in

مجون وانتشاء وموسيقى تيكنو.. إليكم كيف هي الحياة في مدينة برلين الألمانية

تقول إحدى الفتيات الشقراوات في سترتها البراقة أن الليلة السابقة التي قضتها كانت واحدة من تلك الليالي التي قد يقوم فيها المرء بأي شيء غبي، وأعقبت بالقول بأنها كانت ليلتها الخامسة من هذا النوع على التوالي.

غادرت (ميليسا) وشريكتها مدينة (موريال) في كندا قبل بضعة أيام وخرجتا في مهمة: قضاء أسبوعين في برلين، وارتياد نادي ليلي مختلف في كل ليلة. لقد أمضيا حتى الآن 24 ساعة على الطريق. استسلمت صديقة (ميليسا) الحميمة للنوم، غير أن (ميليسا) تبدو وكأنها نشيطة ولا حاجة لها بالنوم.

لقد تبعثرت خصلات شعرها الذي يصل طوله إلى كتفيها على سترتها المصنوعة من مادة البوليستر، والتي بدأت تفوح منها روائح غريبة، غير أنها لا تكترث البتة. قامت بعدها بإنفاق آخر شرارات طاقة في جسمها لحمل هاتفها النقال حيث نثرت على شاشته بعض ”المسحوق —الكوكايين—“، فأعدّت منه خيطاً واستنشقته مُصدرة صوت نخير فظٍّ.

مدينة برلين
تعتبر مدينة برلين المدينة المفضلة لكل من يرغب في تحقيق أمانيه عن الحرية. صورة: View Apart/Shutterstock

لا يبدو على أي ممن هم موجودون في هذه العربة الصغيرة التي تتواجد بها (ميليسا) علامات الصحوة. يجلس بجانب (ميليسا) ثلاثة رجال إنجليزيين يحششون ويتحدثون حول موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يجثم رجل آخر إسباني الجنسية على ركبتيه ويديه ويتحرك بين زجاجات البيرة الفارغة المتناثرة على أرضية العربة المقطورة بحثاً عن دمية أرنب فقدها!

مرحبا بكم في About Blank، وهو نادٍ ليلي لموسيقى التيكنو شرقي برلين. في الزاوية الخلفية لحديقة الملهى تقبع العربة المقطورة الحمراء الشهيرة المعروفة باسم (زيهفاغن)، (زيهن) التي تعني ”أن تملك خيطاً —خيط من الكوكايين–“ و(فاغن) تعني عربة.

بإمكان أي كان استنشاق خيط من الكوكايين هنا دون أدنى خوف من مباغتة من الشرطة أو ما شابه. تمثل عربة مقطورة (زيهفاغن) في برلين قمة البراغماتية في هذه المدينة: سيتعاطى الناس هنا المهلوسات في أي حال من الأحوال، لذا يجب عليهم أن يقوموا بذلك في محيط آمن.

تصف (ميليسا) برلين على أنها: ”رائعة ومجنونة كلياً“، هي تعمل في نوبات ليلية، مما يعني أنها نادراً ما تخرج للسهر في الخارج، غير أنه وفقاً لها، فإن (موريال) والحياة الليلية فيها مملة للغاية، ذلك أن كل شيء يوصد أبوابه بعد الساعة الثالثة صباحاً.

نادي ليلي
يوجد حوالي 120 نادياً ليلياً يعرض كل واحد فيها برنامجه الخاص في برلين، مع وجود منسقي الأغاني Djs محليين ودوليين، وكذا عروض موسيقى حية. صورة: Montecruz Foto/Flickr

تقول (ميليسا): ”هنا في برلين تبدأ الحفلة الحقيقية في منتصف الليل، لا يمكنك الاحتفال بهذه الطريقة في أي مكان آخر في العالم. لقد زرنا بدون شك بوابة (براندنبورغ) أيضاً، لكن فقط لنلتقط صوراً لنرسلها لوالدتي، هاهاها“.

ما زالت برلين تعتبر النسخة الحديثة عن مدينة (بابل):

بينما ينظر سكان برلين إلى مدينتهم على أنها مختلة وقذرة والعيش فيها مكلف جدا، فإن بقية العالم يربطها باللهو وموسيقى التيكنو والمجون، والإفراط في كل شيء تقريباً.

