in

دخلك بتعرف ”القنابل النووية المملّحة“، أخطر سلاح في العالم

غيمة الفطر الناجمة عن انفجار قنبلة نووية

تعتبر القنابل الذرية واحدة من أكثر الأسلحة التي صنعها الإنسان خطورة، فبإمكانها تدمير مدن كاملة وقتل عشرات الآلاف من الأشخاص في غضون ثوان معدودة، تاركة عدد لا يحصى من الأمراض المرتبطة بالإشعاعات خلفها لدى الناجين من الإنفجار ليتحملوا تبعات العيش معها خلال بقية حياتهم.

صورة أول قنبلة ذرية في التاريخ
أول قنبلة ذرية في التاريخ قيد الاختبار.

لكن البشرية لم تتوقف عند تصنيع القنبلة الذرية فحسب، فبعد تصنيع القنبلة الذرية، جاءت قنابل الانصهار النووي التي تستخدم الطاقة الناتجة عن قنبلة ذرية من أجل إطلاق انفجار أكبر حجما.

ومع ذلك، فإن قنابل الانصهار النووي لا تعتبر أسوأ قنبلة يصنعها الإنسان، حيث تذهب جائزة أسوأ قنبلة إلى الأسلحة النووية ”المملحة“، التي بإمكانها إطلاق إشعاعات نووية أكبر تدوم لمدة أطول.

أول قنبلة نووية
أول قنبلة نووية

لم يتم اختبار ولا إنشاء هذا النوع من القنابل، على حد علم الجميع على الأقل، لكن إن كنت ترغب في إزالة البشرية من على وجه الأرض، فقد تكون ”القنابل المملحة“ هي خيارك الأفضل.

يطلق على ”القنابل المملحة“ هذا الإسم بسبب كونها تشبه قنبلة انصهار نووي عادية، لكنها تضاف إليها بعض الأمور الأخرى -تماما مثل إضافة الملح لوجبة غريبة.

تم وصف هذا النوع من القنابل أول مرة في خمسينيات القرن الماضي من طرف الفيزيائي (ليو زيلارد)، الذي عمل على أولى القنابل النووية في العالم قبل بضعة سنوات من ذلك.

الفيزيائي (ليو زيلارد) رفقة العالم الفيزيائي الشهير (ألبرت إنشتاين).
الفيزيائي (ليو زيلارد) رفقة العالم الفيزيائي الشهير (ألبرت إنشتاين).

أراد (زيلارد) أن يقنع الناس بضرورة تدمير الأسلحة النووية بدل تخزينها وتكديسها، ومن أجل حثهم على فعل ذلك، تخيل أسوأ سيناريو قد ينجم عن استعمال هذه القنابل، وهي قنبلة قد تهدد الحياة كلها على الأرض.

يتجلى مبدأ عمل هذا النوع من القنابل في استعمالها لبقايا النيوترونات التي يخلفها انفجار انشطار قنبلة نووية عادية، من أجل خلق إشعاعات إضافية ونشرها في الجو.

لشرح ذلك: كانت القنابل الانصهارية التي تم تطويرها آنذاك -التي عرفت كذلك باسم القنابل الهيدروجينية والقنابل النووية الحرارية- تستعمل الطاقة الناتجة عن انفجار قنبلة ذرية من أجل صهر نوع من الهيدروجين مع الهيليوم وهو ما يسفر عنه انفجار هائل، وتطلق هذه الإنفجارات الهائلة كذلك العديد من النيوترونات الإضافية، التي لم تكن مستعملة في التفاعلات التي أسفرت عن الإنفجار في المقام الأول.

كانت القنابل الانصهارية أكبر القنابل التي صنعت آنذاك، وحتى قبل انفجار أول قنبلة انصهارية، كان (زيلارد) يعلم جيدا أنه كانت هناك طريقة من أجل جعلها أكثر خطورة وفتكا.

حيث تخيل أنه لو تم وضع بعض الأنواع المعينة من الذرات داخل قنبلة انصهارية، فقد تنصهر داخلها بعض من تلك النيوترونات التي لم تستعمل في الانفجار، مما يضيف بعض النيوترونات لتلك الذرات ويجعلها مشعة، ثم تعمل القنبلة على إرسال تلك الذرات المشعة في محيط الانفجار أو إلى الغلاف الجوي، حيث ستعمل بدورها على إطلاق الإشعاعات النووية بينما تتحلل مع الوقت.

يطلق على هذه الذرات الإضافية اسم ”الملح“ داخل القنبلة النووية ”المملحة“.

تطلق معظم القنابل النووية بعض الذرات المشعة خلال الانفجار، لكنها تكون مخلفات جانبية ضرورية يسببها الانفجار نفسه.

