in

دخلك بتعرف الخلود الحقيقي… على الأقل بيولوجيا

قنديل البحر

من المذهل قدرة الكائنات الحية على النجاة في أعتى الظروف، لكن ماذا لو أخبرتك أنه بإمكانك الضغط على مفتاح الإعادة (reset) عندما تواجه الخطر!؟ حسنا هناك كائن واحد يمتلك هذه القدرة الخارقة، نوع من قناديل البحر…

يعد قنديل Turritopsis dohrnii المكتشف في ثمانينات القرن التاسع العشر في البحر الأبيض المتوسط من الكائنات المميزة بقدرتها على التحمل. ومثل كل قناديل البحر الأخرى يبدأ هذا الكائن حياته في مرحلة اليرقة أو ما يسمى بالبلانيولا (كما في الرقم 1) والتي تطورت من بويضة مخصبة.

تبدأ البلانيولا حياتها سباحة ثم تستقر في قاع المحيط حيث تنمو لتشكل مستعمرة اسطوانية الشكل او ما يسمى بالسليلة (الرقم 7)، بعد انتهاء هذه المرحلة تنطلق الميدوسا (الرقم 12)، والتي تنمو إلى أن تصل إلى البلوغ خلال عدة أسابيع فقط وهو الشكل المعروف لدينا عن قنديل البحر (الرقم 14).

مراحل نمو قنديل البحر
مراحل نمو قنديل البحر

القنديل البالغ من فصيلة Turritopsis dohrnii لا يتجاوز طوله 4.5 مليمتر—أي اصغر من ضفر اصبعك الصغير—، و يتميز بمعدة حمراء واضحة تبرز خلال جسده الشفاف في الوسط تقريبا، ويمتد من جسده ما يقارب الـ90 مجس أبيض، لكن ما شد انتباه العلماء لهذه الكائنات هو قدرتها الهائلة على البقاء.

يستجيب هذا الكائن المذهل للضرر الجسدي أو حتى للجوع بما يشابه ضغط زر إعادة التشغيل، حيث أنه يعود بالزمن في تطوره ويعود للشكل السليلي الذي تحدثنا عنه قبلا، في عملية هي أقرب ما يكون للخلود، حيث يبدأ السليل العائد بالنمو من جديد ليصل لمرحلة البلوغ مرة أخرى، تم تسجيل هذه الظاهرة لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي وسمي خلالها هذا الكائن بقنديل البحر الخالد.

قنديل البحر

التفسير لهذه الظاهرة يأتي عن طريق دراسة خلايا هذا الكائن حيث تسمى هذه العملية بالتمايز التحولي Transdifferentiation، ويهتم العلماء بهذه العملية لما تحمله من امكانات مذهلة للاستخدام في مجال الطب، فعن طريق التمايز التحولي يمكن لخلية بالغة متخصصة في مكان معين من الجسم من أن تصبح خلية مختلفة تماما—مثل أن تتحول خلية ظهارية في الجلد إلى خلية عصبية في الدماغ!—، تعد هذه العملية من التطبيقات المهمة في دراسة الخلايا الجذعية ويمكن للعلماء عن طريقها استبدال الخلايا المتضررة، سواء من مرض أو حادث، بخلايا سليمة جديدة.

أما بالنسبة لبطل مقالنا القنديل Turritopsis dohrnii، فهو ليس فقط بطل في البقاء، بل وهو معتدٍ شرس أيضا، الكائنات الحيدية معروفة بأنها تنتقل حول العالم عن طريق السفن، يعرف العلماء على قنديلنا بأنه متسلل بارع، حيث انه يستطيع النجاة في الرحلات الطويلة متعلقا بالسفن التجارية.

في نفس الدراسة، سجل العلماء كائنات متماثلة جينياً من قنديلنا الخالد حول العالم في مختلف المحيطات مما أثار السؤال الفلسفي حول تعريف وطبيعة الخلود. إذا تم استبدال كل خلايا كائن ما؛ هل يبقى نفس الكائن؟ نعم يملك نفس الجينات بالطبع لكن.. حسنا، بيولوجيا هذا يكفي لاعتباره فعلا كائنا خالدا.

مقالات إعلانية