in

لماذا لم يلعب أسطورة كرة القدم العالمية (بيلي) لصالح فريق ريال مدريد على الرغم من العرض الضخم الذي قُدم له؟

كيف تستطيع منع ظاهرة رياضية نامية من مغادرة بلدك للّعب في ملاعب عالمية أخرى؟ الجواب هو بأن تقوم بإعلانها كنزاً وطنياً وجزءا من السيادة الوطنية بصورة قانونية.

اللاعب البرازيلي بيلي يؤدي الضربة المقصية في كأس العالم

في سنة 1977، تقاعد أعظم لاعب في تاريخ لعبة كرة القدم بعد أن حقق سجلا حافلا من الأهداف بلغ 1281 هدفاً طوال مسيرته الكروية، ووصل (بيلي) إلى مصاف الكبار وأصبح أيقونة عالمية في سن مبكرة جدا من حياته، لكن على خلاف زملائه في الميدان اليوم، حدّ هذا الساحر الكروي مسيرته المهنية في الملاعب البرازيلية فقط، ولم يلعب لصالح أي نادي كرة قدم أوروبي على الإطلاق.

سطع نجم (بيلي) على الصعيد الدولي خلال منافسة كأس العالم التي أقيمت سنة 1958 في السويد، حيث أحرز ثلاثة أهداف ضد المنتخب الفرنسي في الدور نصف النهائي، وأحرز هدفين ضد المنتخب السويدي في المباراة النهائية، ولم يكن يبلغ من العمر آنذاك سوى 17 سنة فقط.

كان (بيليه) يبلغ 17 عامًا خلال منافسات كأس العالم سنة 1958، وساعد البرازيل في الوصول إلى النهائيات، ثم فاز 5-2 أمام السويد ليتوج البرازيل كأبطال العالم لأول مرة على الإطلاق.
كان (بيليه) يبلغ 17 عامًا خلال منافسات كأس العالم سنة 1958، وساعد البرازيل في الوصول إلى النهائيات، ثم فاز 5-2 أمام السويد ليتوج البرازيل كأبطال العالم لأول مرة على الإطلاق.

كان أداء المنتخب البرازيلي في تلك الدورة ساحرا وجميلا، مما ألقى بظلاله على الخسارة الفظيعة التي مني بها المنتخب في مسابقة كأس العالم قبل ثمانية سنوات من ذلك التاريخ؛ في سنة 1950، حيث كان حوالي 200 ألف متفرج يشاهدون ما لم تصدق أعينهم بينما كان المنتخب البرازيلي الواعد يتقهقر على يد المنتخب الأوروغواياني بهدفين مقابل هدف في ملعب (ماراكانا) في (ريو دي جانيرو)، ومازال البرازيليون يتذكرون تلك المباراة حتى يومنا هذا على أنها (ماراكانزو) أو ”انفجار الماراكانا“.

على الصعيد المحلي، كان (بيلي) نجما ساطعاً مع نادي (سانتوس) لكرة القدم، وهو الفريق المحترف الذي انضم إليه عندما كان يبلغ من العمر 15 سنة، وبقي (بيلي) يلعب في صفوف نادي (سانتوس) لمدة 19 سنة كاملة حصد خلالها عشرة ألقاب في الدوري البرازيلي.

بالإضافة إلى كل ألقاب الدوري البرازيلي تلك التي فاز بها (بيلي)، كان يساعد في قيادة المنتخب البرازيلي لكرة القدم للفوز بعدة ألقاب دولية قارية، وثلاثة بطولات كأس العالم في سنة 1958 و1962 و1970.

كان (بيلي) لاعب كرة قدم كامل، حيث كان يتسم بكل من السرعة والقوة والتقنية والأداء العالي، بالإضافة إلى قدرته الكبيرة على توقع مجريات المباريات ووضعياتها، وكان قد بدأ مسيرته الكروية كمهاجم لكنه لاحقا تراجع ليشغل موقع صانع ألعاب، حيث ساهم إبداعه اللامتناهي في إشعال الملاعب طوال مسيرته.

على عكس المعتقد الشائع؛ لم يكن (بيلي) اللاعب الذي اخترع الضربة المقصية، بل كان اللاعب الذي أداها لأول مرة هو (ليونيداس دا سيلفا)، وهو نجم برازيلي آخر سطع في حقبة أبكر، الذي نال لقب هداف بطولة كأس العالم المقامة سنة 1938.

بعد أداء (بيلي) المبهر في كأس العالم سنة 1958، اتجهت أنظار كبار الأندية الأوروبية إلى ضمه إلى صفوفها، على غرار (ريال مدريد) في إسبانيا، و(يوفنتوس) و(إنتر ميلانو) في إيطاليا، و(مانشستر يونايتد) في إنجلترا. كان نجوم كرة القدم الآخرين على غرار (ديدي) و(فافا) قد وقعوا عقود انضمامهم إلى نوادي أوروبية، وبدأت مخاوف مغادرة (بيلي) البرازيل تسود الشارع البرازيلي وتؤرق ملايين المعجبين الذين يرون فيه قدوة.

عرضت عليه إدارة فريق (ريال مدريد) عرضا خياليا، كما عرض عليه (جيوفاني أنيلي) مالك نادي (يوفنتوس) الإيطالي وشركة السيارات (فيات) حصة في شركة السيارات مقابل انضمامه لناديه لكرة القدم، لكن في مزاوجة عجيبة بين كرة القدم والسياسة، قام الرئيس البرازيلي آنذاك، وهو (جانيو كوادروس) الذي كانت شعبيته بين أبناء بلده آخذة في التراجع، بتمرير عريضة على مجلس الشيوخ البرازلي من أجل إعلان أن (بيلي) كنز وطني، وهو ما وافق عليه أعضاء الكونغرس مما جعل من (بيلي) رمزا من رموز السيادة الوطنية البرازيلية التي لا يجب أن تطالها يد أجنبية لمدة عشرة سنوات على الأقل، مما حرمه من أية فرصة في الانتقال إلى أي ناد آخر خارج البرازيل.

غير أن (بيلي) كان قد كوفئ بسخاء منذ ذلك اليوم، حيث ظل أعلى اللاعبين أجراً في العالم، كما كان يسافر كثيرا، وأصبح أفضل هداف في تاريخ بلده في جميع المناسبات الودية والمنافسات الرسمية.

في مباراة ودية سنة 1967 في نيجيريا التي كانت تنخرها الحرب الأهلية، أعلنت الجبهات المتناحرة فيها عن هدنة ووقف لإطلاق النار لمدة 48 ساعة حتى يتسنى لجميعهم مشاهدة الساحر وهو يداعب الكرة مع أعضاء فريقه.

(بيلي) سنة 1975.
(بيلي) سنة 1975.

خرج (بيلي) في سنة 1975 من تقاعده الذي لم يدم طويلاً ليلعب لصالح فريق (نيويورك كوسموس)، وليساعد في بناء قاعدة شعبية لهذه ”اللعبة الجميلة“ مثلما كان يسميها دائما.

أعلن (بيلي) أخيرا عن اعتزاله اللعب في المستطيل الأخضر في الفاتح من أكتوبر سنة 1977 في ملعب (جاينتس) المكتض بالجماهير في مدينة (نيوجيرسي) الأمريكية، وكان يلعب في مباراته الاعتزالية بألوان فريق (كوسموس)، لكنه قام بتغيير الفريق بين الشوطين ليلعب مع صفوف الفريق الخصم وهو فريق (سانتوس) الذي أطلق منه مسيرته الكروية، وكان ذلك خروجاً أسطورياً للاعب أسطوري.

مقالات إعلانية