in

16 طريقة غريبة وتراجيدية تسببت بموت شخصيات بارزة من بلاد الإغريق

ساهم الإغريقيون القدامى في تشكيل العالم، حيث قدموا للبشرية كل من الفلسفة والديموقراطية والمسرح وعلم التاريخ، كما ساهموا في وضع أسس الحضارات الغربية، وقدموا لنا عدداً كبيراً من القصص التي تروي أغرب الطرق التي مات فيها بعض الشخصيات الإغريقية لدرجة أنك لن تصدق ما تقرأ! فيما يلي أغرب 16 طريقة لاقى فيها بعض الإغريق حتفهم والتي قد يصعب تصديقها للوهلة الأولى:

1. عَلِق أعظم رياضي في العصور القديمة داخل شجرة والتهمته الذئاب حياً:

لوحة للفنان بيترو ديلا فالي بعنوان «ميلو من كروتون» يصوّر فيها صراعه مع الذئب. صورة: Wikimedia Commons

كان (ميلو) من (كروتون) من أكثر الرياضيين والمصارعين شهرة في الحضارة الإغريقية القديمة، والذي تألق واشتهر في القرن السادس قبل الميلاد، كما كان محارباً شهيراً قاد إخوانه من المواطنين لتحقيق النصر العسكري.

عُرف (ميلو) بقوته الجسدية، حيث كان يحمل ثوراً كبيراً على كتفيه كجزء من نظام التدريب الخاص به، أما بالنسبة للنظام الغذائي الذي اتبعه، فكان عبارة عن 20 رطلاً من اللحم، و20 رطلاً من الخبز، و10 لتر من النبيذ، وقد حقق سلسلة من الانتصارات الرياضية التي لم يشهد التاريخ مثلها، فقد كان المنتصر الوحيد في الألعاب الهلينية الرباعية السنوية وهي: الألعاب الأوليمبية وألعاب بيثيا وألعاب نيميا والألعاب والبرزخية.

اشتهر سكان (كروتون) قديماً (كروتون هي الجنوب الإيطالي حديثاً) بقوتهم البدنية، حيث خلفت أجيالاً من الأبطال، ففي الألعاب الاوليمبية عام 576 قبل الميلاد، كان الفائزون السبع الأوائل في سباق الـ 200 يارد من (كروتون)، وسجلت المصادر القديمة انتصارات (ميلو) جميعها، فقد فاز ببطولة المصارعة في ستة ألعاب أوليمبية، وسبع ألعاب بيثية، وتسع ألعاب نيمية، وعشرة ألعاب البرزخية، خلال الفترة الممتدة بين عامي 516 و540 قبل الميلاد.

لم يكن (ميلو) نجماً رياضياً فقط، بل كان قائداً حربياً شجاعاً، ففي عام 510 قبل الميلاد قام طاغية من مدينة (سايبريس) المجاورة بطرد الشخصيات المهمة من المدينة، ولكنه شعر بالإهانة لاحقاً عندما علم أن مدينة (كروتون) قد عرضت عليهم الإقامة فيها، حينها تصاعد الخلاف وخاصةً بعد الحث والتشجيع الذي مارسه الفيلسوف وعالم الرياضيات الشهير (فيثاغورس) الذي قضى معظم وقته في (كروتون)، حيث عمل على قلب هذا النزاع واستخدامه كذريعة لتدمير (سايبريس)، عند نشوب الحرب استلم (ميلو) قيادة قوات (كروتون) نحو النصر، كان يرتدي حينها إكليل الأولمبياد الخاص به، وجلد النمر، فكان يقود الجيش وكأنه هرقل.

في يوم من الأيام، جاء الحظ التعيس ليضع حداً لحياة (ميلو) البطولية، ففي أحد الأيام كان (ميلو) يتجول في الغابة، عندما صادف شجرة مليئة بالشقوق، اعتاد (ميلو) على تحدي نفسه لذلك حاول اقتلاع هذه الشجرة من جذورها بيديه العاريتين، ولكن لسوء حظه علقت يداه داخل إحدى الفجوات، وازداد الأمر سوءاً عندما هجمت عليه مجموعة من الذئاب والتهمته حياً بينما كان يناضل ليحرر نفسه.

2. تعرض (بوبالوس) للإهانة إلى أن قرر الانتحار:

بوبالوس وأخوه.

مفهوم التصيد (أو Trolling) ليس مفهوماً حديثاً ظهر بوقت متزامن مع ظهور الانترنت، بل هو موجود منذ القدم في جميع الثقافات حول العالم، فمثلاً لم يكن اليونانيون القدماء متساهلين في الأمور المتعلقة بالتصيد، بل كان السبب في اشتعال الحروب.

ومن الأمثلة الجيدة عن التصيد هو (بوبالوس) من (خيوس) والشاعر (هيبوناس) من (إفسوس)، اشتهرت كلتا هاتين الشخصيتين في القرن السادس قبل الميلاد، وانتهى هذا التصيد الذي بدأه (هيبوناس) بانتحار (بوبالوس) بعد خوضه نزاع ملحمي مع الشاعر الساخر (هيبوناس).

كان (بوبالوس) نحاتاً مشهوراً، حيث كان يقوم بنحت التماثيل الرخامية لشخصيات مشهورة مثل إله الصيد والبرية (أرتميس)، وبعد مرور قرون على انتحار (بوبالوس)، قام الإمبراطور الروماني (أغسطس) بأمر مساعده بالتنقيب عن تماثيل هذا النحات الشهير، واستخدمها لتزيين معبد (أبولو) في روما، كما كان (بوبالوس) متصيد عالمي، ولكن لسوء حظه وقع في شباك متصيد أمهر منه.

كان (هيبوناس) شاعراً، ولكن لم يكن مستواه رفيعاً كالشاعر (هوميروس) و(هزيود)، فلم يتناول في أشعاره ما هو متداول في ذلك الوقت كالتغني بالأيام الصيفية والمروج والحملان اللطيفة، بل كانت قصائده لاذعة وساخرة مثل: ”يوجد يومان سعيدان في حياة المرأة: الأول هو اليوم الذي تتزوج به، والثاني عندما يُحمل جسدها الميت“، لم تكن القباحة تسيطر على أشعاره وشخصية هذا الشاعر فحسب، بل إنها خيمت على مظهره، فكان وجهه بغاية القبح.

