in

من أجل خفض تكاليف التنظيف؛ إليك هذا الحل الفريد الذي لجأ إليه مطار (سخيبول) في أمستردام

اشتهرت هذه الصورة التي تمثل ذبابة في مباول مطار (سخيبول) في أمستردام على أنها طريقة بسيطة وغير مكلفة لخفض تكاليف التنظيف. ما هو أصلها يا ترى؟ وما هي درجة فعاليتها؟

مرحاض في مطار شيبول في أمستردام به صورة ذبابة
صورة: Peter Biľak

هنالك أمر مفاجئ ينتظر كل من يزور مراحيض مطار (سخيبول) في أمستردام، وذلك هو صورة منقوشة لذبابة في المبولة. للوهلة الأولى قد يعتقد من يراها أنها ذبابة حقيقية، ثم سيلاحظ أن جميع المباول تحتوي على واحدة مشابهة، كما أن الذبابة المرسومة تكون دائماً في نفس الموقع: فوق بالوعة المبولة إلى اليسار قليلاً.

على ما يبدو، لا يستطيع الرجال بطبعهم مقاومة الرغبة في التبول على الأشياء، خاصة إذا بدى أن هذه الأشياء ستزول إذا ما تبولوا عليها.

إسأل وستخبرك أي والدة، أو زوجة مستاءة في هذه الحالة، أن الرجال يفتقدون لبعض الدقة في التصويب عندما يصوبون باتجاه بالوعة المرحاض أثناء التبول. قد يكون هذا الوضع سيئاً في المنزل، غير أن درجة سوئه تتضاعف في الفضاءات العمومية، وتتكرر عدة مرات في اليوم.

ظل مصمموا المباول مهووسين لعقود بإيجاد حل لما سمّوه ”الرشاش الارتدادي“، وهو عندما يرتدّ البول عن المبولة ويبلل الأرضية المحيطة بها، فأتوا بعدة حيل من بينها: بساطات أرضية مطاطية، ومباول ذات أشكال فريدة يرتد البول عن جدرانها المقعرة بدل من أن يترشش خارجها، وكذا المباول المضلّعة.

مرحاض
تم إدخال ”ذبابة المبولة“ إلى مطار (سخيبول) في أوائل التسعينات الماضية، وتم اقتراح فكرتها من طرف (جوس فان بيداف)، رئيس قسم التنظيف في المطار. صورة: Peter Biľak

بين جدران مرحاض الرجال، يمكن السماح لبعض علم النفس أن يساعد في عملية التنظيف:

وفقاً لـ(كلوس ريكاردت)، الذي اخترع المباول التي لا تعمل بالماء والذي يدير الآن شركة تبيع هذه التكنولوجيا بالتحديد، فلا شيء يكون بنفس فعالية جعل الرجال يصوبون نحو المكان المنشود. يقول (ريكاردت): ”إن الرجال بسيطون ويحبون اللعب بالبول خاصتهم، لذا عندما تضع شيئاً ما في المبولة تجدهم يصوبون ناحيته“، ويضيف: ”قد يكون هذا الأمر الذي تضيفه أي شيء، فقد يكون نحلةً، أو شجرةً صغيرةً، وحدث أن الأمر كان عبارة عن ذبابة في مطار (سخيبول)“.

يعود الفضل في إدخال ”ذبابة المباول“ إلى مطار (سخيبول) إلى (آد كيبوم) في أوائل تسعينات القرن الماضي، على الرغم من أنه يصر على أن الفكرة ليست فكرته. يقول (كيبوم): ”جاءت الفكرة من زميل عزيز علي وهو (جوس فان بيداف)، مدير قسم التنظيف“، وكان (كيبوم) في نفس الفترة مسؤولاً على تحديث وتوسيع المطار، يضيف قائلاً: ”لقد كانت فكرة أنيقة لدرجة أنني بمجرد اقتناعي بها لم يستعص علي إقناع مجلس إدارة المطار بها“.

وكان (فان بيداف) نفسه قد جاء بالفكرة من الفترة التي قضاها في الجيش في الستينات الماضية، حيث صادف لأول مرة وجود أهداف وضعت في المباول. غير أن اختيار الذبابة نفسها هو أمر مثير للاهتمام، وتماما مثلما يشير إليه (ريكاردت)، فهي تستحضر صوراً عن شيء منافٍ للنظافة والصحة، وهذا بالطبع أول ما يتبادر إلى أذهان الأشخاص الذين يصادفونها لأول مرة في مطار (سخيبول).

