in

لماذا يعتبر الفم البشري كارثة من ناحية التصميم؟

لا تستخدم الحيوانات الفرشاة والمعجون ولا تملك غسولاً للفم ولا خيوط تنظيف الأسنان.. فما الخطأ الذي ارتكبناه لتعاقبنا الطبيعة اليوم بزيارات طبيب الأسنان الفظيعة؟

كم مرةً جلست في عيادة طبيب أسنان منتظراً دورك أو دور من ترافقه واستمعت لصوت آلة حفر الأسنان المزعج تنخر في رأسك حتى قبل أن تصل لأسنان المصاب؟ تعدّ مشاكل الفم والأسنان شائعةً جداً حيث أن 60 إلى 90 بالمئة من طلاب المدارس يعانون من مشكلة ما في الفم فيما تصل النسبة لدى البالغين إلى مئة بالمئة تقريباً، وذلك حسب الـFDI أو ما يعرف بـ«الاتحاد الدولي لطب الأسنان».

في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، سنستعرض عليك عزيزي القارئ السبب الذي يجعل فم الإنسان يعتبر كارثة تصميمية، وسنستهل طرحنا ببعض المشاكل التي تصيب الفم:

1. تسوس الأسنان

يحتوي فم الإنسان الخالي من أيّ مرض على مليارات البكتيريا التي يعدّ أغلبها نافعاً ويؤدي وظائف حيوية ومهمة، ويحدث تسوّس الأسنان نتيجة وجود بكتيريا في الفم تتغذى على الطعام الباقي بين الأسنان منتجة أحماضاً تتسبب في نخر السن.

2. مشاكل تتعلق بأضراس العقل

75 بالمئة من الأشخاص حول العالم لديهم أضراس عقل لا تتسع في فمهم ما يُضطرهم إلى أجراء عمليات جراحية لإزالتها.

ظهرت أضراس العقل في مرحلة ما من مراحل تطوّر البشر، إذ ساعدت سلفنا على مضغ أوراق الأشجار، ولكن مع مرور الزمن فقدت هذه الأسنان وظيفتها إذ تغيّرت الحمية الغذائية، غير أنها استمرت بالنمو ولم تختفي عبر سنين من التطوّر.

3. سوء توضّع الأسنان

9 من بين كلّ 10 أشخاص يعانون من مشكلة في توضّع أسنانهم، تأتي هذه المشاكل من عدم تناسق حجم الأسنان مع حجم الفك، أو نقص أو زيادة عدد الأسنان بالفك، وبعض الأمراض الوراثية. ويؤدي سوء التوضّع هذا لمشاكل أخرى تتراوح ما بين تسوّس الأسنان ومشاكل في النطق والمضغ وحتى أنها تؤثر على نفسية الإنسان.

تُعالج هذه المشكلة عن طريق وضع تقويم الأسنان الذي بات شائعاً وتزداد أعداد الذين يرتدونه باستمرار سنوياً، إذ تشير الإحصائيات أن 45 بالمئة من الأطفال يحتاجون إلى تقويم الأسنان لتصحيح مشاكل وظيفيّة هامة، بنما تصل النسبة إلى 75 بالمئة ممن يحتاجونها فقط لتقويم استقامة أسنانهم.

متى ظهرت هذه المشاكل؟

يصرف سكان الولايات الأمريكية المتحدة فقط 110 مليار دولار سنوياً على العناية الصحية للفم، بينما قُدّر المبلغ الذي يصرف سنوياً في الاتحاد الأوروبي بـ79 مليار دولار.

والأمر المثير للاهتمام أن جميع هذه المشاكل بالكاد كانت موجودة لدى البشر في الماضي، وهي غير موجودة بتاتاً لدى الحيوانات!