اشتعلت الحرب بين (هيبوناس) و(بوبالوس) عندما تقدم (هيبوناس) لطلب يد ابنة (بوبالوس) ولكنه رفض محاولاً حماية ابنته من العيش مع شخص قبيح من الداخل والخارج، ازداد الخلاف شدة عندما قام (بوبالوس) بنحت تماثيل قبيحة لـ (هيبوناس)، وجاء الرد من قبل (هيبوناس) على شكل شعر ووصفه بأنه ابن عاهرة، كما اتهم النحات بقيامه ببعض الممارسات الجنسية مع والدته، لم يتحمل (بوبالوس) إهانته بهذه الطريقة علناً لذلك قرر شنق نفسه، لاحقاً أصبح (بوبالوس) موضع سخرية بين الكتاب، حيث ذكره الكاتب المسرحي الكوميدي الإغريقي (أريستوفان) في إحدى مسرحياته بعبارة: ”يجب على شخص ما أن يعطيهم (بوبالوس) أو اثنين منه في أفواههم، فهذا قد يصمتهم قليلاً“.

3. حاول (إمبادوقليس) أن يثبت للعالم أنه إلهاً، لكنه فشل:

لوحة تصوّر «موت أمبادوقليس» للفنان سالفاتور روسا. صورة: Wikimedia Commons

كان (إمبادوقليس 432-492 قبل الميلاد) فيلسوفاً وشاعراً يونانياً من صقلية في فترة ما قبل (سقراط)، حيث نُسبت إليه نشأة نظرية العناصر الأربعة: الهواء والماء والنار والتراب. سعت هذه النظرية لشرح الكون عن طريق تحويل كل المواد إلى مواد أبسط منها، كما حاول أن يثبت للعالم أن ليس فيلسوفاً فقط بل إنه إلهاً، ولكن انتهى به الأمر بالموت أثناء محاولاته الغريبة لإثبات ألوهيته.

ولد (إمبادوقليس) في عائلة معروفة، حيث كان والده من كبار الشخصيات المحلية المؤيدة للحكم الديموقراطي، كما لعب والده دوراً مهماً في الإطاحة بحاكم (بوليس) المستبد عام 470 قبل الميلاد، فيما بعد اتبع (إمبادوقليس) خطى والده وساعد في إسقاط حكومة الأقليات التي فرضت سيطرتها على (أكراغاس) بعد إقالة حاكمها المستبد من منصبه. عُرض على (إمبادوقليس) السلطة العليا على مدينته أكثر من مرة، ولكنه كان يرفض كل مرة.

كان (إمبادوقليس) شخصاً عبقرياً ذا مواهب متعددة، فقد كان خطيباً وشاعراً موهوباً، كما كان يعتبر أحد أعظم المثقفين والأطباء الموهوبين في عصره، حيث أشاد الكثيرون بقدراته على علاج الأمراض وتجنب الأوبئة، ولكن كل هذه القدرات والمواهب قد جعلته يفخر بنفسه لدرجة أنه اعتقد حقاً أن لديه قوى إلهية حقيقية، كالقدرة على التحكم بالشيخوخة والقضاء على الشر والسيطرة على الأمطار والرياح.

ازداد فخره بنفسه أكثر عندما تمكن من شفاء امرأة افترض جميع الأطباء قبله أن مرضها غير قابل للشفاء، عندها ادعى أنه إلهاً، ولإثبات ألوهيته قام بجمع حوالي 80 شخصاً وقادهم نحو قمة بركان نشط في جبل (إتنا)، وقال إنه سيقفز في البركان وسيعود كإله بعد أن تلتهم الحمم جسده وذلك كي يثبت للمتشككين خلوده، ولكن للأسف لم يعد (إمبادوقليس) حتى الآن.

4. (فيليتاس) كان مصاباً بمتلازمة التحذلق اللغوي حيث جوع نفسه حتى الموت أثناء محاولاته لتصويب أخطاء الأخرين:

تمثال لفيليتاس.

قبل فترة طويلة من ظهور مهووسي التصحيح النحوي، كان هناك (فيليتاس) من مدينة (كوس) اليونانية والذي عاش من عام 340 حتى عام 285 قبل الميلاد، وبحسب بعض المصادر القديمة، كان (فيليتاس) شخصاً مزعجاً وفاسداً للغاية، حيث كان يقوم بتصحيح أخطاء الآخرين باستمرار، كما كان شاعراً وباحثاً عمل في تدريس الملك المصري (بطليموس الثاني)، وساهم في تعميم مدرسة الشعر الهلنستية التي ازدهرت في الإسكندرية، كما اعتبره الشعراء اللاحقون كالشاعر الروماني (أوفيد) مثلهم الأعلى.

كان (فيليتاس) أحد السكان الأصليين لجزيرة (كوس) في بحر إيجة، وكان شاعراً ومثقفاً قبل غزو الملك المصري (بطليموس الأول) لجزيرته عام 309 قبل الميلاد، عندما علم الملك بوجود هذا الشخص الحكيم قام بتعيينه لتدريس ابنه ووريث عرشه (بطليموس الثاني)، عندها انتقل الشاعر إلى الإسكندرية لأداء مهامه، وبعد انهاء مهمته الملكية، عاد إلى موطنه ليؤسس ويقود المجتمع الفكري المكون من الشعراء والعلماء.

على الرغم من اعتباره شخصية مثالية بكل المقاييس، إلا أنه كان لديه عادة مزعجة للغاية، حيث كان يقوم بتصحيح أي خطأ يصادفه بطريقة متغطرسة وساخرة، فبمجرد سماعه لشخص ينطق بمغالطة منطقية أو يستخدم كلمة خاطئة حتى ينعزل (فيليتاس) عن الجميع ويصاب بنوبة جنون هستيرية، حيث يبدأ بكتابة صفحات عديدة ليصحح هذه الأخطاء، بالإضافة لكتابته بعض الأمثلة التي يتكلم فيها عن الطريقة الصحيحة لاستخدام هذه الكلمات.

ووفقاً لبعض المصادر القديمة، يُحكى أن (فيليتاس) قد انشغل بتصحيح أخطاء الآخرين والتحقق من البراهين الواهية والاستخدامات الصحيحة للكلمات، إلى أن مات من الجوع، عند موته كُتب على شاهدة قبره: ”إنه لأمر غريب، اسمي فيليتاس، أنا استلقي هنا بسبب اهتمامي بالتحقق من البراهين الخاطئة، امتد من المغيب وعبر الليل“.

5. تسبب هتاف واستحسان المواطنين لـ(دراكو) بموته:

نحت لوجه دراكو في مكتبة المحكمة الأميركية العليا. صورة: Brewminate

كان (دراكو) الذي ازدهر خلال القرن السابع قبل الميلاد، أحد المشرّعين الأثينيين الذي دعى لاستبدال القوانين الشفوية التقليدية بالنظام القانوني والمحاكم لتنفيذ هذه القوانين، ولكن عندما طلب الأثينيون من (دراكو) وضع مجموعة جديدة من القوانين، تفاجؤوا بمدى قسوة قوانينه، حيث كانت عقوبة جميع الجرائم سواء كانت خطيرة أم تافهة الموت.

