in

إلى الشمس

الى الشمس

من هو صديقك الحقيقي؟ كتابك المفضل؟ حلمك؟.. لحنك؟ …لاجواب!

قلمك الحارّ يغزل العمر شمساً.. لكن بصمتٍ ومداراة؟!

أترقص في الظلمة والسكون؟ ثم تغير ألوانك وتخفيها؟

تغني بخجل… لا تشتم القاتل ولا المقتول؟

أهلاً بك في نادي اللامرئيّين.

أردت دوماً أن أخرج من بيتنا صباحاً، أن أمضي بلا خجلٍ إلى حبي وأحلامي.. لكن عضويتي في هذا النادي حتّمت عليّ التماهي مع اللاوجود! طالما يعني وجودي الظّلم والإكراه! بل وأبسط من ذلك..

أردت أن أغنّي أغاني الثورة لأنتشي لا لأن أثور! لأن أغازل الحريّة لأنني سجين نفسي قبل أن أكون سجين الواقع.

أردت أن أكون وبكل عفوية إنسانا، مجردا من كل الألوان والأحاسيس والأفعال والألقاب والأسماء الموروثة؛ عارياً، نقيا، إلها لطيفا يوزع الشطائر في أوقات الفراغ،

ولكن..

ولكن خوفي كان على الدوام من أن يُساء فهمي، من أن تفسر أحلامي هجوماً لا ضعفاً، فهي الضّعف المطلق في هذا الكون!

أريد مشاركة ضعفي مع الجميع، أن أقسم الرغيف إلى النهاية…فأنا في عالمي الصغير لا أحد وكل الناس أيضاً.

جميع كلماتي المعقدة ومفاهيمي المغلوطة اخترتها وانتقيتها بعناية.. أعي كل ما فيها من داكنٍ وزاهٍ.. لأن اللامرئيّين هم من يصنعون الفراغ…

جميع البشر يسكنون الأرض أما اللامرئيون معلّقون في الفراغ في الكلام والنغم.. هم كل الهدوء.. بلا ريح أو عاصفة.

حتى أن..

حتى أن حاصرتني خيالاتي وأشباحي المبتكرة، يومها.. استيقظت – ومن أنا؟ – أبحث عني.. هل أضعتني؟ أم أن الحلم دام دوام الأفول؟ أجول في غرفتي، أبحث عن مرآة، عن جوربٍ، عن أي شيءٍ يهديني إلى كينونتي!

تحيط الجمادات بي، تلك التي تتكدس حتى الأبد، أراها جميعاً ولكن لا أراني،

حاولت قرص نفسي – كما يقال – لأتحقق من ذلك.

كل الأقاويل لا تنفع!

حاولت فتح الباب، لم أقدر!

هل أنا سجين؟ سجينٌ وغير مرئيٍّ.

هل نضجت لامرئيّتي الآن؟!

بقيت أراوح الفراغ في الفراغ فعلَّني أتخيل كالعادة، كما أمضيت القسم الأكبر من طفولتي وحتى الآن!

الشيء الوحيد الذي يشغلني – ياللغرابة! – هو لون عينيّ.

تذكّرت أحد أساتذتي الذي قال لنا مرة: ”إنكم تحملون طائفتكم كما ألوان أعينكم حتى الممات“.

أنا الآن غير مرئيّ على الأغلب، فلا لون لي ولا لعينيّ، فهل أخسر أخيراً ما قد حُمِّلت به؟

وأنا كتلةٌ من الأفكار المبعثرة في فراغ الغرفة، بدأت أعدّ الخرافات التي كبحتني ومنعتني عما أريد وأبتغي، تذكرت ديكتاتوريّة الواقع..

فهل لا مرئيتيّ الآن تبرر لي التجربة؟

أن أغني وأرقص بلا نسقٍ فقط للألحان والسكارى.. أن أمشي و أمشي فقط حاملاً الفراغ الذي كنته يوما.

كم كان وجودي خجولاً، خائفاً، متكبّراً؟

لا حرف ولا نظرة، جميع ألواني الحقيقية باتت فاهية وتماهت مع هويّتي اللامرئيّة.. بائتةً رغم حداثة السّن.. ميّتةً رغم فورانها الدّائم.

فأنا كغيري ممّن يولدون وقد تملّكهم الخوف؛ الخوف من الكلام والأحلام، من الهمس واللمس، من كل الأنوار، الخوف حتى من الذوبان، حتى تنصهر كل الصرخات المكبوتة، حتى أتلاشى كالغبار… كأني لم أوجد قط.

وها قد قرّرت النّهوض!

رميت جميع أسمالي، جميع الكتب والأوراق، رميت الخوف من النافذة وخرجت؛ نعم خرجت من الباب بعد كل مخاوفي، وقررت أن أرسم الطريق إلى الفراغ… أن ألوّن عالمي بكل الألوان بكل ريشةٍ ويد.

فاصطدمت..

اصطدمت بكل القصائد، اصطدمت بذاتي أولاً قبل كل شيء، فالعالم الكبير يعجّ بالاستثناءات، وأنا سليل الفراغ حيث لاتعاطي بالقواعد والاستثناءات.

وبدأت نهاري الأولّ بفنجانٍ من القهوة التي لم يغريني فيها شيءٌ سوى رائحتها، مضيت مضيت بعشوائيّتي وهوسي.

وبدأت ألقى المجانين في هذا الكون… أولئك الذين تجاوزوا العمى، وتوحّدوا مع الخوف إلى حدّ المنافسة.

وهزموه بالوجود.. بالخروج إلى الضّوء الأول.

إلى الشّمس.

مقالات إعلانية