in

قوات الشَّعْر الألمانية: عندما سمح الجيش الألماني للجنود بإطالة شعر رأسهم ولحيتهم

هل تصدق أن الشعر الطويل كان مسموحاً في فترة ما في الجيش الألماني؟ صورة: Spiegel Online

تملك قوات الـ (بونديسفير)، أو الجيش النظامي الألماني، قوانين خاصة بخصوص الحلاقة الرجالية، حالها كحال جميع الجيوش الأخرى. فعلى الجنود والضباط قصّ شعرهم بحيث لا يغطي أعينهم أو آذانهم. ولا يجوز أن يلمس شعر الرأس بدلتهم أو ياقتهم. أما الجنديات النساء، فبإمكانهن تطويل شعرهن كما يشئن بشرط ربطه بعقدة أو تجديله.

لشعر الرجال القصير فوائد جمة، فهو لا يتناسب مع زيهم المهيب فحسب، بل له فوائد عملية أخرى، أهمها النظافة. فغالباً ما يقضي الجنود خلال الحروب فترات طويلة في بيئات يستوطنها القمل والبراغيث والقراد وغيرها من الحشرات الصغيرة. بالطبع، لن تستطيع هذه الكائنات الدقيقة الاختباء في الشعر القصير.

أحد الأسباب الأخرى التي تدفع الجنود إلى قص شعرهم هو التجانس، وهو أمر مهم جداً في الحياة العسكرية، فالشعر القصير جزءٌ من التقويم النفسي الذي يخضع له المرء أثناء تأديته الخدمة العسكرية، وعلى الجندي أن ينسجم مع محيطه من الجنود الآخرين، وأن يفقد تفرده وكل ما يخصه وحده، وقصة الشعر من الأمور التي تميزنا –بشكل أو بآخر –عن بعضنا. لذا من الطبيعي أن يقوم الجندي بقص شعره كي ينسجم مع رفاقه.

جنودٌ يقفون بانتظام، وبشعر مقصوص إلى الحد المطلوب. صورة: withGod/Shutterstock.com

يقول أحد مستخدمي موقع Quora: ”يقومون [في الجيش] بسلب الحرية الشخصية للمرء، وقدرته على التفكير بنفسه. فهو يخضِعُ كل أفكاره ومعتقداته الشخصية إلى مطالبهم، وتلك هي الخطوة الأولى في تحقيق ما يريدونه من الجندي: ما يريدونه هو الولاء المطلق عندما يطلبون منه القيام بفعل أو اتخاذ قرار غير أخلاقي“.

لكن موضوعنا اليوم لا يتناول ما يحدث أثناء الخدمة العسكرية. بل سنقوم بعرض فكرة قد يلاقيها البعض غريبة اليوم، وهذه الفكرة هي شعر الرأس والذقن لدى الجنود. فربما لم تكن تعلم بذلك، لكن الشعر القصير لم يكن رائجاً في الفترات القديمة. بل على العكس، كان امتلاك شعر طويل أمراً محبباً. منذ قدم التاريخ، قام اليونانيون القدامى بتصوير أبطالهم بشعر طويل. ووفقاً للمؤرخ الروماني (تاسيتس)، لم تسمح القبائل الجرمانية للرجال بقص شعرهم إلا إذا قتلوا رجلاً من الأعداء.

أبطال حرب القرم: وهم جوزيف نوما وجون بوتر وجيمس ديل. الصورة موجودة ضمن مجموعة الملكة فيكتوريا. وبإمكانك ملاحظة السوالف وشعر الذقن الطويل. صورة: Wikimedia Commons

انتهت موضة الشعر الطويل في القرن التاسع عشر، لكن موضة أخرى ظهرت مكانها، وهي موضة الشارب وشعر السوالف. فخلال حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر، كان الجنود البريطانيون يطيلون شواربهم ولحاهم بشكل كامل. لكن بعد انتهاء حرب القرم، أصبحت موضة إطالة الشارب إجبارية. لكن بعض الصور من تلك الفترة تُظهر تجاهل الجنود لهذا الأمر الإلزامي في بعض الأحيان.

في عام 1967، أراد رجل ألماني اسمه (ألبريخت شمايسنر) الانضمام إلى مكتب الجيش الألماني، وكانت المفاجأة هي شعره الطويل والمتلبد. اعتُقد في البداية أنه سيقصّ شعره وفقاً لما تطلبه القوانين، لذا قبلوه في البداية.