ما زال يُنظر إلى المدينة على أنها المكان المنشود لكل من يرغب في تحقيق أمانيه في الحرية، سواء كانت هذه الحرية تعني تلقي الجنس الفموي على أرضية الرقص في ملهى (بيرغاين)، أو الانتشاء في (كايتر بلو) والرقص مرتدياً زي دبدوب زهري اللون حتى شروق الشمس.

مدينة برلين
أصبحت برلين ثالث مقصد للسواح في أوروبا بعد لندن وباريس. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

غير أن حياة الليل في برلين لا تستقطب فقط محبي الانتشاء وعشاق موسيقى التيكنو، للمدينة شيء ما تقدمه لكل شخص له ذوقه الخاص. يوجد بها حوالي 120 ملهى ليلي يعرض كل واحد فيها برنامجه الخاص، مع وجود منسقي أغاني محليين ودوليين، بالإضافة إلى حفلات موسيقية حية.

هنالك أكثر من 400 ملهى ومحل للمتعة في برلين:

بالإضافة إلى كونها موطنا لأكثر من 400 ملهى ومحل آخر، فإن برلين تقيم حوالي 2700 حفلة وحدثاً احتفالياً كل شهر.

تعتبر مدينة برلين واحدة من المراكز الحضرية القليلة في العالم التي لا يوجد فيها وقت محدد للإغلاق فيما يتعلق بالمحلات والخدمات الأخرى، وربما كانت الوحيدة في العالم التي تستمر فيها الحفلات على مدى 24 ساعة، وهو الأمر الذي يعتبر فيها قاعدة وليس استثناءً.

من أشهر هذه الحفلات الصاخبة حفلة (كلوبناخت) التي تقام في النادي الشهير (بيرغاين)، والتي تبدأ في ليلة السبت ولا تنتهي حتى وقت ما من صباح يوم الإثنين.

نادي ليلي
يوجد أكثر من 400 ملهى ليلي ومحل آخر في برلين، وكل شهر تقام في المدينة حوالي 2700 حفلةً وحدثاً احتفالياً. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

تزدهر مدن أخرى بفضل بنوكها، ومصانعها، ومطاراتها الكبيرة. بينما لا تملك برلين أياً من ذلك. بالنسبة للمدينة، المصابة بداء ”الديون“ المزمن والتي لا يوجد بها أية شركات كبرى على الرغم على مضي أكثر من 28 سنة على توحيدها، فإن الملاهي والنوادي الليلية هي ما يُطلق عليه اسم ”محفزات النمو“ في المدينة.

تبيع مدينة (فرانكفورت) المنتجات المالية، وتبيع (شتوتغارت) السيارات، بينما تبيع مدينة برلين ”سمعتها السيئة“.

أصبحت سمعة برلين السيئة بمثابة علامة تجارية تجلب المال داخل المدينة، إلى حاناتها، ونواديها الليلية، ومحلاتها التجارية، إلى جانب قطاع البناء وخزينة العمومية للحكومة فيها.

أصبحت برلين ثالث وجهة سياحية في أوروبا بعد لندن وباريس، مع 31 مليون إقامة ليلية كل سنة. يصرّح واحد من أصل كل ثلاثة سواح يزورون برلين على أنه قصدها من أجل الحياة الليلية التي تشتهر بها.

في برلين، يعرف السواح الذين يتهافتون إلى المدينة جالبين معهم سوى حقائب اليد كل عطلة أسبوع باسم Easyjet Set، وذلك راجع لسفرهم روحة ومجيئاً باستخدام رحلات الخطوط الجوية الرخيصة الثمن على متن شركة EasyJet، وهم يساعدون اقتصاد مدينة برلين على تحصيل أزيد من 1 مليار يورو كل سنة.

ملهى (بيرغان) في برلين.
ملهى (بيرغان) في برلين. صورة: Bart van Poll/Flickr

كنتيجة على هذا الأمر، نسقت شركات الخطوط الجوية Ryanair وEasyjet برامج رحلاتها الجوية لتتناسب ونمط سفر سواح الحفلات الليلية هؤلاء، كما راحت فنادق فاخرة في (كروزبيرغ) تدرج صوراً لحفلات موسيقى التيكنو على مواقعها. حول النوادي الليلية الأكبر والأشهر؛ تشكلت عوالم اقتصادية مصغرة من نُزلٍ، وحانات، ومقاهي، ومطاعم، وأكشاك بيع الكباب، التي تجني المال من خلال تقديم الخدمات لرواد الملاهي.

