in

القضيب الاصطناعي (ديلدو): ثلاثون ألف سنة من التاريخ

ابتداء من العصور الحجرية، فاليونان القديمة، إلى زمننا الحاضر، لقد كانت هناك أداة واحدة ظلت البشرية كلها تستخدمها تقريباً.

قضبان اصطناعية من العصور الحجرية

على عكس ما قد يعتقده الكثيرون، فإن القضيب الاصطناعي (ديلدو) ليس اختراعاً حديثاً، بل إنه أداة قديمة يعتقد أن جذورها تمتد حتى العصر الحجري. حاول علماء الآثار تصور استخدامات غيرجنسية لبعض الأغراض ذات الشكل الفريد التي تعود لهذه الفترة، والتي كانوا يشيرون إليها عبثاً باسم ”هراوات العصر الجليدي“، غير أن الرأي العلمي صار يتحول تدريجياً نحو فكرة أن هذه الأغراض كانت تستخدم للمتعة الجنسية.

**تحذير: يحتوي هذا المقال على صور لمنحوتات أثرية قد تكون فاضحة وخادشة للذوق في نظر البعض، خاصة في أماكن العمل.

يعود هذا التغير الجذري في وجهة النظر إلى الطبيعة المفصّلة بشكل دقيق لهذه الأغراض، على سبيل المثال، لدى بعض هذه الأدوات قلفات منسحبة للخلف أو غائبة تماماً، كما تزينها بعض المعادن المزروعة (البيرسينغ)، والأوشام، أو الندوب.

إن هذا التميز والتفرد في الشكل، بالإضافة إلى الحجم الذي يشبه الحجم الطبيعي والحقيقي كثيراً، والسلاسة، والطبيعة الملساء لهذه الأغراض؛ قاد العلماء والباحثين إلى الاعتقاد بأن هذه ”القضبان“ القديمة الأثرية كانت تستخدم حقيقة كأدوات للمتعة.

قضيب اصطناعي حجري من العصر الحجري، يعود تاريخه إلى 29 ألفا قبل الميلاد، عثر عليه في ألمانيا حالياً.
قضيب اصطناعي حجري من العصر الحجري، يعود تاريخه إلى 29 ألفا عاما قبل الميلاد، عثر عليه في ألمانيا حالياً.
قضيب اصطناعي حجري يبلغ من العمر 28 ألف سنة عثر عليه في ألمانيا.
قضيب اصطناعي حجري يبلغ من العمر 28 ألف سنة عثر عليه في ألمانيا.
قضيب اصطناعي منحوت من الجبس يعود تاريخه إلى سنة 28 ألف قبل الميلاد، يعرض حاليا في متحف مقاطعة (دورسيت) في إنجلترا.
قضيب اصطناعي منحوت من الجبس يعود تاريخه إلى سنة 28 ألف قبل الميلاد، يعرض حاليا في متحف مقاطعة (دورسيت) في إنجلترا.

بعد العصور الحجرية، لم يبحث الإغريق القدماء بعيداً جداً في العالم الخارجي بحثاً عن المتعة والإلهام فيما يتعلق بالقضبان الاصطناعية، بل وجهوا أنظارهم داخل المطبخ المنزلي، حيث كان واحد من أسوأ ممارساتهم سمعة هو استخدامهم القضيب الاصطناعي المعد من الخبز بشكل كلي.

لقد تم توثيق صور ”ديلدو الخبز“ بأعداد كبيرة من عدد متنوع من المصادر، هذا على الرغم من أننا مازلنا نجهل ما إن كان استخدامها شعائريا أم للمتعة اليومية لا غير.

قضيب اصطناعي إغريقي قديم.
قضيب اصطناعي إغريقي قديم.

فضلا عن ذلك، استخدم الإغريق القدامى القضيب الاصطناعي في سياقات مختلفة. في مسرحية (أريستوفان) الشهيرة بعنوان «ليسيستراتا» على سبيل المثال؛ كانت النساء الإغريقيات يدخلن في إضراب عن المعاشرة، وكانت هذه الإضرابات تقود إلى مناقشة استخدام القضيب الاصطناعي من أجل إشباع رغباتهن الحميمية بينما يواصلن احتجاجاتهن.

