in

لماذا يعطيك ركوب الدراجة إحساسا جيدا؟

الأشخاص الذين يقودون الدراجة

لطالما أشعَرني ركوب الدراجة بالسعادة، لا أستطيع تذكّر الكثير حول درّاجتي الأولى، بل أذكر الثانية، إذ حصلت على دراجة حمراء فضية برّاقة في أحد أعياد الميلاد، هذه الذكرى كانت البقعة الأشد إشراقا في طفولتي. كان الجو دائما مشمسا! أظن أن ما قلته للتو ليس صحيحا، إلا أنه يصعب على دماغي أن يثير ذكريات مريرة فيما يخص ركوب الدراجة.

حتى عند السقوط عن الدراجة، فإن الذكرى—وعلى الرغم من الألم اللحظي آنذاك—تتخللها سعادة غامرة؛ كالمرة التي كنت فيها نازلة من أعلى هضبة ورجلاي تستندان على عمود العجلة الخلفية كـ”سوبرمان“ إلى أن وقعت أرضاََ؛ تجعلني أبتسم عندما أتذكر كم كان إحساسي رائعا قبل السقوط. أو كالمرّة التي حاولت فيها إقحام عصا في عجلتي الأمامية خلال قيادتي للدراجة، لينتهي بي المطاف بعلق قدمي في أحد أجزاء العجلة والشقلبة على طول الطريق؛ تجعلني أضحك على المسافة التي اجتزتها.

كنت أقود الدراجة إلى الجامعة، واجتاز بالدراجة عددا لا يحصى من زحمات السير في مدينتي، كما استخدمتها لاستكشاف ورؤية المناظر في أغلب الرحلات. حتى أنني في رأس السنة الماضية، قدت الدراجة عبر الثلج في جبال إيطاليا.

كنت أقود الدراجة أيضا كل يوم عندما كنت حاملا، وعندما كان أولادي صغارا قدت بهم في عربة. الآن يقومون هم بقيادة دراجاتهم الخاصة.. قيادة الدراجة تجعل يومي دائما أفضل، ولكن مؤخرا بدأت أتسائل.. لماذا؟

ركوب الدراجة والشعور بالتوتّر:

الأشخاص الذين يقودون الدراجة

الجواب البديهي هو أن ركوب الدراجة يحسّن مزاجك كباقي التمارين الرياضية عن طريق ”تحفيز الدماغ لإفراز مواد كيميائية تشعرنا بالرضى“ حسب مؤسسة الصحة العقلية بالمملكة المتحدة. إذ قامت هذه المؤسسة بدراسة تظهر أن التمارين الجسدية تجعلك تشعر بسعادة أكبر، إضافة إلى أنها تجعل منك أكثر هدوءا وأكثر انتباها. التأثير الإيجابي لتلك التمارين يكون أكثر وضوحا إذا كان الشخص يشعر بالإحباط قبل ممارستها.

قامت مؤسسة الصحة العقلية بدراسة أخرى توضح أن التمارين الجسدية تقلّص من التوتر، وأن الأشخاص الذين يتمتعون بلياقة بدنية جيدة يتقلص شعورهم بالتوتر (44% من المشتركين)، وقالوا أن ممارسة التمارين قد زاد من ثقتهم بأنفسهم وقلّص من الإكتئاب والقلق، وكان فعّال أكثر من الأدوية المخصصة لعلاج ما تم ذكره سابقا، إضافة إلى أنه يخفض خطر الإصابة بالخرف.

من جهة أخرى بينت دراسة في مجلة هارفارد للأعمال إلى أن تقليص القلق الناتج عن ممارسة التمارين الرياضية يساعدك على موازنة حياتك المهنية، و بالتالي بجعلك منتِجا.

أما بالنسبة للأطفال، فقد أظهرت الدراسات التي قامت بها المملكة المتحدة لركوب الدراجة، أن الممارسات الرياضية تساعد الأطفال على الإنتباه أكثر في المدرسة، وأن هنالك علاقة إيجابية بين الممارسات الرياضية وإرتفاع الأداء والتحصيل الأكاديمي.

المصدر السابق أشار أيضا إلى أن ممارسة الرياضة تجعلك تشعر وتبدو بأنك أكثر شبابا وأطول عمرا.

ركوب الدراجة مقارنة مع تمارين آخرى:

ركوب الدراجة يفيدني لا محالة. لكنني أستفيد كذلك من الجري، لكن كيف يكون ركوب الدراجة أكثر فائدة لي من التمارين الأخرى؟

استعمال الدراجة في المدن الكبرى للتنقل؛ له عامل تأثير كبير. ثلثي سكان لندن يصنفون وسائل النقل على أنها أكثر عامل مسبب للتوتر فيما يخص العيش في العاصمة. ليس لدي أيّ توتر فيما يخص التنقل.

