in

إليكم كيف تعترض القبة الحديدة في إسرائيل صواريخ حماس

نظام القبة الحديدية
نظام القبة الحديدية الذي اعتمدته إسرائيل لحماية نفسها من صواريخ حماس. صورة: NYT

مع تصاعد العنف والاصطدامات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، عادت أصوات صافرات الإنذار المألوفة لتصدح في سماء جنوب إسرائيل، ترافقها انفجارات في السماء لتلك الصواريخ بعدما اعترضها صواريخ نظام القبة الحديدية.

على الرغم من عودة هذه الحلقة المفرغة والمتمثلة بالصواريخ الفلسطينية وصواريخ نظام الدفاع الإسرائيلي التي تتصدى لها، ثم القصف بالطائرات على قطاع غزة، كان الصراع هذه المرة أشد بصورة غير مسبوقة.

ماهي القبة الحديدية التي تتباهى بها إسرائيل؟

يقوم الرادار باكتشاف وتحديد الأجسام الغريبة، ويعمل أيضاً على توجيه صواريخ القبة الحديدية. صورة: Wikimedia

القبة الحديدة، في الحقيقة، هي نظامُ دفاعٍ جوي طوّرته أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، بمساعدة تقنية ومالية من الولايات المتحدة. ودخل هذا النظام الخدمة عام 2011، فكان الهدف منه اعتراض وإيقاف الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية من عيار 155 ملم، أي القذائف والصواريخ المشابهة لما كان يُطلق من القطاع.

خلال الحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006، أطلق حزب الله آلاف الصواريخ على إسرائيل، وبعد عام على الحرب، أعلنت شركة رافائيل ابتكارها نظام دفاع جوي جديد لحماية المدن والسكان، وأنها طورت هذا النظام مع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية.

طرأت عدة تحديثات وتطويرات على النظام، لكن بشكل عام، يعمل النظام على تحديد الصواريخ القادمة من الخارج، ثم إطلاق صواريخ تعترضها من خلال وحدات إطلاق.

أما عملية الرصد والإطلاق، فهنا تعتمد القبة الحديدية على 3 أنظمة رئيسة تعمل سوية لتوفير غطاء فوق المنطقة التي توضع فيها، والتعامل مع عدة مخاطر في الآن ذاته. فهي مزودة بنظام رادار وتحليل ونظام التحكم في الأسلحة وإدارة المعارك، وعدد من وحدات إطلاق الصواريخ.

إحدى الميزات التي تتمتع بها القبة الحديدية هي قدرتها على العمل في كافة الظروف الجوية، وفي الليل أو النهار، وهذا بفضل الرادار القادر على رؤية أصغر الأجسام، وقادرٌ على تتبعها بدقة، وغالباً ما يملك نظام الدفاع الواحد رادارين أو ثلاثة.

في البداية، يحدد الرادار ما إذا كان الصاروخ القادم، أو القذيفة، يمثل خطرًا أم لا، ثم يقوم الحاسوب بتقدير وحساب نقاط الاصطدام، ويطلق النظام صاروخًا معترضًا فقط في حال كان الصاروخ القادم سيضرب أماكن مأهولة بالسكان أو منشآت بالغة الأهمية.

تُطلق تلك الصواريخ المعترضة شاقوليًا، إما من وحدات متحركة أو مواقع إطلاق ثابتة، وهنا يأتي دور الرادار، حيث يقوم بتوجيه الصاروخ المعترض حتى يصل إلى الصاروخ القادم.

بعد إطلاق الصاروخ المعترض، يقوم الأخير بالمناورة حتى يصل إلى الصاروخ القادم ويفجره، ما ينتج تلك الانفجارات المهولة في السماء، والتي يصاحبها أصوات صافرات الإنذار التي أصبحت مشهدًا مألوفًا خلال فترات الصراع بين الطرفين.

على أي حال، لا تستطيع كافة الصواريخ المعترضة أن تصيب أهدافها بنسبة 100 بالمئة، لذا زودت إسرائيل هذه الصواريخ بصمام تفجير اقترابي، أو الصمام الذي يتم التحكم به بواسطة الليزر. بمعنى آخر، عندما ينطلق الصاروخ المعترض ويصل إلى مسافة قريبة من صواريخ حماس، بما لا يزيد عن 10 أمتار، ينفجر الصاروخ المعترض مطلقًا شظايا قادرة على تدمير الهدف.

يطلق نظام القبة الحديدية الصاروخ لاعتراض صواريخ حماس، حيث ينفجر في الجو ويدمر الهدف. تدعي إسرائيل أن نسبة نجاح اعتراض الصواريخ الفلسطينية تصل إلى 90%. صورة: Moti MIlrod / AP

منذ أن أنشأت إسرائيل نظام القبة الحديدية، لم تطرأ تغيرات على العتاد الصلب، لكن التغيرات التي أُدخلت على البرمجيات جعلت النظام أكثر كفاءة مع السنين، فأصبحت القبة الحديدية قادرة على اعتراض صواريخ كروز والطائرات بدون طيار.

لكن القبة الحديدية لم تسلم من الانتقادات، سواء انتقادات بخصوص كفاءتها أم انتقادات أخرى بخصوص اختيار هذا النظام الدفاعي.

