in

تعرف على قصة إخفاء الكثير من صناديق المشروبات الكحولية في منزل أهم شخصية دينية في المملكة السعودية

تلك قصة أكثر عملية تهريب وإخفاء للخمور جرأة في تاريخ المملكة العربية السعودية.

الرياض المملكة السعودية

في المملكة العربية السعودية؛ تطبق قوانين الشريعة الإسلامية بحذافيرها ولا مجال للالتفاف حولها، مما يعني بالطبع أن استهلاك المشروبات الكحولية والاتجار بها محرم وممنوع ويعرض صاحبه لعقوبات كبيرة، وتماما مثل أي مادة ممنوعة في العالم، يعني هذا التحريم في نفس الوقت أن البعض قد يعمد إلى استهلاكها خلف الأبواب الموصدة وحيث لا تراهم الأعين، وفي المملكة العربية السعودية، تجد المشروبات الكحولية طريقها لكل من هو مستعد لدفع ثمنها الذي هو باهض بحق مقارنة حتى بالدول المجاورة لها.

وتماما مثل أي دولة أو كيان يمنع استهلاك المواد ذات الشعبية، تعج المملكة العربية السعودية بمهربي الكحول ومروّجيه الذين يستفيدون كثيراً من ندرة المادة وارتفاع الطلب عليها ليبلغ مستويات خيالية. فبالنسبة لبلد مجردُ استهلاك الكحول فيه يعرض صاحبه لعقوبة السجن والجلد العلني الجالب للخزي، أين قد يعمد أذكى المهربين في إخفاء مخزونهم من الخمور المهربة بعيدا عن الأعين المتلصصة لرجال الدين والسلطات؟

في مقالنا هذا سنتناول قصة مجموعة من المهربين ذهبت بهم جرأتهم أن قاموا بإخفاء مخزونهم من المشروبات الكحولية المهرّبة تحت أنف أهم شخصية دينية وقانونية في المملكة، تابعوا معنا القراءة أعزائي القراء لتعرفوا تفاصيل الحكاية.

وفقاً لرسالة بعث بها السير (ويلي موريس)، وهو السفير البريطاني في المملكة العربية السعودية في سنة 1970، كان هذا تماما ما قامت به عصابة لمهربي المشروبات الكحولية في السعودية.

ختام رسالة سنة 1970 من السير (ويلي موريس) السفير البريطاني في المملكة السعودية التي تتعلق بتهريب الكحول. الأرشيفات الوطنية.
ختام رسالة سنة 1970 من السير (ويلي موريس) السفير البريطاني في المملكة السعودية التي تتعلق بتهريب الكحول. الأرشيفات الوطنية.

كان الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم كبير هيئة الإفتاء السعودية ورئيسها، وكان هذا يعني أنه كان يمثل أعلى سلطة دينية في البلد التي توعز لها مهمة إصدار الفتاوي المتعلقة بجميع المشاكل القانونية والاجتماعية، بما في ذلك استهلاك الكحول وغيره من المواد المحظورة.

كان محمد بن إبراهيم من أحفاد محمد بن عبد الوهاب، رجل الدين من القرن الثامن عشر الذي ساعد على هيكلة المملكة العربية السعودية الحديثة، وقد كان بعيدا كل البعد عن كونه مجرد شخصية مشهورة عند موته في سنة 1969 عن سن ناهز الثمانين سنة، وهذا على حد مزاعم رسالة (موريس)، والسبب في ذلك يعود جزئياً إلى حكمه الديني المحافظ، لكن السبب الأكبر كان لتعسفه في استخدام السلطة والنفوذ، والتي تضمنت حمل الملك على رفع القيود عن تأجير الملكيات العقارية حتى يحقق ثروة أكبر من خلال تأجير ملكياته العقارية، التي قالوا عنها أن أقل ما قد توصف به هو أنها كثيرة وشاسعة المساحة.

كتب السفير (موريس) في رسالته بعد وفاة بن إبراهيم: ”لربما لم يكن على نفس قدر السوء الذي اشتهر به، لكنه كان بكل تأكيد شخصا شديد التعصب وقاسياً جداً ورجعيا“، واستطرد قائلا: ”أشك في أن الكثير من الناس يتذكرونه في صلواتهم اليوم“، كما نشك نحن أيضا أنهم كانوا يتذكرونه في نخبهم الذي يرفعونه كذلك.

