in

دخلك بتعرف مذبحة البوسنة والهرسك؟

في ربيع عام 1992، أعلنت حكومة البوسنة والهرسك انفصالها عن دولة يوغوسلافيا التي كانت جزءاً منها. خلال الأعوام التي تلت هذا الإعلان، قامت القوات الصربية-البوسنية مدعومة من قِبل الجيش اليوغوسلافي (الذي كان أغلبه صربي) بارتكاب جرائم وحشية بحق البوسنيين المسلمين بالإضافة إلى المدنيين الكروات، نتج عنها 100 ألف قتيل (80٪‏ منهم بوسنيين) مع حلول العام 1995.

كانت هذه أفظع مذابح حصلت منذ جرائم هتلر بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية.

خلفية الأحداث:

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت كل من كرواتيا، البوسنة والهرسك، صربيا، مقدونيا، مونتينيغرو وسلوڤينيا جزءاً من الجمهورية الفدرالية اليوغوسلافية. بعد موت الحاكم جوزيف تيتو عام 1980 والذي بقي حاكماً لفترة طويلة، هددت روح القومية المتنامية في دول الجمهورية بتصدع الاتحاد بينها.

تصاعدت حدة هذه التوترات بعد منتصف الثمانينات مع صعود الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش الذي ساعد على إثارة السخط بين الصرب في البوسنة وكرواتيا، وجيرانهم من الكروات، البوسنيين والألبانيين.

عام 1991 أعلنت كل من سلوفينيا، كرواتيا ومقدونيا استقلالهم؛ وخلال الحرب – في كرواتيا – التي تلت ذلك، دعم الجيش اليوغوسلافي (الذي يهيمن عليه الصرب) الانفصاليين الصرب هناك في معاركهم الطاحنة ضد القوات الكرواتية.

في البوسنة، شكّل المسلمون النسبة الأكبر من تعداد السكان إلى العام 1970. في العقدين الاحقين، توافد العديد من المهاجرين الصرب والكروات إلى البلاد، لتصبح النسب عام 1992 كالتالي: 44٪‏ من شعب البوسنة – البالغ عدده 4 مليون – بوسنيين. 32٪‏ صرب و17٪‏ كروات.

أسفرت الانتخابات التي جرت عام 1990 عن تشكيل حكومة ائتلاف موزعة على الأحزاب التي تمثل القوميات الثلاث، وكانت بقيادة البوسني علي عزت بيغوفيتش.

بعد تصاعد التوترات الداخلية والخارجية، انسحب زعيم صرب البوسنة رادوفان كراديتش وحزبه الديمقراطي الصربي من الحكومة وشكلوا المجلس الوطني الصربي. يوم 3 آذار/مارس 1992، بعد أن حصل استفتاء (منع كراديتش وحزبه الصرب من المشاركة فيه) أعلن الرئيس البوسني بيغوفيتش استقلال البوسنة.

الصراع من أجل السيطرة في البوسنة:

بعيداً عن سعي البوسنيين للاستقلال، أراد صرب البوسنة أن يكونوا جزءاً من دولة ”صربيا الكبرى“ التي حلم بها الصرب الانفصاليين وأرادوا لها أن تكون المهيمنة على البلقان.

في أول شهر أيار مايو 1992، وبعد يومين من اعتراف أميركا والاتحاد الأوروبي باستقلال البوسنة، شنت قوات صرب البوسنة مدعومةً من ميلوسوفيتش والجيش اليوغوسلافي هجوما تمثل بقصف سراييفو عاصمة البوسنة. وهاجموا مناطق وقرى في شرق البلاد أغلبية سكانها بوسنيين، وقاموا بطرد المدنيين البوسنيين من المنطقة في عملية تطهير عرقي وحشية.

بالرغم من محاولة قوات الحكومة البوسنية الدفاع عن الأراضي بمساعدة الجيش الكرواتي أحيانا، كانت القوات الصربية قد سيطرت على ثلاث أرباع مساحة البوسنة مع نهاية العام 1993. وكان حزب كاراديتش قد أقام دولته الخاصة في شرق البلاد وسميت ”جمهورية صربسكا“.

غادر معظم الكروات البوسنة، في حين بقي عدد كبير من البوسنيين في القرى الصغيرة في البلاد. وفشلت عدة مقترحات للسلام بين الطرفين بسبب رفض الصرب التخلي عن الأراضي التي احتلوها. وكانت الأمم المتحدة قد رفضت التدخل في الصراع، ولكنها قدمت حملة مساعدات إنسانية إلى النازحين والجرحى.

الهجوم على سربرينيتسا، تموز/يوليو 1995:

بحلول صيف عام 1995، كانت ثلاث بلدات تقع في شرق البوسنة تحت سيطرة الحكومة البوسنية، وهي سربرينيستا، شزيبا وغورازده. قامت الأمم المتحدة بإعلان هذه المناطق ”مناطق آمنة“، وصرحت بأنها ستكون مناطق منزوعة السلاح وتحت حماية قوات حفظ السلام الدولية.

قوات صرب البوسنة في سربرينتسا
قوات صرب البوسنة في سربرينتسا

ومع ذلك، في يوم 11 تموز/يوليو، تقدمت قوات صرب البوسنة إلى سربرينتسا متجاهلة الكتيبة الهولندية من قوات حفظ السلام المتمركزة هناك. بعدها، قامت القوات الصربية بفصل المدنيين البوسنيين في القرية، إذ أرسلت النساء والفتيات على متن حافلات إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها. وقد تم اغتصاب عدد من النساء والاعتداء عليهن. بينما قامت بقتل الرجال والفتيان الذين بقوا أو تم إرسالهم إلى مخيمات القتل الجماعي. قُدِّر عدد قتلى هذه المذبحة بما بين الـ7000 و الـ8000 شخص.

بعد أن سيطرت القوات الصربية على قرية زيبا، وقامت بتفجير في سوق حاشد في سراييفو في نفس الشهر، بدأ المجتمع الدولي التعامل بحزم مع ما يجري.

في آب أغسطس 1995، بعد أن رفض الصرب الامتثال للمهلة المحددة من قبل الأمم المتحدة، بدأ حلف شمال الأطلسي بالتعاون مع القوات البوسنية والكرواتية بشن ضربات جوية استمرت لثلاث أسابيع على مواقع الصرب وترافقت مع هجوم بري. وقامت الأمم المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على صربيا، فدفعت هذه الأسباب بميلوسيفيتش لقبول دخول المفاوضات في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه.

أسفرت محادثات السلام بين الطرفين تحت رعاية أميركا، عن إنشاء بوسنة الفدرالية المقسمة بين الاتحاد الكرواتي البوسني وجمهورية صربيا.

الاستجابة الدولية:

على الرغم من أن المجتمع الدولي لم يقم بالكثير لمنع الأعمال الوحشية الممنهجة التي ارتُكبت بحق مسلمي البوسنة والكروات، قام بالسعي بجدية لتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين والمتورطين في الحرب.

في أيار/مايو 1993 أنشأ مجلس الأمن الدولي محكمة جنائية دولية لدولة يوغوسلافيا السابقة في لاهاي، هولندا. وكانت هذه أول محكمة دولية تُقام منذ محكمة نورمبرغ عام 1945.

وكان رادوفان كراديتش والقائد العسكري لصرب البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش من بين المتهمين من قِبل المحكمة بتهمة الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية. وقد حكمت المحكمة أيضاً على أكثر من 160 شخص ضالع في جرائم الحرب تلك.

مقالات إعلانية