in

ما الغاية من تناول البشر لحوم بعضهم بعضا؟

تناول البشر لحوم

كان تناول لحوم البشر Cannibalism منتشرًا طوال فترة تطور البشر منذ الانفصال عن الشمبانزي، وحتى قبل ذلك. تعود الأدلة على تناول البشر للحوم بعضها لـ2.5 مليون سنة وحتى 10000 سنة فقط. وبقيت مناطق كثيرة حول العالم تتناول لحوم البشر حتى فترات قريبة جدًا، أي من عشرات السنوات فقط. ويعتقد العلماء أن ذلك قد يعتبر طقسًا معينًا أو إهانةً للأعداء أو تقديرًا وتعظيمًا للموتى، أو ربما حتى لمجرد الأكل والتغذية.

اهتم الدكتور ”جيمس كول“ من قسم الآثار في جامعة Brighton في إنجلترا بهذا الموضوع وكان يتساءل دومًا، رغم تحفظ زملائه الذين كانوا ينظرون إليه باستغراب، عن القيمة الغذائية للإنسان.

ولاختبار ما إذا كان تناول لحوم البشر لغاية غذائية فقط أم لشعائر دينية، أراد الدكتور كول بالبحث في الطاقة الحرارية التي يوفرها استهلاك جسم إنسان مقارنة بالطاقة التي توفرها بعض الحيوانات الأخرى التي شاع اصطيادها واستهلاكها آنذاك، يقول الدكتور كول: ”اذا أسميناه سببا ’غذائيا‘ ونحن على جهالة بالقيمة الغذائية التي يوفرها، أنى لنا أن نسميه كذلك؟“

اكتشف الدكتور كول أن الأفخاذ البشرية تصدرت قائمة الأعضاء الغنية بالسعرات الحرارية بـ13.350 سعرة، تلتها السمانات بـ4.490 سعرة، ثم الذراعان بـ7450 سعرة، والسواعد بـ1660، والقلب بـ650 سعرة، والرئتان بـ1600 سعرة ودونهما الكبد بـ2570 سعرة، وأخيرا الكليتان بـ380 سعرة.

قائمة الأعضاء الغنية بالسعرات الحرارية
قائمة الأعضاء البشرية الغنية بالسعرات الحرارية – Illustrations by Dr. James Cole

استنتج الدكتور كول من خلال هذا أن جسم الإنسان ليس ذا قيمة غذائية مغرية تجعل من استهلاكه وسيلة للبقاء، حيث يوفر طاقة غذائية قد تكفي مجموعة تتكون من 25 ذكرا حديثا وبالغا لمدة نصف يوم فقط، كما وجد أن بعض العشائر والقبائل خلال العصور الحجرية قد تغذت على حيوانات الماموث التي توفر 3.6 مليون سعرة حرارية وتكفي المجموعة لمدة شهرين على الأقل، أو على ثيران ”البيسون“ التي توفر 612.000 سعرة حرارية وتكفي العشيرة مدة عشرة أيام.

وفي ضوء مما سبق اتضح للدكتور كول أنه وبما أن ما يوفره جسم الانسان من قيمة غذائية ضئيل جدا، فإن بعض الأمثلة عن أكل البشر للحوم جنسهم خلال العصر الحجري، والتي كانت قد فسرت لأسباب غذائية بحتة، قد تتعدى مجرد ذلك لأسباب اجتماعية شعائرية.

غير أن الدكتور كول كان واضحا بشأن النقائص التي تخللت بحثه هذا. أولها أن العينة التي تناولها موضوع البحث كانت صغيرة نوعا ما، ثانيا، تركزت الحسابات التي أجراها لمعرفة القيمة الغذائية لجسم الانسان على جثث 4 ذكور بالغين فقط، ولذلك غابت عن البحث كل من فئة الأطفال والنساء.

كما صرح الدكتور كول أن الأبحاث التي كونت مادة بحثه، صدرت بين عامي 1940 و1950 وكانت الأبحاث الوحيدة التي توفرت على تشريح مفصل لتركيبة جسم الانسان في العصر الحجري من وزن الجسم إلى نسب الدهون والبروتينات فيه.

على الرغم من هذا، اعتبر العديد من أخصائيي التغذية أن الطرق التي انتهجها الدكتور كول في بحثه هذا صحيحة ودقيقة جدا.

قال الدكتور ”دافيد ليفيتسكي“ –أحد علماء التغذية بجامعة كورنيل– أن الطريقة التي قام من خلالها البحث بحساب القيمة الطاقوية لجسم الإنسان هي نفسها الطريقة التي استعملها الباحثون في حساب القيمة الغذائية للثيران أو الحيوانات الأخرى التي يستهلكها البشر.

حيث صرح في رسالة الكترونية: ”إن المنحنيات البيانية للسعرات البشرية، على قدر ما هي مقززة، تمثل أقرب ما قد نتوصل إليه في معرفة القيمة الغذائية لجسم الإنسان“.

مقالات إعلانية