in

هل نحن جزء من محاكاة حاسوبية متقدمة؟ لماذا يؤمن (إلون موسك) بهذا يا ترى؟

إلون موسك محاكاة حاسوبية
صورة: Yazin Akkawi/Medium

يعتقد (إيلون موسك) أنه من شبه المؤكد أننا نعيش ضمن محاكاة حاسوبية، وبكلمات أخرى فهو يرى أننا عبارة عن شخصيات في نسخة مطورة من لعبة تشبه تلك اللعبة الشهيرة The Sims، حيث أنها مطورة بشكل كافي لنكون نحن فعلا من أحد عناصرها.

ليس من الغريب أن ينظر البعض للفكرة على أنها سخيفة وغير منطقية، للدرجة التي قد يرى البعض فيها أنه لا طائل من مناقشتها مع الآخرين حتى، وهذا تماما ما يحدث عندما يخالف منظورك للأمور ما هو شائع مسبقا بين الناس في تفسير تلك الأمور الوجودية.

بالعودة لحوالي 2300 عام من تاريخنا الحالي تماما لتلك اللحظة التي رأى فيها (أرسطرخس الساموسي) أن الأرض ليست هي محور الكون، وكان أول من قال بذلك حتى قبل (جاليلو) بألفي عام، حينها كانت فكرته تلك غير مقبولة وغير مستساغة من قبل الناس تماما كفكرة (إيلون موسك) الآن.

إلون موسك
إلون موسك – صورة: Getty Images

تلك الأفكار التي تخالف ما هو شائع فعلا بين الناس هي ما يدفعنا حقا لإعادة التفكير بالمسلمات التي نؤمن بها، وتلك القفزات في المعرفة البشرية على مر السنون، تذكرنا دائما أن مخزوننا من المعرفة قابل للزيادة، وهناك أمور لم نقم بسبر أغوارها بعد.

مع هذه الرسومات سنستعرض منطق فكرة تلك المحاكاة، وبعد فهمنا لفكرتها سنقرر فيما إذا كان علينا حقا اعتبارها مجرد ترهات، أو إعادة التفكير في وجهة نظرنا!

هنا لا يجزم أحد أننا حقا في تلك المحاكاة، بل هي إحدى الاحتمالات الثلاثة لما قد يحدث فعلا في المستقبل، وخلال ما سيلي سنعتمد في شرحنا للفكرة على ما جاء في ورقة بحثية للفيلسوف (نيك بوستروم) من جامعة (أكسفورد).

دعونا نعد للوراء 40 سنة!

في السبعينات كانت أكثر الألعاب تطورا هي لعبة (بونغ) الشهيرة التي هي عبارة عن مستطيلين ودائرة تتحرك بينهما.

لعبة (بونغ) الكلاسيكية
لعبة (بونغ) الكلاسيكية

بالانتقال للعام 2000 بات لدينا شخصيات افتراضية في لعبة The Sims التي كانت تتفاعل مع بعضها، ومع الأشياء من حولها، ومع ما تشعر من أمور.

الآن بات لدينا نظارات الواقع الافتراضي مثل HTC Vive أو Oculus Rift التي ستجعلك شخصية بإمكانها التفاعل مع ما حولها في ذلك الواقع المعزز، وبارتدائك لتلك النظارات ستخدع دماغك وتدفعه ليعتقد أن ما حوله حقيقي.

مع تطورنا في المجال التقني والبرمجي، صار بمقدورنا التنبؤ بالطقس، ومحاكاة التفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل أجسامنا، بالإضافة لأمور معقدة أخرى.

دعونا نسرع العرض 10 آلاف عام في المستقبل!