يخيم الغموض على خلفية (دراكو)، ولكنه على الأرجح كان ينتمي لعائلة أرستقراطية أثينية. في عشرينيات القرن السادس قبل الميلاد، طلب منه المواطنون التوصل إلى نظام قانوني لاستبدال طرق تحقيق العدالة المتبعة في ذلك الوقت، فقد كانت العدالة تطبق على يد المواطنين وأقاربهم ”قانون الغابة“، الأمر الذي سبب تفجير سلسلة من الانتقامات الدموية وعمت الفوضى أنحاء البلاد، حيث كان المواطنون الأقوياء محميون في حين كان الضعفاء ضحية لهذا القانون.

قام (دراكو) بكتابة قوانين أثينا ونشرها، ساهمت هذه القوانين في التقليل من مخاطر القوانين الشفوية التقليدية التي كانت تطبق على قلة قليلة من المواطنين، وكانت تفسر وتطبق بطريقة تعسفية. اعتبر المواطنين هذه القوانين الجديدة خطوة كبيرة نحو تحقيق العدل والمساواة، ولكن العيب الوحيد فيها هو قسوتها ولكنها كانت مناسبة للغاية للمدانين والطبقات المالكة، فقد كان يُحكم بالعبودية على كل من يتخلف عن سداد دينه، أما بالنسبة لأولئك الذين ارتكبوا جرائم بسيطة فعقوبتهم الإعدام، عندما سُئل (دراكو) عن سبب تشريع عقوبة الإعدام كعقوبة لمعظم الجرائم، أجاب أنه يعتقد أن تلك العقوبة مناسبة للجرائم الأقل شأنًا، وأنه لا يملك عقوبة أكبر لفرضها على الجرائم الأبشع.

بغض النظر عن آراء الفقراء والمديونين، فقد بدا أن اليونانيين الأثرياء قد أعجبوا بقوانين (دراكو) الجديدة لدرجة أنهم هللوا وهتفوا له حتى مات: حيث أظهر الإغريق القدماء قبولهم بهذه القوانين عبر رمي القبعات والملابس كنوع من الامتنان والتوقير له، وخلال زيارته إلى جزيرة (إيجينا) اليونانية رمى المواطنون عليه عدد هائل من القبعات والقمصان وأغطية الرأس لدرجة أن اختنق تحتهم حتى الموت، بغض النظر عن الثناء الذي لاقاه (دراكو) خلال مسيرة حياته، إلا أن الكثير من الأثينيين اعتبروا قوانينه بغاية الظلم والقسوة، ولكن في عام 594 قبل الميلاد جاء (سولون) الذي عمل على إلغاء قوانين (دراكو) واستبدلها بقوانين جديدة، ولكنه ابقى على الإعدام كعقولة لجرائم القتل.

6. قُتل أحد أعظم جنرالات العصر الهلنستي على يد امرأة عجوز مسلحة بحجارة القرميد:

تمثال لـ بيروس في المتحف الوطني للآثار في نابولي. صورة: Wikimedia Commons

كان (بيروس) من (إبيروس) 319-272 قبل الميلادي، ملكاً عشائرياً قبل أن يصبح ملكاً لإقليم (إبيروس) الواقع غرب البلقان، كانت تربطه قرابة بعيدة بالإسكندر الأكبر، بالإضافة لكونه عدواً لدوداً لكل من مملكة مقدونيا وروما، سببت انتصارات العديدة التي حققها ضد كلا المملكتين إلى ظهور مصطلح ”النصر البيروسي“ أو المصر الباهظ الثمن، يشير هذا المصطلح إلى الانتصار بعد التكبد بخسائر فادحة.

ولد (بيروس) ليعيش حياة الصراع والنضال، حيث كان والده زعيم قبيلة (إبيروت) ولكنه خلع من عرشه عندما كان (بيروس) لا يزال يبلغ السنتين من عمره، عندها اضطرت عائلته للفرار والبحث عن مخبأ في قبيلة (إيليريان) المجاورة، قام أهالي هذه القبيلة بتنصيب (بيروس) زعيماً لهم عام 306 قبل الميلاد، ولكن بعد مرور 4 سنوات قاموا بسحب الزعامة منه وأُجبر على العمل لكسب لقمة عيشه حيث عمل كضابط مأجور، وانتهى الأمر به لاحقاً في مصر، حيث تزوج من ابنة الملك (بطليموس الأول) الذي قدم له كل ما يحتاجه من الدعم المالي العسكري لإعادته إلى عرش والده عام297 قبل الميلاد.

عندما أعاد (بيروس) منصب والده بدأ بالعمل على صنع لنفسه اسم الجنرال بعد خوضه سلسلة من الصراعات في البلقان، ولكن في عام 282 قبل الميلاد، خاضت مدينة (تارنتوم) اليونانية الواقعة جنوب إيطاليا نزاعاً مع روما التي كانت تهدف لتوسيع حدودها، عندها استنجد أهالي هذه المدينة بـ (بيروس) طالبين مساعدته، تشجع (بيروس) على مساعدتهم بعد نبوءة (دلفي)، وخاصةً بعد أن رأى وجود فرصة له لإنشاء إمبراطورية في جنوب إيطاليا، بدأ (بيروس) بتشكيل تحالف مع مملكة مقدونيا المجاورة، ودخل إلى أراضي الجنوب الإيطالي في عام 280 قبل الميلاد برفقة جيش مؤلف من 20 ألف جندي مشاة و3000 من سلاح الفرسان و2500 من الرماة، تمكن (بيروس) من هزيمة الرومان في معركة انتهت بخسائر فادحة لكلا الطرفين، ولكن تمكنت روما من الوقوف مرة أخرى على أقدامهم وذلك بسبب عدد القوات العسكرية الكبير الذي تمتلكه، قال (بيروس) ساخراً بعد هذا الانتصار: ”إن تمكنا من هزيمة الرومان في معركة واحدة أخرى، فذلك سيؤدي إلى دمارنا كلياً“.

أخذ (بيروس) استراحة من محاولته لإنشاء إمبراطورية في إيطاليا، وانطلق لمحاربة القرطاجيين في صقلية، ولكن عندما عاد كان الرومان قد نهضوا بقواهم من جديد وشكلوا جيشاً عملاقاً، عندها قرر (بيروس) تجنب خسارة المزيد من قواته وقرر مغادرة إيطاليا عام 275 قبل الميلاد.