لكن ”الملح“ في ”القنبلة المملحة“ مختلف تماما عن ذلك، حيث أنه لن يدخل في التفاعل الذي يسبب الانفجار نفسه، ويكون الهدف الأساسي من وضعه هو نشر الإشعاعات الإضافية وجعل آثار القنبلة أسوأ وأكثر فتكا، التي قد تدوم لوقت أطول وتنتشر على مساحات أكبر، الأمر الذي يشكل مدعاة كبيرة للقلق حقا.

تتحلل بعض الذرات المشعة بسرعة كبيرة، فإن تم استعمالها على شكل ”ملح“ داخل القنابل، فلن تتمكن من الانتشار بعيدا عن موقع الانفجار قبل أن تتحلل جميعها وتطلق كل ما بداخلها من طاقة نووية إشعاعية، ولن تمثل أية خطورة تذكر بعد ذلك، لكن توجد أنواع أخرى من ”الملح“ التي قد يكون لها تأثير أوسع بكثير.

تعرف ”القنابل النووية المملحة“ أحيانا باسم (قنابل الكوبلت)، ذلك أن أسوأ سيناريو تسفر عنه القنابل النووية الذي كان (زيلارد) قد تخيله هو ”قنابل مملحة“ باستعمال عنصر (الكوبلت).

لدى أحد أنواع عنصر الكوبلت، الذي يعرف باسم (الكوبلت 60)، فترة ديمومة تزيد عن الخمس سنوات بقليل، أي أنه لو تم استخدامه كـ”ملح“ داخل قنبلة نووية فسيعمل على إطلاق الإشعاعات النووية لمدة خمسة سنوات بعد الإنفجار.

كما ستتسبب قنبلة نووية مملحة باستعمال (الكوبلت 60) بشكل كافي بجعل المنطقة المحيطة بموقع الانفجار غير قابلة للعيش لمدة تزيد عن القرن من الزمن، لكن هذا يبقى كذلك بعيدا كل البعد عن كونه المشكلة الوحيدة…

بما أنه يستغرق وقتا طويلا من أجل أن يتحلل بشكل كامل، أشار (زيلارد) أنه سيكون أمام (الكوبلت 60) المشع متسع من الوقت لتنقله التيارات الهوائية وتنشره حول العالم بأسره.

كما ستبقى حتى بعد ذلك كميات صغيرة منه وتعلق في الغلاف الجوي للأرض لعقود كاملة، لأنه وبمجرد وصوله إلى هناك، لا توجد أي طريقة عملية في استعادته أو احتوائه أو التخلص منه.

أفاد (زيلارد) كذلك أن تهديد الحياة كلها على الأرض لن يتطلب الكثير من قنابل (الكوبلت)، لكن العلماء في عصرنا الحديث يعتقدون أن تقديراته كانت مبالغا فيها قليلا، ذلك أنه مهما حصل من تفجيرات نووية، فستكون البكتيريا داخل البحار بمأمن تماما من ذلك.

لكن وابلا من قنابل (الكوبلت)، مهما كانت تقديرات (زيلارد) مبالغا فيها، خطير للغاية دون نقاش، سواء كنت قريبا من موقع الانفجار أم بعيدا عنه، وسواء حدث الانفجار اليوم، أو البارحة، أو قبل عشرة سنوات.

للإشارة، لم تقم أية دولة في العالم ببناء ”قنبلة مملحة“ أو اختبارها على الأقل على حد علم الجميع، كما أنه وفقا لما شهدناه في السنوات القليلة الماضية، من الصعب جدا إجراء تجارب قنابل نووية دون أن يلاحظ أحد ذلك.

كما لن يكون من المستحيل على دولة ذات تسليح نووي أن تصنع قنبلة مملحة، لكن جميعها هناك يتفق علنا على أنها أمر مريع، كما يتفقون على أنه توجد الكثير من الوسائل البديلة والفعالة في تفجير الأشياء.

على الرغم من ذلك، تصدرت عناوين الصحف العالمية ووسائل الإعلام أخبار عن تسريب مخططات روسية لصناعة قنبلة من هذا النوع، وتضمنت المخططات قنبلة نووية مملحة عملاقة لدرجة ستطلق سلسلة من الأمواج الهائلة من المياه المشعة باتجاه الولايات المتحدة.

ضابط روسي يحمل مخططات أسلحة وصواريخ
مخططات روسية لصناعة قنبلة من هذا النوع

لكن الخبراء فسروا تلك التسريبات على أنها مجرد حملة دعائية لا أكثر، حيث أنه من أجل نجاح هذه المخططات يجب تفجير قنبلة انفجار تحت مياه البحر يكون حجمها أكبر بضعفين من حجم أكبر قنبلة نووية تم بناؤها في تاريخ البشرية، وذلك من أجل افتعال ”تسونامي“ كبير، وهو الأمر الذي يبدو مستحيلا نظريا.

أضف إلى ذلك أن قادة العالم لا ينفكون يعدوننا بأنهم لا يملكون أية قنابل نووية عملاقة مملحة، وهو الأمر الذي يبعث على نوع من الطمأنينة حتى وإن لم يكن صحيحا.

مقالات إعلانية