لقد رأينا أنه خلال 40 عاما انتقلنا من اللعب بلعبة الـ(بونغ) لألعاب الواقع المعزز، وعلى فرض أننا لن نمضِ بتلك الوتيرة، فخلال 10 آلاف عام ينبغى أن نكون قادرين فعلا على خلق محاكاة لأنفسنا (هذا بالطبع إن لم نكن قد انقرضنا خلال تلك المدة، وسنعرج على هذه النقطة لاحقا)، وهذا لن يكون بمجرد جعل الدقة أفضل عما هي عليه الآن، وليس بمجرد تطوير التقنيات المستخدمة، بل سيكون ذلك عن طريق محاكاة المشابك العصبية في الدماغ البشري بحد ذاتها، وهذا سيشبه لحد كبير تتبع جوع الشخصية في لعبة The Sims على سبيل المثال.

وهذا ليس بالأمر العسير إذا ما نظرنا لوجهة نظر العلم في ذلك، فحسب ما توصل إليه حتى الآن فكل ما يجري في أجسامنا يتم وفقا لآليات فيزيائية، ويفترض أننا سنتمكن من فهم تلك الآليات إن فعلا بقينا موجودين بعد 10 آلاف عام! وحينها سنستطيع برمجة تلك الآليات المتحكمة بأجسامنا وتضمينها في تلك المحاكاة، ومن هذا المنطلق فحواسيبنا لا بد أن تتمكن بعد هذه المدة الطويلة من محاكاة عالم كعالمنا.

محاكاة حاسوبية
صورة: موقع Vox

تماما كما في القبة في الصورة أعلاه ستكون تلك المحاكاة، وهي ستحدث ضمن حاسوب ما بالتأكيد، وليس ضمن قبة، ولكنها ستكون واقعية بشكل كبير.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين سنأتي بتلك التقنية الحاسوبية؟

يرى (بوستروم) أنه بإمكاننا وقتها إرسال روبوتات صغيرة لكواكب أخرى ستقوم بدورها بإعادة صنع نسخ عن أنفسها وتحويل تلك الكواكب لحواسيب عملاقة تكفي لعملية المحاكاة تلك.

لنفترض أننا تمكنا من صنع محاكيات للعالم، فهل سيكون من الصعب حينها أن نقوم بمحاكاة أسلافنا؟ أو حتى أنفسنا في زمان سابق لحاضرنا؟ بناء على إجابة هذا السؤال نجد أنه قد لا يكون من المستبعد أن يتمكن الإنسان من ذلك إن وصل في تطوره في هذا المجال لمراحل متقدمة.

في هذه المرحلة لن يكون كل المحتوى الفكري لتاريخ البشرية إلا جزء بسيطا من كم المعلومات الضخم الذي سيتعامل معه إنسان المستقبل، وبالتالي لن يكون صعبا عليه محاكاتنا لملايين المرات حتى.

محاكاة حاسوبية
صورة: موقع Vox

لنعد ترتيب أفكارنا!

عندما نقوم بمحاكاة أسلافنا، لا بد أن يصلوا للمرحلة تلك التي تمكنا فيها نحن بمحاكاتهم، ويقوموا بمحاكاة أخرى لأسلافهم، وهكذا مرارا وتكرارا!

هل تتذكرون روبوتات الدردشة التفاعلية من تطوير فيسبوك التي تستخدم الذكاء الصناعي!؟ حسنا، لقد وصلت تلك الروبوتات فعلا للمرحلة التي بدأت فيها بخلق لغة خاصة بها التي لم يستطع البشر فهمها، فقام موقع فيسبوك بإيقافهما.

وإن تمكنت شخصياتنا تلك التي قمنا بمحاكاتها من الوصول لدرجة من الوعي تقارب وعينا البشري، فما الذي نملكه ضد فكرة كوننا نحن فعلا من تلك النماذج التي تمت محاكاتها ووصلت لمرحلة الوعي تلك!؟

بقراءة متأنية لما سبق سنلاحظ أن قيام شخصيات المحاكاة بمحاكاة شخصيات أخرى يتم وفق متتالية هندسية، وبالتالي سيكون لدينا أعداد مهولة من هذه الشخصيات التي تتم محاكاتها مقارنة بتلك الحقيقية، إذا فإن احتمال كوننا من تلك الشخصيات التي هي ضمن محاكاة حاسوبية هو أكبر من أن نكون حقيقيين.