غير أن (مايك فريدبرغر)، وهو مدير المنتوجات الخزفية في شركة American Standard وهي الشركة التي تمون مطار (جون كينيدي) بالمباول المنقوش عليها صورة الذبابة والتي تملكها مجموعة (سخيبول) أيضا، يعتقد أن هناك سبباً مقنعاً ووجيهاً وراء استخدام صورة الذبابة نفسها، فهو يقول: ”إذا كان الأمر يتعلق بشيء لا تحبه، فاحتمال أن تتبول عليه كبير، لو تم وضع فراشة جميلة أو دعسوقة بدل الذبابة فربما ما كان الرجال ليستهدفوها أثناء تبولهم، في الجهة المقابلة، لو تم استخدام عنكبوت ذو مظهر مخيف أو صرصور بشع، لأصيب الناس بالخوف منها وما كانوا ليقفوا هناك أصلاً. يبدو إذن أن الذبابة مثلت حلاً وسطاً ومثالياً: فهي شيء منبوذ عالمياً، لكنه لا يسبب الخوف ويمنع الناس من الوقوف هناك“.

حتى أن وضع علامة شركة ما في قاع المبولة قد يجدي نفعاً، على الرغم من أن (فريدبرغر) نوه إلى أن الشركات قد تعارض وضع علاماتها هناك ليتبول عليها الناس. لقد كانت جامعة (لويسفيل) في ولاية (كنتاكي) الأمريكية مبدعة في هذا الشأن على الخصوص، وذلك عندما وضعت شارة جامعة (كنتاكي) المنافسة لها في قاع بعض المباول في غرف تبديل الملابس في حرمها.

غير أن ذلك الهدف في قاع المبولة لا يجب أن يكون صورة دائماً، مثلما أشار إليه (أورتوين رينتجيس)، المدير المسيّر لشركة BR Waterless Solutions التي تقوم بتثبيت مباول لا تعمل بالماء في إيرلندا، والذي أعقب بالشرح قائلاً: ”نحن لا نستخدم صورة ذبابة في مباولنا“، وأضاف: ”إذا ما بدرت هنالك مشكلة تتعلق بالرشاش الارتدادي، فإننا ننصح زبائننا بوضع قطعة خشبية صغيرة الحجم، بحجم عقب سيجارة داخل المبولة، فبينما يميل الرجال إلى التصويب ناحية قطعة الخشب تلك، فإن الرشاش ينخفض بشكل ملحوظ“.

على الرغم من أن مطار (سخيبول) قد بدأ هذا الأمر بصورة ذبابة، غير أنه يبدو عليه أنه يقوم ببعض التجارب التي تضمنت استخدام تصاميم أخرى. كشفت زيارة حديثة للمطار وجود أعلام رياضة الغولف على بعض المباول بدل الذبابة.

من الصعب الجزم بمعرفة القدر المضبوط الذي يساهم فيه وضع هدف في المبولة في خفض تكاليف وحاجات التنظيف. يدّعي بعض داعمي هذه الفكرة أنها قد تخفض الرشاش في المباول بنسبة 80٪، غير أن (ريكاردت) يبقى متردداً حيال هذا الرقم، فهو يقول: ”مثلما تعلمته خلال السنوات 25 الأخيرة، فإن سلوكات الناس في المراحيض قد تكون غريبة جداً. ربما قد يبدأ بين 60 إلى 70٪ من الناس بالتبول باتجاه الذبابة، بينما قد لا يعير الآخرون الأمر أي اهتمام. أنا أرى أن انخفاض الرشاش في المباول قد ينخفض إلى 50٪ بفضل الذبابة، لكن حتى لو كان كذلك، فإنه ما يزال تقدما ملحوظاً“.

تفيد شركة (سفينكس)، وهي الشركة التي تصنع وتمول مطار (سخيبول) بالمراحيض، أن وضع صورة الذبابة في المرحاض يشكل ادخاراً كبيرا في تكاليف التنظيف يتمثل في 20٪ أو أكثر.

يشار إلى مطار (سخيبول) غالبا على أنه مصدر الدراسات التي تم إجراؤها فيما يتعلق بالرشاش الارتدادي وكيفية خفضه، غير أن الظاهر أن لا دراسات قد أجريت هناك. يقول (كيبوم) أنه شخصياً لم يكن على دراية بأي بحث علمي تم إجراؤه حول تأثير الذبابة في هذا الموضوع، وأن رقم الـ”80٪“ هو ”تجريبي لا أكثر“.

مرحاض به صورة ذبابة
تتضمن المباول في مطار (سخيبول) في أمستردام بهولندا رسمة منقوشة لذبابة. وفقاً لشركة (سفينكس)، الشركة التي تصنع وتمول المطار بالمراحيض، فإن وضع الذبابة في المبولة يمثل خفض تكاليف التنظيف بحوالي 20٪ أو أكثر. صورة: Peter Biľak

يقول (كيبوم): ”قد يكون للذبابة معنى منافي للنظافة، وذلك بالضبط ما يجعل الجميع لا يشعرون بالندم حيال التبول عليها“.