في تلك الأثناء، وفي الجانب الآخر من العالم، قادت ثروة سلاسة (هان) الغربية الحاكمة في الصين الطائلة (206 قبل الميلاد – 220 قبل الميلاد) إلى تشييدهم لأضرحة معدّلة ومعقدة بشكل يثير الذهول، والتي كانت تحتوي على صف متنوع من الأغراض المثيرة، بما في ذلك عدداً من الألعاب الجنسية القديمة. بشكل أساسي، كان آل (هان) يعتقدون أن أرواحهم ستستمر في العيش داخل هذه الأضرحة في الحياة الآخرة، وكان ملوك هذه السلالة وأفراد بلاطها يرغبون في الحفاظ على نفس معايير الحياة الباذخة بعد موتهم، مما كان يعني أنهم كانوا يصطحبون معهم إلى قبورهم ممتلكاتهم المهمة، بما في ذلك القضبان الاصطناعية المصنوعة من البرونز.

قضيب اصطناعي برونزي من مقاطعة (جيانغسو) في الصين، يعود تاريخه غلى القرن الثاني قبل الميلاد.
قضيب اصطناعي برونزي من مقاطعة (جيانغسو) في الصين، يعود تاريخه غلى القرن الثاني قبل الميلاد.

كانت هذه الألعاب ”مساعدات“ شهوانية شائعة بين نخبة آل (هان) وكانت منتوجات ذات نوعية رفيعة، غير أنه على الرغم من كون هذه القضبان الاصطناعية عبارة عن ألعاب جنسية فإنها كان لها في نفس الوقت وظيفة أخرى. يقول (جاي تشو)، من متحف الفن الآسيوي في (سان فرانسيكو): ”عندما أقول ’أداة‘؛ فأنا أعني في نفس الوقت أن هذه القضبان كان لها هدف أكبر من مجرد المتعة الجسدية“، واستطرد قائلاً: ”كانت سلالة (هان) تؤمن بأنه من الممكن تحقيق التوازن بين الين واليان والمبادئ الروحانية الذكرية والأنثوية أثناء المعاشرة الحميمية… من هذا المنطلق، كان للممارسة الحميمية التي تكون ممتعة وتدوم لفترة زمن معينة بُعد روحاني حقيقي“.

ومنه بالنسبة لسلالة (هان)، كان إدراج هذه الألعاب الفاخرة في قبورهم يتعدى مجرد كونه فكرة شهوانية للحياة الآخرة. بدل ذلك، لقد كان خطوة حيوية ومهمة نحو السهر على أن الأموات سيحظون بحياة هادئة وجميلة في الآخرة.

بالتقدم بالزمن نحو القرن السادس عشر والثامن عشر في أوروبا؛ أصبح القضيب الاصطناعي أداة أكثر فضحاً من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، حيث وثّق المؤلف الإيطالي (بييترو أريتينو) كيف أن راهبات الكنيسة بدأن يستخدمن القضيب الاصطناعي في القرن السادس عشر من أجل ”إخماد نار الشهوة المتقدة فيهن“.

منحوتة قضيب اصطناعي من قرن وعل اكتشفت في السويد ويعود تاريخها إلى العصر الحجري (6000 إلى 5000 قبل الميلاد).
منحوتة قضيب اصطناعي من قرن وعل اكتشفت في السويد ويعود تاريخها إلى العصر الحجري (6000 إلى 5000 قبل الميلاد).

بعد قرن لاحقاً، أصبح القضيب الاصطناعي متوفراً أكثر بين يدي أثرياء المجتمع، غير أن وفرتها المتزايدة لم تكن تعني أنها كانت مقبولة في مجتمع ”متخلّق“، فعندما تجرأ (جون ويلموت)، إيرل (روتشيستر)، على استيراد القضبان الاصطناعية إلى إنجلترا من أجل ناديه الجنسي في سنة 1670؛ تم تدميرها وإتلاقها جميعها على الفور.

قضيب اصطناعي ملمّع. حوالي القرن الثامن عشر
قضيب اصطناعي ملمّع. حوالي القرن الثامن عشر
قضيب اصطناعي فرنسي مصنوع من العاج كامل التفاصيل لدرجة بإمكانه محاكاة القذف. حوالي القرن الثامن عشر.
قضيب اصطناعي فرنسي مصنوع من العاج كامل التفاصيل لدرجة بإمكانه محاكاة القذف. حوالي القرن الثامن عشر.

