in

لماذا يتسنى للمملكة المتحدة إرسال أربعة (4) منتخبات كاملة للمشاركة في البطولات الدولية لكرة القدم، بينما تحرم باقي الأمم من هذا الامتياز؟

المنتخبات البريطانية لكرة القدم

شاهدنا في الأسبوع المنصرم المنتخب الإنجليزي لكرة القدم وهو يلعب مباراته الأولى في بطولة كأس العالم للأمم المقامة حاليا في روسيا أمام نظيره التونسي، حيث تفوق رفاق (هاري كاين) بصعوبة في المباراة محرزين هدفين اثنين في شباك الحارس التونسي مقابل هدف يتيم أحرزه نسور قرطاج في مرمى إنجلترا، ومع هذه الصعوبة في التفوق التي يواجهها دائما المنتخب الإنجليزي لدى مشاركاته في جميع المسابقات الكروية الدولية يسأل المرء نفسه: ما الذي كان ليحدث لو أن لاعبا بحجم (غاريث بايل) الويلزي أو (دارين فليتشر) الإسكتلندي كانا يلعبان لصالح المنتخب الإنجليزي؟

لاشك في أن هذا كان ليمنح المنتخب الإنجليزي لكرة القدم دفعة نوعية في التقدم إلى الأدوار النهائية في المسابقات الدولية التي يشارك فيها، لكن وكما يعلم الجميع، فالدول المشكلة للمملكة المتحدة تملك كل واحدة منها على حدى منتخبا خاصا بها لرياضة كرة القدم ليمثلها على الصعيد الدولي، مما يستوقفنا عند تساؤلنا الثاني وهو: لماذا يتسنى لدول المملكة المتحدة أن تشارك كل واحدة على حدى بفريقها الخاص لكرة القدم في المسابقات الكروية الدولية، وتحرم باقي الأمم في العالم من هذا الامتياز ولا يمكنها المشاركة إلا بفريق واحد فقط؟

الجواب عزيزي القارئ هو لأن البريطانيين هم من اخترع رياضة كرة القدم الدولية؛ لعبت كل من إنجلترا وإسكتلندا أول مباراة بين فريقين دوليين في التاريخ في (غلاسغو) بإسكتلندا سنة 1872 أمام جمهور بلغ تعداده 4000 مشجع من كلا الجانبين، وبعد 12 سنة أطلقت الاتحاديات الوطنية لكرة القدم لكل من إنجلترا والويلز وإسكتلندا وإيرلندا ما عرف بـ”دوري البطولة الوطنية البريطانية“، التي ظلت تقام كل سنة على مدار قرن كامل.

في غضون ذلك، لم يتم تأسيس الاتحادية الدولية لكرة القدم الـ(فيفا) FIFA حتى سنة 1904، وبحلول زمن تأسيسها كانت الاتحاديات الوطنية لكرة القدم الخاصة بكل من إنجلترا وإسكتلندا والويلز وشمال إيرلندا تعتبر قوية جدا وذات نفوذ أكبر من أن يتم دمجها في اتحادية أو فدرالية واحدة.

كما لم يكن كذلك متوفرا معيار محدد يوضح ما يمكن تصنيفه كدولة بالنسبة لكرة القدم الدولية، ومن أجل أن يتم تأهيل فريق ما واعتباره مؤهلا ومخولا للمشاركة في البطولات والمسابقات الكروية الدولية، كان يتعين عليه الانضمام إلى كل من الـ(فيفا) واتحادية كرة القدم الجهوية الخاصة بمنطقته الجغرافية، مثل الكونفيدرالية الإفريقية لكرة القدم على سبيل المثال الـCAF التي تندرج تحت تنظيمها جميع المنتخبات الإفريقية، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم الـUEFA أو الـ(ويفا) الذي تندرج تحته جميع المنتخبات الأوروبية، بينما ينتمي منتخب الولايات المتحدة لكرة القدم إلى ما يعرف بـ”كونفيدرالية اتحاديات أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبية لكرة القدم“ أو الـCONCACAF -الـ(كونكاكاف)-.

تختلف متطلبات الأهلية للانضمام لهذه الاتحاديات الدولية وتتنوع حسب الاتحادية نفسها، لكن بمجرد انضمام فريق ما إلى واحدة منها ينال منحة سنوية تقدر بـ250 ألف دولار تقدمها له الـ(فيفا).

في هذا الصدد، تميل الـ(ويفا) أو ”الاتحاد الأوروبي لكرة القدم“ لأن تكون الأكثر صرامة وتوخيا للحذر فيما يتعلق بمن تسمح له بالانضمام إليها، على الرغم من أن الأمر لم يكن على هذه الحال منذ البداية، ففي تسعينات القرن الماضي قبل هذا الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بانضمام (جزر فارو) إليه، وهي ذلك الإقليم الهولندي ذو الحكم الذاتي الذي لا يتجاوز تعداد سكانه الخمسين ألف نسمة، وحجمه لا يتجاوز حجم مقاطعة تعليمية في الولايات المتحدة!