عندما انتقل ملهى (بيرغاين) إلى محطة التغلية المهجورة خلف (أوستبانهوف) في سنة 2004؛ لم يكن هناك أي شيء يحيط به. في السنوات الأولى له هناك، كان رواد الملاهي يقفون في طوابير طويلة لساعات بدون طعام أو شراب، حتى جاء في أحد الأيام رجل بولندي لطيف راح يسكب جرعات المشروب لهم مقابل بعض المال.

في أيامنا هذه، توجد عربات تقديم الأطعمة السريعة المجهزة بكل شيء حتى ثلاجات تبريد البيرة أمام ملهى (بيرغاين). يعمل الباعة هناك في نظام نوبات من أمسية الجمعة إلى غاية صبيحة الإثنين، واعترف أحدهم أنه بإمكانه جني بضعة آلاف يورو كل عطلة أسبوع.

مطعم متنقل
أمام ملهى (بيرغاين)، ستجد باعة يقدمون الطعام والشراب لرواد الملهى الواقفين في الطوابير. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

توجد هناك محلات إقامة خاصة بـ”سواح الحفلات“ في برلين.

توجد حتى محلات إقامة يبدو عليها أنها تستهدف على وجه الخصوص زوار ملهى (بيرغاين) نفسه. يمكنك في الواقع أن ترى الملهى من على سقيفة نزل (سانفلاور)، كما يروج الكثير من مضيفي (آر بي آند بي) Airb&b لغرفهم وشققهم على أنها ”الغرفة القريبة من ملهى (بيرغاين)“.

لا تبعد شقة (جينس فاغنر) سوى بضعة دقائق سيراً على الأقدام عن الملهى. يفتح هذا الرجل ذو الإثنين وأربعين سنة شقته حافي القدمين، مرتديا قميصاً وزوج جينز، ويشرح أن شروطه الوحيدة التي يضعها لضيوفه هي نزع أحذيتهم، وأن يمتنعوا عن إحضار أي مأكولات تحتوي لحماً إلى المنزل، وأن لا يدخنوا السجائر داخله أيضاً. يعمل (فاغنر) بدوام كامل كعامل مدني وبدوام جزئي كمضيف Airb&b، وكان قد اشترى هذه الشقة ذات الطابقين والعلّية منذ ثلاثة سنوات من أجل تأجير غرفتين فيها لـ”سواح الحفلات“ الذين يتوافدون إلى المدينة.

يحصل كل واحد من ضيوفه على موجز للمعلومات المفيدة: إلى جانب ملهى (بيرغاين)؛ ينصح (فاغنر) ضيوفه بالسوبرماركت النباتي في آخر الشارع، وكذا منتزه (غورليتزر) من أجل الاستمتاع بالماريوانا.

أجّر (فاغنر) في إحدى المرات غرفتيه لضيفين لم يعودا إليها بعد يوم ونصف اليوم، يقول: ”لقد بدأت أقلق عليهما“، غير أنهما عادا في نهاية المطاف ليخبراه أنهما قبعا في ملهى (بيرغاين) لمدة 36 ساعة كاملة، كما أخبراه أنهما حظيا بأجمل تجربة في حياتهما على الإطلاق.

نادي ليلي
بالنسبة لمضيفي Airb&b مثل (فاغنر)، فإن الملاهي تسمح له ببساطة بإدارة تجارة تدر عليه بعض العائدات. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

يقول (فاغنر) أنه لم يسبق له أن دخل نادي (بيرغاين)، بالنسبة له لا يتعدى هذا النادي الليلي مجرد وسيلة لربح بعض المال. في المتوسط، يجني هذا المضيف من خلال تأجير غرفتي شقته حوالي 12500 دولار بعد احتساب الضرائب، غير أنه لا يعمل سوى أربعة أيام في الأسبوع، ويقضي كل يوم إثنين مع ابنه البالغ من العمر سنتين الذي يقيم مع والدته حالياً. يقول (فاغنر): ”لا يملك ضيوف (بيرغاين) الذين يستأجرون غرفي أدنى فكرة عن كونهم في الواقع يموّلون تكاليف رعاية طفلي“.