توفي (بيروس) في عام 272 قبل الميلاد عندما أخذ موقفاً في نزاع وقع في مدينة (أرغوس)، عندما قامت امرأة عجوز برمي قرميدة من السقف أصابت (بيروس) في رأسه، عندها سقط من على حصانه، لا نعلم إن كان (بيروس) قد نجا من هذه الإصابة أم لا وذلك بسبب اندفاع أحد الجنود الأعداء إليه وقطع رأس ملك (إبيروت).

7. قُتل (ثيوسيديديس) في منتصف كتابته لجملة في كتابه:

المؤرخ الإغريقي ثوسيديديس.

كان (ثيوسيديديس 460-404 قبل الميلاد) أعظم مؤرخ إغريقي وصاحب كتاب ”تاريخ الحرب البيلوبونيسية“، يتحدث هذا الكتاب عن الصراع الذي وقع بين سبارتا وأثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، كان يتبع منهجية خاصة به تنص على تطبيق معايير الحياد بشكل دقيق، وجمع الأدلة، ولكنه كان يتجنب الإشارة إلى التدخلات الإلهية، أدت هذه المنهجية إلى تلقيبه باسم ”أب التاريخ العلمي“، كما حصل على لقب ”أب الواقعية السياسية“ وذلك بسبب تحليلاته التي قام بها والتي أدت إلى اكتشافه أن الصراع والقرارات الفردية ناتجة عن مصلحة شخصية بحت.

كانت تربط (ثيوسيديديس) علاقة قرابة بعيدة مع الجنرال الأثيني (ملتيادس)، والذي حقق انتصاراً عظيماً في معركة (ماراثون) عام 490 قبل الميلاد، اُنتخب (ثيوسيديديس) في سن مبكرة ليكون أحد الجنرالات أثينا العشر، ولكنه لم ليصبح جنرالاً عظيماً كقريبه (ملتيادس)، وخاصةً بعد خسارته مدينة (أمفيبوليس) ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لصالح الإسبرطيين بعد أن شنوا هجوماً مفاجأً، عند هذه الخسارة انقلب المواطنون ضده وتم استدعائه إلى أثينا وحُكم عليه بالنفي.

قد يكون نفي (ثيوسيديديس) أفضل شيء حصل له، فقد اُتيح له المجال ليدون أعماله السياسية، حيث كان يقضي وقتاً طويلاً من وقته وهو يراقب أحداث الصراعات الملحمية ويدونها دون التحيز لطرف واحد، كما اعتبر كتابه الشهير ”تاريخ الحرب البيلوبونيسية“ من أكثر المصادر الموثوقة في التاريخ اليوناني القديم.

لسوء الحظ، توقف (ثيوسيديديس) عن تدوينه لصراعات، بعد أن أمضى وقت يمتد من عام (431 حتى عام 404) قبل الميلاد في تدوينه لأحداث الحروب، ولكنه توقف فجأة عام 411 قبل الميلاد، فعندما انتهت الحرب بهزيمة أثينا عام 404 قبل الميلاد، تغيرت الحكومة في أثينا لذلك قرر (ثيوسيديديس) العودة إلى موطنه بعد نفي دام 20 عاماً، ولكن كانت الأوضاع السياسية غير مستقرة بعد وذلك بسبب سيطرة نظام حكم الأقلية بدعم من إسبرطة، حيث مارس هذا النظام التعنيف السياسي على أولئك الذين ناصروا الديموقراطية التي كانت سائدة في أثينا خلال الحرب، وفي خضم هذه الاضطرابات قُتل (ثيوسيديديس) في منتصف جملة يدونها في كتابه التاريخي.

8. غطى (هرقليطس) نفسه بالبراز والتهمته الكلاب وهو على قيد الحياة:

لوحة تصوّر هرقليطس. صورة: Wikimedia Commons

كان جوهر الحياة بالنسبة للفيلسوف اليوناني القديم (هرقليطس) من (إفسس) 535-475 قبل الميلاد هو التغيير المستمر، ومن أقواله المأثورة عبارة: ”لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين“، معتقداً أن كل شيء مثل قطرة الماء التي تجرفها الحركة المستمر للنهر، حتى ولو كان من الصعب ملاحظة هذه الحركة، كما نشر (هرقليطس) فكرة ”وحدة الأضداد“، حيث اعتبر أن الكون عبارة عن نظام من التبادلات المتوازنة التي يتم من خلالها اقتران جميع الأشياء بعلاقة مع أشياء أخرى متعاكسة.

كان (هرقليطس) يتبع سياسة التعلم الذاتي وكان يوجه الكثير من الانتقادات للفلاسفة الآخرين، كما تميز بنظرته السوداوية للحياة البشرية، وكان من المعارضين للحكم الديموقراطي مفضلاً الحكم من قبل عدد قليل من الحكماء، استفاد أفلاطون من أفكاره لاحقاً حيث توصل لفكرة أن الحاكم المثالي هو ملك فيلسوف، كما كان ينظر (هرقليطس) للثروة على أنه شكلاً من أشكال العقوبة، لدرجة أنه تمنى لكل شخص يكرهه أن يتحول ليصبح شخص ثري كعقوبة له على خطاياه.

كان (هرقليطس) كارهاً للبشر، حيث تجنب الاختلاط والتواصل مع الأشخاص والمجتمع من حولها لفترات طويلة، كان يتجول بمفرده عبر الجبال والغابات ويقتات على النباتات، حيث لخص الفيلسوف اليوناني (ديوجانس) حالته بقوله: ”أخيراً، أصبح هرقليطس كارهاً للنوع البشري، يتجول في الجبال، ويعيش على الأعشاب العطرية والنباتات“.

توفي هرقليطس بعد إصابته بداء الاستسقاء، وهو عبارة عن تراكم السوائل تحت الجلد أو في أحد تجاويف الجسم، لم يتمكن الأطباء من علاج (هرقليطس) لذلك قرر معالجة نفسه بنفسه مستفيداً من مهاراته الطبية التي اكتسبها من خلال التعلم الذاتي، لذلك قام بتجربة طريقة علاجية مبتكرة وهي عبارة عن تغطية نفسه بروث البقر، معتقداً أن دفئ الروث سيساعده على تجفيف وإخراج السوائل المتراكمة من تحت جلده، غطى هرقليطس نفسه بروث البقر واستلقى تحت أشعة الشمس ليجف، ولكن لم تجري الأمور كما كان يتوقع، حيث جف الروث على جسده ولم يعد بإمكانه التحرك إلى أن هجمت عليه مجموعة من الكلاب والتهمته حياً.

9. سقط فيل على (أليعازر مكابيه) مما أدى لوفاته:

رسم لغوستاف دوريه يجسد «مقتل أليعازر» إثر معركته مع الفيل.

