in

إلى أي مدى تستطيع كبت أفكارك الجنسية يا ترى؟

كبت الافكار الجنسية
صورة: GettyImages

يعتقد الكثير من ”مفرطي الحشمة“ أو المتشددين أن التفكير في الجنس يعادل ممارسته من ناحية العقاب والثواب، فكل من يفكر في الجنس كأنما يمارسه فعلا وله عقاب ذلك، ويختلف العقاب من دين لآخر، والنقطة المشتركة هي أن التفكير في الجنس إثم وعمل غير أخلاقي.

إذا كنت ممن يعتقدون بهذا الأمر أيضا عزيزي القارئ، فستعاني الأمرين لدى معرفتك بما يحصل فعلا داخل عقلك عندما تحاول كبحه عن التفكير بما ”تحب“ أنت، ومن أسباب ذلك أنه مهما يدعي البعض ويتصنعون العفة والفضيلة، فنحن البشر نفكر في الجنس كثيرا وتلك حقيقة علمية وواقع جُبلنا عليه، في الواقع ثبت علميا أن طلاب الجامعات من الذكور الطبيعيين يفكرون في الجنس بمعدل 34 مرة يوميا، بينما تفكر الإناث من نفس الفئة بالجنس بمعدل 19 مرة فقط في اليوم.

إذا كنت ممن يعتقدون بأن التفكير في الجنس خطيئة وحرام وإثم ورجس، فما عساك تفعله لتحول دون ذلك؟ واحدة من أشيع الطرق التي يلجأ إليها الناس للحؤول دون تفكيرهم بأمر الجنس وكل ما يتعلقه به -وتقريبا كل ما لا يرغبون في التفكير فيه- هي بممارسة مجهود عقلي مضنٍ لإخماد تلك الأفكار وكبتها.

غير أنه على الرغم من أن هذه الاستراتيجية قد تكون شائعة وذات شعبية بيننا نحن معشر البشر، غير أن مجموعة من الدراسات التي تم نشرها مؤخرا في مجلة ”بحوث الجنس“ اكتشفت أنها ليست فقط غير فعالة، بل أن لها آثارا ونتائج عكسية لما يؤمل من ورائها، وهو ما قد يقوض سعادتك الشخصية في نهاية المطاف.

كبت الافكار الجنسية

تناولت هذه الدراسات بحوثها مركزة على المقارنة بين مراهقين متدينين وآخرين غير متدينين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشر والثامنة عشر سنة فيما يتعلق بالطريقة التي يتعاملون بها مع الأفكار الجنسية غير المرغوب فيها، والآثار المترتبة عن ذلك على صحتهم العقلية. في أولى الدراسات، أكمل حوالي 661 مراهقا استبيانا ركز على الطريقة التي كانوا يشعرون بها تجاه الأفكار والتخيلات الجنسية التي كانت تراودهم، مع اقتراحات وردت في الاستبيان تراوحت بين: ”لا تنفكُّ تخيلاتي الجنسية تراودني مرارا وتكرارا“، و”تعيقني تخيلاتي الجنسية عن مهمات ذات أهمية كبيرة يتعين علي إنجازها“، و”أشعر بأن تخيلاتي الجنسية تسبب الأذى للأشخاص من حولي“.

وكان النمط الأوسع الذي خرج به هذا الاستبيان -وهو مثلما كان متوقعا- أن المراهقين المتدينين والمتشددين صروحوا بكونهم كانوا أكثر انشغالا وقلقا بأفكارهم وتخيلاتهم الجنسية من نظرائهم غير المتدينين.

تضمنت الدراسة الثانية 522 مراهقا وتوصلت هي الأخرى لنتائج مشابهة لما توصلت إليه الدراسة الأولى، لكنها خلصت كذلك إلى أن صحة المراهقين المتدينين النفسية كانت أسوأ، وبشكل خاص كانوا أقل سعادة وصرحوا بكونهم كانوا قلما يشعرون بالراحة النفسية والسلام، واكتشف كذلك بأن انشغال المراهقين المتدينين بكبت الأفكار الجنسية غير المرغوب فيها كان قرينا بمستويات الصحة النفسية المتدنية لديهم.

