in

الافكار الغريبة والساحرة خلف الحوسبة الكمومية

ميكانيكا الكم

سنة 1952 ظهر حاسوب UNIVAC على قناة CBS لتقدير نتائج الانتخابات في ذلك العام، واستطاع القيام بذلك بدقة عالية جدا. كانت تلك الليلة بداية عصر الحوسبة الرقمية، وكانت ضربة موجعة لشركة IBM التي كانت تنتج الآلات الحاسبة المثقبة في ذلك الوقت، لكن قسم الأبحاث كان يعمل على تقنية رقمية أكثر تطورا، وأصدرت عام 1964 حاسوبها System 360 الذي سيطر على هذه الصناعة للعقدين القادمين.

اليوم وصلنا لنقطة الإنحراف، فقانون ”مور“ الذي كان يدفع بهذه الصناعة لحوالي نصف قرن، سيصل الى الذروة خلال 5 اعوام. وكما جرى سابقا فان شركة IBM تعمل على حاسوب كمومي جديد قيد يسيطر على هذه الصناعة في العقود القادمة.

جدل عمره 90 سنة

في أوائل القرن العشرين، كان الكون يعتبر حتميا تماما (شيطان لابلاس Laplace’s Demon). بتعبير آخر، اذا كنت تعرف مكان وعزم كل جزيئيات الكون، يمكنك معرفة كل القيم الماضية والمستقبلية، فكل تأثير له سبب، أوبالأحرى كان يعتقد ذلك.

بحلول عشرينيات القرن الماضي بدأت التساؤلات حول هذه النظرية، وجاءت من خلال سلسلة نقاشات بين نيلز بور وألبرت أينشتاين إذ قال عبارته الشهيرة: ”ان الله لا يلعب النرد بالكون“، ورد عليه بور: ”توقف عن اخبار الله عما يجب ان يفعله“.

تتلخص القضية في فكرتين: التراكب الكمي (يستطيع الجزيء أن يتخذ اكثر من حالة في الوقت ذاته) والتشابك الكمي (تستطيع معرفة تصرف الجزيئات من خلال جزيء اخر ذو سلوك لا يمكن توقعه). وكان من الصعب تقبل هذه الافكار اذ تناقض ما نراه في الحياة العادية، وكان اينشتاين (ذو الخيال الواسع) من ابرز المعارضين لهذه الافكار، ولكن هذا ما تراهن عليه IBM حاليا.

مهووس قبل أن يعتبر المهووسون رائعين

تشارلز بينيت
تشارلز بينيت

ويطلق هذا اللقب على ”تشارلز بينيت“ وهو يشغل منصبا شرفيا في IBM حاليا، وهو احد مؤسسي نظرية المعلومات الكمية Quantum Information Theory، فعوضا عن اللعب مع أترابه لما كان صغيرا كان مهووسا بقراءة مجلة Scientific American، وكان ينوي ان يصبح عالم كيمياء حيوية، لكن الجامعة لم تمنحه فرصة التسجيل في ذلك الاختصاص فتخصص في الكيمياء. بعد انهائه لهذا الاختصاص، قام بدراسة ديناميات الجزيئات مع عمالقة هذا المجال (ديفيد تيرنبول وبيرني ادلر).

لكن هذا كله لم يرو فضوله، فدرس مقررا عن المنطق الرياضي ونظرية الحوسبة، ما سمح له بأن يطلع على افكار ”كورت غودل وألان تورينغ“، وعمل في الوقت ذاته استاذا مساعدا لـ”جيمس واتسون“ الحاصل على جائزة نوبل. ووجد أن هذين النشاطين وجهين لنفس العملة، فماكينات نسخ الحمض النووي تشبه بشكل كبير فكرة تورينغ للحاسوب العام. وكانت عنده البصيرة أن عالم الكومبيوتر أكثر من مجرد آحاد واصفار، وأصبح يرى نماذج غريبة من الحوسبة أينما نظر.