يرتفع التعداد السكاني في برلين بحوالي 40 ألف مواطن سنوياً.

لقد كان العمدة السابق لبرلين من أتى بالمقولة الشهيرة: ”برلين فقيرة لكنها مثيرة“. لم تكن برلين مقصداً للسواح فقط، حيث كان من الوافدين إليها المقيمون الدائمون الجدد.

يرتفع تعداد سكانها بحوالي 40 ألف نسمة كل سنة، وفي غضون سنوات قليلة، قد تتعدى المدينة عتبة الأربعة ملايين نسمة. بينما قد لا يأتي الجميع من أجل قضاء ليلة ممتعة في أحد الملاهي، فإن الكثيرين يفعلون ذلك بالضبط، ومعظم هؤلاء الوافدين الجدد هم من تحتجاهم برلين أكثر: وهم شباب حاصلون على تعليم فوق المتوسط ومن جنسيات مختلفة.

ملهى ليلي في برلين
”برلين فقيرة لكنها مثيرة“. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

كنتيجة على ذلك، أصبحت برلين أكثر وجهة مهمة للصناعات المبدعة والشركات الناشئة في البلد. تنتج شركات الموسيقى، والبرامج الإلكترونية، وشركات التصاميم، والصناعات السينمائية، وشركات الدعاية والإشهار تقريبا 10٪ من مدخول برلين الاقتصادي الإجمالي، كما توفر تقريبا 11٪ من مناصب الشغل في المدينة. لدى الكثير من الشركات الآن موظفون أجانب أكثر من الموظفين الألمان.

إن النجاح الذي جلبته النوادي والملاهي الليلية للمدينة يهدد الآن بتدميرها!

من الصعب الجزم بعدد الوظائف ومناصب الشغل التي تعتمد على النوادي الليلية، غير أن ما هو أكيد بدون شك هو أن النجاح الذي جلبته هذه النوادي للمدينة انقلب عليها الآن وصار يهدد وجودها نفسه.

حانة
حتى قبل قدوم مستثمري المجال العقاري وارتفاع سعر الأراضي في المدينة، كان من الصعب جني بعض المال من النوادي الليلية، والأمر يزداد صعوبة أكثر فأكثر. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

لم يجلب هذا النجاح إلى برلين مجرد المقيمين الجدد والشركات ورؤوس الأموال فقط، بل جلب أيضاً المستثمرين في مجال الملكيات العقارية: في سنة 2017، ارتفعت أسعار الملكيات العقارية في برلين بحوالي 20٪، أكثر من أي مكان آخر في العالم.

ما زالت معظم النوادي الليلية تدار بعقلية قديمة راجت خلال السنوات التي تلت توحيد الألمانيتين الغربية والشرقية، فهي تمثل مشاريعاً حققها عشاق الموسيقى، غير أن هذه النوادي صارت تعاني الأمرّين من أجل تحقيق بعض الأرباح. حتى قبل قدوم المستثمرين في مجال الملكيات العقارية الذين جعلوا تحقيق بعض الأرباح من النوادي الليلية أمراً صعباً، فإن جني بعض المال من وراء العمل في مجال الملاهي والموسيقى والنوادي الليلية صار أصعب.

لا يستمر وجود معظم النوادي الليلية في ألمانيا أكثر من سنتين، فما هو جميل ومثير اليوم قد لا يكون كذلك غداً. ناهيك عن كون عقود الإيجار لا تستمر إلا بين خمسة إلى عشرة سنوات على الأكثر.

لا يستطيع مالكو النوادي الليلية ببساطة الاعتماد على افتراض أن هذه العقود سيتم تجديدها لأجلهم، وذلك على وجه الخصوص بعد وضع كل ذلك القدر من المال والجهد في تطوير وبناء نادٍ ليلي.

تنظر البنوك كذلك إلى النوادي الليلية على أنها مجازفة كبيرة.

