in

تاريخ الأفوكادو: لماذا لا تزال ”خصيتي الأشجار“ هذه موجودة حتى اليوم يا ترى؟

الأفوكادو

مما لا شك فيه أن البشر يعشقون الأفوكادو، في الواقع، استهلك سكان الولايات المتحدة لوحدهم حوالي 4 مليارات حبة أفوكادو في عام 2014 فقط، إنها ثمار ذات طعم لذيذ، وهي مفيدة جداً، ولكن أحد أكثر الأشياء روعةً في ثمار الأفوكادو هو ”أنها لا تزال موجودة“.

للأفوكادو علاقة وثيقة جداً مع الوحوش العملاقة التي سكنت أمريكا الوسطى قبل عشرات الآلاف من السنين، وعندما انقرضت تلك الحيوانات، كان من الممكن أن ينقرض الأفوكادو معها بسهولة، ولكن -ولحسن حظنا- تم إنقاذه من قِبَل بعض مزارعي ما قبل التاريخ.

على أية حال، قبل أن يصبح الأفوكادو منتشراً في المناطق الأخرى، كان يُزرَع في أمريكا الوسطى لآلاف السنين.

تقنياً، يُعتبر الأفوكادو فاكهة، وهو من فصيلة الـSwollen Plants Ovaries، وهي النباتات التي تنتج ثمارها عن طريق تورم المِبْيَض في الزهرة، ولكنها من الناحية الغذائية مختلفة جداً عن الفاكهة الأخرى المتواجدة حالياً، على سبيل المثال، يتكون التفاح والبرتقال من الماء والسكر في المقام الأول، وبشكل عام الفواكه مفيدة لك أكثر من الحلويات والمشروبات السكرية كالصودا، لأنها تحتوي على الألياف التي تُبطِئ امتصاص السكر وتجعلك تشعر بالشبع بشكل أسرع، ومقارنةً معها، فإن نسبة السكر في الأفوكادو أقل بكثير، ولكنه يحتوي على البروتين والدسم بنسبة أكبر، وهذا ما يعطيه قوامه القشدي والطري ويضعه أيضاً على قائمة المواد التي تحتوي على سعرات حرارية عالية، كما يحتوي الأفوكادو أيضاً على البوتاسيوم وحمض الفوليك والفيتامينات C وE وK.

أكثر من كونه فاكهة، يعتبر الأفوكادو من فصيلة الثمار اللبية مثل التوت والعنب (وهي الفاكهة الكروية الصغيرة المليئة بالعصير والتي لا تحوي على بذرة مركزية)، ولكن بدلاً من أن يحتوي الأفوكادو على الكثير من البذور الصغيرة، يحتوي على تلك البذرة الكبيرة في الوسط.

الأفوكادو

تطور الأفوكادو -مع بذوره الكبيرة- عبر كل تلك السنين، فقبل عشرات الآلاف من السنين خلال العصر (البليستوسيني)، عاشت مجموعة من الحيوانات العملاقة في قارة أمريكا، فعندما كان الماموث يحتل المنطقة الجليدية شمال قارة أمريكا، عاش كل من كسلان الأرض، الذي كان يزن ثلاثة أطنان، وحيوان المدرع الذي كان بحجم سيارة في الغابات الاستوائية الدافئة، كان كسلان الأرض والمدرع يقتاتان على الكثير من الأفوكادو، فكان جهازها الهضمي قادراً على التغلب على القشرة القاسية وامتصاص اللب ذو الطاقة العالية، ومن ثم تخرج البذور من نهاية الطريق سليمة تماماً، وذلك لاحتوائها على مواد مرة الطعم تحميها من قضم تلك الحيوانات لها.

بذلك تحصل الحيوانات على وجبة لذيذة وتتمكن نبتة الأفوكادو من نشر نسلها على عرض غابات أمريكا الوسطى، في الواقع، ليست الأفوكادو النبتة الوحيدة التي تتبع تلك الطريقة في الانتشار، فهناك فائدة إضافية من تلك العملية وهي أن البذور تحصل على بعض السماد الدافئ الذي يعمل كمعزز غذائي لتنمو بشكل أسرع عندما تصبح في التربة.

وهكذا، بفضل تلك الحيوانات الضخمة، استطاعت نباتات الأفوكادو أن تبقى وتنتج ثماراً ببذور آخذة في الكِبَر، وكلما كانت البذرة أكبر كلما استطاعت أن تخزن موادا غذائية أكثر، وهذا مفيد جداً خصوصاً في الغابات الاستوائية بأشجارها الكبيرة العالية التي تحجب معظم ضوء الشمس عن النباتات الصغيرة التي تتموقع تحتها، لذا فبدلاً من الاعتماد الكامل على ضوء الشمس كمصدر للطاقة، استطاعت شتلات الأفوكادو أن تُكَمّل الطاقة التي تستمدها من عملية التركيب الضوئي بمواد غذائية من بذرتها لكي تنجو وتستمر.

وهذا الأسلوب التطوري الفريد لا ينتهي هنا فقط، ففي نهاية الأمر تعرضت تلك الحيوانات الضخمة لانقراض كبير منذ حوالي 10 إلى 30 ألف سنة خَلَتْ، وبينما لا نعرف تماماً سبب هذا الانقراض، غير أن العلماء يعتقدون بأن المناخ الحار الذي ساد في نهاية العصر الجليدي كان له يد في الموضوع.

على أية حال، المريب في الأمر أن تلك الحقبة كانت قريبة من وقت انتشار البشر في قارة أمريكا -ومما لا شك فيه أنهم استمتعوا بلحوم الحيوانات العملاقة على طول الطريق- وكل هذا يعني أن الأفوكادو قد واجه مشكلة كبيرة في رحلته التطورية.

بدون شركائها التطوريين، توقفت الأشجار عن الازدهار الذي كانت عليه، فأمست بذورها تسقط على الأرض وتصبح طعاماً للعفن، ولكن كان هناك كائنات جائعة أخرى قريبة: أحب القادمون الجدد -البشر- الأفوكادو تماماً كما فعل كسلان الأرض من قبلهم، بالإضافة إلى أنهم كانوا يملكون الوسائل لأكله والعقول لزرعه والحفاظ عليه.

ربما يكون الأفوكادو الذي نراه اليوم مختلفاً قليلاً عن ذاك الذي نما على الأرض قبل عشرات آلاف السنين، فعلى سبيل المثال، يرجح أن تكون الثمرة الحالية ذات لب أكبر من أسلافها، ولكنها أبقت على بذورها الكبيرة منتظرةً عودة تلك الوحوش الضخمة المنقرضة!

مقالات إعلانية