توفي (اليعازر مكابيه) عام 162 قبل الميلاد، وهو الشقيق الأصغر لـ (يهوذا مكابيه) زعيم ثورة مكابيان 160-167 قبل الميلاد ضد الإمبراطورية السلوقية الهيلينية، اندلعت هذه الثورة كنتيجة لحظر الملك السلوقي (أنطاكوس الرابع) الممارسات الدينية اليهودية، حيث أمر اليهود بعبادة (زيوس) بدلاً من الله، بدأ التمرد عندما قام والد (يهوذا) و(اليعازر) بقتل شخص يهودي هيليني، ثم هرب إلى البرية مصطحباً معه أبنائه الخمسة ومن هناك أسس حملة حرب العصابات، تولى يهوذا هذا التمرد بعد وفاة والده عام 164 قبل الميلاد، وتمكن من دخول القدس وأعاد طقوس العبادة اليهودية إلى معابدها، يتم الاحتفال بهذا الحدث حتى يومنا هذا في عيد حانوكا (أو ما يُعرف أيضاً بعيد الأنوار).

مات (اليعازر) بطريقة غريبة في معركة زكريا عام 162 قبل الميلاد، أي بعد مرور عامين من فرض شقيقه السيطرة على القدس، ولكن لم يتمكن (يهوذا) من فرض سيطرته على القدس بشكل كامل، حيث حافظت قوات الحامية السلوقية على سيطرتها على قلعة داخل المدينة، إلى أن فرض (يهوذا) حصاراً على القلعة، حيث توجه جيشٌ سلوقيٌ كبيرٌ مكون من 50 ألف جندياً برفقة 30 من أفيال الحرب لمساندة أنصارهم داخل القلعة، الأمر الذي أجبر (يهوذا) على فك الحصار والتوجه برفقة 20 ألف رجلاً لمواجهة الجيش السلوقي.

التقى الجيشان في معركة رسمية، ولكن ارتكب (يهوذا) خطأً كبيراً عند تخليه عن الفنون التكتيكية لحرب العصابات التي ساعدته في تحقيق عدة انتصارات، انعكس هذا الامر سلباً في هذه المعركة حيث كان هناك الكثير من الثغرات وكان موقفه ضعيفاً عند مواجهته لكتيبة المشاة الضخمة والفرسان المحترفين والأفيال الحربية المدرعة، الأمر الذي سبب انتشار الذعر والخوف في صفوفه.

عندما رأى (اليعازر) هذا الخوف الذي سيطر على جيش أخيه، اندفع تحت إحدى هذه الفيلة الضخمة وقام بغرز رمحه داخله، ولكنه لم يجري الأمر كما كان يتوقع حيث انهار الفيل المحتضر فوقه وسحقه حتى الموت، ذُعر الجيش بعد رؤيته ما حدث لـ (اليعازر) لذلك انسحبوا من الحرب.

10. أنقذ الجنرال (ملتياديس) أثينا، ولكنه لم يكسب حب الأثينيين:

تمثال لـ ملتياديس في المتحف الوطني السلوفيني. صورة: Wikimedia Commons

كان (ملتيادس) جنرالاً عظيماً من أثينا (489-550 قبل الميلاد)، اشتهر بعد انتصاره العظيم الذي حققه في معركة ماراثون عام 490 قبل الميلاد، حيث تمكن من إنقاذ أثينا من الغزو الفارسي.

ولد (ملتياديس) في عائلة أرستقراطية ثرية، كانت تمتلك عائلته مملكة خاصة في منطقة (تشيرسونيس) وهي شبه جزيرة جاليبولي اليوم، والتي ورثها (ملتياديس) عن عائلته عام 516 قبل الميلاد، ولكن عندما غزا الملك الفارسي (داريوس الأول) كنيسة (تشيرسونيس) عام 513 قبل الميلاد، استسلم (ملتيادس) وأصبح خادماً وتابعاً فارسياً.

في عام 499 قبل الميلاد، ثار سكان المدينة الإغريقية (إيونية) في آسيا الصغرى ضد الحكم الفارسي، عندها تظاهر (ملتيادس) أنه ضد هؤلاء المتمردين ولكن ضمنياً كان يدعمهم ويقدم لهم المساعدات من أثينا، كما أرسلت أثينا قوة استكشافية للانضمام للمتمردين في مسيرة نحو مقر الحاكم الفارسي في مدينة (ساردس)، ولكن تمكن الفرس من قمع هذا التمرد عام 495 واكتشفوا خيانة (ملتياديس)، عندها لاذ (ملتياديس) بالفرار إلى أثينا، حيث انتخب هناك واحداً من جنرالاتها العشر.

قرر الفرس معاقبة أثينا على مساعدتها للأيونيين، لذلك أرسلوا جيشاً تأديبياً عام 490 قبل الميلاد استقر في سهل ماراثون شمال أثينا، توجه الجيش الأثيني بقيادة الجنرال (ملتياديس) إلى سهل الماراثون، وكان الجيش الأثيني مؤلف من 10 آلاف جندي مدرع بشكل كامل، بدون اصطحاب سلاح الفرسان أو الرماة، أما القوات الفارسية فكانت مؤلفة من 25 ألف جندي بالإضافة إلى الآلاف من الرماة و1000 من سلاح الفرسان.

ارتعب الأثينيون عند رؤيتهم الجيش الفارسي، لذلك بقوا لأكثر من أسبوع وهم يراقبون الفرس من الجبال المطلة على سهل ماراثون، عندما استلم (ملتيادس) القيادة تمكن من إقناع مجلس الحرب من خوض المعركة، والهجوم عليهم نزولاً من الجبال، عندما وافق المجلس على اقتراحه قام (ملتياديس) بحشد الجيش وتعزيز أجنحته مع ترك مركزه ضعيفاً.

عندما وصلوا لملاقاة الجيش الفارسي، تمكنوا من هزيمة المشاة الفرس المدججين بالأسلحة، ثم تحركت الأجنحة الأثينية المعززة إلى الداخل لمهاجمة مركز الجيش الفارسي، أُصيب الفرس بالهلع والخوف وهربوا نحو سفنهم، لقد كان انتصاراً رائعاً، حيث خسر الأثينيون وحلفائهم 200 رجل فقط، في حين خسرت القوات الفارسية 6400 من قواتها.

