in

فخ الذكر في العلاقات والزواج

الذكر العربي

إن السبب الأساسي في فشل العلاقات العاطفية والزوجية في مجتمعاتنا الشرقية هو الذكر وما يحمله من سمات وطبائع في شخصيته وسيكولوجيته. لماذا قد يكون الذكر؛ أو ”الشاب التقليدي“ لأكون أكثر تخصيصاً، هو هادم العلاقات والسبب الرئيسي في فشلها؟

لا بد من الإشارة إلى أن فشل العلاقات الزوجية ليس بانتهائها (الطلاق) بالضرورة، فقد يكون استمرار العلاقة الزوجية فشل بحد ذاته بما يجره الزواج من ويلات على أحد أفراد العائلة، سواء كانت الزوجة أو الأبناء أو الفشل في تربية الأبناء. أما انتهاء العلاقات العاطفية الموسومة بالخيانة أو الهجر — في معظم الحالات — المؤشر الوحيد على فشل العلاقة العاطفية.

لكن لماذا ألقي بكل لومي على الذكر دون الأنثى؟ وألا يكون هناك دور للأنثى في فشل العلاقات؟

السبب الأول في فشل العلاقات والذي يتضمن دور الأنثى فيه:

التنشئة الاجتماعية المتحيزة. فالمعايير الاجتماعية التي تٌحقن في الأنثى منذ ولادتها تُنمّي فيها عقدة النقص التي تجعلها في حاجة ورغبة ملحة للرجل، ولكن ليس أي رجل.

الأنثى تتربى وتترعرع مع فكرة أنها أقل شأناً وقيمة من الذكر، وعليها أن تُسخّر طاقتها وحياتها من أجله سواء كان أباً أم زوجاً أو إبناً. وفي المقابل، لأن الذكر — كما يُزرع في وعيها وفي لاوعيها — أقوى منها جسدياً ونفسياً فهو الوحيد القادر على توفير الحماية والأمان والطعام والسقيا والحياة الكريمة من أجلها. فمفروضٌ أن تتحلى بالصبر والحُلم أمام قمعه وظلمه.

وهذه المعايير الاجتماعية لا تٌفرض على المرأة من خلال التنشئة الاجتماعية فقط، بل إن هذا كله عبارة عن رواسب ورواسخ في ”لاوعيها الجمعي“ كبقية العادات والتقاليد التي تولد مع الإنسان فطرياً. فالذكر يُحاصر الأنثى ويقمعها من قبل ولادتها وحتى مماتها مهما كانت صفتها أو شكلها أو حياتها.

وإن أردتُ تفسير أصول وجذور هذه المعايير المترسخة في لاوعينا الجمعي سواء ذكراً أو أنثى؛ فقد يرجع ذلك إلى العادات والتقاليد التي كانت منتشرة عند العرب القدماء والبدو، فعند البدو لا يكون الذكر رجلاً شهماً وقوياً ومهيباً إلا إن كان يتمتع بصفات الفروسية كقوة الجسد والضخامة وقوة الصوت ورخامته. وأهم هذه الصفات قوة شخصيته وشكيمته وثقته بنفسه وشجاعته، فهو الذي يرد بالسيف على كل من تجرأ عليه ويكافئ من يهجوه بالقوة والعنف. والرجل البدوي الفارس هو حلم كل امرأة عربية وبدوية.

هذه المعايير والأذواق لدى النساء القدامى تطورت وتغيرت لتتمثل بشكل أساسي في قوة شخصية الرجل وثقته بنفسه، وأصبحت معايير الشكل الخارجي كقوة الجسد وقوة الصوت مسألة أذواق لدى النساء. لأن قوة الجسد لم تعد عاملاً حاسماً أمام قوة السلاح الناري إن اراد أن يثبت الذكر رجولته، ولم يعد الجسد هو الأداة الوحيدة ليجني الرجل رزقه وماله في هذا العصر.

هذا يفسر أيضاً لماذا قد تفضل الأنثى الرجل قوي الشكيمة والواثق بنفسه وشخصيته أكثر مما تفضل الرجل الغني أو المتعلم او المثقف أو المتدين، بل بعض الفتيات يتنازعن داخلياً فيمن قد يكون أفضل الرجل الغني بلا شخصية أم الرجل ذو الشخصية دون المال؟ ولا عيب في أن تكون شخصية فارس أحلام الفتاة ضمن اهتماماتها وأولوياتها إلا عندما تجعل من شخصيته ومقاييسها ”المحدودة“ هي الصفة الوحيدة التي تبني عليها اختياراتها للذكور. وهذا الخطأ الذي تقع به معظم الفتيات المقبلات على الزواج أو اللواتي يقعن في الحب. فالفتاة أولاً تجهل أو تتجاهل رذائل الأطباع في الرجل الذي أحبته، وتنسى أو تتناسى بأن هناك من هو أحق بنيل قلبها ممن سُحرت بشخصيته وثقته. والسبب الأكبر من ذلك كله أن من يتمتع بشخصية قوية واثقة وصحية — عادة— ما يكون إنساناً تقليدياً. لماذا؟

يجدر التنويه أولاً بأن ليس كل من يتمتع بشخصية جيدة هو بالضرورة تقليدي والعكس صحيح، أي أن ليس كل إنسان تقليدي يعني بالضرورة لا يملك شخصية حسنة. ولكن فرضيتي تنبع أولاً من فكرة اللاوعي الجمعي ومدى التزام الفرد بالمعايير الاجتماعية والتربوية التي نشأ عليها. فالاوعي الجمعي الذي اقترحه (يونج) هو عبارة عن مخزن فطري للمعايير الاجتماعية السليمة والعادات المحبوبة والتقاليد المستحسنة لمجتمع ما، والحياد والخروج عنها وعن هذه السمات الفطرية يولّد التوتر عند الفرد والشك والتناقض مما يسبب تزعزعاً في النظام النفسي لديه، وفي بعض الأحيان قد يولد لديه اضطرابات نفسية دائمة.

