in

هل الـFriend-Zone حقيقة أم مجرد حجة لإبعادك؟

من المتوقع أن نسيئ فهم انجذابنا تجاه الأشخاص الذين يعجبوننا عند تكوين صداقات جديدة على أنه علامة على الاهتمام الجنسي.

صورة: dr_zoidberg/Flickr

يقول (هاري بيرنز) في فيلم When Harry Met Sally بعدما علم أن الصداقة هي كل ما سيناله: ”لا يمكن أن يكون الرجال والنساء أصدقاءً لأن الجزء المتعلق بالجنس يقف دائمًا في الطريق“، تضع (سالي) قائمة بأصدقائها الذكور الذين تهتم لهم بشكل أفلاطوني بحت، فمن الواضح لها أن الصداقة يمكن أن تقوم بدون حاجة للانجذاب، لكن (هاري) يخالفها الرأي، فمن منهما على حق؟

إن فهم الـFriend-Zone، أو «منطقة الأصدقاء» والأسباب التي يرى الرجال والنساء فيها هذه المسألة بطريقة مختلفة، يساعدنا على فهم الطرق التي يحكم بها الناس على الاهتمام الجنسي، والأسباب التي تقودنا إلى إقامة صداقات في المقام الأول.

المخاطرة والمكافأة

إن محاولة التقرّب إلى صديق ما لجعل العلاقة تتعدى مجرد الصداقة هي عملية توازن قائم بين المخاطرة والمكافأة، والرجال –أكثر من النساء– ينجذبون إلى أصدقائهم من الجنس الآخر، حتى عندما يُعرّف كلاهما العلاقة بأنها أفلاطونية عُذرية.

طُلب في إحدى الدراسات من الرجال والنساء تقييم مدى انجذابهم لبعضهم البعض، ومدى ظنهم قدر انجذاب الطرف الآخر لهم بعد محادثة قصيرة. قللت النساء من مدى جاذبية الرجال لهن، وبالغ الرجال في تقدير مدى جاذبيتهم وتأثيرهم في النساء، ربما تقودهم الثقة في جاذبيتهم، أو اعتقادهم أنهم أكثر جاذبية مما هم عليه بالفعل، إلى المجازفة، وبالتالي يتم رفضهم أكثر من غيرهم.

شاب وصديقته في الشارع
الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم جذابين للغاية هم أكثر عرضة للإفراط في تقدير الاهتمام الجنسي الصادر من الآخرين تجاههم.

تقول (أنتونيا آبي)، عالمة النفس الاجتماعي المختصة بالعلاقات من جامعة (واين ستيت): ”بمجرد أن نتوقع شيئًا ما، فإننا نميل إلى رؤيته.. إذا كنت تعتقد أن شخصًا ما ينجذب إليك جنسيًا فإنك تترقب ذلك أكثر. عندما يميل الشخص إلى الأمام أو يضحك، أو أيا كان، ستنظر إلى ذلك كعلامة انجذاب جنسي، وقد لا تلاحظ أنك عندما تنحني باتجاهه فهو في الواقع يتراجع إلى الخلف“.

في المرحلة التالية من التجربة دعا الباحثون أشخاصًا آخرين لمشاهدة المحادثة التي أجريت، وطُلب منهم أيضًا تقييم مدى انجذاب كل طرف للطرف الآخر. اتفق المراقبون الذكور مع رأي الرجل في التجربة، أي ظنوا أن المرأة كانت أكثر انجذاباً له مما عبّرت عنه، واتفقت المراقبات الإناث مع النساء أنه كان هناك انجذاب أقل من المرأة تجاه الرجل.

حتى الآن كل من (هاري) و(سالي) على حق، قد يكون هذا بسبب الصورة النمطية التي يمتلكها الجنسان عن بعضهما، يدرس بعض الباحثين مثل (آبي) الحالات بين الأشخاص الذين يبدؤون بإظهار اهتمام عاطفي بالآخر –يُطلق على هذه الحالات «سيناريوهات المواعدة»، التي يمكن أن تكشف عن تسلسل الأحداث المؤدية إلى مساع ناجحة أو غير ناجحة لعلاقة عاطفية– واتضح أننا في كثير من الأحيان لدينا أدوار محددة مسبقًا في هذه السيناريوهات.

