in

تطور؟ كيف تطير بنصف جناح؟ كيف ترى بنصف عين؟

ما فائدة نصف جناح؟ نصف عين؟ نصف أذن؟ ما فائدة الأجزاء منفردة؟ يتساءل الخلقيون أو من يعرفون اليوم برواد التصميم الذكي، فالخلقية أصبحت كلمة بائتة علمياً، و ليواكبوا عصر العلم بالجهل، قاموا بإلباس أفكارهم البالية لباس الحضارة وأعطوها غلاف علمي ليدافعوا بها في المحاكم عندما خسروا مكانتهم في المدارس.

بالطبع العالم العربي تبنى تخلف دعاة التصميم الذكي الأمريكيين وروّج له لكن بطابع ديني آخر.

اضطر الخلقيون في الولايات المتحدة الدخول في المعمعة القضائية بعد أن طُرِدت أفكارهم المغلوطة من المدارس، فلجأوا إلى الحرب القضائية متأملين تحقيق نصر ما، لكن هل ينتصر الجهل على العلم؟

الحُجّة

حجة الخلقيين الأساسية كانت كما يسمونها ”irreducibility“ أي عدم فائدة الجزء، فإذا كان الانتخاب الطبيعي يعمل بتفضيل الجينات التي تؤمن الاستمرارية، فما فائدة جزء العين أو نصف عين كما يسمونها؟ ما فائدة نصف جناح؟ والقضية في المحكمة كانت ما فائدة أجزاء البكتيريا منفردة! فإذا كان كل جزء منفرد من دون فائدة كيف وصل الكائن الحي لكل هذا التعقيد باعتماد تراكمي على أجزاء عديمة الفائدة؟ أليس هذا ضرب لنظرية التطور بالانتخاب الطبيعي؟

في هذا المقال سنسلط الضوء على ثلاثة أمثلة تؤكد على فائدة الجزء أو فائدة العضو ”الأقل تطوراً“

نصف عين

الحجة كالتالي: كيف لعين بسيطة غير متطورة أن تساعد الكائن على الاستمرار وبالتالي تمرير جيناته؟

للإجابة على هذا السؤال علينا أولاً أن نعرف ما هي نصف العين؟

نصف العين في السياق تعني العين البسيطة التي مازالت في مراحل التطور، عين غير مكتملة ولا تملك الأجزاء التي تملكها العين المعقدة الآن، أبسط عين ممكن أن نفكر بها هي عبارة عن مجرد حساسات ضوئية، هل لها أية فائدة؟

الإجابة نعم بالطبع!

خلية حساسة للضوء

فالعين الحساسة للضوء تميز للكائن الليل من النهار وتساعده على التحرك نحو ضوء الشمس إذا كان كائن مائي، الضوء عادة ما يعني تجمع الأكل. هذه الأعين نجدها عند الـ Euglena.

عين
Youtube

خلايا حساسة للضوء بشكل مجوف للأعلى

الكائن يمتلك دقة أعلى لتحديد اتجاه الضوء ومعه تحديد مكان الكائنات الأخرى المتحركة حوله، هذه العين نجدها عند الحشرات.

عين ذبابة
Youtube

خلايا حساسة للضوء بشكل مجوف للأسفل

تطور العين
YouTube
تطور العين
Youtube

هذا التجويف يحمي الخلايا الحساسة للضوء و كذلك يمكّن الحيوان من تحديد الضوء و الظل، نجد هذه العيون عند الحيوان المائي planaria.

تطور العين
Youtube

مع الوقت تعمق التجويف وهكذا أصبحت عملية تحديد الضوء أكثر دقة اإلى أن اصبحت الفجوة صغيرة جداً لتعطينا الـ pinhole effect، وهذه غيرت الدقة بشكل دراماتيكي نجد هذه العين الآن عند Nautilus قريب الأخطبوط.

النوتر البحار حيوان
Youtube

بعدها تكونت خلايا شفافة على سطح الفجوة، هذه الخلايا عملت كعدسة وكعازل، فامتلأت العين بالسائل المائي، وهذا ما زاد الدقة والحساسية الضوئية أكثر.

عين
Youtube

مع الوقت تطورت العين لتتضمن الـ IRIS وهي وظيفتها التحكم بكمية الضوء (زيادة وتقليص الضوء الموجه للعين).

IRIS
Youtube

وهكذا مرت العين بتطورات طفيفة من خلية عبر عملية تراكمية لطفرات عشوائية، فالطفرة المفيدة بقيت وانتقلت لجيل آخر الذي بدوره خضع لطفرات جديدة وانتخاب جديد، وهكذا كل مرحلة تطورية للعين كانت ذات فائدة للكائن مكنته من الاستمرار.

نصف جناح

نفس الحجة تستعمل هنا أيضاً!

ما فائدة نصف جناح؟ لماذا الانتخاب الطبيعي فضّل شيء بلا فائدة كما تزعم نظريتكم!

