in

حرية المُعتقد عند المسلمين، بين الادّعاء والواقع

حرية المُعتقد عند المسلمين

”من المُحال الشروع في حوار عقليّ مع أحد من الناس حول المعتقدات والمفهومات إذا لم يكن قد اكتسبها من خلال العقل. وسواء في ذلك أكنّا نبحث في موضوع الله أم العرق أم الفخر القومي.—كارلوس رويث زافون“

لا يزال المسلمون اليوم بأغلبيّتهم العُظمى يقعون ضحايا ما أفرزته حقبات التاريخ من أحداث مرّت، وتنازعات في الحُكم بين القبائل وصولاً إلى عصر السياسات الحديثة وألاعيبها، مغبونون دون أن يعلموا، وإن علموا فليس باليد حيلة إلّا من كان منهم ذو حظ وقوّة.

قلّة نادرة من الناس هُم من يحملون أفكارهم وليس العكس، ويمكن القول أنّ أغلب هؤلاء يعيشون على المستوى الاجتماعيّ في الأماكن التي توفّر لهم هامشاً كبيراً من الحرية، حيث تُقدّر هذه الأخيرة تقديراً عالياً.

هذا ما يحصل في المجتمعات المتقدّمة حضارياً، التي أدركت بعد تاريخٍ حافلٍ من المعاناة والحروب أن لا خيار في سبيل العيش بسلام إلّا بتمجيد قيمة الحرية لدى الفرد وإعلاء مكانتها، إحتراماً لمنزلة الكائن البشريّ ورغبةً في الاستمرار بما يُرضي الجميع اتّفاقاً.

هذه القيمة العظيمة التي نجزم برفعتها؛ والتي تكاد معظم المنظومات الدينيّة تدّعي حملها، إلّا أنّنا سرعان ما نكتشف العكس من خلال ما يُظهره لنا الواقع، وأنّ ما هي سوى شعارات منمّقة يلوكونها بين فكوكهم، ولا حاجة إلى ذكر الأمثلة لأنّها حاضرةٌ بيننا.. كما تجدهم، كي يبرّروا حالة فصامهم هذه، يستخدمون تلك الحرية لكن على طريقتهم، بشروطهم التي لا تُبقي من هذه القيمة سوى اسمها، وتفرغها من كل مشمولاتها الحقيقيّة ومضامينها.

سامحه، فهو يظن أنّ عادات قبيلته هي قوانين الطبيعة - جورج برنارد شو
سامحه، فهو يظن أنّ عادات قبيلته هي قوانين الطبيعة – جورج برنارد شو

أنت حر في اختيار عقيدتك، لكن بحسب ما اتّفق عليه العلماء الأجلّاء. من هم العلماء؟ أنت حر في تفكيرك لكن بما لا يخالف الشرع والأصول. أيّ شرع؟

ألا يعرفون أنّ هذا الشرع بات شرائع لا يُحصى عددها، وأنّ ”علماءهم الأجلّاء“ هم عند غيرهم حفنةٌ من المهرطقين البغضاء؟

بالطّبع يعلمون، لكنّ رواسب الماضي وما يحمله من أصوليات صدئة ما زالت تجري في وجدانهم وذاكرتهم التي عُلّقت في القرون السحيقة وستبقى إلى أجلٍ غير معلوم. هم يقتاتون على هذه الذاكرة..

يؤمنون في عقلهم الباطن ولاوعيهم الجمعيّ بصورة الجماعة الواحدة تحت مسميّات عدّة، والاستماتة في الدفاع عنها والتصدّي لمن يحاول كسر شوكتها. بهذا المنطق يواجهون حضارات ما بعد الحداثة والعولمة، وبهذه العقليّة (الأيديولوجيا) يسمحون لأنفسهم بمخاطبة أجيال ”الكوانتم فيزيكس والنّانو تكنولوجي“.

نعم، هُم جدّياً ما زالوا يلعبون على ذلك ويراهنون على محدوديّة وجهل الجماعة التي يحكُمون منذ نعومة أظافرهم. فتجدهم يحرصون بقدر استطاعتهم على تنشئة أجيالهم عبر إعطائهم جرعات تدريجية من تلك الأفكار التي تكفل الانخراط في صفوفهم فيما بعد، ضاربين كلّ نظريات ومعتقدات العالم بعرض الحائط.

في هذا المكان من التاريخ نحن، وعلى هذه الرقعة الجغرافية نحيا!

”حسناً، عليك أن تؤمن، أن تؤمن فقط.

– أؤمن بماذا؟

بما أقوله أنا لك من بين الملايين.

– ولماذا عليّ فعل ذلك؟

لأنّك إن لم تفعل سأضرب عنقك أو أهدّد حياتك وأجعلك منبوذاً ما دمت فينا..“

هكذا ببساطة، السيناريو الصريح لإنسان يعيش في وسط إسلاميّ. كلّ ما عدا ذلك هو محض تلبيسات وسفسطات لا طائل منها، طالما أن لا خيار حقيقيّ لك فمصيرك واحد. سيحاولون بشتّى الطرق، الليّنة منها والغليظة حتى إقناعك أو رضوخك أمامهم.

”– ألا يمكنني أن أؤمن بفهمي الخاصّ للإسلام والدين بشكل عام؟

بالطبع لا، فنحن وضعنا هذه العقيدة على أسسٍ متينة ومُحكمة جداً، أمضينا قروناً في صياغتها بهذا الشكل.

– ولكن هؤلاء المخالفين لكم لديهم أيضاً عقائد ونظريّات لا تقلّ رصانة وجدّية عن عقيدتكم.

وما أدراك أنت أنّهم محقّون في ما يزعمون، إنّهم مخادعون وجاحدون يريدون التآمر على الدين الحنيف، وأنت لست متخصصاً كي تُدرك كلّ هذا.

– إن كنتُ لست متخصصاً ولا أهلاً لمعرفة كل ذلك فلمَ عليّ تصديقكم أنتم بالذات؟

– Error 404“

إذا كانت الحرية كقيمة تأتي قبل الهوية، فحرية المعتقد هي أمّ الحريات…

مقالات إعلانية