تقول (آبي): ”السياق مهم حقًا في مثل هذه التفاعلات بين الأشخاص“، وتضيف: ”قد يبحث الرجال عن علامات الجاذبية أكثر من النساء، لأن الأدوار التقليدية للجنسين تشير إلى أن الرجال يقومون بالمبادرة، هذا يبدو أسلوبًا عفى عليه الزمن في عام 2019، ولكن كان هناك عدد قليل من الدراسات النوعية التي تسأل عن طريقة المواعدة، ويميل الناس إلى امتلاك الكثير من تلك المفاهيم التقليدية حول من يسأل من، ومن يدفع عن من، وأشياء ومن هذا القبيل. تُحجم النساء ويشعر الرجال بالعبء لتولي زمام المبادرة“.

إذا كان الرجال المغايرون جنسياً يميلون إلى أن يكونوا هم المبادرون، فما الذي يحدث بين المثليات؟

مقارنة بالرجال المثليين فإن سيناريوهات المثليات أكثر تركيزًا على العلاقة الحميمة، وأقل منه على الجنس.

بالنسبة إلى ثنائيّ الميول، على الرغم من أن انجذابهم الجنسي لا يتوافق مع الانجذاب الجنسي لدى المغاير، إلا أن أفعالهم لا تزال تطابق التوقعات التقليدية، لذلك لا تزال النساء ثنائيّات الميول يتصرفن كما تفعل أي امرأة عادية، إذ أنهن يتجنبن المبادرة.

شابة ترتدي فستاناً أحمراً
يشعر الناس بالأسف على الفرص الرومانسية الضائعة أكثر من الإحراج من المحاولات الفاشلة والمحرجة بعد طلب موعد خاص من شخص ما.

هنالك فوائد من الصداقات المغايرة بالطبع، فقد عبرت النساء عن حصولهن على الحماية من أصدقائهن من الجنس الآخر، وهو ما اعتبرنه إفادة كبيرة، وقال كل من الرجال والنساء أيضًا أن أصدقاءهم من الجنس الآخر يساعدون في تقديم المشورة بشأن كيفية جذب الشركاء، لذلك وجود أصدقاء من الجنس الآخر يساعدنا بالفعل.

لكن ما سبب تقديم وتلقي الحماية حتى بدون وجود رابطة عاطفية بين الرجل والمرأة؟

هذه السلوكيات متأصلة بعمق في ماضينا، إذ كما نعرف؛ فضّل أسلافنا الزواج الأحادي المتسلسل، حيث يكون الأزواج حصريين لشركائهم، لكنهم قد لا يبقون متزوجين مدى الحياة، حيث يمكن أن يكون لأمّ واحدة العديد من الأطفال من آباء مختلفين، وأثناء تربية الطفل كان من المفيد الحصول على الحماية والموارد من الرجل.

من خلال إنجاب أطفال من آباء متعددين واجتذاب رجال آخرين كأصدقاء؛ يمكن أن تحصل المرأة على الحماية من عدة رجال في نفس الوقت، ولغرض جذب الصداقات الذكورية قد يكون من الأسهل إطلاق إشارات جذب لاواعية.

تقول (أبريل بليسك-ريشك) من جامعة (ويسكونسن-يو كلير): ”النزعة الغربية تقول بأن تتزوج وتلتزم بشريكك فقط“، وتضيف: ”لكننا أكثر تعقيدًا من ذلك، يريد كل من الرجال والنساء التزاوج على المدى الطويل ولكن جميعهم على استعداد أيضًا للانخراط في تدابير الجنس على المدى القصير عندما يكون ذلك مفيدًا لهم“.

قد يكون هناك أيضًا اختلاف بسيط بين الاهتمام الجنسي والاهتمام الرومانسي، حيث أكدت إحدى الدراسات القاعدة العامة، التي مفادها أن الرجال يفرطون في الاهتمام الجنسي وأن المرأة تقلل منه، لكنها وجدت أيضًا أن القاعدة لا تنطبق على المشاعر الرومانسية، هذا يمكن أن يدعم فكرة أن التفسيرات الخاطئة تحدث عندما يركز الناس على أهداف قصيرة الأجل، ولكن ليس على علاقات طويلة الأمد. أو يمكن تفسير ذلك عن طريق حقيقة أن الإشارات الرومانسية أقل وضوحًا، أو لا يتم فهمها بشكل صحيح إلا بعد أن يكون لديك فكرة جيدة عما إذا كان الشخص الآخر مهتماً جنسياً بك.

نحن نبحث عن أصدقاء جذابين في اللاوعي في المقام الأول، مما يعني أنه من المحتمل أن تتطور لدينا المشاعر الرومانسية لأن هناك بالفعل شيء ما في صديقنا نراه مغريًا.

