in

ولكن ماذا سيقول المجتمع؟

ماذا سيقول المجتمع؟

سنسافر في هذا المقال عدّة مرّات في الزمكان ذهاباً وإياباً من مجتمعاتنا إلى مجتمعات الجانب الآخر من هذا العالم.

”كن مختلفاً حتى لو صرتَ وحيداً“، قالها دوستويڤسكي في حقبة البلوَرة الاجتماعية؛ بعد أن كان من يشذّ عن المألوف تُشنّ عليه حربٌ نفسيّة وفكريّة ويُحارب قانونياً واجتماعياً، وفي بعض الأحيان كان يتمّ الحكم على المفكّرين والعلماء بالإعدام أو السجن المؤبّد أو النبذ، فقط لأنّهم طرحوا على محيطهم أفكاراً جديدة أو حتى نظريّات علميّة، والأمثلة كثيرة، كجاليليو مثلاً وبنيامين فرانكلين الّذي أكّد أنّ الصاعقة ظاهرةً علميّة وليست غضباً من الرب.

لكن كلّ هذا قد انتهى الآن بعد أن توصّل ذلك الجانب الآخر من العالم إلى أنّ التعدّدية أو الاختلاف هي حالة طبيعية تؤخذ بالنظر بكامل الأهمية، كونَ من حاربتهم الكنيسة والمجتمع سابقاً بتهمة الهرطقة والشذوذ عن السائد، وألغت دورهم في المجتمع بمنع بحوثهم، قد تبيّن لاحقاً أنّهم على حق.

ما أحاول قوله هو أنّ تسلسل الحقبات الماضية – آخذين بعين الاعتبار معه نموّ الفكر الفلسفي والقدرات العلميّة والمفاهيم الإنسانية – كان من شأنه تغيير ما كان يحدث في تلك الأوقات إلى حالةٍ أفضل؛ وهي الآن.

أمّا إذا عدنا إلى جانبنا من هذا العالم فيقول ”دوستويڤسكي العربي“ في المقابل: ”لا تكن مختلفاً كي لا تصير وحيداً“، إذ لا علاقة لنا بالنموّ الإيجابي الّذي يحصل في العالم؛ أو إن صحّ القول، فأنّه قد حصل وانتهى الأمر عندنا إذا ما نظرنا إلى الوضع الراهن وتناولناه بالتصنيف، سنرى أنّنا لا زلنا في القرن السابع عشر.

– أسرياً ومجتمعيّاً:

ماذا سيقول المجتمع؟

قد يتبرّأ منك والدك أو والدتك أو حتى الأسرة بأكملها مع الأعمام والعمّات لأنّك قد أثرت غضبهم بشدّة عندما عرفوا أنّك لاأدريّ مثلاً، أو تميل لعدم الإيمان، أو حتى إن كنت تؤمن بوجود إلهٍ لكنّك لا تعتنق ديناً للوصول إليه، أو إن كنت حتى لا تحب الحزب الذي ينتمي إليه والدك، إلخ…

قد يطلب عمّك من والدك أن يُبعدك عن أبنائه، خوفاً عليهم من أفكارك الشاذة عن العادات والدين، وقد يقرأ صديق والدك منشوراً لك على فايسبوك ثم يهروِل إليه ويحذره بشأنك، فيستشيط بك والدك غضباً، لا لأنّه متزمّت فربما يكون متفهّماً إلى حدّ ما، لكن خوفاً ممّا يسمّيه المجتمع: ”جلب العار والخزي“ (يييي إبنك هيك؟)

وهنا يجب أن نتطرّق قليلاً للنمط التربوي الّذي يدفع بالأبناء والشباب إلى النفاق وضعف الشخصيّة. لو يعلم الأهالي الأعداد الفعليّة للشباب والبنات غير المؤمنين/ات، لذُهلوا من الإحصاءات الّتي لم نقم بها، إنّما نراها يوميّاً. فهنالك من لا يؤمن لكن يخاف من أن يُفصح عن نفسه بسبب ما تحدّثنا عنه قبل قليل، فيلزم الصمت دائماً ويُجامل تفادياً للضغوطات، وثمّة من لا يؤمن أيضاً لكن يتظاهر بالإيمان أمام الناس كذلك وللسبب نفسه.