بعد فترة وجيزة من وفاة هذا المفتي الجائر، عانت الرياض من نقص حاد في كمية الخمور، وتماما مثلما قد يتوقعه أي أحد على معرفة بسيطة بقوانين الاقتصاد، فمع انخفاض العرض يرتفع الطلب ومنه السعر، لذا ارتفع سعر المشروبات الكحولية تباعاً وصارت علبة شراب ويسكي تكلّف ضعف سعرها الأصلي، فارتفع من 700 ريال سعودي ليصل إلى 1500 ريال –أي من حوالي 400 دولار أمريكي إلى 2500 دولار–، وحتى بهذا السعر؛ أضاف (موريس) أن: ”الحصول عليه كان مستحيلا تقريبا“.

كان هذان الحدثان السابقان: موت كبير هيئة الإفتاء السعودية وندرة المشروبات الكحولية وارتفاع أسعارها لتبلغ مستويات خيالية، على علاقة بكل تأكيد، فوفقا لأحد كبار التجار في جدة الذين أتى على ذكرهم (موريس) في رسالته تلك، فإن إحدى عصابات التهريب كانت تستخدم منزل بن إبراهيم من أجل تخزبن منتوجها من المشروبات الكحولية المهرّبة، وذلك لأنه كان قد أصابه العمى في آخر سنوات حياته، ومنه لم يعد يدري ما يوجد في أي صندوق يتعثر عليه أثناء مشيه في المنزل.

ومن كان ليبحث عن المشروبات الكحولية المهرّبة داخل منزل أكثر شخصية دينية مهمة في البلد، والرجل الأول الذي يأمر بمعاقبة الفاعلين بذلك؟

طريق الملك فهد في المملكة العربية السعودية.
طريق الملك فهد في المملكة العربية السعودية.

غير أن مخططات عصابة التهريب تعثّرت كثيراً عندما توفي بن إبراهيم، حيث تم إغلاق منزله تماما وتم وضع ملكيته العقارية تحت تصرف الشخص المسؤول عن توزيع تركته وتنفيذ وصيته، وإلى جانب أغراضه الشخصية؛ احتُجز حوالي 180 صندوقاً من المشروبات الكحولية داخل منزله بينما ”تصبب مالكوها عرقاً وكاد المسلمون وغير المسلمين سواءً يهلكون عطشاً لقطرة كحول تروي ظمأهم في تلك الأرض الجافة“ على حد تعبير (موريس) الذي جاء في رسالته.

من الصعب التأكيد على صحة أية تفاصيل حول قصة هذه المجموعة الانتهازية من مهربي المشروبات الكحولية، أو أن القصة برمتها كانت صحيحة أم مجرد شائعات وأساطير محلية، لكن على مر تاريخ المملكة العربية السعودية المعاصر، حامت الكثير من القصص حول كل تلك الطرائق المختلفة التي حاول وفقا لها الناس الالتفاف حول القوانين الصارمة للبلد التي تمنع بيع وتناول الكحول.

ابتداء من سنة 2015، بدأ مسؤولو الجمارك في السعودية إيعاز مهام نشر وفضح بعض أكثر المحاولات الفاشلة والمبدعة في تهريب الكحول داخل البلد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت قصة إلقاء القبض على رجل قام بإلصاق 14 قنينة من ”الخمر“ حول ساقيه والتي أخفاها تحت قميصه العريض، في محاولة منه لتهريب كل تلك الكمية إلى داخل الأراضي السعودية عبر معبر الملك فهد، الذي يربط المملكة العربية السعودية والبحرين.

في محاولة أخرى أكثر إبداعا في تهريب الخمور –على الرغم من أنها كانت هي الأخرى فاشلة– قام المهربون بلف 48 ألف قنينة بيرة من علامة (هاينيكن) بغلافات مشروب (بيبسي) لمحاولة تمويهها وتمريرها عبر الجمارك على أنها مشروبات غازية عادية وليست روحانية، والتي تسببت في إحباطها رداءة نوعية العمل والملصقات المستعملة عليها، حيث زالت تلك الأغلفة بسهولة وكان من السهل على العين المجردة رؤيتها، ومنه اكتشف أمرها أعوان الجمارك وأحبطوا العملية كلها وقبضوا على المهربين ”المبدعين“.

