتساءل الأطفال كثيراً عن السبب وراء عدم إمكانيتهم امتلاك قوة خارقة تمكنهم من اختراق الجدران، فلا نملك إلا أن نجيبهم بأن هذه القوة للأبطال الخارقين حصراً وبشريتنا تمنعنا من حيازة قوة مماثلة. ولكن، ألم تتنصل يوماً من نضجك لتسأل أنت السؤال نفسه؟ لمَ لا نستطيع النفاذ من الجدران؟

حسناً، من الجيد معرفة أن الفيزياء تجيب، إذا أردت أن تعرف أكثر فهذا مكانك المثاليّ.

أولاً، وقبل الإجابة عن السؤال أعلاه وغيره الكثير، علينا أن نذكر أمراً كان بديهياً لنا لوقت طويل، منذ طفولتنا ونحن ندرس أن للمادة ثلاثة أشكال رئيسة (صلب وسائل وغاز)، ولكن يؤسفني إخبارك أن الحقيقة ليست كذلك.

حالات المادة
كاس به H20 في الحالات الثلاثة للمادة (صلب وسائل وغاز) – الصورة لـ nikkytok

فبالإضافة إلى الأشكال التي نألفها، هناك أيضاً البلازما، وتكاثف ”بوز-اينشتاين“، وبهذا يصبح للمادة خمس حالات معروفة عوضاً عن ثلاث فقط.

أما البلازما فهي شكلٌ نادرٌ جداً على الأرض ولكنها قد تكون الأكثر شيوعاً في الفضاء، وجزيئاتها مشحونة بشحنة عالية جداً مع طاقة حركية هائلة، كما يمكن استخدام الكهرباء لتأيين الغازات النبيلة (helium, neon, argon, krypton, xenon and radon) لنتنج البلازما، علماً بأن النجوم هي في الأساس كرات كبيرة وساخنة جداً من البلازما.

أما الشكل الأخير للمادة والذي يعنينا في هذا السياق فهو تكاثف بوز-اينشتاين، ولكن مجدداً، ولأن الفيزياء علمٌ متصل علينا معرفة بعض المفاهيم الضرورية لنصل لفهمٍ كامل وصحيح لهذه الحالة.

في فيزياء الكم، يمكن تصنيف الجزيئات بناءً على ما يعرف بدورانها المغزلي ”spin“ إلى بوزونات وفيرميونات، ويمكننا تشبيه الدوران المغزلي للجزيئات بدوران الأرض حول محورها —مع أنه ليس كذلك ولكنه مثال لتقريب الصورة ليس إلّا، وبناءً على أن كلّ الجزيئات لها دوران مغزلي خاص بها، فإن الاختلاف بين الفيرميونات والبوزونات هو أن للفيرميونات دوراناً مغزلياً مساوياً لنصف العدد الصحيح (1/2، 3/2، 5/2) وهكذا.. أما البوزونات فيكون دورانها المغزلي مساوياً للعدد الصحيح (1،2،3،4) وهكذا..

بوز اينشتاين
صورة لـ”سوبر فوتون“ تم انشاؤها عندما حول الفيزيائيون فوتونات الضوء إلى حالة المادة بوز-اينشتاين.
الصورة لـ Jan Klaers من جامعة بون.

كما أن الفيرميونات تخضع لمبدأ استبعاد باولي والذي يفترض أنه لا يمكن لأي فيرميونين متطابقين أن يتماثلا في الحالة الكمومية نفسها في أي زمان محدد، وينطبق هذا على الإلكترونات لكونها تعد المثال الأكثر شيوعاً على الفيرميونات، كما يمكننا إعادة صياغة هذا المبدأ لينص على أنه لا يمكن لأي فيرميونين في نظام كمي أن يمتلكا قيماً متطابقة لكل الأرقام الكمية الأربع بمعنى أنه لو تطابقت القيم الكمية n، وℓ، وmℓ لإلكترونين فإن دورانهما المغزلي ms سوف يختلف، وهذا يعني أنهما سوف يدوران في اتجاهين متعاكسين، وهذا ما يوصلنا أخيراً إلى جواب سؤالنا حيث أنه ولهذا السبب لا يمكن للإلكترونات اختراق الجدران ”وبالنتيجة لا يمكننا فعل هذا أيضاً“، ولنصل إلى نهاية منصفة في حديثنا عن الفيرمونات يجدر القول أنها تخضع أيضاً لإحصاء فيرمي-ديراك.

ولكن تمهّل… فالمعلومات لم تنته هنا، فلا زلنا لم نتحدث عن البوزونات وهي التي ستقودنا بدورها إلى الحالة الخامسة للمادة ”تكاثف بوز-اينشتاين“.

تختلف البوزونات عن الفيرميونات بأن لها دورانا مغزلياً صحيحاً (1،2،3) وهكذا… كما أنها تخضع لإحصاء بوز-اينشتاين عوضاً عن مبدأ استبعاد باولي، ما يعني أن البوزونات يمكن أن تمتلك الدالة الموجية أو الحالة الكمية نفسها في الوقت نفسه، و لعلي أجعل الصورة أكثر قرباً بالنسبة لك عندما أخبرك أن الفوتونات هي بوزونات في حقيقة الأمر.

ولكن ما علاقة الأمر بحالات المادة؟

من المعروف أنه عند تبريد مادة معينة فإنها تبدأ بفقدان طاقتها الحركية وتبدأ بالحركة بشكل بطيء جداً، ولكن ماذا لو قمنا بتبريدها إلى درجات حرارة تقارب الصفر المطلق؟ (-273°) حسناً هذا ما تم فعله تقريباً، ولكن مع البوزونات، إذ تم استخدام الليزر لتبريد بوزونات من غار الروبيديوم إلى درجات حرارة تقارب الصفر المطلق ”تزيد بمقادير نانوكلفينية عن الصفر المطلق فقط“ وعندها بدأت هذه البوزونات تتجمع مع بعضها ولكونها لا تخضع لمبدأ استبعاد باولي (بعكس الفيرميونات)، فإنها جميعها أصبحت متطابقة الحالة الكمومية وأصبحت تتصرف كوحدة واحدة بحيث لا يمكن تمييزها عن بعضها بعضاً ابداً.

وهذه هي الحالة الأخيرة للمادة والتي سبق وذكرت أنها تسمى بتكاثف بوز-اينشتاين ومع أنه تم التنبؤ بوجود هذه الحالة من قبل العالم Satyendra Nath Bose (مكتشف البوزون) ولكن لم يتم تأكيد وجودها من خلال تجربة عملية حتى عام 1995 من قبل كل من العلماء Eric A. Cornell وCarl E. Wieman وWolfgang Ketterle والتي حصلوا بموجبها على جائزة نوبل عام 2001.

الآن يمكنك أن تجيب ابنك بإجابة علمية عندما يعترض على كونه لا يشبه بطله الخارق، كما يمكنك تعليمه أكثر مما تفعله حصة العلوم.

مقالات إعلانية