تقول (بليسك-ريشك): ”يتحيز الأصدقاء من الجنس الآخر للغاية لمدى جاذبية أصدقائهم، والرجال يفعلون ذلك على وجه الخصوص“، وتقول أن الطريقة التي يقيم بها الرجال مغايري الميول الصداقات مع النساء تشبه إلى حد بعيد طريقة اختيارهم لمن يواعدوهم، فهم يميلون إلى التقرب نحو الأشخاص الذين ينجذبون إليهم جسديًا وعاطفيًا، بغض النظر عما إذا كانوا يصلحون كأصدقاء أم لا.

نحن نبحث عن أصدقاء جذابين في اللاوعي في المقام الأول
نحن نبحث عن أصدقاء جذابين في اللاوعي في المقام الأول.

تكمل (بليسك-ريشك): ”تجعل الصداقات مع الجنس الآخر حياتك العاطفية معقدة للغاية.. منذ عقد من الزمن استيقظت ليلاً بعد أن راودني حلم كان فيه زوجي يقف خارج المدرسة ويتحدث مع إحدى الأمهات الأخريات، وهذه الأم هي صديقة لنا جذابة وطويلة ورشيقة، هي متزوجة من شخص قصير وزوجي طويل القامة، لذلك بطبيعة الحال ستنتابني الشكوك. كان يُضحكها في الحلم، وهي تُمثّل كل ما يؤرقني فيما يتعلق بالتنافس بين الإناث. استيقظت وضربته لأخبره عن الحلم، فيسألني: ’هل تريدين أن يكون لدينا أصدقاء أقل جاذبية؟‘.

لكن بعد كل شيء نحن نريد أصدقاء جذّابين يشبهوننا ويحفزوننا، لأنهم يقدمون عددًا من الفوائد بيد أن ذلك يأتي بثمن. إذا كنت على دراية بدوافع الجنس الآخر يمكنك أن ترى أن هذا وضع صعب“، وبذلك ندرك أنّ النساء يملن إلى الإفراط في تقدير جاذبية صديقاتهن المقربات مقارنة مع الغرباء.

ليست فكرة الرفض هي السبب في أننا نادراً ما نتصرف بناءً على الانجذاب الذي نملكه، فالناس يشعرون بالأسف على الفرص الرومانسية الضائعة أكثر من الأسف على المحاولات الفاشلة والمحرجة. في إحدى الدراسات عُرض على 10 آلاف شخص ملفات مختلفة لأشخاص آخرين من المحتمل لهم الخروج معهم ليقدموا ملاحظات حول احتمال نجاحهم في حال طلبهم ذلك، عندما أخبروا أن هناك فرصة بنسبة 45 ٪ أن يوافق شخص معين على موعدتهم فإن 83 ٪ منهم عزموا على طلب المواعدة، وعندما انخفضت الاحتمالات إلى 5٪ قال 41٪ منهم أنهم سيغتنمون الفرصة رغم أنه من المرجح أن يتم رفضهم، نحن كنوع بشري نفضل المخاطرات الرومانسية.

أحد النتائج التي تم التوصل إليها هو أن الناس بشكل عام أقل ميلًا لاعتبار أي لقاء مع صديق على أنه موعد بينهما، حتى في ظل ظروف تشبه المواعدة. إذا قام رجل مغاير الميول يزيد عمره عن 30 عامًا بدعوة صديقته إلى العشاء في يوم جمعة أو يوم السبت شخصيًا، فمن المرجح بمقدار 40٪ أن تعتبره طلباً للواعدة، لكن في حالة دعوة صديق الصديق بدلاً من ”الصديق“ في هذا السيناريو فمن المرجح أن تزيد النسبة إلى 85 ٪ إذا كان الرجل هو من طلب الموعد. (إذا كانت امرأة مغايرة الميول هي من تقوم بالطلب فغالبًا ما سيتم اعتبار دعوتها دعوة رومانسية لأن الرجال مغايري الميول في جميع الحالات تقريبًا من المرجح أن يعتبروا أي طلب للخروج معًا على أنه موعد). أما بالنسبة للشباب الأقل من 30 عاماً فتزيد النسبة بمقدار 3% لأنهم تقريباً يعتبرون أي شيء كطلب موعد.

مجموعة صديقات
تميل النساء إلى المبالغة في تقدير جاذبية صديقاتهن.