بالنسبة للبنوك، فإن التورط مع النوادي الليلية وعقد شراكة معها يكون بنفس جاذبية شراء سندات حكومية من فنزويلا، كنتيجة على ذلك يكون شبه مستحيل على كل من يدير نادياً ليليلاً الحصول على قرض بنكي، لذا أصبح على الكثيرين منهم الحصول على قروض من مصانع البيرة أو شركات إنتاج التبغ. حصل نادي (تريزور)، وهو أقدم نادي لموسيقى التيكنو في برلين على رأس ماله الأول الذي تأسس بفضله من شركة التبغ (فيليب موريس) في سنة 1991، وتلقى نادي (بيرغاين) تمويله من طرف (راديبيرغر)، وهو مصنع محلي للبيرة.

بإمكان الكثير من النوادي الليلية تحصيل عائدات ومبالغ بخمسة أرقام في أمسية واحدة، غير أنها لديها تكاليف مرتفعة كذلك عليها تغطيتها في نفس الوقت. من بين هذه التكاليف نجد تسعيرة جلب منسّق أغاني دولي، وهو ما يكون دائماً مكلّفاً جدا.

هذا حتى على الرغم من كون هؤلاء الأخيرين يعملون في برلين بأجرة أقل مما يتقاضونه في أماكن أخرى من العالم مثل (إيبيزا) في إسبانيا أو (ميامي) في الولايات المتحدة، حيث يتم الاستعانة بخدمات النجوم منهم بين 3400 إلى 11400 دولار لقاء أداء عرض لا يتعدى 90 دقيقة.

حفلة غنائية
يرتفع التعداد السكاني في برلين بحوالي 40 ألف نسمة كل سنة. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

تملأ النوادي بقية ساعاتها خلال عطلات نهاية الأسبوع بعد انتهاء عروض منسّقي الأغاني الدوليين بآخرين محليين، أو بعروض لفنانين شباب.

وهنا أيضا تكلف الحفلات التي تستمر على مدى 24 ساعة مع عدة أرضيات للرقص آلاف الدولارات. بالإضافة إلى ذلك، هنالك أيضا تكاليف الرحلات الجوية، والإقامة، وسيارات الأجرة، والضرائب الأجنبية، ورسوم ترخيص الموسيقى، والمساهمة في الضمان الاجتماعي للفنانين.

حتى أن النوادي الليلية الأكبر حجماً والأكثر شهرة تجني المزيد من الأرباح فقط لأنها تقوم بتأجير غرفها وقاعاتها لبقية أيام الأسبوع لفائدة حفلات الشركات الخاصة، وحفلات أعياد الميلاد، أو المعارض التجارية. على الرغم من أن هذه الأعمال الجانبية تدر الأرباح غير أنها تحمل بعضا من الخطورة بين طياتها أيضاً، حيث ينتهي الأمر بكل النوادي التي تشتهر بصورتها التجارية بالنبذ السريع من طرف روادها، ويُنظر إليها على أنها لم تعد ظريفة بعد ذلك.

يبدو أن مؤسسا نادي (بيرغاين)، وهما (نوربيرت طوماس) و(مايكل توفل)، هما الوحيدان اللذان لم يتأثرا بهذه المشاكل. لقد أسسا ناديهما الليلي هذا منذ 15 سنة، وما زال حتى يومنا هذا يُعتبر واحدا من أفضل محلات إقامة الحفلات في العالم. لقد حققا مؤخراً عائدات تقدر بـ5.36 مليون دولار، والتي كان منها 1.14 مليوناً ربحاً صافياً.

أحذية التزلج
أصبح محتوماً على الكثير من مالكي النوادي الليلية التعامل مع الارتفاع المتواصل لأسعار الإيجار بالإضافة إلى المشاكل التي يجلبها المستثمرون الأجانب معهم. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

قام (ثورمان) و(توفل) بما قد يكون أهم قرار عملي في حياتهما في سنة 2010، عندما قاما بشراء محطة تغلية قديمة مقابل مبلغ 1.71 مليون دولار من شركة طاقة سويدية تحمل اسم (فاتينفال). يعتبر ناديهما الليلي واحداً من قلة من النوادي في المدينة التي تملك المبنى الذي تتواجد فيه ولا يتعين عليها دفع الإيجار لأحد. إن نادي (بيرغاين) الليلي يمثل نقطة استثناء.