على خطى (جزر فارو) عزمت منطقة جبل الطارق على إنشاء منتخب كرة قدم يمثلها هي الأخرى وأرسلت طلبا بالانضمام لاتحاد الـ(ويفا)، لكن المفوضية الإسبانية في ذات الاتحادية رفضت هذا، فقد أبدت إسبانيا مخاوفا من تقلص حظوظها في استرجاع ملكية هذا الإقليم من المملكة المتحدة في حالة ما حظي بمنتخب كرة قدم خاص به، فقد ينضم مباشرة إلى منتخبات المملكة البريطانية وتذهب بذلك كل مساعي إسبانيا في استعادته مهب الريح.

كما خشيت إسبانيا كذلك أن تحذو حذوه كل من المناطق السبعة عشر الخاضعة لسيطرتها والمتمتعة بالحكم الذاتي، وتطالب هي الأخرى بالاستقلال ”الرياضي“ في كرة القدم، ومنه ستفقد إسبانيا نخبة من ألمع لاعبيها في رياضة كرة القدم، خاصة إذا انفصل الإقليم الكاتالوني عنها الذي يتضمن واحدا من أقوى فرق كرة القدم في العالم وهو فريق برشلونة.

رضخت الـ(ويفا) أو الاتحاد الأوروبي لكرة القدم للضغوطات الإسبانية ومررت قانونا يحدد الانضمام للاتحاد بشروط جديدة أهمها أن تكون الفريق خاصا بدولة معترف بها من طرف هيئة الأمم المتحدة، ومنه منعت قوانين الـ(ويفا) الصارمة الجديدة إقليم (كوسوفو) هو الآخر من أن يحظى بمنتخب خاص به يمثله في المسابقات الكروية الدولية.

يجدر التنويه هنا إلى أن كونفيدرالية اتحاديات كرة القدم في أمريكا الوسطى والشمالية ومنطقة الكاريبي -الـ(كونكاكاف)- لا تشترط أن يكون الفريق الراغب في الانضمام إليها معترفا به من طرف هيئة الأمم المتحدة، حيث تنشط ضمن هذا الاتحاد فرق على غرار (أروبا)، و(بيرمودا)، و(بويرتو ريكو)، وبعض الأقاليم الأخرى التي لا تحظى بعضوية الأمم المتحدة.

هذا ولا يعبر إقليم جبل الطارق وحيدا في مسعاه الانفصالي الرياضي الذي تعرض فيه للاضطهاد، ففي سنة 2006 أطلقت أربعة فرق كرة قدم بطولة كروية عرفت بـViva World Cup، وهي نوع من الاحتجاج على شكل بطولة كرة قدم خاصة بالمنتخبات الوطنية المضطهدة والمحرومة من الانضمام للـ(فيفا).

في نهاية المطاف أحرز فريق الـ(سابمي) لقب البطولة بهزيمته لفريق إمارة (موناكو) بنتيجة عريضة: 21 مقابل هدف وحيد، غير أن هذه البطولة أخذت في الاتساع والنمو منذ ذلك الحين من حيث عدد الفرق المشاركة وكذا الاعتراف الدولي والجماهيري، فبحلول سنة 2010 شارك فيها 16 فريقا وأحرز اللقب فريق تابع لإقليم انفصالي في شمال إيطاليا يعرف باسم (بادانيا)، الذي أحرز ذات اللقب لثلاث سنوات على التوالي، ومن الفرق التي أصبحت تشارك في هذه البطولة الدولية حاليا هو فريق إقليم كردستان.

ماذا فيما يتعلق بالمشاركة في الألعاب الأولمبية؟ هل تدمج الدول البريطانية منتخباتها لكرة القدم؟

لم يعد الأمر كذلك بعد الآن، حيث أصبحت اللجنة الأولمبية الدولية تعتبر المملكة المتحدة دولة واحدة لها الحق سوى في إرسال منتخب واحد يمثلها في الأولمبياد.

في القديم، وبالتحديد في أوائل القرن الماضي، كان البريطانيون يدمجون فرقهم في فريق واحد قوي يشارك في الألعاب الأولمبية ممثلا عنهم جميعا، وكان هذا قد ساعدهم على الفوز بالميداليات الذهبية في سنتي 1908 و1912، لكن بحلول منتصف القرن الماضي، أصبحت حكومات كل من الويلز وإسكتلندا وشمال إيرلندا متخوفة من أن تفقد استقلاليتها في كرة القدم من خلال دمج فرقها مع بعضها، ومنه انسحبت من المشاركة في الأولمبياد نهائيا، وعلى إثر ذلك لم تشارك المملكة المتحدة في كرة قدم الألعاب الأولمبية لأكثر من ثلاثين سنة كاملة.

لكن الدول نجحت في فك النزاع والخلاف وتوصلت لنوع من الحلول مؤخرا ومنه أعيد إحياء ”الفريق الأولمبي البريطاني“ لكرة القدم.

مقالات إعلانية