دون ذلك، يبدو أن عدداً كبيرا من الناس تجاهلوا ما كان قد حصل مع (ويلموت) واستمروا في محاولة الحصول على القضيب الاصطناعي، كما بدأت النساء الإنجليزيات صناعة القضيب الاصطناعي الخاص بهن، في الواقع، تم سن قوانين تجرّم امتلاكها واستعمالها.

في نفس الحقبة التاريخية في عهد سلالة (إيدو) في اليابان، كان للناس موقف مختلف جدا ومتسامح كثيراً تجاه هذه الألعاب، حيث كان اليابانيون يبرزون هذه الأدوات والألعاب في كتبهم وصورهم الإباحية التي عرفت باسم (شونغا)، وفي (الشونغا) كانت النساء تظهرن وهن يشترين القضيب الاصطناعي ويستمتعن به.

بصفة عامة، في هذا النوع من الأدب، تم إبراز النساء على أنهن ذوات ميل ونشاط حميمي كبير جداً، لدرجة تم إبرازهن فيها على أنهن أصبحن ”المتحرشات“. حتى بعد أن حظرت الحكومة اليابانية (الشونغا) في سنة 1722، ازدهرت تجارتها في الأسواق السرية.

مجموعة من الألعاب الجنسية اليابانية التي يرجح تاريخها إلى حوالي ثلاثينات القرن الماضي.
مجموعة من الألعاب الجنسية اليابانية التي يرجح تاريخها إلى حوالي ثلاثينات القرن الماضي.

في العصور الحديثة، أصبح القضيب الاصطناعي يُصنع من عدد من المواد، غير أن المادة الأكثر نجاحا حتى الآن هي مادة السيليكون.

ديلدو السيليكون الذي اخترعه (غوزنيل دونكان):

في سنة 1965، تعرض (دونكان) لإصابة جعلته مشلولاً من ناحية أطرافه السفلى، ألهمته حادثته تلك ليصبح ناشطاً في حركات ذوي الاحتياجات الخاصة، وراح ينادي بتحسين وتطوير بدائل القضبان البشرية وجعلها أكثر أماناً.

خلال الستينات والسبعينات الماضية، كان القضيب الاصطناعي يصنع بشكل واسع من مادة المطاط، والتي أثبتت كونها مادة مريعة لأداء هذه الوظيفة، حيث لم تكن قادرة على تحمل الغسل المستمر والتعرض للحرارة دون أن تفقد بينتها الأصلية. دون ذلك، كانت القضبان الاصطناعية تباع فقط كمواد معينة طبية، وكانت شريحة زبائنها المستهدفة محصورة على الأزواج المغايرين الذين كانوا يعانون مع الممارسة الحميمية.

غير أنه في مطلع سبعينات القرن الماضي، جاء (دونكان) باختراع (ديلدو) السيليكون، الذي أراد منه مساعدة طبية للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. غير أنه، وكما نعلم جميعاً، شاع هذا الاختراع بين كل من كان يبحث عن تحسين حياته الحميمية.

قبل زمن (دونكان) بكثير، حافظت الألعاب الذكرية عبر التاريخ على مظهرها وشكلها وطولها، وظلت تحتفظ بكونها تلك الأدوات المحظورة التي يجب إخفاؤها على مر ألف من الزمن في الكثير من ثقافات العالم. أما اليوم، أصبحت الألعاب الجنسية من الأدوات التي تباع بشكل مفتوح أكثر في الكثير من ثقافات العالم، كما تحولت إلى صناعة حصدت 15 مليار دولار في سنة 2015 وحدها وفقا لمجلة (فوربس).

يمكننا الآن الجزم بأن القضيب الاصطناعي (ديلدو) قطع شوطا كبيرا من العصور الوسطى وصولا إلى زمننا الحاضر.

بضعة قضبان اصطناعية محمولة مع ما يشبه قلفات مسحوبة أو غائبة تماماً، مع بعض المعادن المزروعة (بيرسينغ)، والندوب والأوشام، يعود تاريخه إلى 12000 قبل الميلاد.
بضعة قضبان اصطناعية محمولة مع ما يشبه قلفات مسحوبة أو غائبة تماماً، مع بعض المعادن المزروعة (بيرسينغ)، والندوب والأوشام، يعود تاريخه إلى 12000 قبل الميلاد.

مقالات إعلانية