عاد الجنرال (ملتياديس) إلى أثينا بشموخ واعتزاز، ولكن لم يستمر هذا الاعتزاز لفترة طويلة، فبعد عام من هذا النصر العظيم، قاد الجنرال (ملتياديس) حملة عسكرية قوية ضد بعض الجزر اليونانية المناصرة للفرس، ولكنه لم ينجح في حملته، حيث أصيب بجروح خطيرة في ساقه، عندما علم مواطنين أثينا بفشله السخيف لم يستطيعوا تصديق الأمر، لدرجة أنهم اعتقدوا أن (ملتياديس) قد خانهم، لذلك أطلق عليه الأثينيون لقب الخائن، وأُدين وحكم عليه بالإعدام، ولكن فيما بعد خففوا العقوبة إلى دفع غرامة مالية كبيرة وحبسه إلى أن تدفع هذه الغرامة، ولكنه لم ينجوا وتوفي داخل السجن متأثراً بجراح ساقه.

11. عاش (فيليب الثاني) حياة مجيدة ليموت موتة قذرة:

رسم يصوّر فيليب المقدوني. صورة: Ken Welsh/Design Pics/Getty Images

كان ينظر الإغريق إلى المملكة المقدونية على أنها بالكاد مملكة حضارية، حيث كانوا يتحدثون بلهجة يونانية غير مفهومة، ولكنها كانت مملكة ذات إمكانات كبيرة سواء بالقوى البشرية أو بالموارد، حيث أنها تفوقت بمواردها على الكثير من المدن اليونانية، ولكنها لم تستثمر هذه الإمكانات بالشكل الصحيح إلى أن تربع (فيلب الثاني 336-382 قبل الميلاد) على عرش مقدونيا عام 359 قبل الميلاد عندما كان يبلغ من العمر 23 عاماً، بغضون عامين فقط تمكن (فيليب الثاني) من إجراء تغييرات جذرية على بلاد الإغريق.

تمكن (فيليب الثاني) من توحيد القبائل المقدونية، وحولهم ليصبحوا من أكثر الجيوش العسكرية قوة ورهبة في العالم، ففي وقت كانت تعتمد فيه المدن اليونانية على تشكيل جيوشها عبر تجنيد المواطنين، كان (فيليب الثاني) يقوم بتعزيز هذا الجيش بطريقة احترافية، حيث كان يقوم بتدريب الرجال بشكل منتظم، كما سلح جيشه برماح الـ (ساريسا) الطويلة، كما زادت قوتهم عبر تزويدهم بدروع أصغر وأخف وزناً، الأمر الذي زاد من سرعتهم في الهجوم، حيث لم يستطع سوى عدد قليل من الجيوش الأخرى من مجاراتهم.

كما جعل من سلاح الفرسان المقدوني الأفضل عالمياً، وذلك عبر تجنيده لأبناء النبلاء وتزويدهم برماح طويله منحتهم القدرة على التغلب على خصومهم، كما دربهم على الفنون التكتيكية التي تعتمد على عنصر المفاجأة لكسر خطوط العدو، بالإضافة لتدريبهم على تشكيلات الإسفين التي لاقت نجاحاً كبيراً في اختراق خطوط العدو، وقدراتهم على المناورة.

قام (فيليب الثاني) أيضاً بتشكيل مجموعة من المهندسين لتصميم وبناء معدات حربية جديدة، أحدث (فيليب) ثورة في فنون الحرب وذلك عبر اتقانه لفن التنسيق بين صفوف الجيش التي مكنت جيشه من مؤازرة بعضهم والتنسيق فيما بينهم في ساحات المعركة، ومن هنا ظهر تكتيك الأسلحة المجتمعة.

كان العمل الجماعي والمشترك بين المشاة الثقيلة والمشاة الخفيفة والرماة وسلاح الفرسان والمهندسين لا يقهر، أٌطلق على تكتيك الأسلحة المشتركة الخاص بـ (فيليب الثاني) اسم ”المطرقة والسندان“، حيث لعبت الكتائب دور السندان عن طريق تثبيت العدو في مكانه، بينما كانت الفرسان يلعبون دور المطرقة عبر محاصرة العدو ومهاجمته.

لم يستطع أحد الوقوف في وجه قواته العسكرية، فبحلول عام 388 قبل الميلاد كان (فيليب الثاني) قد سيطر على اليونان، بعد ذلك استعد لتحقيق حلم حياته بغزو الإمبراطورية الفارسية، ولكن قبل انطلاقه لغزو بلاد فارس وقع نزاع قضائي حال بين (فيليب) وحلمه وأنهى حياته، ففي أحد الأيام تشاجر أحد حراسه الشخصيين مع أحد أصهاره، وانتهى الأمر بالحارس الشخصي بحالة ثمل وقام صهر (فيليب) بسماح لجميع الحاضرين باغتصابه، وعندما لجأ الحارس الشخصي إلى (فيليب) لتعويضه عن ما وقع له، إلا أن فيليب لم يعوضه بشيء، الأمر الذي دفع الحارس الشخصي لاغتيال (فيليب) أثناء زفافه، فيما بعد تبنى ابنه (أليكساندر الأكبر) التكتيكات العسكرية لوالده ليصبح أعظم فاتح في العالم القديم.

12. ضحك الفيلسوف الهلنستي (خريسيبوس) حتى الموت:

تمثال روماني يجسد رأس الإغريقي خريسيبوس. صورة: Wikimedia Commons

إن (خريسيبوس) فيلسوف إغريقي عاش بين عامي 279-206 قبل الميلاد، وهو أحد أكثر المثقفين نفوذاً في العصر الهلنستي، حيث اشتهر بمقولته المأثورة ”الضحك هو أفضل دواء“، تمكن (خريسيبوس) لاحقاً من التأثير على المذهب الرواقي، كما نسب الفلاسفة الرواقيون جزءاً كبيراً من الفضل إليه في الأسس التي بنوها، ولعب دوراً مهماً في تأسيس النظريات الفكرية عبر تقديمه بدائل عن نظريات (أفلاطون) و(أرسطو)، ولكن على الرغم من كل ما قدمه، إلا أنه معروف باسم الفيلسوف الذي ضحك حتى الموت.

ولد (خريسيبوس) في (سولي)، بالقرب من مرسين في تركيا حالياً، وكان رياضياً في شبابه حيث كرس نفسه للجري لمسافات طويلة قبل أن يتخلى عن هذا المجال ويتجه لاعتناق الفلسفة، عندما انتقل إلى أثينا درس الرواقية وتتلمذ على يد الفيلسوف الرواقي (كليانثس) زعيم المدرسة الرواقية، حيث أصبح أحد أكثر الطلاب موهبة، وعندما توفي (كليانثس) خلفه (خريسيبوس) ليصبح زعيم هذه المؤسسة.