تعاونت مؤخرا علامة ”برومتون“ البريطانية للدراجات الهوائية مع ”الجمعية الخيرية للتعامل مع الضغوطات“، لتظهر أن الأشخاص الذين يقودون الدراجة للعمل هم أقل احتمالا للإصابة بالتوتر بنسبة 40% فيما يخص الساعة الأولى من العمل مقارنة بالأشخاص الذين يستقلّون وسائل النقل العمومية أو الشخصية للعمل.

 الأشخاص الذين يقودون الدراجة

وقد صرح ناطق بإسم ”برومتون“: ”غالبا ما يكون التنقل بالدراجة في المدن الكبرى أسرع من استعمال وسائل النقل العمومي، وليس هذا فقط، فراكبو الدراجات يتحكمون برحلتهم ويشعرون بهذا التحكم، وإلى جانب تخفيض كبير للتوتر“

قال لي سام جونز، منسق حملات ركوب دراجة المملكة المتحدة: ”إن كون ركوب الدراجة يُشعر الناس بالسعادة! ما عليك إلا أن تسألي شخصا اعتاد التنقل بالدراجة وسيقول لك بكل سرور كيف أن التنقل بالدارجة يشعرهم بالسعادة مقارنة مع أي وسيلة أخرى“. هذا صحيح، فإن ركوب الدراجة يجعل السكن بمدينة كبيرة ومثيرة للتوتر مثل لندن أمرا ممتعا!

كريس برادلي، طبيب نفسي مختص بالرياضة بجامعة لوفبوروف قال لي فائدة واضحة لركوب الدراجة والتي لا توجد في أي نشاط رياضي آخر كالذهاب إلى النادي الرياضي مثلا؛ وهو أنه نشاط نقوم به في الهواء الطلق. وأضاف: ”أظهرت الأبحاث أن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق تجعلنا أكثر سعادة كوننا نتواصل مع الطبيعة وأشعة الشمس، إضافة إلى كوننا نحصل على أكسجين أكثر، مما يحفز إنتاج العناصر الكيميائية المتصلة بالسعادة في الدماغ.“

ركوب الدراجة مثير، ليس كالسباحة أو الجري وذلك لعدم وجود حد للسرعة، لذا من الممكن اختبار إحساس التحرك بسرعة وهذا الإحساس قد يشكل إدمانا. كما يمكّن ركوب الدراجة من الشعور بالرضا، عند إتمام المسارات الوعرة.

ويضيف برادلي فائدة أخرى لركوب الدراجة قائلا: ”توفر قيادة الدراجة إلهاءا عن الحياة بصفة عامة، كونها توجب التركيز على الطريق، عكس الجري الذي قد يكون تكراريا، إذ عند قيادة الدراجة، عليك دائما أن تكون يقظا، في حال تغيير السرعة أو في حالة مواجهة الرياح، مما يلفت انتباهك عن التفكيير في الحياة العادية.“

التأثيرات الإيجابية لقيادة الدراجة على الجسم والعقل:

الأبحاث تشير إلى أن الحفاظ على لياقة الجسم أثناء الحمل يجعلك أقل عرضة لمواجهة مشاكل فيما يخص الفترة الأخيرة للحمل والإنجاب. وغالبا ينصح الأطباء بعدم ممارسة الرياضة التي قد ينتج عنها الوقوع، وبالتالي تأذي الجنين.

وجدت أن لركوب الدراجة في مرحلة الحمل التي ممرت بها فوائد جمّة، سواء بدنية كانت أو نفسية، وأن الإلهاء الذي يوفره ركوب الدراجة قد لعب دورا هاما في تلك المرحلة.

الصحافي سيمون أوزبورن كتب في ذي إنديبندنت: ”التركيز المطلوب لركوب الدراجة هو بحد ذاته دواء فعال!“ وأشار إلى دراسات تبين علاقة ركوب الدراجة بتحسن حالات مرض الباركينسون والإحباط، إضافة إلى صور تبين أن ركوب الدراجة يمكن حتى أن يغيير بنية الدماغ!

كما قد أثار سام جونز انتباهي إلى دراسة جارية في الولايات المتحدة الأمريكية حول علاقة ركوب الدراجة بمرض ألزهايمر، وإلى أن التقارير الأولية تشير إلى وجود علاقة بينهما.

فوائد قيادة الدراجة موثقة من زمن طويل، ولكن يبدو أنه يوجد الآن عدد كبير من الإثباتات التي تدعم هذه الفرضية، والتي يعرف ركاب الدراجات فطريا من أنها جيدة لعافية عقلنا.

خلاصة:

إن الأميال الـ16 التي قدتها بأرجاء مدينتي المكتضة كانت ببساطة من أكثر أجزاء يومي سعادة، كنت و لا زلت أحب إحساس قيادة الدراجة في محيط المدينة، كما أحب تلك التجربة والطريقة التي تجبرك على التركيز في تلك اللحظة.

وأنهي قولي بمقولة مؤيد الدراجات الإنجليزي ويلز: ”كل مرة أرى راشدا يقود دراجة، لا أقلق على الصحة النفسية للجنس البشري.“

مقالات إعلانية