in

هل سنتوقف عن الحاجة للعمل بسبب الأتمتة؟

الأتمتة

في إحدى حلقات مسلسل ’بلاك ميرور‘ الذي تدور أحداثه في المستقبل القريب ضمن ديستوبيا قائمة على التطور التكنولوجي، يصور لنا الكاتب تشارلي بروكر سيناريو سوداويّاً بعض الشيء، يعيش فيه أكثرية المجتمع في تجمعات مستقبلية داخلية معزولة. ويقوم السكان الذين يرتدون اللباس نفسه جميعاً بعملٍ وحيد وهو الركوب على دراجة مثبتة كما في النوادي الرياضية لساعات وهم يشاهدون البرامج التلفزيونية أو يلعبون ألعاب الفيديو.

الهدف من ركوب الدرجة المثبتة لساعات ليس التحسين من لياقة السكان البدنية كما قد نظن في البداية، بل هو لإنتاج الطاقة المطلوبة لتشغيل العالم الذي يسير من حولهم بشكل أوتوماتيكي. لقد وصلنا للأتمتة شبه التامة في هذه الحلقة، والأتمتة تعني ببساطة أن تسير أنظمة الخدمة والإنتاج بشكل أوتوماتيكي دون الحاجة لمجهود بشري. كل شيء بات مبرمجاً ليعمل بشكل أوتوماتيكي من مصانع الملابس والغذاء والدواء والتنقل والأنظمة اللوجسيتية، ولم يبق لنا سوى أن نغذيها بالطاقة اللازمة لتعمل وحدها وبشكل تلقائي. حتى أن تطور الصناعة الفنية والإنتاج الترفيهي بات يعني أن حاجتنا للترفيه بوسائل أخرى كالسفر والخروج إلى المقهى لم يعد لها جدوى.

الأتمتة

في المسلسل، يحصل المواطنون على نقاط أكثر كلما أنتجوا طاقةً أكثر ويمكن لهم صرفها على الطعام أو على مشاهدة البرامج الترفيهية أو تحميل الألعاب المشوقة، بالطبع فإن الطعام يُشترى من آلة أوتوماتيكية فلا حاجة للعمل بأمور عديمة الجدوى يمكن لآلةٍ أن تقوم بها، ثم يعود السكان إلى غرفهم المزودة بأنظمة ترفيهية مذهلة والإنترنت عالي السرعة، وطبعاً كل لعبة أو برنامج يشترونه مقابل عددٍ من النقاط.

أما في الحقيقة وبعيداً عن الخيال العلمي المحتمل، فإننا نقترب من الأتمتة التامة بشكل يومي، لكن يصعب التنبؤ بعد إن كنا سنستغني عن العمل البشري بشكل كامل خلال حياتنا أم لا. أما في يومنا هذا فما زالت الحواسيب تقلل كثيراً من حاجتنا للموظفين، حيث أصبحت برامج الحاسوب قادرة على القيام بأعمال أعتى الموظفين، وبدقة وسرعة أعلى بكثير. مثلاً تخيل عدد الأشخاص الذي يوفره برنامج كومبيوتر مثل مايكروسوفت إيكسل، تخيل القيام بالعمليات التي يؤديها هذا النظام على ورق.

إذاً يمكننا أن نرى أثر التكنولوجيا على السوق بشكل واضح، وفي الدول المتقدمة بات التسوق الإلكتروني أكثر شعبيةً من التسوق في المحال بشكل تقليدي، وزيادةً على ذلك تقوم شركات التسوق عن بعد مثل أمازون بزيادة اعتمادها على العمل الأوتوماتيكي والاعتماد على الروبوتات في المستودعات، وحتى أنها تقوم باختبار إمكانية الاعتماد على الطائرات بدون طيار لتوصيل المنتجات للزبائن.

أما القطارات بدون سائق فهي في انتشارٍ متزايد وتستمر التجارب على السيارات ذاتية القيادة أيضاً. وهناك خدمات كثيرة مثل المعاملات البنكية والحكومية التي أصبحنا قادرين على إنجازها عبر الإنترنت من دون الحاجة لمقابلة أحد. ومع تطور الخوارزميات والتقنيات الحديثة فإن الشركات ستسبدل المزيد من الوظائف بحواسيب وأنظمة أوتوماتيكية.

لذلك فمع زيادة اعتمادنا على التكنولوجيا للإنتاج فإن الحاجة لتوظيف البشر ستقل ومعها ستزيد مستويات البطالة. لكن ذلك لا يجب أن يكون خبراً سيئاً كما يطمئننا الكثير من الخبراء، فعلى الحكومات أن تبدأ بالتأقلم مع هذا النوع من الاقتصاد والذي يسميه الخبراء بـ”اقتصاد ما بعد العمل“ Post-work Economy. إذ يظن الكثير من خبراء الاقتصاد أن الأتمتة هي فرصة الإنسان للانتقال لعالم ما بعد العمل وهذا قد يكون أمراً مشوقاً لو اصطُحب بمواكبة سريعة من الحكومات المسؤولة عن تنظيم التحول وسن التشريعات لضمان سلاسة الانتقال. فمع زيادة كفاءة الأنظمة المُنتجة يمكن للإنسان أن يرتاح ويتفرغ لأمورٍ إبداعية أكثر بدل القيام بالعمل الروتيني.

وقد بدأت الكثير من الدول بالتأهب لذلك التغيير واتخاذ خطوات ملائمة لحماية المجتمع من آثار الأتمتة مثل التفكير بجدية بمنح رواتب شهرية لجميع المواطنين بغض النظر عن إن كان المواطن يعمل أم لا. فالشركات التي تعتمد على الأتمتة يمكن لها أن تزيد من مساهمتها في دفع الضرائب التي تذهب للاعتناء بباقي المجتمع مقابل التوفير الضخم التي تحصل عليه جراء التكنولوجيا. وبينما قد تقل الحاجة لبعض الوظائف ففي المقابل ومن المؤكد أن الحاجة لنوع آخر من الوظائف سيزيد مثل الوظائف المتعلقة بالبرمجة وهندسة الحاسوب ومطوري الخوارزميات الذكية والوظائف التكنولوجية والهندسية بشكل عام، فكل تلك الأنظمة الأوتوماتيكية بحاجةٍ لتصميم وصيانة مستمرة. ومن يدري فربما مع تقدم مجالات الطاقة البديلة فلن نضطر لتوليد الطاقة على دراجات كما في مخيلة كاتب بلاك ميرور السوداوية بل سنعتمد على الشمس والهواء للقيام بتلك المهمة الشاقة بدلاً من عضلاتنا.

مقالات إعلانية