in

مكتبة الكونغرس الأمريكي تنشر ما وصفته بالمذكرات الوحيدة لعبدٍ عربي مسلم في أمريكا، التي تخبر الكثير عن قصة حياته

عمر ابن سعيد

أصبحت مؤخرا عدة مخطوطات مهمة لدلائل وثائقية أساسية متوفرة مجاناً بين أيدي الباحثين والطلبة وكل من يهتم بدراسة تاريخ العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية، من بينها سيرة ذاتية كُتبت باللغة العربية من طرف رجل عرف باسم عمر ابن سعيد، وهو رجل عربي مسلم استُعبد وبيع في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي قيل أنه كان يتم تشجيعه وحثه دائما على القراءة والكتابة من طرف مالكيه في ولاية (كارولاينا) الشمالية.

أعلنت مكتبة الكونغرس الأمريكي بحر هذا الشهر عن كونها قد استلمت هذه المخطوطة التي أُلفت في سنة 1831 في سنة 2017، وأنها قد قامت الآن بتحميل نسخ رقمية —قامت بمسحها رقميا— عنها، وكذا نسخ عن عدة وثائق أخرى تتعلق بابن سعيد وحياته.

ظهرت ترجمة قصيرة لمذكرات ابن سعيد في سنة 1925 باللغة الإنجليزية في مجلة The American Historical Review كـ”أول قصة تتناول عبداً محمدياً مثقفاً في أمريكا“، ومنذ سنة 2013؛ كانت هذه الترجمة متوفرة على الإنترنيت في جامعة (كارولاينا الشمالية) تحت مشروع «توثيق الجنوب الأمريكي» Documenting the American South، غير أنه يبقى وثيقة مربكة على الرغم من ذلك، باللغة الإنجليزية على الأقل.

من مخطوطات عمر ابن سعيد باللغة العربية مكتوبة بخط يده
من مخطوطات عمر ابن سعيد باللغة العربية مكتوبة بخط يده

على شاكلة الملايين من الأفارقة؛ تم أسر ابن سعيد واستعباده، وأُحضر إلى (تشارلستون) في (كارولاينا) الجنوبية في سنة 1807، غير أنه تمكن من الفرار، فأُسر مجددا، وسُجن، واستُعبد مرة أخرى في (كارولاينا) الشمالية ما جعل منه مشهورا نوعاً ما آنذاك —حيث عرف بشكل واسع باسم العم (مورو)، أو (مورو)، والأمير (عمورو)—، وما يجعل منه حاليا شخصية تاريخية مهمة في التاريخ الأمريكي هو أن مذكراته تعتبر القصة العربية الوحيدة المحفوظة عن العبودية في أمريكا، فبعد كل شيء؛ كانت قصةً كُتبت بريشة رجل كان في حياته السابقة كاتبا وباحثا إسلاميا لمدة 25 سنة فيما يعرف الآن بالسنغال، قبل أن يصبح عبداً مملوكاً.

ورد في تعليق لمكتبة الكونغرس: ”يعطينا سعيد لمحة وجيزة عن قصة حياته عندما كان في أفريقيا في سيرته الذاتية التي تتكون من 15 صفحة“، وأضافت: ”غير أنها كانت كافية من أجل تكوين صورة شاملة عن شخص ذا تعليم عالٍ يعلم جيدا ما يفعله“.

عمر ابن سعيد
عمر ابن سعيد. صورة: جامعة Yale

أثار مستوى ثقافته ومواهبه الأدبية اهتمام مالكه الجديد (جايمس أوين)، شقيق حاكم (كارولاينا) الشمالية (جون أوين)، فأمر بمنحه قرآنا باللغة الإنجليزية: ”على أمل أن يتعلم من خلاله اللغة الإنجليزية“، على حد تعبير (بريدجيت كاتز) في مجلة (سميثسونيان)، كما منحه أيضا إنجيلا مكتوبا باللغة العربية ”وفي سنة 1821، تم تعميده وأصبح فردا مسيحياً“.

أصبح سعيد محل اهتمام وإعجاب منقطعي النظير بين الأمريكيين البيض بعد تحوله إلى الديانة المسيحية، لكن لم يبدُ أنه تخلى عن دينه الإسلامي بشكل كامل. ظل سعيد يمدح مالكه بغزارة في مخطوطة سيرة حياته باستعمال الكثير من تعابير الورع المسيحي، كما قام بافتتاح مؤلفه الذي كان مهدى لـ”الشيخ الصياد“ بعدة آيات من القرآن.

من مخطوطات عمر ابن سعيد باللغة العربية المكتوبة بخط يده
من مخطوطات عمر ابن سعيد باللغة العربية مكتوبة بخط يده

تقول (ماري جاين ديب)، رئيسة قسم أفريقيا والشرق الأوسط في مكتبة الكونغرس، بأن هذه الآيات القرآنية التي أدرجها الشيخ سعيد في سيرته الذاتية تخبرنا الكثير عنه وعن شخصيته، وربما كانت قوة نقلها لحقائقه لنا بنفس قوة النصوص الأخرى نفسها، وأضافت أنها يمكن النظر إليها كوسيلة استعان بها كي يعيد التواصل مع إيمانه بالديانة الإسلامية التي لم يتخل عنها إلا ظاهرياً على ما يبدو، وكذا يمكن النظر إليها على أنها مقاومة مستمرة لاستعباده، فقد كانت السورة التي اختار أن يقتبس منها بعض الآيات في غاية الأهمية، ذلك أنها تتضمن خطاباً يشكل نقدا أساسيا لواقع استعباد الإنسان لأخيه الإنسان.

نقش سعيد كذلك في الإنجيل الذي أهدي له باللغة العربية جملا على شاكلة: ”الحمد لله“، و”لا خير إلا من عند الله“. يُعقب قسم الموارد الثقافية في (كارولاينا) الشمالية بأن: ”المخطوطات الأربعة عشر المكتوبة بخط يد عمر ابن سعيد متوفرة ومتاحة، وأن العديد منها تتضمن اقتباسات من القرآن وإشارات إلى الذات الإلهية في الإسلام: ’الله‘“.

من المحتمل أن يكون ابن سعيد قد  تحوّل إلى المسيحية حقيقيا وليس ظاهرياً، وأنه ما زال يعبر عن نفسه في ضوء دينه السابق ببساطة لأن الماضي الطويل لا يمكن التخلص منه بسهولة، كما من المحتمل أن يكون قد خشي مقاومة الشخصية الجديدة التي فرضت عليه علناً حتى لا يهدر كل تلك الحرية التي مُنح إياها للدراسة والقراءة والكتابة.

توفي ابن سعيد في سنة 1864، تقول (كاتز): ”قبل سنة من إلغاء الحكومة الأمريكية للعبودية. لقد عاش في أمريكا لأكثر من 50 سنة. يقال أن ابن سعيد عومل معاملة حسنة في منزل آل (أوين)، غير أنه مات عبداً“.

كتب في سيرته الذاتية: ”لقد نسيت الكثير عن هويتي وعن قومي وعن اللغة العربية“، وقد تشبث بما بقي في ذاكرته من كل ذلك عبر الكتابة والتدوين بلغته الأم، اللغة العربية.

بإمكانك عزيزي القارئ رؤية الوثائق المرقمنة من مجموعة سيرة عبر ابن سعيد الذاتية لدى مكتبة الكونغرس الأمريكية، ومعرفة المزيد حول حياته من هنا.

مقالات إعلانية