لاحظ العالم الأسترالي (رايموند بيغ) في عشرينيات القرن الماضي حين كان يدرس أفواه وأسنان قبيلة من السكّان الأصليين في أستراليا وبعد مراقبتهم لفترة طويلة، أن جميع أفراد القبيلة –الذين كانوا يتبعون حمية غذائية تقليدية– لم يكونوا يعانون من أيّ مشاكل في أسنانهم، مع أنهم لا يستخدمون الفرشاة والمعجون ولا يملكون غسولاً للفم ولا خيوط تنظيف الأسنان. وقد كانت أسنانهم منتظمة وأضراس العقل لديهم فعّالة.

ما يدفعنا لأن نتساءل، ما الخطأ الذي ارتكبناه لنعاقب اليوم بزيارات طبيب الأسنان الفظيعة؟ وما الممارسات الصحيحة التي يقوم بها سكان تلك القبيلة وتبقيهم بعيدين عن آلة حفر الأسنان، ومعاناة تقويم الأسنان التي لا تنتهي؟

أسباب ظهور مشاكل الفم والأسنان

درس عالم المستحثات (بيتر إس أونغار) على مدار 30 عاماً مئات الآلاف من أسنان الحيوانات المستحاثة والحيّة، ولم يلحظ فيها أيّ أثر لمشاكل في الأسنان أو الفم، فما سبب ذلك؟

1. الحمية الغذائية

خلال الخمسين عاماً الماضية، تضاعف استهلاكنا للسكريات بـ3 مرات، ومن المتوّقع أن يزداد معدّل استهلاكنا للسكريات خلال الأعوام القادمة. وترتبط زيادة السكريات في حميتنا الغذائية بالتقدّم الاقتصادي للدول، ويتضّح ذلك من خلال مقارنة أوروبا الآن مع أوروبا قبل الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.

3. كيف نتناول طعامنا

تقود أسنانا عملية تحريك وطحن الطعام بشكل رئيس، ولتحدث العملية بشكل فعّال يتوجّب على الأسنان أن تتراص تماماً وبدقة.

يفسّر الفرق بين بيولوجيا جسمنا وعاداتنا الغذائية بعض مشاكل الأسنان الحالية، وتعزى تلك المشاكل بشكل عام إلى اتجاهنا نحو معالجة أطعمتنا قبل تناولها، فعلى سبيل المثال بينما كان أجدادنا يتناولون اللحم كما هو، بتنا نطهوه جيداً ونقطعه قطعاً صغيرة قبل وضعه في أفواهنا، وكذلك بالنسبة للعديد من الأطعمة. إذ نحاول اليوم تسهيل عملية المضغ لأبعد الحدود علينا.

3. تطوّر فك الإنسان

في الدراسة السابقة للعالم الأسترالي (بيغ)، عزا (بيغ) غياب مشاكل الفم والأسنان لدى السكان الأصلين لكون أسنانهم أصغر، لكن دراسةً ظهرت عام 2004 م في جامعة (هارفرد) أثبتت أنه في الحقيقة لم تكن أسنان السكان أصغر بل فكهم أكبر.

قامت التجربة في جامعة (هارفرد)، التي أجراها (دانيال ليبرمان)، على إطعام واحدة من مجموعتين من صغار الوبريات طعاماً طرياً ومعالجاً والأخرى طعاماً نيئاً يتطلب مجهوداً ليُمضغ ويُقطع. ليكتشف أن مضغ الطعام النيئ والقاسي ساعد في تكوين بنية عظمية أقوى لتثبيت وحماية الأسنان من التخلخل.

كما اكتشف العلماء في دراسة أخرى أن عضلات فك الإنسان تطوّرت على مرّ العصور عن تلك الخاصة بأسلافه، ولكن ليس للأفضل. عبر آلاف السنين تغيّر حيز عضلات الفك في جمجمة الإنسان ليصبح أصغر، وتقلّصت عضلاته في الحجم، ما أثّر سلباً على قدرة البشر على القطع والقضم والمضغ.

كيف نحمي أنفسنا وأطفالنا من مشاكل الفم والأسنان؟

تختلف طرق الوقاية من مشاكل الفم وأساليب الحفاظ عليه والأسنان صحية باختلاف المرحلة العمريّة للإنسان، كما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحمية الغذائية التي يتّبعها الشخص.