ويضيف: ”يمكن تقسيم مساحة المراحيض العمومية الكاملة [التي هي في حاجة إلى تنظيف] إلى حوالي 20٪ من الفضاء العام، و40٪ من الفضاء المخصص للرجال، 40٪ مخصصة للنساء“، واستطرد شارحاً: ”من مساحة 40٪ تلك المخصصة للرجال، لا يتم تخصيص سوى 25٪ منها للمباول، والباقي يبقى عبارة عن مراحيض مغلقة، ومساحة لغسل الأيادي ومساحة مخصصة للسير والتنقل في الأرجاء، لذا فيما يتعلق بالمباول، فهي في الواقع لا تمثل سوى 10٪ من المساحة المخصصة للمرحاض العمومي، لذا فإن خفض الرشاش الفعلي بنسبة 80٪ يسفر عنه خفض تكاليف التنظيف بـ8٪ فقط من تكلفة التنظيف الكلّية“.

بينما أثبتت ذبابة المباول نفسها ذات فائدة ومصدر إلهام لعدد غير محصور من الناس الذين لاحظوا وجودها أثناء سفرهم ومرورهم عبر مطار (سخيبول)، فإن فكرة منح الرجال شيئاً للتصويب ناحيته أثناء التبول ضاربة في القدم.

في سنة 1976، قام (جويل كريس)، وهو مخترع من ولاية (نيوجيرسي) الأمريكية، بتسجيل براءة اختراع تتمثل في وضع نقطة هدف في المرحاض من أجل تحسين التصويب، موضحاً إلى أن: ”الأولياء، وأعوان النظافة، وكل من هو مسؤول على تنظيف المراحيض كان قد سئم من عدم كفاءة الذكور في توجيه بولهم ناحية المنطقة المنشودة“.

حتى في وقت أسبق من هذا، وفي سنة 1954 بالضبط، سجل المخترع (رولف هينوك) براءة اختراع لجهاز معقد يتم تعليقه فوق المرحاض بهدف تدريب الأطفال الصغار على ”ممارسة عدم تبليل أرضية المرحاض أثناء التبول“.

غير أن أكثر استعمال لنقطة هدف في المبولة إثارة للاهتمام يعود للإنجليز في العصر الفيكتوري، الذي يعود تاريخه إلى ثمانينات القرن التاسع عشر بالضبط.

(سايمون كيربي)، وهو مالك ومسير شركة (طوماس كرابر)، هو خبير نوعاً ما في استخدام المراحيض عبر العصور، حيث يحتفظ بمبولتين قديمتين يعود تاريخهما إلى العصر الفيكتوري خارج باب مكتبه في (ستراتفورد آون آفون)، وكلا المرحاضين به صورة نحلة صغيرة في قاعه.

نقطة هدف مبولة من العصر الفيكتوري يعود تاريخه إلى ثمانينات القرن التاسع عشر على الأقل، والذي يتضمن صورة نحلة صغيرة.
نقطة هدف مبولة من العصر الفيكتوري يعود تاريخه إلى ثمانينات القرن التاسع عشر على الأقل، والذي يتضمن صورة نحلة صغيرة.

يقول (كيبوم) أنه لم يكن سابقا على علم بأي من هذه الأفكار قبل أن يتقدم بطرح فكرة الذبابة في مباول مطار (سخيبول)، وتقريبا بعد مضي ربع قرن من اقتراح هذه الفكرة واعتمادها أول مرة، مازالت الفكرة تتمتع بالقدرة على أسر اهتمام ومخيلة الناس.

يقول (كيبوم): ”لقد عملت لمدة 31 سنة في مطار (سخيبول)“، ويضيف: ”عملت في البادئ في قسم العمليات، ثم كنت مسؤولا على مشاريع كبيرة مثل مبنى المحطة الثالثة، ومحطة سكك حديدية جديدة تمت إضافتها بين مباني المحطات في المطار، وكذا مشروع تجديد المحطتين الأولى والثانية وتطوير الأرصفة الأربعة الجديدة، وكذا عملت كرئيس لجنة الفنون الجميلة في مطار (سخيبول). لقد قمت بالكثير من العمل في مشروع المحطة الرابعة في مطار (جون كينيدي) في نيويورك، بالإضافة إلى عدة مشاريع أجنبية أخرى. والآن سيتذكرني الناس بشكل أساسي على الإنترنيت على أنني ذلك الرجل الذي وضع الذبابة في المبولة!“.

عبر (كيبوم) كذلك عن اهتمامه الكبير بنوع الدعاية والرواج الذي حصّلته الفكرة، ويقول أن النسخة التي مازالت تجعله يبتسم كلما تذكرها تتعلق بأحد المراحيض في إيرلندا. فبدلا عن استخدام الذبابة، استُخدم في بعض المباول الإيرلندية صور لرجال بنوك إيرلنديين، لقد حدث هذا حوالي سنة 2008، بعد وقت قصير من انهيار أكبر ثلاثة بنوك تجارية في البلد.

يمكن وضع أي شيء في قاع المبولة ليُستخدم كهدف، لكن من الناحية النفسية، من الأفضل دائما وضع شيء يتفاعل معه الرجال ويتحمسون للتصويب نحوه.

مقالات إعلانية