بسبب الخطر الكبير الذي يحيط بالأمر وصعوبة نقل المنتوجات الكحولية بكميات كبيرة، كانت المشروبات رفيعة النوعية منها باهضة الثمن أكثر من غيرها، حيث قام أحد الدبلوماسيين في السعودية في سنة 2009 بوضع قنينة مشروب الويسكي (جوني وولكر بلاك لايبل) للبيع مقابل سعر 800 دولار بسبب ندرتها الكبيرة، على الرغم من أنها كانت تُباع حول العالم تقريباً بسعر لا يتعدى 40 أو 50 دولارا للواحدة، مما يفسر السبب الذي جعل الكثيرين في المملكة السعودية يعمدون إلى إعداد مشروباتهم الكحولية بأنفسهم في المنازل!

وتماما مثل الولايات المتحدة خلال حقبة حظر تناول المشروبات الكحولية والاتجار بها، فقد أدى هذا الحظر الحالي في المملكة العربية السعودية إلى ظهور ما يعرف بالـ(سبيكيزي) أو «حانات بيع واستهلاك المشروبات الكحولية غير القانونية»، خاصة خلف أسوار المركّبات التي يعيش فيها الأجانب الغربيون، وحيث تغض السلطات بطرفها غالبا عن النشاطات المخالفة للشريعة الإسلامية التي تجري فيها.

وعلى خلالف الولايات المتحدة خلال حقبة حظر الكحول حيث انتشرت عصابات المهربين الكبار والمافيا والمجرمين المشهورين، فمن الصعب العثور على أية دلائل على وجود هذا النوع من العصابات النافذة والخطيرة في المملكة السعودية التي تنشط على نفس المستوى الإجرامي المعقد والمنظم، أو وجود شبكات معقدة أو متطورة من المهربين والمخزّنين والمرّوجين، التي قد تخترق صفوف الشرطة ومصالح الجمارك وتشتري ذممها سواء بالترغيب أو التهديد.

بحلول نهاية الألفية الثانية، اتخذت الأمور منحى عنيفا نوعا ما لبرهة من الزمن بين عدة عصابات متنافسة من مروجي المشروبات الكحولية في السعودية، حيث وقعت أربعة عمليات تفجير خلال فترة ثلاثة أشهر التي تم ربطها ببعض المغتربين والأجانب الذين، وفقا للسلطات السعودية، استخدموا قنابل كانوا يتحكمون فيها بأجهزة الراديو من أجل استهداف سيارات منافسيهم.

لقي رجل بريطاني مصرعه وهو (كريستوفر رودواي) وتعرض خمسة آخرون لإصابات متفاوتة الخطورة، وتم تحميل المسؤولية لخمسة مغتربين بريطانيين، وواحد كندي، وواحد بلجيكي جميعهم مقيم في المملكة، والذين اعترفوا بجرائمهم على أحد قنوات التلفزيون الوطنية السعودية. وقد قال على إثر ذلك عادل بن أحمد الجبير وهو مستشار الشؤون الخارجية لدى الملك السعودي بأن منفذي الاعتداء كانوا ينتمون: ”لعصابات متنافسة كانت متورطة في تهريب الكحول إلى داخل البلد“، والذين استداروا ناحية العنف لتسوية الخلافات فيما بينهم.

تم إطلاق سراح المتهمين بعدها، مما جعل الكثيرين يشكون في أنهم أُجبروا على الاعتراف بجرم لم يقترفوه لإخفاء حقيقة أخرى وهي أن التفجيرات كانت على يد متطرفين معادين للغرب، رافضين للروابط التي تجمع السعودية بالمملكة المتحدة وأمريكا.

أما فيما يتعلق بعصابة تهريب الكحول التي قامت بإخفاء مخزونها داخل بيت كبير دار الإفتاء، فلا أحد يعلم بشكل قاطع ما كان قد حدث لأفرادها أو لمخزونهم من الكحول، وإلى يومنا هذا؛ ما زالت عائلة محمد بن إبراهيم تحتل أهم موقع ديني وقانوني في البلد، والمهربون في سعي مستمر للعثور على طرائق جديدة يروون بها ظمأ الصحراء السعودية، وكل طريقة يأتون بها تكون أكثر إبداعاً من سابقتها.

مقالات إعلانية