in

ما هي حكاية هذا التمثال المخيف والمحبوب في الوقت نفسه؟

تمثال لأحد أتباع الاله (ديونيسوس) يرتدي قناع مسرح لـ(سيلينوس) يعود تاريخه إلى القرن الأول، نحاته مجهول

يُعتبر هذا التمثال واحدا من أكثر المنحوتات غموضاً في معهد الفن التابع لمدينة شيكاغو يصل طوله إلى ستين سنتيمتر تقريباً، ويبدو هذا العمل المصنوع من الرخام العريق على شكل رأسٍ كبير لرجل ملتحٍ يخفي تحته الجزء العلوي لجسم عارٍ، ويملك هذا الوجه العملاق عيونًا مجوفة وفمًا مفتوحا تخرج من خلال تجويفه يدٌ صغيرة كما لو أنها كانت تلوِّح أو تحاول فقط أن تلمس المكان المحيط بها.

يعود تاريخه إلى القرن الأول ميلادي، وقد تم التنقيب عن هذا العمل في أوائل القرن السادس عشر ميلادي حيث تم العثور عليه في أرض فيلا خاصة بنيت فوق موقع كان قديما عبارة عن حدائق تسلية في عهد الرومان.

إنه كنز من كنوز مدينة شيكاغو، وواحد من المنحوتات المفضلة لرواد متحف المدينة… ولكن ما معنى هذا التمثال الغريب؟

تمثال لأحد أتباع الاله (ديونيسوس) يرتدي قناع مسرح لـ(سيلينوس) يعود تاريخه إلى القرن الأول، نحاته مجهول، مع ترميم من قبل أليساندرو ألجاردي - معهد الفن في شيكاغو.
تمثال لأحد أتباع الاله (ديونيسوس) يرتدي قناع مسرح لـ(سيلينوس) يعود تاريخه إلى القرن الأول، نحاته مجهول، مع ترميم من قبل أليساندرو ألجاردي – صورة: Sotheby’s

إنه حقا تمثال غريب، فقد يبدو لنا للوهلة الأولى وكأنه كائن شرس أو ربما نسخة منقوشة من وحش أخذت مواصفاته من أساطير العصور الوسطى، لكن عند النظر إليه عن قرب نكتشف تعابيراً أكثر لطفاً كتلك الإبتسامة الخفيفة الموجودة أسفل جفن العين، ونلاحظ أيضا أن هذا الوجه الكبير في الحقيقة هو جزء منفصل عن التمثال الذي يقوم بحمله بواسطة يده اليسرى.

أُطلق على التمثال اسم يشبه معناه: ”تمثال (ساتير) [وهم أتباع الإله (ديونيسوس) الذين يملكون جزءا من أجسامهم على شكل إنسان والجزء الآخر يأتي على شكل حيوان] يرتدي قناعًا مسرحياً لـ(سيلينوس) [(سيلينوس) هو مرافق ومساعد الإله (ديونيسوس)، إله المرح والروح المعنوية العالية والمشاعر القوية والنبيذ، كما كان مرتبطاً بالدراما والمسرح عند الإغريق].

وبسبب مظهره الغريب، ظل التمثال أحد الأعمال الفنية المفضلة لزوار المتحف. تقول (كلير فون) وهي صحفية وكاتبة زارت المتحف: ”إن هذا التمثال واحد من أكثر الأعمال الفنية المفضلة لدي، وأنا أعلم أنني لست الوحيدة، فمن حين لآخر تظهر صورته على حسابات شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بي“، وتضيف قائلة: ”على الرغم من أن التعليقات على صور هذا العمل الفني تكون مختلفة بين المعجب به والذي يستنفر منه تماما، خاصة عندما لا يتم التعريف به أو ذكر عنوانه، إلا أنني أعتبره رائعاً“. يقول مستخدم انستغرام @kezinc: ”إن هذا النحت رائع للغاية وله أثره الخاص“، وعلى تويتر عبّر kygrlinillinois قائلاً: ”هذا الشيء يجعلني أرى الكوابيس“.

تقول (كلير): ”من الواضح أن هذا الشيء يثير الكثير من الجدل وتبدو الآراء حوله غير مستقرة، لهذا أردت معرفة المزيد عن تاريخه ومعناه لذلك تواصلت مع (كارين مانشيستر) وهي رئيسة وراعية الفن العتيق بقسم الفنون القديمة والبيزنطية في المعهد الأمريكي للحفاض على الأعمال الفنية والتاريخية، وقد ساعدتني بالإجابة على بعض الأسئلة التي لابد أن تطرأ على بال أي أحد يشاهد هذا العمل.

سؤال: ما الذي يحدث بالضبط مع هذا التمثال… لماذا يدخل هذا النحت يده من خلال تجويف فم ذلك القناع العملاق؟

كان (الساتير) من أتباع (ديونيسوس) إله النبيذ والمسرح القديم الدائمين، لذا ليس من المستغرب أن نجد واحدا منهم يلعب بقناع مسرحي والذي يمثل هنا مساعد (ديونيسوس) ومرافقه المسمى (سيلينوس).

