in

دخلك بتعرف غاندي والساتياغراها؟

غاندي والساتياغراها

تبدو البشرية في العصر الحالي وكأنها تعيش على الحافة، ففي ظل انتشار الصراعات على المصالح والنزعات الطائفية والقومية والتي ينتهي معظمها بحروب عنيفة، وفي ظل وجود السّلاح النووي الذي يهدد بفناء الإنسانية في أي لحظة، تعيش البشرية أزمةً حادة إذ تحتاج لتغيير خططها لتحافظ على وجودها بالحد الأدنى، وبما أن مشاكلنا الأساسية تبدأ أو تنتهي بالعنف كونه الحل الوحيد الذي بُرمجت عقولنا عليه، فإننا نغفل تماماً عن وجود حلٍ آخر يدعى ”اللاعنف“ وهو ما سنحاول في هذا المقال التعرف عليه وعلى حياة أبرز روّاده ”المهاتما غاندي“:

”المهاتما غاندي“ وعلى الرغم من انتشار مذكراته وأفلام وثائقية كثيرة عنه، تبقى المحطات التي أثرت به ودفعته لإطلاق الفلسفة التي اتّبعها في سبيل الحصول على الاستقلال ودفع الشعب الهندي لهذه المقاومة اللاعنفية مبهمةً للكثيرين.

إذاً كيف استطاعت هذه الشخصية التي عاشت طفولةً خجولة أن تلهم الملايين؟

بداياته:

بعد حصول غاندي على شهادة الحقوق من لندن سافر إلى جنوب إفريقيا ليعمل في مكتبٍ بالمحاماة، وهناك عاين عن قرب معاناة الهنود الذين جاؤوا إلى جنوب إفريقيا بوصفهم عمالاً فأصبحوا يعيشيون في نظام عبودية حقيقي، فقرر غاندي البدء بالعمل المنظم.

معتقداته:

– كان البهغفاد غيتا وهو كتاب الهندوسية المقدس مرجعه منذ أن كان طفلاً، لكنه لم يلتفت لتطبيق كلماته العملي إلا في جنوب إفريقيا.

– متأثراً بها أطلق غاندي نهجه في مقاومة العنف والذي سماه ”ساتياغراها Satyagraha“ والذي يعني ”التمسك بالحقيقة“، حيث تعني ساتيا Satya ”الحقيقة“ باللغة السنسكريتية.

– اعتبر غاندي أنّ الشرور والمظالم والكراهية توجد فقط بما نقدمه لها من دعم وبدون تعاوننا لا يمكن لها أن تستمر.

– كان طرح غاندي جديداً كلياً للمقاومة، فبدلاً من رد الإساءة بالإساءة كانت تدعو إلى مقابلة الكراهية بالمحبة، والازدراء بالاحترام، ورفضٍ قاطع وعنيد لأي شكل من أشكال الظلم.

– قد تبدو الساتياغراها للوهلة الأولى أنها تدعو للخنوع والضعف لكنها في الحقيقة تعني مرحلة الثبات والصمود من أجل الحق، لأنها تحتاج لإرادة كبيرة من أجل أن يكون الإنسان مستعداً للتضحية، كما أنها لا تقوم أبداً على مشاعر الحقد ولايمكن لها أن تتم من دون مشاعر الحب.

– للساتياغراها أساليب متعددة من أهمها: المقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف.

أهم المحطات التي أثّر بها غاندي على محيطه:

مسيرة الملح: فرضت بريطانيا ضريبةً على الملح المصنّع في الهند، مما دفع غاندي إلى القيام بحملة احتجاجية سلمية لكسر هذا القانون، فاقترح القيام بمسيرة لبلدة دندي الساحلية الصغيرة التي تبعد 400 كيلومترا ليقوموا بتحضير الملح هناك، بدأت المسيرة بـ78 شخصاً ليلتحق بها الآلاف خلال المسير.

وقد قامت بريطانيا باعتقالاتٍ واسعة طالت الآلاف وتم اعتقال غاندي نفسهـ لكن صبر الساتياغراهيون وسلمية الاحتجاج أدت في النهاية لكسب الرأي العام البريطاني وعقد مؤتمرٍ حول مصير الهند ودعوة غاندي من سجنه ممثلاً عن الهند.

لقاؤه مع عبد الغفار خان: كان خان قائد الباتان وهي من المقاومة المسلحة، وعندما أراد غاندي مقابلتهم خشي أتباعه على حياته وحذروه بأن الباتان مقاتلون عنيفون لكنه أجاب: ”أنا أيضاً مقاتلٌ أريد أن أعلمهم كيف يقاتلون بدون عنف وبدون خوف أيضاً.“

أثناء اللقاء، تجمّع الباتان بأسلحتهم فسألهم غاندي بلطف: ”هل أنتم خائفون؟ لماذا تحملون هذه الأسلحة؟ أنا لست خائفاً ولهذا لست مسلحاً“، فألقى عبد الغفار خان سلاحه وأيضاً أتباعه الذين عُرفوا فيما بعد بأنهم كانوا الأكثر إخلاصاً لدرب المحبة الذي رسمه غاندي.

في النهاية ربما تظهر الساتياغراها بأنها نظام متكامل أو أسلوبٌ حياتيّ لكنها في المرتبة الأولى أسلوبٌ روحي ينطلق من الفرد ذاته، كما لا يمكن أن ننكر أنها صعبة الفهم وصعبة التطبيق أيضاً لكن الأكيد أن لا آثار سلبية لها كما الحروب والنزاعات العنفية.

لقد أطلقها غاندي ونجح فيها وحقق مراده لتكون أول أسلوبٍ لا عنفيّ متكامل وواضح المعالم.

مقالات إعلانية