بعض الأمثلة الأخرى:

إذا أرسلت امرأة تزيد عن 30 سنة رسالة نصية لصديق ذكر تقترح عليه شرب القهوة في أحد أيام الأسبوع فهناك فرصة بنسبة 16٪ على أن يعتقد أنه موعد. (تنخفض الاحتمالات إلى 3٪ إذا تم عكس الجنسين لأن النساء المغايرات عادة ما يكن أقل ميلًا إلى التفكير بوجود غرض ما.)

إذا طلب رجل مثلي الجنس بعمر الـ30 عامًا أو أقل من صديق مثلي الجنس تناول مشروب يوم السبت فهناك فرصة بنسبة 32٪ أن يفكر الطرف الآخر في أنه موعد، تقفز النسبة إلى 41٪ إذا كانت الدعوة لتناول العشاء.

إذا اقترح رجل يبلغ من العمر 30 عامًا أو أقل تناول الغداء مع صديقته يوم السبت عن طريق الرسائل النصية فهناك احتمال بنسبة 16٪ في اعتقادها أنه موعد، إذا اقترح شرابًا فإن النسبة تصل إلى 25٪.

تحتوي السيناريوهات التي تكلمنا عنها على أربع متغيرات: مدى معرفتك بالشخص، طريقة الاتصال المستخدمة (رسائل نصية، وجهًا لوجه وما إلى ذلك)، نوع الوجبة المقترحة وأخيرًا اليوم المقترح من الأسبوع ليحدث فيه اللقاء. تحليلنا للموقف يسمح لنا بإجراء تغييرات في متغيرات معينة –مثل اختيار الدعوة على الطعام من المرجح أن يُنظر إليه على أنها موعد أكثر من الدعوة لشرب القهوة– إلا أن الموقف قد يصبح أكثر تعقيدًا اعتمادًا على المتغيرات الثلاثة الأخرى.

تقول (سامانثا جويل)، الأستاذة المساعدة في جامعة (ويسترن أونتاريو): ”الرفض مؤلم لكن الناس مازالوا يعبرون لبعضهم البعض عن مشاعرهم.. فبقدر ما يؤلمك الرفض يجب أن تقدم العلاقات شيئًا أكثر قيمة“.

يظهر نفس التأثير أيضًا عند الأفراد الأقل استقرارًا، مثل الأشخاص الذين يعانون من القلق أو تدني احترام الذات، والذين قد يكون الرفض لهم مؤلمًا أكثر من غيرهم. تقول (جويل): ”كانت هذه مفاجأة لنا لأن الأفراد الأقل استقرارًا يخشون الرفض ويتوقعون المزيد منه، وهو أمر غير صحيح في كثير من الأحيان.. هؤلاء الناس يريدون أن يكونوا محبوبين، والتهديد بعدم وجود أحد قربهم أقوى من تلقي الرفض، خوفهم بالرفض أشد من معظم الناس نعم، ولكنه كان الحافز على المخاطرة كذلك“.

تؤكد (آبي) أن مواقفنا تجاه أصدقائنا يمكن أن تتغير بسهولة فتقول: ”معظم الاهتمامات العاطفية تُبنى مع مرور الوقت.. قد تعتقد أنك في علاقة أفلاطونية ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يتغير ذلك. عندما تحاول التصرف وفقًا للشعور الجديد فقد ينجح ذلك بعض الأحيان كما الحالة في فيلم When Harry Met Sally، ولكنه لا ينجح في أحيان أخرى“.

تقدم النظرية التطورية تفسيرا دقيقا لأصول هذه السلوكيات، ولكن كما تشير (آبي) إذا أردنا تحدي أدوار الجنسين التقليدية في المواعدة فمن الأفضل النظر إلى تصرفاتنا وليس تاريخنا. وتقول: ”أعتقد أنه يمكنك استخدام النظريات التطورية ولكني أجد أن السيناريوهات الاجتماعية والأدوار الجنسانية أكثر فائدة لأنها هي التي يمكن أن تغيرنا“، وتضيف: ”هل تؤثر التكنولوجيا على جيناتنا؟ لا أعرف. لكنها ستغير من سلوكنا بالتأكيد“.

إذن فالخبر السيئ في حال كنت تترقب مواعدة صديق ما هي أن ”منطقة الأصدقاء“ حقيقية، وهذا يعني أنه ربما لا يرى أصدقاؤك الوقت الذي يقضونه معك كاحتمال أو سبيل لإقامة علاقة رومانسية تبتغيها، فتوقع الأسوأ لكن لا تتجنب المجازفة وعليك بها.

مقالات إعلانية