داخل نادٍ ليلي
يأتي السواح إلى برلين في عطل نهاية الأسبوع من أجل الاستمتاع بحفلاتها، ويعرف هؤلاء باسم EasyJet Set. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

نادي (غريتشن) في (كروزبيرغ)، هو محل حزين بعض الشيء ينتصب على أطلال ثكنات عسكرية قديمة تعود للقرن التاسع عشر، يديره زوجان تملأ الأوشام جسديهما في الأربعينيات من عمريهما، وهما فخوران بكونهما يقومان بتوظيف أفضل منسقي الأغاني في العالم.

من أجل جعل مغامرتهما هذه ممكنة من الناحية المالية، امتنعا عن إنجاب الأطفال، والتزما بالعمل في النادي بنفسيهما على مدار الأسبوع دون راحة، كما يمنحان نفسيهما أجرة أقل من بقية الموظفين في النادي.

كلما انتقل المزيد من الناس للعيش في المناطق التي تتواجد بها النوادي الليلية، كلما زادت الشكاوي من الضجيج المفرط التي تهدد وجودها.

غير أن نادي (غريتشن) في خطر محدق. في المساحة الفارغة التي تمتد خلف النادي، سيتم في القريب العاجل بناء أحياء سكنية. إنها إذن مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ إشعارات الحد من الضوضاء بالصدور، مثلما هو الحال في مناطق كثيرة في المدينة.

عندما تنظر إلى حيّ Prenzlauer Berg وتراه قد بدأ يعج بالمقاهي التي تستقبل الأطفال، ومحلات الأثاث، ومصممي الديكور الداخلي، ومحلات البقالة العضوية والنباتية، يكون من الصعب عليك تخيل أن هذه المنطقة كانت قبل 20 سنة واحدة من أكثر مناطق المدينة التي تنبض بالحياة الليلية الصاخبة.

أُجبر واحد من أواخر النوادي التي كانت ناشطة هناك، وهو نادي (كناك) الأسطوري، على الإقفال في سنة 2010 بعد أن ظل يشتغل على مدى 58 سنة، وكان ذلك بعد أن قام أحد المستثمرين ببناء مبنى سكني فاخر متاخم لواحد من جدران (كناك) التي لم تكن كاتمة للصوت، حيث فشلت السلطات في الإصرار على جعل المستثمر يجعل جدران مبناه كاتمة للصوت حينما كان قيد الإنشاء.

ساقية في حانة
عادة ما تستمر عقود الإيجار لفائدة النوادي الليلية بين 5 إلى 10 سنوات. صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

عندما اكتمل إنجاز البناء، كان الأوان قد فات. وفقاً للقانون الألماني، تعتبر الضوضاء التي تزيد قوتها عن 45 ديسيبل مضرة بالصحة بعد الساعة العاشرة ليلاً، لذا لم يكن نادي (كناك) الليلي يملك أية فرصة في المحكمة، وهذا على الرغم من واقع أنه لم يكن الملام في هذا الوضع، وسرعان ما تحولت هذه القضية إلى فضيحة سياسية.

من أجل منع حدوث أخطاء من هذا النوع في تصاميم البناء في المستقبل؛ أطلقت قطاعات النوادي الليلية ما يعرف بـ”المسح العقاري للنوادي“ من أجل تسجيل كل نادٍ، وملهى، وكل محل يقدم حفلات موسيقية حية في برلين. أصدرت حكومة الولاية في برلين تعليمات للسلطات المعنية بالإشراف على أشغال البناء ومراقبتها في جميع مقاطعاتها أن لا توافق على البت في بناء إلا المباني التي لن تضع مستقبل النوادي الليلية في خطر.

على مدى أربعة سنوات الآن، ومبنى Living Levels المتكون من شقق فاخرة في شرق المدينة يعلو نهر (سبري)، مع كون أكثر الشقق المكلفة فيه بسعر 17 ألف دولار للمتر المربع.