الحقيقة أنّ نصف الجناح له فوائد تطورية كبيرة، مثلاً بعض الديناصورات امتلكت نصف جناح لا يمكنها من الطيران، بدأ الجناح بكونه مجرد ريش يؤمن الدفء للكائن، نفس الريش استخدم بطريقة أخرى لاحقاً، فقد مكّن الديناصور من البقاء في الهواء لمدة أطول لتفادي بعض الحيوانات التي تطارده، أو للقفز مسافات أعلى.

ريش ديناصور
hague6185

أما لسكان الأشجار والمرتفعات بشكل عام فإن نصف الجناح يعمل كمظلة لتخفيف سرعة السقوط.

هناك حيوانات اليوم تستخدم أجنحة بسيطة غير معدة للطيران، مثلاً السنجاب الطائر الذي يستخدم ”النصف جناح“ للقفز بين الأشجار البعيدة بطريقة انسيابية.

سنجاب طائر
reddit

عند الخفافيش تطور الجناح فقط بسبب الجين BMP2 الذي سبب تمدد الأصابع مما خلق شيء يشبه الجناح لأسلاف الخفافيش.

انعدام فائدة الجزء

بالعودة للدعوة القضائية التي تحدثنا عنها مسبقاً، قام ”مايكل بيهي“ أستاذ في الأحياء الدقيقة في جامعة ”أيداهو“ والمروّج الأكبر للتصميم الذكي برفع دعوة ضد المدارس الحكومية لتدريسها التطور بدلاً عن القصص الخلقية التي تستحق أن تتواجد بالمدارس على حد زعمه، في المحكمة قدم ”بيهي“ مثال وحيد واعتقد أنه ضربة للنظرية، المثال الذي استخدمه هو السوط البكتيري.

bacterial flagellum
societyforscience

بحسب ”بيهي“، البكتيريا تمتلك ميكانيكية معقدة من 35 جزء من البروتينات، وأكد أنه من المستحيل أن تعمل أجزاء البكتيريا بشكل مستقل، فإذا كان التطور تراكمي الفوائد، كيف للعملية أن تنتخب أشياء بلا فائدة؟

هنا جاء دور الدفاع المتمثل ب ”كين ميلر“ عالم الأحياء في جامعة براون.

bacterial flagellum
proofs

في المحكمة عرض ”ميلر“ الأدلة التطورية رداً على ”بيهي“، فالأجزاء المعقدة لا تظهر من العدم بل تظهر من أجزاء أبسط كانت تستخدم من قبل السلف بمهمات قد تكون مختلفة حسب البيئة.
وهنا أصبح لدينا فرضيتين:

– فرضية ”بيهي“ للتصميم الذكي وهي أن هذه الأجزاء غير فاعلة ولا أثر تطوري لها.

– وفرضية ”ميلر“ للتطور بالانتخاب الطبيعي، وهي أن هذه الأجزاء كان لها عمل أبسط ومختلف وتطورت لتصبح ضمن ميكانيكية أكثر تعقيداً.

هنا بدأ ”ميلر“ بتقسيم البكتيريا لأجزاء أصغر، ليستدل على عملها بعكس ادعاء ”بيهي“.

.millerandlevine
.millerandlevine

فإذا أخذنا أجزاء من البكتيريا الظاهرة بالصورة

سنجد أنها تستعمل تقنية الـ ”Type III Secretory system“ وهي تعمل كإبرة جزئية تستخدم من قبل البكتيريا لضخ مواد سامة في الجسم ، كالبكتيريا ”bobanic play“ .

.millerandlevine
.millerandlevine

تابع ”ميلر“ تجزيء البكتيريا لأجزاء أقل تعقيداً والاستدلال على فائدتها وإعطاء أمثلة على استخدام هذه الأجزاء من قبل بكتيريا أخرى.

(يمكنكم الاطلاع على الشرح كامل هنا)

نظرية التطور ربحت الدعوة على حساب التصميم الذكي، الذي لم يستطع الرد على شرح ”ميلر“ العلمي لكل الإشكاليات التي طرحها ”بيهي“. والتصميم الذكي لا زال يمنع من المدارس الحكومية لعدم وجود أي دليل أو بحث علمي عليه ، يقابله نظرية التطور التي تتبناها أعظم الجامعات التي تنشر مئات الأبحاث بشكل يومي لترسخ الحقيقة العلمية للتطور ضد مروجي الخرافات.

على الرغم أن الطفرات عشوائية، التطور ليس كذلك، فعملية التطور هي عملية تراكمية لشيء مفيد لبيئة ما، تقوم الطبيعة بانتخابه على حساب الطفرات الأخرى، ثم تظهر طفرة أخرى جيدة لتلك البيئة فتقوم الطبيعة بانتخابها مجدداً ويستمر التراكم ويستمر التعقيد.

وهكذا تبدأ بريشة وتنتهي بجناح لأن الكائن استفاد في كل مرحلة منها، وتبدأ بخلية حساسة للضوء وتنتهي بعين ترى الأشعة الفوق بنفسجية كما عند النحلة، أو تبدأ برقبة قصيرة وتنتهي برقبة تطال الأوراق بأعلى الأشجار كما عند الزرافة، كل سنتمتر إضافي أعطى الكائن أفضلية على الكائنات الأخرى في تلك البيئة.

التطور عملية تراكمية غير واعية وغير عشوائية.

مقالات إعلانية