in

زهرة الجليل تفارق ابنتها ريم… بعد سنين من التمرد والكفاح

ريم البنّا

لا تخافوا.. هذا الجسد كقميص رثّ.. لا يدوم..

حين أخلعه..

سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق..

وأترك الجنازة ”وخراريف العزاء“ عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام… مراقبة الأخريات الداخلات.. والروائح المحتقنة…

وسأجري كغزالة إلى بيتي…

سأطهو وجبة عشاء طيبة…

سأرتب البيت وأشعل الشموع…

وانتظر عودتكم في الشرفة كالعادة…

أجلس مع فنجان الميرمية.. أرقب مرج ابن عامر..

وأقول.. هذه الحياة جميلة..

والموت كالتاريخ.. فصل مزيّف.

تلك كانت آخر كلماتها على صفحتها الشخصية على فيسبوك، مخاطبة أبناءها، قبل أن تودعنا اليوم معلنة انتصارها على عبثية الحياة بطريقة الموت؛ لا التمرد كما اعتدناها.

رحلت ريم، ابنةُ الناصرة، ووردة الجليل، وغزالة أمها البيضاء، ”خلعت عنها ثوب السقام ورحلت“، تاركةً وراءها ابتسامةً جميلة وتاريخا من فن الحب والسلام.

وقد غيّب الموت الفنانة الفلسطينية ريم جميل البنّا فجر يوم السبت الرابع والعشرون من شهر مارس سنة 2018 عن عمر ناهز الـ51 سنة، في مسقط رأسها مدينة الناصرة، بعد صراع مع سرطان الثدي استمر تسع سنوات.

إضاءات على حياة ريم الشابة الفلسطينية والفنانة:

ولدت ريم بّنا، وهي مغنية وملحنة وناشطة فلسطينية، بمدينة الناصرة عام 1966، وتخرجت من المدرسة المعمدانية في الناصرة، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية زهيرة صباغ، واشتهرت بتأديتها للشعر الفلسطيني غنائياً، والأغاني الفلسطينية التراثية، والوطنية بطريقة عصرية.

درست الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى في (موسكو)، وتخرجت عام 1991، وخلال هذه الفترة أصدرت ألبومين غنائيين هما ”جفرا“ و”دموعك يا أمي“.

والتقت خلال دراستها بزوجها عازف الغيتار الأوكراني (ليونيد أليكسيانكو) وتزوجا عام 1991، وقد أثمر عن زواجهما ثلاثة أطفال، لينفصلا بعد ذلك عام 2010، وتستقر ريم في الناصرة مع أولادها.

لأغاني ريم نكهة أخرى، ولفنها فلسفة خاصة، فهي من قامت بتأليف أغانيها، وعمدت لتلحين الشعر الفلسطيني، واستوحت كلمات أغانيها من التراث والثقافة الفلسطينية، وغالباً ما ركزت رسالتها على معاناة الفلسطينيين، كما تفردت بتقديم التهاليل التراثية الفلسطينية، وأما عن شعبيتها فبدأت مع تقديمها لأغاني الأطفال في أوائل التسعينات.

ريم البنا

وكان لها بعد ذلك العديد من الألبومات، أبرزها: ”مرايا الروح“ سنة 2005 وهو ألبوم مرفوع إلى الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، و”لم تكن تلك حكايتي“ سنة 2006 وهو ألبوم مرفوع إلى الشعب اللبناني والفلسطيني، و”نوار نيسان“ سنة 2009، و”صرخة من القدس“ سنة 2010، و”تجليات الوجد والثورة“ سنة 2013.

وقد ذاع صيتها في أوروبا عندما شاركت المغنية النرويجية (كاري بريمنس) الغناء في ألبوم Lullabies From The Axis of Evil عام 2003.

حصلت ريم بنّا على لقب سفيرة السلام في إيطاليا عام 1994، وجائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2013، وغيرها من التكريمات خلال مسيرتها الفنية والنضالية.

ريم بنّا؛ قصة الكفاح والمقاومة ودعوة للحب والأمل:

ريم البنّا أثناء مقاومتها لمرض سرطان الثدي.
ريم البنّا أثناء مقاومتها لمرض سرطان الثدي.

أصيبت ريم بمرض سرطان الثدي عام 2009، واستطاعت أن تتغلب عليه، لتعود وتصاب به قبل عامين، وفقدت قدرتها على الغناء في عام 2016، وكل ذلك لم يثنيها عن المضي بالحياة ومقاومة هذا المرض الخبيث، والاحتفاظ بثوريتها وتمردها المعهودين ضد حالة الظلم التي تعتقد أن شعبها يعيشها، حيث قالت في إحدى المرات: ”المقاومة حالة حاضرة في حياتنا بكل تفاصيلها، المقاومة حالة تفكير وبدونها نكون مستسلمين لكل ما يحدث لنا“، وأضافت ”في 2009، اكتشفت أنني مريضة بسرطان الثدي، وقاومته، فقد شبهت الاحتلال بالسرطان، فالاحتلال غزا فلسطين، والسرطان سيغزو جسدي، ومثلما نقاوم الاحتلال، سأقاوم المرض“.

وقد ساعدت هذه الفكرة ريم لتقاوم المرض وتظل على قيد الحياة بعدها، وأصبحت رمزاً لمكافحة مرض السرطان والتغلب عليه.

وقالت كذلك: ”التفاؤل هو طريقة حياة“، ودعت للتفاؤل انطلاقاً من تجربتها الشخصية، وكانت لديها القناعة بأن عدم امتلاك الأمل والتفاؤل هو عائق لتحقيق ما نصبو إليه، لأنه ”نحنا متل المغناطيس.. فينا نشد لعنا الأشيا الحلوة أو الأشيا السيئة […] التفاؤل هو أساس القوة“، وأكدت أن كل إنسان لديه هذه القوة، حتى ولو لم يكتشفها، لذلك كانت دعوتها بأن نكون إيجابيين وننظر للأمور بإيجابية، وأن نتفاءل بالخير لنجده.

كان من آخر ماكتبته ريم: ”وحدهم أحبتي من حولي لا يتذمرون، وحدهم أحبتي لا يفقدون الأمل ولا يكلون، وأنا بين حد سيفين، في غيبوبة التأمل أتدرب على نهاية ساخرة“.

ولاشك بأن الفنانة التي ارتدت العباءات المطرزة والكوفية رمز بلادها، وغنت للأحلام والآمال والآلام والثورة، هي خسارة للثقافة الفلسطينية والأغنية العربية.

مقالات إعلانية