in

علماء يطورون مادة غير قابلة للقطع أو الاختراق

في كتب القصص المصورة، غالبًا ما يكون الأبطال مجهزين بدروع مصنوعة من مواد غير قابلة للتحطيم أو الاختراقع، وهي مواد يطلق عليها بعض الأسماء الخيالية على شاكلة (آدامانتيوم) أو (فيبرانيوم)، لسوء الحظ مازلنا لم نكتشف بعد الطريقة التي تخولنا من صناعة شيء بتلك القساوة الخيالية، غير أننا صرنا أقرب لتحقيق هذا الأمر من ذي قبل، لأنه قد تمكن مؤخرا باحثون أوروبيون من تطوير مادة مركبة غير قابلة للقطع أساسًا.

المواد المركبة هي عبارة عن مواد تتكون من مادتين منفصلتين أو أكثر، هذه المواد التي تتمتع بخصائص مختلفة في العادة، ومنه ينتهي بها المطاف تؤدي وظيفة أفضل مع بعضها البعض.

لنأخذ الخرسانة على سبيل المثال، حيث تتكون من الإسمنت والصخور والرمل، والتي عندما تتظافر خصائصها مع بعضها البعض تشكل مادة بناء قوية وذات ديمومة عالية.

تعتبر هذه المادة المركبة الجديدة التي نجح الباحثون في تطويرها عبارة عن مزيج فريد من نوعه من الألمنيوم والفولاذ والتيتانيوم والسيراميك، وعلى الرغم من أن هذا المركب أقل كثافة من الفولاذ بستة مرات فإنه من الصعب جدا اختراقه.

كيف قام العلماء بصناعة هذه المادة المركبة الخارقة؟

أولا قام الباحثون بمزج بودرة الألمنيوم مع التيتانيوم ثنائي الهيدرات، الذي استخدم كعامل راغٍ –من الرغوة– ووظيفته هي خلق جيوب صغيرة داخل الألمنيوم من خلال إطلاق الغاز أثناء تسخينه، وفي هذه الحالة يتعلق الأمر بغاز الهيدروجين.

ثم قاموا بضغط مزيج الألومنيوم محولين إياه إلى قضبان تم تكديسها في صفوف تناوبية إلى جانب كريات من السيراميك قطرها حوالي 13 ميليمترًا، ثم وضعوا تلك القضبان فوق بعضها البعض، ثم قاموا بتسخين كل شيء على درجة 760 درجة مئوية.

جعلت هذه الحرارة الشديدة الألومنيوم يذوب وثنائي هيدرات التيتانيوم يطلق غازات الهيدروجين، فجعلت فقاعات غاز الهيدروجين الألومنيوم يتمدد حول كريات السيراميك. بمجرد أن برد كل الخليط، أصبحت المادة المركبة جاهزة: عبارة عن كريات سيراميك داخل رغوة من الألومنيوم المصفوفة.

قرر الباحثون إطلاق اسم (بروتيوس) على المركب الجديد تيمنا بالإله الإغريقي القديم الذي يحمل نفس الإسم.

مركب مادة بروتيوس
مركب مادة بروتيوس.

أصبحت المهمة التالية بالنسبة لهم هي اختبار متانة وقسوة المادة، فقام الباحثون أولًا بإحضار صفائح من مادة البروتيوس الجديدة بسمك 4 سنتمترات ثم حاولوا قطعها بواسطة مطحنة الزاوية، فأصبحت شفرات قرص المطحنة غير صالحة للاستعمال بعد دقيقة واحدة، وذلك بعد أن اخترق خُمس سمك الصفيحة.

محاولة اختراق الصفيحة بواسطة مطحنة زاوية.
محاولة اختراق الصفيحة بواسطة مطحنة زاوية.