والموضوع يطول، كفرض الحجاب على الفتيات، الأمر الّذي ما زال يُمارس حتى الآن. وبين هذا وذاك تنشأ في أوساطنا إمّا شخصيات ضعيفة تُرضي بعض الأهالي، وإمّا بذرة نفاق تكبُر وتكبُر لنحصد ثمارها على هيئة المزيد من الفساد والمنحلّين أخلاقياً، والمبتزّين اجتماعياً وعاطفياً.

وإذا تعلّق الأمر بالأمراض النفسية فبإمكاننا القول أنّها عندنا لا تُعطى أيّة أهميّة، بل يتعاطون معها على أنّها عيبٌ مشين، في حال كنت تعاني من الوسواس القهري مثلاً أو الاكتئاب والقلق، ويرمون بكلّ أنواع اللوم والعتب ويذمّوك بمختلف الأساليب. وفي حالة السكيزوفرينيا مثلاً قد يعتبرون المرض النفسيّ ضرباً من الجنون، أو جنيّاً تلبسّك.

لكن إذا القينا نظرةً على الجانب الآخر من العالم فسنجد أنّ الأسرة والمجتمع يخافون على صحّتك النفسيّة أكثر من خوفك أنتَ عليها، ولا يزجّون اختلاف الأديان أو إلحاد أحد أفراد العائلة بترابطهم الأسريّ والأخلاقي، بل يحثّونك على مصارحتهم بكلّ ما تفكّر به وتفعله كي يكونوا سنداً لك.

تربوياً:

ماذا سيقول المجتمع؟

إن كنتَ تطمح بدراسة الطب أو التصميم الإعلاني والشبكات وحتى علم النفس، فعليك، وفقاً لبعض أنظمتنا، أن تجتاز امتحان الديانة في البكالوريا حتى لو أنّ لا علاقة لها باختصاصك لاحقاً، وحتى إن كنت لا تؤمن بهذه الديانة فلا أحد سيأبه (بدك تدرسها يعني بدك تدرسها، مافي تصميم إعلاني إذا ما بتعرف إيمتى خديجة سافرت على مكّة).

في مرحلة الابتدائي أيضاً فإنّنا، بغالبيّتنا العظمى، قد جلسنا على مقاعدنا نستمع للآنسة وهيَ تخبرنا عن تكفير أصحاب الديانات الأخرى الضالّة وأنّنا أفضل منهم، ناهيك عن التعليم بأسلوب التلقين والحفظ فقط. كما لم نحظَ بحِصَص الثقافة الجنسية بل كان علينا تحصيلها من الشارع الفاسد غالباً والّذي يفسّر تفشّي ظواهرَ كالتحرّش الّذي سجّلنا رقماً قياسياً به.

بالعودةِ مجدداً للجانب الآخر من العالم، فإنّ الأنظمة التعليميّة لديهم فوق كلّ شيء، مع أسلوب التعليم الّذي به الأولويّة للدراسةِ العمليّة ومبتعدين عن المواد الّتي لا تعود بالفائدة على الشخص. يختصرون السنوات الدراسية ليُنجز الطالب حياته النظرية مبكّراً ويبدأ حياته العمليّة.

قانونياً:

يوجد لدينا تهمة ازدراء الأديان، أي معاقبة وسجن من يفكّر بموضوعية، ويناقض – من غير قصد – نظريّةً قد طرحها دينٌ ما. في بعض الدول العربية من يترك دينه يُحكم عليه بالسجن والجلد والقتل، إن لم يكن من قِبل القانون فمِن قِبل العائلة، والقانون لن يقاضيهم. كما تُمنع الصداقات بين الجنسين والكثير من الأمور المشابهة.

في دول أخرى يلاحق القضاء المفطرين في ”شهر الرحمة“ وتتمّ معاقبتهم، والعديد من الأمور الأخرى كجرائم الشرف الّتي يخرج مرتكبوها من المحكمة أبرياءً.

لنعُد مرّة أخيرة إلى الجانب الآخر من العالم (ونبقَ هناك دون رجعة) حيث القانون يحميك من أيّة مضايقات تتعرّض لها بسبب أفكارك، ويحمي حقّك في اعتنقاء ما تريد ويعطيك الحريّة بممارسة طقوسك طالما أنّك لا تضرّ بها أحداً.

مقالات إعلانية