خلطة سحرية من الافكار المجنونة

بعد تخرجه، حضر بينيت لقاء لعالم يعمل في IBM يدعى رالف لاندور، وأخذ عنه مبادئه التي تنص على اننا اذا لم نستطع محو البتات Bits، فسيتم حفظ الطاقة. وبفضل خبرته في مجال الكيمياء استطاع بينيت توسيع أعمال لاوندر وتحقيق انجازات في الحوسبة القابلة للعكس، وتعلق بالحوسبة وبشركة IBM.

وبالرغم من طموحه في العمل في المجال الاكاديمي فقد وجد ان العمل في مختبرات يورك تاون Yorktown قدمنحه فرصا اكثر وآفاقا أوسع. وقد ساهمت فكرة النقود الكمومية في تمنكين بينيت بالتعاون مع جيل برسارد ا من انشاء مفهوم التشفير الكمومي الذي يعتمد على منطق مشابه.

موقف اينشتاين الاخير

كما ذكرنا سابقا لم يتقبل اينشتاين فكرة ميكانيك الكملا سيما التشابك الكمومي، فقد راى فيها خرقا لقوانين الفيزياء. ولهذا قام بالتعبير عن نظرته بالتجربة الافتراضية مفارقة إي بي آر (EPR paradox) واقترح ان يتم تجربة مبدا التشابك باستعمال جزيء لتوقع تصرف جزيء اخر، واستطاع جون بيل ان يبرهن ان ذلك ممكن واستطاع علماء آخرون تاكيد نتائجه بالتجربة.

وقام بينيت وبرسارد مع عدد من الزملاء بتطوير عمل بيل عبر تجربة النقل الكمومي (Quantum teleportation) الشهيرة عام 1993 وذلك بالاستعانة بمعرفتهم بالتشفير الكمومي. وبالرغم من كل هذا فقد كان لدى بينيت هدفا اعلى وهو استعمال الحالات الكمومية في الحوسبة مما يجعل الحاسوب اقوى بملايين المرات من الحواسيب الحالية، ما كان يفكر فيه كان غامضا في ذلك الوقت، وفي عام 1993 وضع اربع اسس لهذا المجال.

عالم جديد من الحوسبة الكمومية

لفهم كيفية عمل الحاسوب الكمومي علينا أولا معرفة كيفية عمل الحاسوب الكلاسيكي (يسمى ايضا الة تورينغ)، فهذه الحواسيب تحول سلاسل كبير من الآحاد والأصفار لوظائف وجمل منطقية عبر المنطق البوليني (Boolean logic)، قد بيدو الامر سخيفا، اذ اننا نحتاج لعدد كبير جدا من الآحاد والاصفار لتفسير كل شيئ، ولكن لحسن الحظ فان الحواسيب الحالية تستطيع القيام بالمليارات من العمليات الحسابية في الثانية الواحدة، وبفضل ذلك فان الاعمال التي نقوم بها على الحاسوب تجري بسهولة وسلاسة. ولنفهم هذا الامر، فان كل 8 بتات تعطينا 256 احتمالا ممكنا لترتيب الاحاد والاصفار بداخلها، وهذه المساحة كافية لاستيعاب الاحرف والارقام وغيرها من الرموز، ومع معالجات قادرة على معالجة مليارات البتات في الثانية، فاننا نستطيع انجاز الكثير باستخدام هذه الحواسيب الاعتيادية.

اما رياضيات الحواسيب الكمية فهي شبيهة بالحواسيب الكلاسيكية، باستثاء استعمال تعبير الحالات بدل الاحتمالات و هذا بفضل مبدأي التراكب والتشابك الكمومي. وهذه الحالات لا تتطابق مع اي من الحالات الواقعية، ولكنها تمثل ابعادا منفصلة بحيث يمكن القيام بالحسابات الكمومية، اذ ان 8 بتات كمية (qbits) قد تمثل 256 تراكبا لحالات مختلفة، بينما 300 بت كمي تمكننا من القيام بعدد من الحسابات يفوق عدد الذرات في الكون. بالرغم من هذا فان هذه الحالات لا تمثل سوى احتمالات، و لهذا فان جعل الحاسوب الكمي يركز على اجابة واحدة أمر معقد. ولذلك فان العلماء يعملون بوتيرة عالية لحل جميع هذه العقبات.

مقالات إعلانية