in

كيف يتم التخلص من ناطحات السحاب وهدمها في وسط المراكز الحضرية المكتضة

لابد أن حجم ناطحات السحاب والطموح الذي ترمز له يقود الكثيرين منا إلى الاعتقاد بأنها كيانات دائمة لا تزول في المدن المتطورة، لكن على الرغم من كل ذلك الحجم الهائل والحضور القوي، تبقى هذه الهياكل الهائلة الحجم هي الأخرى قابلة للتعويض والتبديل شأنها شأن أي شيء آخر يصنعه الإنسان أو يبنيه.

وباعتبار هذا الواقع، يتبادر إلى أذهاننا التساؤل التالي: ما الذي يتم فعله إزاء هذه المباني الكبيرة عندما تبلغ فترة انتهاء صلاحيتها؟ كيف يتم تدميرها في وسط مدن متطورة للغاية وذات كثافة سكانية عالية؟

إلى يومنا هذا، لم يتم تدمير سوى بضعة مباني يتجاوز ارتفاعها 150 مترًا، والعملية التي يتطلبها الأمر معقدة للغاية، ومتخصصة جدا، ومحفوفة بالتحديات.

في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، سنتناول الطريقة الفعالة التي يتم اتباعها من أجل تدمير وهدم ناطحات السحاب في المراكز الحضرية، وفي عالم أصبح يبني المزيد والمزيد من المباني الشاهقة، ويستبدل بعضها بالبعض الآخر.

تعتبر ناطحات السحاب طريقة جد فعالة من أجل خلق المساحات في مراكز المدن ذات الكثافة السكانية العالية، وبما أن فترة صلاحيتها تتراوح بين 50 إلى 100 سنة، تتحول الكثير من ناطحات السحاب إلى مجرد مباني لا تمنح نوع المساحة المرجوة في مراكز حضرية عصرية.

اليوم، ارتفع عدد ناطحات السحاب والمباني الشاهقة التي تقرر هدمها حول العالم حتى تفسح المجال أمام مباني أكبر حجما وأكثر ارتفاعًا.

في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة على سبيل المثال، أصبحت ناطحة السحاب 270 Park Avenue التي يبلغ ارتفاعها 216 مترًا أطول مبنى في العالم يتم هدمه، وذلك من أجل إفساح الطريق أمام تشييد مبنى JP Morgan Chase ذي السبعين طابقًا.

ناطحة السحاب 270 Park Avenue
ناطحة السحاب 270 Park Avenue. صورة: Wikimedia Commons

عندما نفكر في عملية هدم مبنى، تتبادر إلى مخيلة الكثير منا كرات الهدم الفولاذية الضخمة والتفجيرات الدرامية على نطاق واسع، وبينما قد تكون هذه الطرائق هي الأسرع في تدمير وهدم مباني هائلة الحجم مثل الملاعب أو الكازينوهات، فإن استخدامها ضمن مناطق حضرية ذات كثافة سكانية عالية يجلب معه الكثير من المخاطر، ناهيك عن كون تأثيرات الضجيج والغبار وأمن وسلامة السكان والمباني المجاورة يمنع استخدامها من أساسه.

بدلا من الانهيار في غضون ثوانٍ على الطريقة التقليدية، تبقى إزالة ناطحة سحاب من الوجود عملية يتم التخطيط لها بعناية ويتم إجراؤها قطعة بقطعة، تماما مثل تشييد مبنى لكن بالطريقة العكسية، ربما كان من السهل التفكير في العملية على أنها ”تفكيك“ أكثر منها ”هدمٌ“.

بينما قد يتخذ التخلص من ناطحة سحاب ما عدة أشكال، فإنه في الطريقة الأساسية والأكثر شيوعا يبدأ المقاولون والعمال والمهندسون التفكيك من القمة ثم يشقون طريقهم نزولا إلى الأساس حتى لا يبقى من المبنى شيء.

بمجرد أن تتم الموافقة على مخططات الهدم وبمجرد أن تحصل الشركة المسؤولة على الترخيص من السلطات المعنية في المدينة، يجب على الهندسين أولا احتواء وإزالة أية مواد مضرة، على شاكلة مادة (الأبسيتوس) التي تستخدم لعزل الحرارة ومنع انتشار الحرائق، حتى يتم تجنب تلويث المنطقة المحيطة.

