in

التطور ليس دائما بطيئا، فهو قد يحدث كذلك بين ليلة وضحاها

سحلية آنول الأمريكية الخضراء
صورة: PiccoloNamek/Wikimedia

مازال هناك الكثيرون ممن لا يعترفون بنظرية التطور، وبصراحة نحن لسنا هنا بصدد إثارة ذلك التساؤل والجدل العقيم، وبدلا من ذلك، نحن هنا في هذا المقال من أجل إبراز تلك اللحظات التي قام فيها الإنتخاب الطبيعي بإظهار نفسه بشكل لحظي مفاجئ.

منذ بضعة سنوات مضت، أدت عاصفة برد مفاجئة إلى تغيير التركيبة الجينية لجنس كامل من السحالي في تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية. إليكم سحلية آنول الأمريكية الخضراء:

سحلية آنول الأمريكية الخضراء
سحلية آنول الأمريكية الخضراء

عندما تلتقي السحلية بالعاصفة:

في صيف سنة 2013، كان عالم البيولوجيا ”شاين كامبيل ستاتون“ بصدد العمل على دراسة تتعلق بالعشرات من سحالي ”آنول“ التي تنتشر من أخفض نقطة في تكساس جنوبا إلى شمال أوكلاهوما.

وقد كان موضوع هذه الدراسة هو اكتشاف سر نجاة هذه السحلية الإستوائية في المناخ البارد نسبيا لجنوب الولايات المتحدة الأمريكية، ثم جاءت موجة البرد لسنة 2014.

في الثاني من شهر يناير من نفس العام، ضربت عاصفة جنوبية قطبية القارة كلها متسببة في انخفاض قياسي لدرجات الحرارة فيها من المحيط إلى المحيط، وعندما رأى كامبل ستاتون صورة سحلية آنول نافقة في الثلج، أدرك حينها أنه أمام فرصة معرفة كيف قامت الجينات التي كان يدرسها بالوصول إلى أوج تحملها لهذا المناخ القاسي.

وقد كان ما وجده مثالا ممتازا على التطور وهو يحدث أمامنا.

لم تنفق كل سحالي الآنول وتهلك في موجة البرد تلك، فقد كانت السحالي الناجية منها قد طورت قدرة أفضل على التكيف والنجاة والإستمرار في مناخات أقل حرارة من المناخ الإستوائي؛ الذي يعتبر البيئة الطبيعية لها، كما كانت السحالي في جنوب تكساس هي التي تغيرت بقدر أكبر (حيث أن أبناء عمومتها الشماليين لم يتمكنوا من تحقيق تغييرات أكثر جذرية مما حققته هي).

ولم تبرز هذه النتائج لدى السحالي التي كان يتم إخضاعها لدرجات حرارة منخفضة في المخابر فقط، بل عكسها كذلك حمضها النووي الذي أصبح يفصلها عن أسلافها من عشاق الحرارة الإستوائية، وهو الأمر الذي ما كان ليحدث لولا تلك العاصفة التي ضربت المنطقة في شهر يناير.

في سنة 1898، قام العالم البيولوجي ”هرمون بومبوس“ بتوثيق الكيفية التي قامت من خلالها موجة برد مفاجئة أخرى اجتاحت جزر ”رود“ في الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية بتعديل التركيبة الجينية للعصافير الدورية هناك.

عصفور دوري

حيث بعد مرور العاصفة، قام هو ومساعدوه بجمع 136 عصفورا دوريا أسقطتها العاصفة أرضا، التي نجا من بينها 72 عصفورا، ونقفت الأربعة وستون الباقية. قام بومبوس بتسجيل ملاحظات دقيقة جدا حول الأعداد الناجية من هذه العصافير، ووثق عددا من الخصائص الفيزيولوجية التي فصلتها عن مرافقاتها غير المحظوظة.

وقد كانت أكثر هذه الخصائص بروزا غير مفيدة تماما قبل أن تضرب العاصفة، لكنها انتهت بكونها الخصائص الوحيدة التي قامت بتمريرها للأجيال اللاحقة من سلالتها.

هناك مثال آخر على ذلك؛ والذي على الرغم من كونه ليس لحظيا على غرار سابقيه إلا أنه كان أكثر دراماتيكية:

العث المتخللة ”Peppered moth“
العث المتخللة ذوات الأجنحة البيضاء مع بقع سوداء

تعتبر حشرة العث المتخللة ”Peppered moth“ حشرة شائعة في كل من إيرلندا وبريطانيا، والتي حصلت على اسمها هذا من أجنحتها البيضاء التي تتخللها بقع سوداء.

لكنه بين الحين والآخر، كان أحد هذه الحشرات يولد مع أجنحة سوداء تماما، وقد كانت حشرات العث السوداء هذه تتجمع بالقرب من الأشجار شاحبة اللون، مما جعل الطيور المفترسة ترصدها بسهولة.

ثم حدث التطور، حيث بدأت الأشجار في المدن تكتسب لونا أسودا، وفجأة أصبحت حشرات العث سوداء اللون؛ التي كانت تعتبر خارجة عن المألوف، هي الجنس السائد هناك.

فإن لم يكن هذا دليلا كافيا على التطور، فإليك ما يلي: عندما قام المشرفون على نظافة المدن بإزالة ذلك السواد الذي اكتسح الأشجار، وأصبحت الأشجار ذات لون شاحب مجددا، عادت الحشرات ذوات الأجنحة البيضاء مع بقع سوداء للظهور مرة أخرى. هكذا يعمل التطور.

مقالات إعلانية