في أعمال فنية قديمة أخرى مثل صور الإغاثة للاله (ديونيسوس) المنحوتة في مشاهد عديدة من أعمال مختلفة نلاحظ فيها أحيانًا وجود تكوينًا مشابهًا لعملنا الفني هذا، حيث يقوم فيه أحد (الساتير) بادخال يده عبر فتحة الفم الموجودة في قناع مسرحي ممازحا زميله الذي يجلس في مكان مقابل. ربما تكون قصة هذين الزميلين أن أحدهما كان رفيقاً للآخر في يوم من الأيام لكن الاثنين انفصلا في وقت ما.

هذا النحت له قدم إنسان ومعظم جذعه مخفي كيف نعرف أن هذا حقا أحد (الساتير)؟

سؤال ممتاز، كان (الساتير) يملكون جزءا بشريا وآخر حيوانيا، قد نعتقد للوهلة الأولى أن هذا الجسم الذي يرتدي القناع يعود إلى طفل صغير ممتلئ البنية، إلا أننا إذا أمعنا النظر فيه سنلاحظ خصلة الصغيرة من ذيل تخرج من أسفل ظهره تشير بوضوح إلى أنه بالتأكيد كان واحدا من (الساتير).

صورة خلفية لتمثال لأحد أتباع الاله (ديونيسوس) يرتدي قناع مسرح لـ(سيلينوس) يعود تاريخه إلى القرن الأول
صورة خلفية لتمثال لأحد أتباع الاله (ديونيسوس) يرتدي قناع مسرح لـ(سيلينوس) يعود تاريخه إلى القرن الأول – صورة: Sotheby’s

هل نعلم من هو نحات هذا العمل الحقيقي؟

كان من غير المألوف أن يقوم النحاتون القدماء بحفر أسمائهم على أعمالهم لذلك نحن نجهل النحات الحقيقي الذي قام بهذا العمل الرائع.

نلاحظ أن بعض المناطق في التمثال تبدو أكثر بياضاً عن غيرها وهذا نتيجة لترميمات تم إجراؤها في أوائل القرن السابع عشر على يد النحات الايطالي الشهير (أليساندرو ألجاردي).

هل نعرف من مالك هذا التمثال وأين كان يعرض في الأصل؟

في الحقيقة لا يمكننا الإجابة عن السؤالين نهائياً. تخبرنا الجودة العالية للمادة التي صنع منها وطريقة النحت البارعة بأن مالكه الأصلي كان شخصًا لديه الموارد والقدرة لتوظيف نحات رئيسي وبارع لينتج قطعة كهذه.

بالنسبة إلى المكان الذي كانت تعرض فيه في الأصل، فإننا نتكهن – ولكننا لا نعرف – أن تماثيل بهذا المقياس تم عرضها على قواعد أو طاولات سمحت للمشاهدين بالمشي ورؤيتها على طول الطريق من حولهم.

هل نحن معتادين على رؤية أعمال فنية مشابهة تعود لنفس الفترة، أم أن هذا عمل فني فريد نسبيًا؟

هذا هو التمثيل ثلاثي الأبعاد المنحوت الوحيد للموضوع والذي يعود تاريخه إلى العصور القديمة لذا من المؤكد بأنه قطعة فنية فريدة من نوعها. ولكن نشير إلى أن هناك تشابه كبير بينه وبين بعض النقوشات الموجودة في نفس المتحف والتي هي من عمل الفنان (بيار بيارد) في عام 1629، حيث تظهر فيها مقصوصة صغيرة في الزاوية السفلية على اليمين تحتوي صورا لثلاثة أولاد صغار يحمل فيها الطفل على اليسار قناعاً مماثلاً (وإن كان مقلوباً) ويضعه على وجهه، وينحني بشكل مماثل لتمثالنا نحو شاب يجلس على ظهر صبي آخر.

عمل للفنان (بيار بيارد) 1629، في متحف الفن مدينة شيكاغو
عمل للفنان (بيار بيارد) 1629، في متحف الفن مدينة شيكاغو – صورة: artres.com

تقول (كلير): ”أنا أميل إلى الاعتقاد بأن الفنان (بيار بيارد) قد استوحى فكرته هذه من عمل فني قديم رآه. في الواقع ليس من الغريب بالنسبة لي أن أرى فنانين تشكيليين يقومون بمشاهدة ثم رسم منحوتات وضعت في المعرض“.

بالحديث عن المعرض، ما سبب وضع هذا التمثال في مكانه البارز؟

تمثالا (الساتير) والإله (ديونيسوس) الموجودان في متحف الفن مدينة شيكاغو
تمثالا (الساتير) والإله (ديونيسوس) الموجودان في متحف الفن مدينة شيكاغو

كان القرار لعرض التمثال في موقعه الحالي متعدد الأسباب. أولاً كل الأعمال الفنية في هذا الجزء من المعرض تصور أتباع الإله (ديونيسوس) والذي تم تمثيله في نحتٍ نرويجي نادر وضع في وسط فضاء العرض، لذلك هناك اتصال موضوعي بين تمثالنا الصغير والمنحوتات الأخرى.

تم اختيار هذا المكان المحدد لعرض هذا النحت غير العادي في محاولة لجذب انتباه الزوار الذين يدخلون هذه المنطقة من المعرض ويتجهون نحو الجناح الحديث على أمل أن يجذب انتباههم، ويدعهم يطرحون على أنفسهم نفس الأسئلة التي أجبنا عليها في هذا المقال.

مقالات إعلانية