زجاجة خمر على ضفة نهر في برلين
ارتفعت أسعار العقار في برلين بأكثر من 20 في المائة خلال السنة الفائتة وحدها. صورة: Sam Shead/Business Insider

بمجرد أن انتقل السكان المقيمون الجدد هناك، سرعان ما لاحظوا أن منظر نادي (سايج بيتش) الليلي على الضفة الأخرى من النهر كان جميلاً، غير أنه كان يصدر الكثير من الضوضاء. منذ ذلك الحين، لم يتوقف هاتف النادي الليلي عن الرنين بينما راح المقيمون الجدد يعبرون له عن تذمرهم من الضوضاء الكبيرة الصادرة عنه، حيث اتصل أحد هؤلاء المشتكين ليقول: ”رجاء أخفضوا صوت الموسيقى، أنا أحاول مشاهدة التلفاز وباب الشرفة مفتوح“.

ارتفعت أسعار الأراضي في برلين بـ600٪ خلال السنوات الستة الأخيرة.

غير أن المشاكل التي تعاني منها النوادي الليلية تعتبر الأكثر وخامة في ذلك القسم في (سبري) بين (فريدريكتشاين) في الشمال و(كروزبيرغ) في الجنوب —المنطقة التي كان حائط برلين ينتصب فيها في السابق— هناك حيث اكتشفت مجموعة من المتمردين الأراضي الممتدة على ضفاف النهر التي ظلت مهجورة لعقود فبنوا عليها أماكن على شاكلة Bar25 وWatergate.

تعتبر هذه الأراضي من بين الأكثر غلاءً في برلين اليوم. خلال السنوات الستة الماضية وحدها، ارتفعت أسعار الأراضي هناك بنحو 600 في المائة.

لم يعد Bar25 موجوداً بعد الآن، بينما يكافح Watergate من أجل البقاء، وبرلين نفسها تقف في مفترق الطرق.

منسقة أغاني في ملهى ليلي
من يملك برلين؟ هل هم سكانها؟ أم المستثمرون المتوافدون إليها؟ صورة: Hannibal Hanschke/Reuters

في نهاية المطاف؛ يتبادر إلى الأذهان هذا التساؤل: من يملك المدينة؟ هل هم سكانها أم المستثمرون الذين لم يكفوا عن شرائها؟ هل ترغب مدينة برلين في أن تصبح مدينة نظيفة وغنية ومستقرة مثل ميونيخ؟ أم أنها ترغب في الحفاظ على سمعتها التجارية على أنها مهد المبدعين والشركات الناشئة وذوي العقول المتحررة؟ وما الذي يجب على السياسيين والمطورين العقاريين القيام به من أجل إنقاذ برلين وذلك الجانب المتمرد منها من الإنقراض؟

على برلين أن تقرر بسرعة ما ترغب في أن تصبح عليه.

إذا وقفت المدينة مكتوفة الأيدي ولم تحرّك ساكناً، سيتخذ آخرون، على غرار (مارك ساموير)، القرارات عنها. قرارات قد لا تكون في صالح المدينة العام.

تقدر ثروة (مارك ساموير) بحوالي 1 مليار دولار، وهو يعتبر واحداً من أثرى سكان المدينة. بعد أن عمل مع إخوته على بناء شركته على الإنترنيت التي تحمل اسم Rocket Company والتي تبلغ قيمتها عدة مليارات دولار، أصبح الآن مهتما بشكل أكبر بالمجال العقاري.

من بين المليكات العقارية التي اشتراها مؤخراً مبنى مكتب البريد القديم في (كروزبيرغ) حيث يمكنك الآن العثور على نادي Privateclub الليلي.

يدير نادي Privateclub (نوربيرت جاكشينتيز)، ووفقاً له يملك أربعة أزواج من البناطيل وعشرة قمصان T-Shirt. يجلس على أريكة في الغرفة الخلفية للنادي حيث يقوم بما يكرهه: التحدث مع وسائل الإعلام، غير أن ذلك أمر يجب عليه القيام به: فالعمل الذي يعتمد عليه لتدبر أمور حياته في خطر.

في حالة ما قام (ساومير) بمضاعفة سعر الإيجار لـ(نوربيرت)، فهذا قد يعني نهاية النادي. في هذه الأحيان، يدفع (نوربيرت) 13 دولار عن كل متر مربع بدون تكاليف التدفئة.

مقالات إعلانية