in

كيف تؤثر المدن على التطور؟ وماهو مصير الجرذان والبعوض وبق الفراش؟

انفجار أعداد الجرذان، وغزو البرسيم، وبق الفراش، والبعوض، هي تبعات غير مقصودة للتحضُّر!

باحثون يطلقون ما وجدوه ”صرخة صحوة“ للعامة والحكومات والعلماء الآخرين، بعدَ دراسةٍ هي الأولى من نوعها لمحاولة فهم الطريقة التي أثر فيها التمدن على التطور، حيث عمل كلٌّ من (جونسون) و(موشي-ساوث) على مراجعة جميع الدراسات البحثية التي تناولت التمدن والتطور، ثمَّ قاموا بتجميع النتائج.

يقول مدير مركز البيئة الحضرية في جامعة (تورنتو)، السيد (جونسون)، في هذا الصدد: ”لدينا فهم قليل جداً عن تأثير بناء المدن على الكائنات الحية التي تعيش هناك، ومن الجيد أنَّ بعض الكائنات قادرة على التكيف مع ذلك، كالأنواع المحلية التي تمتلك وظيفة هامة في البيئة، لكن يمكن أن يكون لذلك وقع سيئ أيضاً، إذ أنَّ قدرة بعض هذه الكائنات على التكيف في مدننا قد يرفع من مستوى انتقال الأمراض، فبَقُّ الفراش على سبيل المثال كان نادراً في العقدين الماضيين، لكن هذا الكائن قد تأقلم مع المبيدات الحشرية ما أدى إلى ازدياد أعداده، ومن ثم انتشاره بأعداد هائلة في جميع أنحاء العالم“.

يضيف (موشي-ساوث): ”لقد فكرنا بالتطور كعملية طويلة الأمد مدفوعة بالضغط البيئي والتفاعل بين الأحياء بشكل تقليدي، لكن هناك الآن ما يقود التغيرات في العديد من الأنواع الأخرى بشكل أسرع، وهو كيفية تفاعل تلك الأنواع مع البشر وبيئتنا المَبنيَّة (المدن)، البشر ومدننا واحدة من أكثر القوى المسيطرة على التطور المعاصر حالياً“.

تناولَ هذا العملُ الثديات، والنباتات، والطيور، والبرمائيات، والزواحف، والحشرات، والفيروسات، لتحديد التأثيرات التطورية على الأنواع، من تنوُّع الطائر الأسود الشائع في أوروبا إلى البرسيم الأبيض والفئران بيض الأقدام في أمريكا الشمالية، فعلى سبيل المثال، أصبحت جماعات الفئران بيض الأقدام في مدينة (نيويورك) متباينةً فيما بينها بعد التمدُّن، تبعاً لانعزالها عن بعضها بسبب بناء المتنزهات المختلفة، ويقول (جونسون) واصفاً الأمر: ”لقد صنعنا نظاماً بيئياً جديداً مكوناً من كائنات لم تكن قد شوهِدت من قبل، وهذا بمثابة صرخة صحوة لكل من العامة، والحكومات، والعلماء“.

تثير هذه الدراسة أسئلةً حول أيٍّ من تلك الأنواع يمكنه الاستمرار خلال التمدُّن، وفيما إذا كانت تلك قادرة على التأثير على صحة الأنظمة البيئية، والبشريَّة.

يشكِّل غياب المواطن ووجود الحواجز المدنية (الطرقات، والأبنية …إلخ) تحديات لجميع الأنواع والتي قد يتكيف بعضها بطريقة غير مرغوبة.

درس الباحثون العديد من انحرافات التكيُّف الوراثي، كالطفرات، وحركة المورثات خلال طور التشتيت، والتطور الطبيعي، والتطور التكيفي عبر الانتقاء الطبيعي، وقد خلصوا أنَّ للبيئة المدنية تأثيراً على كلٍّ آليات التطور تلك.

جرذان المدن
يقول (مارك جونسون)، مدير معهد المحيط الحضري في جامعة تورنتو: ”نحن نملك مفهوما بسيطا عن الكيفية التي يؤثر بها تشييدنا للمدن على الكائنات التي تعيش هناك“ – صورة: trufelka/Fotolia

يقترح (جونسون) و(موشي-ساوث) أننا نحتاج للتفكير مليَّاً حول تغييرنا المستمر لبيئتنا بطرق غير مقصودة عند بنائنا للمدن، مؤثرين على تطور الأنواع التي قد تؤثر بالمقابل على حياتنا، فعدد من الأحياء قد تطور ليعتمد على الإنسان: كالجرذان، والسحالي المدنية، والصراصير، والحمام وبقِّ الفراش.

للأسف، يستطيع هذا البعوض أنّ يحمل عدداً من الأمراض، وهو منتشر حالياً في مدينة (نيويورك)، و(شيكاغو)، و(لوس أنجلوس) أيضاً، وهذا يجعل من المطلوب على نظامنا الصحي أن يتأقلم مع ذلك كنوع من الاستجابة.

وبحسب (جونسون) و(موشي-ساوث) فهناك حاجة للتفكير بتأثير تصاميمنا على الأنواع المحليَّة عند تخطيطنا لبناء المدن، وأيضاً التفكير بإمكانية جعل التصاميم ”ألطف لنا وللبيئة“، مع الأخذ بعين الاعتبار طرق الحفاظ على الأنواع المحلية وتخفيف انتشار الآفات الناقلة للأمراض.

نظراً لتطور الأنواع بشكل سريع كاستجابة للتحضر، يمكن للبيئة الخارجية أن تكون صفّاً دراسياً يتيح الفرصة لمشاهدة أمثلة على التطور عن كثب، حيث يمكن استخدام التطور الحضري كأداة لتثقيف سكان المدن وغيرهم حول واقع وأهمية البيولوجيا التطورية.

يقول (جونسون) حول هذا: ”لا يحتاج الأشخاص الذين لا يصدقون التطور أن يذهبوا إلى أبعد من فناء منزلهم الخلفي لمشاهدة الدليل عليه“.

مقالات إعلانية