تضمنت الدراسة الثالثة 317 مراهقا وكانت أكثر توسعا عن سابقتيها من خلال اختبارها لنموذج إحصائي اكتشفت من خلاله أن:

  • أولا: ارتبط التدين بواقع فرض مجهود أكبر على كبت وتجنب الأفكار الجنسية.
  • ثانيا: اقترن كبت الأفكار وارتبط بانشغال مفرط ومهووس بالأفكار الجنسية غير المرغوب فيها.
  • ثالثا: اقترن الانشغال المفرط وارتبط بدوره بمستويات متدنية من الصحة النفسية.

خلاصة القول، يبدو أن الاستراتيجية التي كان المراهقون المتدينون يلجؤون إليها من أجل إيقاف تشغيل أفكارهم الجنسية -وهي كبت الأفكار بصورة داخلية وقمعها- كان لها نتائج عكسية حيث لم تقم سوى بجعلهم يفكرون بشكل أكبر في الجنس، وهو ما تسبب لهم في شعور كبير بعدم الارتياح وأثّر سلباً على سعادتهم الشخصية.

وقد جاءت نتائج هذه الدراسة مطابقة لدراسات نفسية سابقة خلصت إلى أن كبت الأفكار هو طريقة فاشلة لمنع العقل من التفكير في شيء لا ترغب في التفكير فيه (سواء أمرا جنسيا أم لا) لأنه بينما قد يساعدك في خفض مستوى تناول هذه الأفكار غير المرغوبة لبرهة من الوقت وعلى المدى القصير، فإن هذه الأفكار التي اجتهدت لكبتها ستعود إليك بقوة في وقت لاحق.

تجسد العرض الكلاسيكي لهذه الفكرة في ثمانينات القرن الماضي في سلسلة من الدراسات طُلب فيها من طلبة الجامعات بعدم التفكير في ”الدببة البيضاء“ وكبت كل فكرة تراودهم عن هذا الموضوع بينما أُتيح لآخرين التفكير في هذا الموضوع بحرية، وقد نجح الطلبة الذين طُلب منهم كبت أفكارهم في التفكير بهذا الموضوع بصورة أقل في بادئ الأمر، لكنهم اختبروا لاحقا عودة مرتدة وقوية لتلك الأفكار وجدوا فيها أنفسهم عالقين يفكرون في الدببة البيضاء بشكل أقرب ما يكون إلى الهوس، وبوتيرة أكبر من تلك لدى الطلبة الذين أتيح لهم التفكير في الموضوع بحرية.

ما يمكننا تعلمه من هذه الدراسات هو أن تلقين الناس بأن جميع الأفكار التي تراودهم حول الجنس هي ”خطيئة“ و”رجس“ و”رذيلة“ له عواقب وخيمة قد تؤدي بهم إلى حالة الهوس بهذه الأفكار التي تسبب الأذى في نهاية المطاف لصحتهم العقلية، وتحدث بها أضرار قد يستحيل معالجتها فيما بعد.

ولهذا السبب يتعين علينا أن نتوقف عن محاولة كبح أفكارنا وكبتها، خاصة الجنسية منها، وبدل ذلك أن نتعلم كيف نتصالح معها ونتعايش معها بسلام، فهي عندما تنفذ منا تجعلنا نفقد السيطرة عليها وتبدأ هي بالسيطرة علينا واقتيادنا من محطة إلى أخرى، أو الأسوأ من مشكلة إلى أخرى، ومن أجل التوضيح: لا يعني هذا أن تنصاع لكل فكرة جنسية تخطر ببالك وتسعى لتطبيقها أو ممارستها، فقط تعلم كيف تتعايش معها وتتقبل واقع أن الرغبة الجنسية جزء لا يتجزأ من هويتك البشرية التي جُبلت عليها.

مقالات إعلانية