وفقًا للباحثين الذين صمموا مركب (بروتيوس) الجديد، هنالك سببان رئيسيان لما حدث لقرص مطحنة الزاوية الكهربائية:

1- بدأ القرص القاطع بتكسير جزيئات صغيرة بحجم حبات الرمل من الألومنيوم المقوى وكريات السيراميك، وهذا بالتحديد ما كان الباحثون يرغبون في حدوثه، ذلك أن الجزيئات الصغيرة من المستحيل تكسيرها أو تقطيعها. ويعني هذا أن تلك الجزيئات انتهى بها المطاف تتلف قرص المطحنة، كما أنه من الصعب اختراق الجزيئات الصغيرة طالما كانت شحنة الاختراق أو قوة الاختراق تطبق بسرعة عالية، وذلك لأنه عندما يتم تطبيق قوة كبيرة على جزيئات صغيرة لمدة قصيرة من الزمن، فإن الجزيئات تتلاحم ببعضها البعض وتصبح أكثر كثافة مما يزيد من الاحتكاك بينها والاحتكاك يزيد من تشبثها ببعضها البعض، مما يزيد بدوره من مقاومتها للاختراق، وهذا على سبيل المثال ما يجعل أكياس الرمال تمنع اخترقا الرصاص ومروره عبرها.

لذلك نجحت جزيئات مركب (بروتيوس) الجديد في مقاومة قرص مطحنة الزاوية بينما راحت تجهده وتجعله باليًا ثم بمجرد أن وصلت شفرة القرص إلى كريات السيراميك انتهى الأمر، وذلك بسبب الاهتزازات.

2- إن الاهتزازات هي حركة الجزيئات ذهابًا وإيابًا، وعبر الزمن يستطيع جزيء مهتز واحد جعل الجزيئات الأخرى تهتز خالقًا تأثير تموج عبر المادة.

عندما يبدأ قرص مطحنة الزاوية بالدوران، فإنه يصدر موجات اهتزازية تنطلق من مركزه، وفي هذه الحالة بمجرد ما احتك قرص المطحنة بمركب (بروتيوس)، بدأت هذه الموات الاهتزازية تنتقل إليه من القرص، مما تسبب في حدوث اهتزازات على مستوى كريات السيراميك هي الأخرى، وبمجرد احتكاك قرص المطحنة بهذه الكريات المهتزة، طبقت عليه قوة مركزة في حافته، وهو ما تسبب في إعادة إرسال موجات الاهتزازات إلى القرص، وهذا وفقًا للباحثين جعل شفرة قرص المطحنة تصبح بالية وغير صالحة لقطع أي شيء.

على كل حال، لم تتمكن شفرات قرص آلة القطع من اختراق مركب (بروتيوس) أكثر من سنتمتر واحد، وقد جرب الباحثون اختراقه أيضًا بواسطة مثقاب كهربائي غير أن النتيجة كانت نفسها، فبمجرد وصول آلة القطع أو الحفر إلى كريات السيراميك كانت تتوقف تمامًا.

محاولة اختراق المركب باستخدام مثقاب كهربائي.
محاولة اختراق المركب باستخدام مثقاب كهربائي.

من أجل جعل مركب (بروتيوس) أكثر متانة وقوة، قام فريق الباحثين بإضافة بعض أسلاك النيكروم القصيرة، التي تساعد على تحسين قوة الشدة عند الألومنيوم وقدرته على تحمل الضغط، وبمجرد ما أضافوا هذه الأسلاك، لم تتمكن أية آلة قطع أو حفر من اختراق المركب أكثر من بضعة ميليمترات قبل أن تفشل وتتوقف تمامًا.

ما الفائدة من تطوير مادة بهذه المتانة والصلابة والقوة؟

مركب بروتيوس بعد إضافة بعض أسلاك النيكروم عليه.
مركب بروتيوس بعد إضافة بعض أسلاك النيكروم عليه. صورة: nature

إن مادة غير قابلة للقطع مثل مركب (بروتيوس) تثير حماس الباحثين والعلماء لأنه توجد الكثير من الطرائق التي يمكنهم من خلالها التعديل عليها، عبر تعديل إرغاثية الألومنيوم أو حجم وعدد كريات السيراميك.

يعتقد الباحثون أنه بإمكانهم جعل (بروتيوس) قابلا للتكيف والتعديل لمختلف أنواع الاستخدامات، من صناعة أقفال حماية الدراجات الهوائية من السرقة إلى الأبواب المدرعة وربما دروع غير قابلة للاختراق للاستعمالات العسكرية.

شريك فيديو يظهر محاولة قطع مركب (بروتيوس) بواسطة مطحنة الزاوية

مقالات إعلانية