يرى البعض مثلاً أن القبة الحديدية تُطيل أمد الصراع، فمثلاً، كتب العالم والسياسي الإسرائيلي (يوآف فورمر Yoav Former) في صحيفة واشنطن بوست عام 2014 أن «القبة الحديدية ستضر أكثر ما تنفع مع مرور الزمن، وقدرة القبة الحديدية على حماية الإسرائيليين من هجمات الصواريخ المتكررة لن تزيل مشاعر الاستياء والرغبة في مواصلة النضال من طرف الفلسطينيين، وذلك أساساً ما أدى إلى إطلاق تلك الصواريخ».

في المقابل، ينتقد الكثيرون كفاءة القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ، لكن ما حقيقة هذا الانتقاد؟

صورة توضح كيفية انفجار الصواريخ المعترضة الإسرائيلية في الجو أثناء تدميرها صواريخ أُطلقت من قطاع غزة، الصورة من عسقلان. صورة: NIR ELIAS / REUTERS

يدعي المسؤولون الإسرائيليون وشركات الدفاع أن النظام نجح في إيقاف آلاف الصواريخ والقذائف المدفعية من ضرب أهدافها، وبلغت نسبة نجاح عمليات الردع إلى 90 بالمئة.

لكن الكثير من المحللين الإسرائيليين يرون أن تلك الأرقام ليست دقيقة، واتفق الخبراء على أن نسبة النجاح الحقيقية فوق الـ 80 بالمئة. ويدعي الخبراء أيضاً أن جماعات حماس والجهاد الإسلامي بدأت تعتاد على هذا النظام.

بالنسبة للجانب الإسرائيلي، ساهمت القبة الحديدية في إنقاذ حياة الكثير من الإسرائيليين، وسمحت بخلق درجة من الاعتدال في المناطق الجنوبية من البلاد التي كانت عرضة لوابل من الصواريخ سابقاً، ولذلك، يدّعي أنصار القبة الحديدية في إسرائيل أنها تتيح لبلدهم التعامل مع الحرب في غزة بدون الحاجة إلى إرسال الجنود، أي مثلما حدث سابقاً في عامي 2008 و2009.

إحدى السلبيات الأخرى لنظام القبة الحديدية هي التكلفة الكبيرة نسبياً، حيث تبلغ تكلفة كل صاروخ في البطارية 50 ألف دولار، بينما تبلغ كلفة البطارية نفسها 50 مليون دولار، أقامت إسرائيل 5 أنظمة قبة حديدية استخدمتها خلال حربها على غزة عام 2012، وبلغ عدد البطاريات اليوم 10، وبهذا، تدفع إسرائيل مليارات الدولارات لتطوير وبناء وإعادة تحميل النظام، وتساهم الولايات المتحدة بـ 1.3 مليار دولار.

لكن ماذا عن الصواريخ الفلسطينية؟ وما هي المصاعب التي تفرضها على نظام القبة الحديدية؟ إذ من الواضح أن الصواريخ التي تطلقها حماس قادرة على إصابة الأهداف، وهذه النسبة التي لا تستطيع القبة الحديدية اعتراضها، حتى لو كانت 10% فقط، فهي تسبب أضرارًا كبيرة، وتصل في كثير من الأحيان إلى أماكن مأهولة بالسكان.

صحيح أن القبة الحديدية تساهم في اعتراض عدد كبير من الصواريخ، لكن الصواريخ الأخرى التي أصابت هدفها تبقى مشكلة، بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة نسبياً لتشغيل نظام القبة الحديدية. صورة: AFP

يبدو أن السر يكمن في ترسانة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، حيث يقدر الخبراء الذين يتابعون ويحللون ترسانة حركتي حماس والجهاد الإسلامي عدد الصواريخ بعشرات الآلاف، بالإضافة إلى معدات تُهرب إلى القطاع من إيران والحلفاء الآخرين.

بالإضافة لذلك، بدأت حماس تطوير صواريخ القسام منذ نحو العام 2001، أي خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والآن، تملك حماس صواريخ قسام 3 ثلاثة، والتي يصل مداها إلى 16 كيلومتر، بل تمتلك صواريخاً ذاتِ مدىً أطول تصل إلى تل أبيب.

لا يقتصر ضرر صواريخ حماس على تلك بعيدة المدى، بل أيضًا قصيرة المدى، حيث تقل فعالية القبة الحديدية على بعد 4 كيلومترات أو أقل، وهذا ما دفع بالسلطات الإسرائيلية إلى إصدار أوامر للسكان بالبقاء ضمن منازلهم في المستوطنات القريبة من القطاع.

وبما أن الصواريخ الفلسطينية أقل تكلفة، تعتمد حماس والفصائل الأخرى على إطلاق صواريخ بأعداد هائلة، ما يعطيها أفضلية ضد نظام القبة الحديدية. فإذا راجعنا الأرقام، سنجد أن كلفة الصاروخ الفلسطيني لا تتجاوز بضعة مئات من الدولارات، بينما تدفع إسرائيل نحو 80 ألف دولار مقابل كل صاروخ اعتراض، وتشكل هذه الأرقام معضلة كبيرة، وفقًا للصحافة الإسرائيلية، خاصة أن إعادة بناء صواريخ الاعتراض يستغرق فترة طويلة جراء بطء عملية التصنيع والإنتاج، بينما تصنع حماس صواريخها بسرعة وبتكلفة أقل.

بالمقارنة، نجد أن استخدام صواريخ القبة الحديدية المكلفة لاعتراض كميات هائلة من الصواريخ الرخيصة وقذائف الهاون غير فعال من الناحية الاقتصادية، حتى لو استطاع نظام القبة الحديدية اعتراض أغلب الصواريخ وإنقاذ حيوات عدد أكبر من الناس.

مقالات إعلانية