كتب (خريسيبوس) نحو الـ 700 كتاب خلال حياته، وعلى الرغم من عدم وجود أطروحات كاملة له حالياً، فنجى من هذه المؤلفات حوالي الـ 475 جزءاً من أعماله، تشمل هذه الأجزاء ملخصات وبعض التقييمات النقدية للمدارس الهلنستية، حيث عمل بعض العلماء على تجميع المعلومات من هذه المصادر الباقية لبناء صورة متماسكة وكاملة عن الفلسفة والفلاسفة الرواقيين.

لم تكن حياة الفيلسوف (خريسيبوس) عبارة عن الدراسة وكتابة الكتب ومتابعة الأمور الثقافية، بل كان من محبي الاحتفال، وشارك بالكثير من الحفلات حتى وعندما كان في سن الشيخوخة، ويُحكى أنه ثمل عندما كان يبلغ من العمر 73 عاماً أثناء حضوره حفلة لشرب النبيذ الخالص (كان الإغريق يخلطون النبيذ بالماء في ذلك الوقت)، ثم رأى حماراً يأكل التين، عند رؤيته للحمار لم يستطع تمالك نفسه ودخل في نوبة من الضحك الهستيري وصرخ: ”أعطوا هذا الحمار كأساً من النبيذ الخالص ليغسل فمه من التين“، وبعدها سقط جثة هامدة.

13. أصبح أريشيون بطل الأولمبياد بالرغم من موته:

جرة إغريقية رسمت عليها لعبة المصارعة الإغريقية Panathenaic. صورة: dartmouth

كان يعتبر الإغريق قديماً فنون القتال العسكري والمصارعة على أنه فن من فنون القتال المختلط الحديث، حيث جمعت بين المصارعة والملاكمة، وكان يُسمح بكل شيء تقريباً ما عدا العض أو القضم أو توجيه الضربات للأعضاء التناسلية، فاز (أريشيون) من (فيجاليا) في الألعاب الأولمبية عام 572 قبل الميلاد وعام 568 قبل الميلاد، وسعى للفوز مرة أخرى في أولمبياد عام 464 قبل الميلاد.

كان (أريشيون) متقدماً على خصمه في الجولات الأولى، إلى أن انهار وأصبحت حركته بطيئة عند وصوله للجولة الاخيرة وذلك بسبب تقدمه في السن، فقد كان خصمه يتفوق عليه وتمكن من الالتفاف خلفه وقام بتثبيت ساقيه حول جذع (أريشيون) والضغط بكعبيه على أضلعه وبدأ بخنقه.

تظاهر (أريشيون) بأنه فقد الوعي وبهذه الطريقة خدع خصمه الذي قام بإرخاء قبضته قليلاً، ثم أفاق (أريشيون) فجأة وأمسك بكاحل خصمه وألقى به بعيداً عن أطرافه المتشنجة، استسلم الخصم بعد أن شعر بألم قاتل بعد حركة (أريشيون) المفاجئة.

لسوء حظ (أريشيون)، بعد أن رمى خصمه أصيب بكسر في رقبته ومات، لم يكن خصمه يعلم أن (أريشيون) قد مات عندما أعلن استسلامه، لذلك وللمرة الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية تم تتويج رجل ميت كبطل للألعاب الأولمبية، حيث جسد المثل الرياضي الشهير ”النصر أو الموت“، عبر فوزه وموته في اللحظة ذاتها.

14. توفي الفنان اليوناني العظيم (زيوكس) من شدة الضحك:

لوحة للفنان فرانسوا أندريه فنسنت يصوّر فيها زيوكس وهو يختار امرأة من نساء كروتون لتجسد صورة هيلين. صورة: Wikimedia Commons
لوحة للفنان فرانسوا أندريه فنسنت يصوّر فيها زيوكس وهو يختار امرأة من نساء كروتون لتجسد صورة هيلين. صورة: Wikimedia Commons

إنه الفنان اليوناني القديم (زيوكس) من (هيراكليا) الذي حقق ازدهاراً كبيراً في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث يُعتبر واحداً من أعظم الرسامين على الإطلاق، فكانت لوحاته مطلوبة بشكل كبيرة، وتمت الإشادة بأعماله على نطاق واسع وذلك بسبب نشره للنزعة الوهمية في رسوماته.

ابتكر (زيوكس) موهبة خاصة به حيث ابتعد عن أسلوب الرسم المنتشر في ذلك العصر المتمثل بملء الأشكال بالألوان، واعتمد بدلاً من ذلك على تمثيل الضوء والظلال التي أظهرت لمسة من الواقعية في رسوماته، كما كان يفضل رسم اللوحات بدلاً رسم اللوحات الجدارية المعتادة، وعادةً ما كان يميل لرسم الرسومات الصغيرة، كرسم لوحة لشخصية واحدة.

وصفت السجلات التاريخية رسومات (زيوكس) بأنها نابضة بالحياة، حيث يروي الكاتب الروماني (بليني الأكبر) في كتابه ”التاريخ الطبيعي“ قصة المنافسة التي وقعت بين (زيوكس) ورسام آخر يدعى (بارهاسيوس)، كانت المنافسة عبارة عمن بإمكانه رسم لوحة أكثر واقعية، كشف (زيوكس) عن لوحته التي رسم فيها عناقيد العند بطريقة تشبه العناقيد الواقعية بشكل كبير لدرجة أن الطيور حاولت أن تنقر حبات العنب.

ومع ذلك، استطاع (بارهاسيوس) التغلب على (زيوكس) في هذه المنافسة، فعندما حاول (زيوكس) إزالة الستار للكشف عن لوحة منافسه، كانت المفاجأة عندما اكتشف أن الستار هو اللوحة نفسها! عندها قال (زيوكس) جملته المشهورة: ”لقد خدعت الطيور، لكن بارهاسيوس خدع زيوكس“.

جاءت لحظة موت (زيوكس) عندما كُلف من قبل أرملة مسنة وغنية لرسم الآلهة (أفروديت)، آلهة الإنجاب اليونانية والحب والجمال والسرور، ولكنها أرادت أن تكون اللوحة تشبهها، ولكن بسبب التناقض والفرق الكبير بين جمال (أفروديت) وبين المرأة العجوز المتجعدة، انتهى الأمر برسم (زيوكس) لوحة هزلية دفعت به للضحك بطريقة هستيرية وهو يشاهد اللوحة إلى أن مات.

15. حاول أعظم مسرحي إغريقي الهرب من مصيره لكنه فشل:

تمثال إسخيليوس. صورة: Wikimedia Commons

كان الروائي والمسرحي التراجيدي اليوناني (إسخيلوس) الذي عاش من عام 525 حتى عام 455 قبل الميلاد، عاملاً في إحدى المزارع إلى أن أتته رؤية لإله الخمر (ديونيسيوس) يطلب منه البدء بكتابة المسرحيات، وانتهى به الأمر ليصبح أعظم كاتب مسرحي في اليونان القديمة، حيث كتب أكثر من 90 مسرحية خلال مسيرة حياته الطويلة والمثمرة، كما حصد العديد من الجوائز في مهرجانات الدراما العظيمة التي كانت تقام في أثينا، لا تزال مسرحياته حية وتُمثَّل حتى يومنا هذا، كما يعود الفضل له في ظهور المسرح المأساوي والتراجيدي، وغالباً ما كان يطلق عليه لقب ”أب المأساة“.