لكن (شمايسنر) احتج على هذا الموضوع مدعياً أن تطويل الشعر حقٌ من حقوقه. وبالفعل، لا يذكر القانون طولاً محدداً أو أقصى لشعر الرأس. للأسف تعرّض (شمايسنر) إلى السخرية والمضايقات طوال الوقت نتيجة اتخاذه هذا القرار. وفي النهاية، هدده الضباط بأنهم سيتهمونه بالعصيان إذا لم يتبع الأوامر، لذا استسلم (شمايسنر) في نهاية المطاف، ولم يستمر عصيانه سوى 45 يوماً.

خلق تمرّد (شمايسنر) قصير الأمد نوعاً من الجلبة في الصفوف العليا ضمن القوات الألمانية. حيث لاحظ الضباط إن الشعر الطويل أصبح موضة رائجة، وأنه رمزٌ للثقافة المضادة وتعبير عن الاحتجاج ضد الدولة والمجتمع. ففي تلك الفترة، كان الجميع يحب تطويل شعره، من (إلفيس بريسلي) إلى أعضاء فرقة (البيتلز)، مروراً بمذيعي النشرات الإخبارية ولاعبي كرة القدم، حتى بعض السياسيين.

في الثامن من شهر شباط عام 1971، أصدر وزير الدفاع الألماني وقتها (هيلوت شميت) قراراً يسمح للجنود بتطويل شعرهم طالما حافظوا على نظافته. وإذا أعاق الشعر الطويل عملهم الميداني، فعليهم ارتداء شبكة للشعر، تماماً كتلك التي يرتديها عمال مطاعم الوجبات السريعة.

شاب من قوات البونديسفير بشعره الطويل. صورة: Spiegel Online

أثار هذا القرار انتقادات حادة داخل وخارج المؤسسة العسكرية الألمانية: حيث أدى هذا القرار إلى إثارة غضب الجنود القدامى، وهم الذين يقدسون ويفتخرون بتقاليد الجيش. كما انتقد حلفاء ألمانيا من دول الناتو هذا القرار. وهكذا أصبح الجيش الألماني أضحوكة بنظر العالم، وبدأ البعض بإطلاق مصطلحات ساخرة على القوات الألمانية، كمصطلح ”قوات الشعر الألمانية“.

صورة لجندي من الجيش يرتدي شبكة شعر. صورة: Spiegel Online

ولاحقاً، أصبحت شبكات الشعر تسبب الكثير من المشاكل، حيث أبدى بعض الجنود قلقهم من ارتداء الشبكة لمدة طويلة، فقد تسبب أضراراً صحية. وهكذا اضطر الجيش الألماني إلى تعيين فريقٍ من الأطباء للتحقيق في القضية.

صورة: Spiegel Online

وجد الأطباء أن شبكات الشعر لا تسبب أي أضرار، بينما وجدوا أن الشعر الطويل بحد ذاته هو المشكلة، وأنه مصدر للكثير من المخاطر الصحية، كالإصابة بالقمل والأوساخ التي تسبب مشاكل جلدية، بالإضافة طبعاً إلى الأخماج والعدوى الطفيلية. وأوضح الأطباء أيضاً أن الاعتناء بنظافة الشعر أثناء الحروب أمر شبه مستحيل.

صورة: Spiegel Online

وجدت لجنة التحقيق مشاكل أخرى تتعلق بشعر الذقن. حيث عانى الجنود خلال فترات القتال من مشاكل في حركة الأمعاء، والتي أدت بدورها إلى انتشار حب الشباب عند عددٍ كبير من الجنود، كما لوحظ أن اللحية الطويلة تزيد الأمور سوءاً.

صورة: Spiegel Online

لاحظت اللجنة أيضاً أن الشعر الطويل يحتاج كميات أكبر من الماء عند الغسيل والاستحمام، وبالتالي ستزداد التكاليف المتعلقة بصيانة أنابيب المياه والمجاري، كما ستزداد فاتورة الكهرباء نتيجة استخدام مجففات الشعر. وهي تكاليف زائدة لا حاجة لتحملها.

صورة: Spiegel Online

أُلغي قرار شبكات الشعر بعد مرور 15 شهراً من إصداره. ومنذ عام 1972، وضعت قوانين جديدة لا تسمح للجنود بتطويل شعرهم، بحيث لا يلامس الزي الرسمي أو الياقة.

مقالات إعلانية