وكذلك الأمر ينطبق على الحياد عن المعايير التي تربى عليها الفرد من والديه، فإن الفرد يبقى في حالة خوف دائمة من ارتكاب المعصية أو الخطأ، وفي حالة لوم دائمة إذا ما ارتكب المعصية أو الخطأ. لذلك دائماً ما تشعر الفتاة الشرقية باللوم أو تأنيب الضمير لمجرد حديثها أو خروجها مع شاب غريب، وهذا الإحساس يزداد حدة وشدة كلما كانت الفتاة أكثر تحفظاً والتزاماً بالمعايير الإجتماعية.

أما حالة الشك والتناقض والتوتر التي تنتج عن حالة الحياد قلما تحصل عند الذكر، لأن الذكر يتمتع بسلطات اجتماعية قوية وبمراكز هامة في العائلة والمجتمع فهو المُبجل المدلل، ولماذا قد يحيد الذكر أو يشك في نفسه وحالته أو القوانين التي ترفعه شأنا وقيمة؟ فالذكر لا يعيش حالة الشك والظلم والتناقض. ونتيجة لذلك يتمتع بشخصية صحية دون اضطرابات نفسية تُعكر ثقته بنفسه.

ولكن لا يكفي بأن يحافظ الذكر على صحة شخصيته ليتمتع بشخصية جذابة أو قوية كما تحبها الفتاة، بل عليه أن يمارس سلطاته وقواه المخولة إليه من عائلته ومجتمعه ليصبح بتلك الصفات الفروسية الحديثة وذلك من خلال: قمع الأنثى وظلمها أو الاعتداء على الضعفاء في الطريق أو من هم أصغر منه سناً، أو أن يستطيع أن يبدي رأيه وأن يرفع من صوته بما يشاء ومتى شاء، وأن ينخرط في سوق العمل والأشغال والحِرف مبكراً. وكل ذلك كفيل بأن يبني لدى الذكر شخصية قوية وجذابة وثقة بارزة ومهارات اجتماعية استثنائية. وهذه هي اللبنات الأساسية التي تكوّن شخصية الذكر التقليدي.

ورجوعاً في تفسيري عن فشل العلاقات العاطفية والزوجية وفي أن الفتاة مخطئة في اعتبارها شخصية محبوبها دون السمات الأخرى، هو سبب رئيسي في وقوع الفتاة في شَرَك الذكر، فالذكر التقليدي مهما بلغ من وسامة وشخصية جاذبة إلا أنه دائماً ما ينظر الى الأنثى بدونية في شعوره ولا شعوره، وفي مخيلته المحدودة الأنثى مجرد خادمة له وهي مجرد أداة جنسية تسعى لتحقيق متعته الجسدية، ولذلك لا يتورع الرجل عن البحث عن أخريات كلما سنحت له الفرصة لتحقيق الغاية الوحيدة من الأنثى وهي خدمته والحرص على متعته.

وعندما يحقق متعته من واحدة يبحث عن أخرى ولا يكتفي. بل إنه يحتقر من تحقق له أمانيه الجنسية لأنه من المفترض من الفتاة أن تسعى لمتعة زوجها فقط وإن خيانتها للمعايير الاجتماعية التي تربت عليها — رغم أنها من أجله — كفيلة بأن تُصنف كعاهرة وأن يفضح فعلتها أو أن يستغلها ومشاعرها. وبسبب هذه التناقضات اللاشعورية عند الرجل يخون زوجته ويهجر حبيبته.

إذن أين يقع اللوم على الأنثى من كل هذه الفرضيات؟

الخطأ الذي طرحته سابقاً والذي دائماً ما تقع به الأنثى يتكرر على مر التاريخ: إن قلب الفتاة يختار شاباً تقليدياً لميزة فيه عادة ما تتعلق بشخصيته. وما يؤسف حقاً أن الفتاة التقليدية تختار الشاب التقليدي وهذه العجلة من الظلم والقمع والدونية والجهل ستبقى وتظل في حركة دائمة ومستمرة. لأن الفتاة التقليدية تعيش طيلة حياتها في تلك العقلية الطفولية في كونها الخادمة المخلصة والأداة الجنسية المخصصة للذكر وهي لا تعلم لماذا تُقمع أو تُظلم أو يخونها زوجها أو يضربها ويهينها.

والأنكى من كل ذلك أن تدرك الأنثى الظلم والضيم في هذا النظام الاجتماعي الفاسد ولكنها تصبر وتحتسب وتصبح آلة تتلقى الضربات والظلم والأمراض لأنها عاشت عُمراً تحت مطرقة هذه المنظومة، ولا تستطيع فعل أي شيء إلا أن تمرر وتربي وتزرع وتحقن أطفالها بنفس المعايير الاجتماعية الظالمة المُخزية. فالمرأة في هذه الحالة أكبر ظالمة لنفسها من الذكر، وهي الوقود الذي تمشي عليه عجلة هذا المجتمع الفاسد الظالم.

مقالات إعلانية