1. كيف نحمي الأطفال من مشاكل الأسنان والفم:

قبل أن يبدأ طفلك بالتسنين، بإمكانك أن تستخدم قطعة قماش مبللة لتمسح لثته لإزالة البكتيريا. بمجرد أن تظهر أسنان طفلك توقّف عن هرس طعامه له، فمثلاً أعطه تفاحه ليقضمها دون أن تقطعها إلى مكعبات صغيرة، ستقوّي هذه العملية لثة وأسنان الطفل، وكذلك عضلات فكيّه.

بعد ظهور الأسنان، استخدم فرشاة الأسنان الخاصة بالأطفال مع معجون الأسنان المخصص ويجب أن يكون مقدار معجون الأسنان بقدر حبة الأرز للأطفال ما قبل السنتين وبحبة البازلاء للـ3 سنوات. (لا تعطي طفلك الماء للمضمضة والبصق فذلك سيسهّل عملية بلع معجون الأسنان).

من المهم أن يتعلّم الأطفال الاعتناء بأسنانهم في سنّ صغيرة، وتستطيع تشجيع طفلك على تنظيف أسنانه بوضع روتين معيّن تنظفان خلاله أسنانكما معاً. تستطيع أيضاً أن تشتري له فرشاة أسنان بتصاميم لطيفة لشخصيات يحبها، واليوم أصبح هناك فراشي أسنان تغني أغنيات طفلك المفضلة ما سيجذبه ويسليه أثناء تنظيف أسنانه.

كما يجب عليك أن تقلل من الأطعمة الغنية بالسكريات التي يتناولها واستعض عنها بالفاكهة.

2. كيف نحمي أنفسنا من مشاكل الأسنان والفم:

بالنسبة لشخص بالغ اكتمل نموه فلن يكون لقضم الطعام القاسي أثر كبير، بل يجب الحذر حتى لا تُكسر أسنانه أو تُؤذى لثته، وخصوصاً إن كان يعاني من مشاكل في أسنانه سابقاً.

تصبح عملية تنظيف الأسنان والاهتمام بها أولوية لشخص بالغ، كونها خط دفاعه الأول ضد المشاكل المختلفة. ولذا يجب تنظيف الأسنان مرتين لمدة دقيقتين يومياً.

عليك بزيارة طبيب الأسنان بشكل دوري، وعكس الاعتقاد الشائع بأن الزيارة يجب أن تكون سنوية فالزيارة يجب أن تحدث مرة كلّ 3 أعوام إلا إن كان الشخص يعاني من مشاكل معينة.

في هذه المرحلة أيضاً عليك تجنب السكريات، ولنكن صريحين فإن السكريات المصنعة مضرة على كافة الأصعدة ويفضلّ إزالتها من الحمية الغذائية ليس فقط من أجل صحة الفم.

3. كيف نحمي أنفسنا بعد سن الأربعين من مشاكل الأسنان والفم:

يجب الامتناع عن التدخين نهائياً بعد سن الأربعين، وكذلك التقليل من شرب الكحول، ويجب شرب الماء المُفلور، واستخدام معجون أسنان يحتوي على نسبة جيدة من الفلورايد.

إن كنت مصاباً بداء السكري، فعليك أن تولي اهتماماً إضافياً للثتك وأسنانك، كما تشير بعض الدراسات لوجود علاقة بين أمراض اللثة ومضاعفات تتعلق بمرض السكري.

تجنب جفاف الفم قدر الإمكان وخصوصاً ذاك الناتج عن تناول أدوية معينة، وإن كان لا مفر من تناول الأدوية التي تتسبب بذلك بإمكانك مضغ العلكة والحرص على شرب السوائل باستمرار.

بعد سنّ الأربعين، يجب زيارة طبيب الأسنان مرةً في السنة، حتى في حالة استخدام تركيبة الأسنان وعدم وجود أية أسنان حقيقية باقية.

مقالات إعلانية