محاكاة حاسوبية
صورة: موقع Vox

كما ذكرنا سابقا، فكوننا ضمن محاكاة هو أحد تلك الاحتمالات لمستقبلنا البشري، فهناك احتمال آخر يقتضي انقراض جنسنا قبل وصولنا تقنيا لتلك المرحلة، سواء كان ذلك بسبب الاحتباس الحراري أو حتى عن طريق هجومات (باندا) متوحشة، ولكن (بوستروم) يرى أن أكثر سيناريو محتمل لتلك النهاية هو بإساءة استخدام تقنية قمنا بتطويرها، مثل روبوتات مجهرية قادرة على استنساخ نفسها -التي ستكون في الواقع عبارة عن بيكتيريا ميكانيكة- وسينتهي بنا المطاف بالانقراض على يدها.

لكن تبقى هناك احتمالية لعدم رغبة الإنسان في المستقبل بمحاكاة أسلافه، فقد يرى حينها أنه ليس من الأخلاقي المضي في ذلك وجعل تلك الشخصيات المحاكاة -وخصوصا تلك التي ستمتلك وعي الإنسان ذاته- من المرور مجددا على ما عانته البشرية في ماضيها، كما قد لا يبدي إنسان المستقبل أي رغبة في خلق تلك المحاكاة ولن تكون من ضمن أولوياته العلمية والفكرية.

إذا، ففرضية المحاكاة تلك تقتضي أن احتمالا مما يلي سيكون صحيحا: فإما أننا في مستقبلنا لن نكون مهتمين بتوظيف تقدمنا التكنولوجي في خلق مثل تلك المحاكاة، أو أننا قد نتسبب بانقراض جنسنا بإساءة استخدام إحدى التقنيات التي قمنا بتطويرها قبل تمكننا من الوصول تقنيا لهذه المرحلة، أو أن احتمال كوننا الآن في محاكاة حاسوبية يفوق كوننا الجنس البشري الحقيقي الذي نعتقده.

فـ(إيلون موسك) شبه جازم بكوننا فعلا ضمن تلك المحاكاة، و(بوستروم) كذلك يجزم به ولكن بنسبة 20٪ فقط، وهو لا ينكر أن ذلك الاستنتاج ليس مبنيا على حقائق ملموسة، ولكن كلاهما متفق على أن أحد تلك الاحتمالات الثلاثة وارد الحدوث في المستقبل، ومهما كانت واقعية ذلك التصور، فليس من الضير أن نخوض في مثل تلك النقاشات الميتافيزيقية ونوسع دائرة مخيلتنا لكن دون أن يصل بنا الحال كـ(إيلون موسك) وشقيقه اللذين منعا النقاش حول تلك الفرضية حتى ولو في حوض الاستحمام!

بالعودة للورقة البحثية التي قام (بوستروم) بكتابتها، والتي بنينا عليها هذا المقال، ورد في مقدمتها: ”بغض النظر عما قد يراه المهتمون بالتكهن بمستقبل البشرية، في هذه الأطروحة؛ هناك جانب نظري بحت هو على قدر من الأهمية أيضا، فإن الاطلاع على تفاصيل هذه الفرضية سيثير بعض التساؤلات التي تخص في المقام الأول تلك الأمور الغيبية التي قد يكون منها ما هو متعلق ببعض المفاهيم الدينية“.

فإن صحت هذه الفرضية فإن هناك كائنات أكثر تقدما منا، ورغم أنها ستكون مختلفة تماما من حيث قدراتها ومفهومها للخير، لكن هذا لا يغير من حقيقة كوننا نحن هذا الكائن المستقبلي.

ولكن ستبقى هناك أجوبة مبهمة في ظل هذه الفرضية، فما هو أصل ذلك المحاكي الأول!؟

مقالات إعلانية