ابتكر (إسخيلوس) التمثيل، حيث كان المسرح قبل ظهوره عبارة عن راوي يروي مجريات المسرحية مع بعض المداخلات الغنائية والرقصات، عندما ظهر (إسخيلوس) لم يكن راضياً عن الأداء السردي للراوي، عندها قرر الاستعانة ببعض الممثلين لتمثيل أدوار المسرحية وتبادل النصوص الحوارية، كما ساهم في رفع القيم الإنتاجية المخصصة للأزياء، وابتكر المنصة المتحركة لتغيير المشاهد المسرحية، بالإضافة لاختراعه الرافعات التي كانت تستخدم لرفع الممثلين أثناء اداءهم مشاهد الهرب أو النزول من السماء.

تناول في أغلب مسرحياته النزاعات بين الرجال والآلهة، وبين الفرد والدولة، والعقوبات الإلهية على الجرائم والآثام. في أثينا القديمة، قدم كل كاتب مسرحي ثلاث أعمال تراجيدية للمشاركة في مهرجانات الدراما، أما (إسخيلوس) كان المسرحي الأول الذي يربط بين مسرحياته الثلاثة في ثلاثية واحدة، كانت ثلاثيته عبارة عن تتبع مجريات حياة عائلة واحدة على مدى عدة أجيال، مثل الثلاثية الشعرية التراجيدية (أوريستيا)، التي تروي قصة الملك (أجاممنون) خلال حرب طروادة، وأحفاده من بعده.

كان (إسخيلوس) جندياً أيضاً، فقد شارك في معركة (ماراثون) الشهيرة التي قُتل فيها شقيقه، كما شارك في المعارك البحرية كمعركة أرطيميسيوم ومعركة سالاميس، حيث ساهمت مشاركاتها وتجاربه الحربية في إغناء مسرحيته الشهيرة ”الفرس“، وعلى الرغم من إنجازاته العظمة التي حققها ككاتب مسرحي، إلا أنه لم يكتب على ضريحه سوى عبارة: ”لقد قاتل في معركة ماراثون“.

انتهت حياته بطريقة تراجيدية عام 455 أثناء زيارته لمدينة جيلا في صقلية، حيث جاءته نبوءة تقول إنه سيقتل بجسم ما سيسقط عليه من السماء، لذلك قرر (إسخيلوس) الهروب من المدينة والعيش في العراء لتجنب مصيره، ولكن بحسب الدراما اليونانية لا جدوى من محاولة شخص ما تجنب مصيره، فعلى الرغم من المحاولات اليائسة التي قام بها (إسخيلوس) لتجنب مصيره إلا أن جميع محاولاته كانت عقيمة، ففي أحد الأيام كان (إسخيلوس) جالساً في حقل خارج مدينة جيلا، وكان هناك نسر يحلق فوقه يحمل سلحفاة بين مخالبه ويبحث عن شيء ليكسر قوقعتها به، وقام بإسقاط السلحفاة على رأس (إسخيلوس) الأصلع معتقداً أنه صخرة، ومات (إسخيلوس) على الفور.

16. أعظم عراف في اليونان القديمة يضحك للموت بسبب فشل منافسه:

لوحة للفنان يان شتين بعنوان «تضحية إيفيجينيا». صورة: theleidencollection

بحسب الأساطير الإغريقية القديمة، كان (كالخاس) العراف الذي كان يمتلك موهبة التنبؤ بالمستقبل عبر مراقبة تحليق الطيور، كما كان يعتمد أيضاً في نبوءاته على تفسير أحشاء الأعداء أثناء المعارك، رافق (كالخاس) الإغريق عند غزوهم لطروادة، حيث أشاد (هوميروس) بمهاراته في روايته الشهيرة الإلياذة، قائلاً: ”كعراف، لم يكن لدى كالخاس منافس في المخيم“.

لم يتمكن الأسطول اليوناني البحري من الوصول إلى طروادة وذلك بسبب الرياح المعاكسة، تنبأ (كالخاس) بأن الرياح قد تم إرسالها من قبل الإله (أرتيمس) الذي كان غاضباً من الملك اليوناني الكبير (أجاممنون)، ونصحه أن الطريقة الوحيدة لكسب رضى الآلهة هي أن يضحي (أجاممنون) بابنته (إفجينينا)، ونفذ الملك هذه النبوءة وبالفعل تغير مجرى الرياح وأبحرت القوات إلى طروادة.

لجأ اليونانيون إلى العراف (كالخاس) عندما أصيبت الجيوش اليونانية بمرض الطاعون خلال مشاركتهم في حرب طروادة، وقال لهم أن هذا المرض قد أرسله الإله (أبولو) الذي غضب من (أجاممنون) بسبب استعباده لـ (كريسيز) ابنة كاهن معبد (أبولو)، وعدم السماح لوالدها بدفع فدية لاسترجاع ابنته، عندها أجبر الملك (أجاممنون) على إعادة (كريسيز) إلى والدها، ولكنه قام بتعويض خسارتها عبر اختطاف أميرة من البطل الحربي (هيكتور)، أثار هذا الأمر اشتداد العداء بين الملك والبطل.

كما دعم العراف (كالخاس) فكرة حصان طروادة، متنبأً أن هذه الخطة ستتكلل بالنجاح وستتمكن القوات اليونانية من الدخول إلى المدينة المحاصرة. بعد قرون، قام الرومان بإدراج العراف (كالخاس) ضمن قصصهم القومية، ونسبوا إليه نبوءة تقول بأن أمير طروادة (اينيس) سينجو من سقوط المدينة وسيواصل مهمته في وضع الأسس لروما.

يحكى أن (كالخاس) قد مات من شدة الضحك على منافسه عندما تنبأ نبوءة خاطئة، حيث زرع العراف (كالخاس) بعضاً من كروم العنب، ولكن تنبأ منافسه أن (كالخاس) لن يشرب النبيذ أبداً من هذه الكروم، ولكن عندما نضج العنب صنع (كالخاس) النبيذ ودعا منافسه لتذوقه، عندها رفع (كالخاس) كأسه وبدأ يضحك على نبوءته الفاشلة إلى أن اختنق ومات من شدة الضحك.

مقالات إعلانية