in

لماذا يقوم بعض الأشخاص برفض الحقائق العلمية والتحيز لأفكارهم الخاصة؟ إليكم ما توصل إليه الباحثون

نيل دغراس تايسون
صورة من تصميم موقع Th Einertia

ظهرت في عام 2016 الكثير من الأحداث الثقافية والعلمية، لكن واحد من أكبر التحولات الثقافية كان ظهور الأخبار المزيفة والتي لا تستند إلى أيّ أدلة (كالإدعاء مثلاً بأن الأرض مسطحة)، وفي الكثير من الأحيان كانت تلك الأخبار تنشر على أنها حقيقة، مثلها مثل النتائج المدعمة بالأدلة والمتفق عليها من قبل الباحثين (كحقيقة أن التغير المناخي يحدث).

أطلق الباحثون على هذا التوجه الجديد اسم ”الحركة المعادية للثقافة“، وسط جو من الإحباط وتواجد للعديد من الاتهامات حول أسباب ظهور هذه الحركة.

التحيز الفكري

لمعرفة سبب ظهور هذا التوجه، تمكن فريق من علماء النفس من التوصل إلى بعض العوامل الرئيسية التي قد تدفع الناس لرفض العلم والحقائق العلمية. والجدير بالذكر هنا هو أن تلك العوامل لا تتعلق بمستوى تعليم أو ذكاء الأفراد.

وجد الباحثون بأن الأشخاص الذين يرفضون الحقائق المتفق عليها علمياً – كتغّير المناخ وسلامة اللقاح ونظرية التطور –  هم ذاتهم على صلة جيدة مع العلوم، بل ويتمتعون بثقافة عالية. ولكن عندما يتعلق الأمر بالحقائق يميل أولئك الأشخاص للتفكير كالمحامين لا كالعلماء؛ ما يعني بأنهم يقومون بانتقاء الدراسات والحقائق التي تؤكد أن ما يؤمنون به صحيحاً.

فعلى سبيل المثال؛ عندما يرفض أحدهم التصديق بأن البشر هم المتسبب الأول للاحتباس الحراري، فإنه يرفض بذات الوقت المئات من الدراسات التي تدعم هذا الاستنتاج، إلا أنه قد يؤيد دراسة واحدة تلقي بعضاً من الشك على هذه الحقيقة وبالتالي تتفق معه. هذا ما يعرف بـ”التحيز الفكري“.

الارض المسطحة

ويقول الباحث Troy Campbell من جامعة Oregon معلقاً: ”لقد وجدنا بأن الأشخاص يهربون من مواجهة الحقائق المثبتة علمياً لحماية معتقداتهم بما فيها الدينية والسياسية، وحتى قناعاتهم الشخصية سواء كانت جيدة أم لا، حتى في اختيار أبسط الأشياء“. ويضيف:

استندت هذه الاستنتاجات إلى العديد من المقابلات الجديدة والتحليلات المدققة التي نشرها الباحثون حول هذا الموضوع، وقدمت في حلقة دراسية كجزء من المؤتمر السنوي لجمعية علم النفس الاجتماعي والشخصية المقام في سان أنتونيو في تكساس. الهدف من كل الاستنتاجات السابقة كان معرفة الأشياء الخاطئة التي تحدث في التواصل العلمي في عام 2017 وكيفية إصلاحها.

البحث المفصل حول هذا الموضوع لم ينشر بعد، ما يعني أنه لايزال ليس مقنعاً بشكل كافٍ، لكن النتائج الأولية تشير إلى أن التركيز على الحقائق والدلائل ليس كافياً لتغيير عقلية شخص ما حول موضوع معين، وذلك لأن ذلك الشخص يمتلك غالباً ’حقائقه‘ الخاصة التي سيتذرع بها.

”فعلى سبيل المثال، عند نشوء خلافات حول المخاطر التي تهدد المجتمع البشري – كالتغيرات المناخية وأمن الطاقة النووية وفعالية قوانين التحكم بالأسلحة – فإن طرفي الخلاف في هذا النزاع يرتدون عباءة العلم، ويقوم كل طرف منهم بتقديم حجج علمية تتفق معه وتثبت صحة رأيه وتنفي صحة حقائق الطرف الآخر“ يعلق الباحث Dan Kahan من جامعة Yale.

ولتخطي هذه العقبة يوصي الباحثون بالنظر بدايةً إلى جذور مشكلة عدم تقبل الناس للإجماع العلمي، وذلك لإيجاد أرضية مشتركة لطرح أفكار جديدة.

من أين يأتي هذا الإنكار للعلم؟

وجد الباحثون بأن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن في ربط الناس للاستنتاجات العلمية بانتماءاتهم السياسية والاجتماعية، وأظهرت دراسة جديدة أجريت من قبل الباحث Kahan بأن الأشخاص يقومون بانتقاء الحقائق بتحيز عاطفي يتناسب مع آرائهم وانتماءاتهم عندما يتعلق الأمر بالعلم.

أما في الماضي فقد كان الأمر مختلفا، حيث لم يكن هناك مشكلة كبيرة في الاجماع على الحقائق، وذلك لأن الاستنتاجات العلمية كانت غالباً ما تُختار مسبقاً من قبل القادة السياسيين والثقافيين، وتُدعم وتعمم على أنها حقائق علمية تصب في مصلحة مجتمعاتهم.

أما الآن فقد تحولت الحقائق العلمية لأسلحة في أيدي القادة المختلفين بهدف الصراع على السيادة الثقافية، وإن الاستخدام الخاطئ لتلك ”الأسلحة“ قد يؤدي إلى نشوء ”بيئة تواصلية علمية ملوثة“ على حد تعبير الباحث Kahan.

كيف يمكن إصلاح المشكلة؟

يقول الباحث Matthew Hornsey من جامعةكوينزلاند في استراليا: ”بدلاً من مواجهة المواقف السطحية للأشخاص بشكل مباشر؛ يجب إحاكة الرسالة المراد إيصالها بطريقة تتناسب مع دوافع أولئك الأشخاص“ ويتابع: ”فمثلاً عندما يتعلق الأمر بالأشخاص المشككين في مشكلة التغير المناخي، يمكنك بدايةً إيجاد نقطة يُجمع أولئك الأشخاص على صحتها، بعد ذلك قم بإيصال رسالتك حول مشكلة التغير المناخي بما يتناسب مع النقطة التي حددتها مسبقاً“.

مازال الباحثون مستمرون في عملية جمع البيانات اللازمة لنشر النتائج التي توصلوا إليها، حيث قاموا بعرض بحوثهم على المجتمع العلمي لتعميمها ومناقشتها بشكل أكبر.

أوضح الباحث Hornsey لصحيفة LA Times بأن ”مواصلة تجاهل ’الحركة المعادية للثقافة‘ قد يحمل مخاطر كثيرة، فانتشار الحركات المعادية للتلقيح يودي بحياة الكثير من الأشخاص، والشك بمشكلة تغير المناخ يبطئ الاستجابة العالمية للحد من أكبر خطر بيئي واجتماعي واقتصادي في وقتنا الحالي.“ ويضيف: ”لقد نشأنا في عصر من المفترض أن تكون فيه الأسباب والأدلة هي الطريق الوحيد لفهم قضايا مهمة؛ وليس الخوف والمصالح والتقاليد والاعتقادات. لكن ظهور حركات التشكيك في التغير المناخي، ومعارضة استخدام اللقاح ضد الأمراض جعلنا نلاحظ بأن القيم الثقافية والعلمية معرضة بأيّ لحظة للإنهيار“.

مقالات إعلانية