يصبح بعدها المبنى محاطا بالسقالة والشبكات الواقية من أجل خفض تأثير الضجيج والغبار والحطام قدر الإمكان على العامة والملكيات العقارية المجاورة.

في معظم الأحوال، قد تملي العملية جعل ناطحة السحاب المراد هدمها منطقة مسيّجة بالكامل —مثلما جرى مع مبنى AMP Tower في سيدني البالغ طوله 188 مترًا خلال عملية هدمه الجزئية سنة 2019—، غير أن الحجم الهائل لمبنى 270 Park Avenue في نيويورك يملي تقسيم عملية الهدم إلى أربعة مراحل، حيث تم تحويل المستويات 16 و29 و41 من المبنى إلى قواعد لدعم السقالة في كل قسم يعلوها من البرج.

مبنى AMP Tower في سيدني البالغ طوله 188 مترًا وهو مغطى بالسقالة بعد الشروع في عملية ”تفكيكه“ من القمة نزولاً.
مبنى AMP Tower في سيدني البالغ طوله 188 مترًا وهو مغطى بالسقالة بعد الشروع في عملية ”تفكيكه“ من القمة نزولاً. صورة: Wikimedia Commons

وبما أن كل قسما من الأقسام الأربعة كان منطقة مسورة بالكامل، فقد تمت إزالة كل التجهيزات الداخلية، والمرافق، وفي نهاية المطاف حتى النوافذ، ولم يبق من المبنى سوى الخرسانة والفولاذ.

تتنوع طرائق نقل الحطام والنفايات من قمة المبنى إلى أسفل الشارع من مشروع هدم إلى آخر، غير أن معظم شركات المقاولة تميل إلى استخدام المزالق لنقل الحطام غير الهيكلي، مما يقلص زمن الحاجة للرافعات في الموقع.

بعد إزالة النوافذ وتجريد البرج من كل لواحقه حتى لا يبقى منه سوى الهيكل الأساسي المتكون من الخرسانة والفولاذ، ينتقل المشروع لاستخدام الجرافات الصغيرة الحجم والأدوات اليدوية لتكسير الخرسانة وقطع الهياكل الفولاذية.

يتم تكرار هذه العملية بثبات عند كل مستوى حتى لا يبقى من ناطحة السحاب شيء على الأرض.

على الرغم من أنه توجد العديد من البدائل عن هذه الطريقة، على شاكلة ”الهدم الخلاق“ الذي يتم استخدامه في اليابان حيث يتم احتواء جميع الأشغال ضمن بنية هيدروليكية واحدة، فإن المبادئ الأساسية تبقى ثابتة في كل طريقة.

يتم تحويل المستويات المشار إليها بالأسهم إلى قواعد لدعم السقالة في كل قسم يعلوها من البرج. صورة: JP Morgan Chase
يتم تحويل المستويات المشار إليها بالأسهم إلى قواعد لدعم السقالة في كل قسم يعلوها من البرج. صورة: JP Morgan Chase

بما أن هدم وتدمير ناطحة سحاب كاملة ينتج عنه الكثير من الحطام والركام، فمن المهم التنويه إلى أن تكاليف مكبات النفايات تشكل قسما كبيرا من صفقة الهدم، وعلى إثر ذلك يتم بذل مجهودات كبيرة من أجل خفض حجم الحطام والنفايات التي يتم إرسالها للتخلص منها في مكبات النفايات، وذلك من خلال إعادة تدوير ورسكلة النفايات المستخرجة قدر الإمكان.

إلى يومنا هذا، تم تحويل حوالي 90 في المائة من ركام مبنى 270 Park Avenue وإعادة تدويره بدلا من إرساله إلى مكبات النفايات.

لابد أن تكاليف ومجهودات هدم ناطحة سحاب كاملة يجعل منها عملا جبارا يستدعي الكثير من الاهتمام والعناية، كما أنه ينظر إليه من قبل الكثير من المطورين العقاريين على أنه الملاذ الأخير في الكثير من الأحيان.

وعلى الرغم من أنه من المقرر هدم الكثير من ناطحات السحاب في المستقبل القريب، فقد أصبح ”تكييف المباني“ بديلا وخيارا أفضل عن الهدم، ويعتبر ”تكييف المباني“ هذا عملية تسهر على التعديل على ناطحات السحاب بشكل معتبر من أجل إعادة استعمالها لأغراض جديدة، بينما تبقى محتفظة بجلّ هياكلها الأساسية.

مقالات إعلانية