in

دخلك بتعرف قصة الملك البريطاني الذي انفجرت جثته أثناء مراسيم دفنه؟

مراسيم دفن جثة الملك البريطاني (ويليام الفاتح)

كان الملك البريطاني (ويليام الفاتح) ملكا من نوع آخر، حكم بقبضة من حديد وكانت نهايته على قدر فضاعة فترة حكمه.

في بدايات حياته، كان (ويليام) ابنا من علاقة خارج نطاق الزواج جمعت (روبرت الأول)؛ دوق النورماندي، مع (هيرليفا) التي يتم وصفها في كتب التاريخ على أنها ابنة دباغ جلود، وكان يطلق عليه اسم ”ويليام اللقيط“ في أوائل سنوات عمره وشبابه.

عندما بلغ من العمر ثمانية سنوات، توفي والد (ويليام) وورث هذا الأخير جميع ألقابه بصفته ابنه الوحيد. عمت الفوضى بعد موت (روبرت الأول) في النورماندي واندلعت فيها حرب أهلية ضروس، ومنه اتسمت طفولة (ويليام) بالعنف —العنف الذي يبدو أنه تقبله بصدر رحب مع تقدمه بالسن وإحكام قبضته على دوقيته—.

وفقا لقناة الـBBC؛ هزم (ويليام) محاولة تمرد قادها أحد أبناء عمومته وقام بمعاقبة المتمردين من خلال قطع أيديهم وأرجلهم، وفي سنة 1066، عندما أعلن ملك إنجلترا (إدوارد) رجلا آخر ليكون ولي عهده ووريث العرش بعد أن كان وعد به (ويليام) سابقاً، سافر هذا الأخير من فرنسا إلى إنجلترا للتربع على عرش المملكة الإنجليزية غصبا وقوة، فنشبت على إثر ذلك معركة (هاستينغز) الدموية الشهيرة التي انتصر فيها (ويليام) وتم بعدها تنصيبه ملكا على إنجلترا في يوم عيد الميلاد بالضبط.

ويليام الفاتح
ويليام الفاتح

على الرغم من أن (ويليام) أحدث تعديلات اجتماعية ودستورية كثيرة وأنشأ علاقات قوية مع فرنسا، كما أنهى نفوذ الفايكينغ في إنجلترا خلال فترة حكمه، فإنه كان كذلك مستبدا يتصف بقسوة شديدة. في سنة 1069 بدأ (ويليام الفاتح) ما سيعرف لاحقا باسم ”تدمير الشمال“ —هي حملة شنّها الملك لقمع الثوار والمتمردين من خلال حرق القرى والمحاصيل الزراعية وتقتيل قطعان الماشية وحتى المزارعين أنفسهم. يقال أن الذين نجوا من هذا الهول كانوا في يأس شديد لدرجة أكلوا لحوم بعضهم ومنهم من مات متأثرا بالمجاعة—.

بينما كان نصف شعبه واقعاً تحت سوط المجاعة، كان الملك (ويليام) يأكل مثلما يأكل الملوك عادة، ومنه أخذ وزنه في الزيادة وبدأ يتحول إلى شخص بدين مع تقدمه في السن، وفي سنة 1087، وعندما كان في حملة شنّها ضد ابنه (روبرت) في فرنسا، تسببت له بدانته في هلاكه المحتوم، حيث تعرض لإصابة بليغة عندما جمح حصانه فجأة وأوقعه ووقع عليه فاخترق السرج بطن الملك ثاقباً أمعاءه.

سافر على إثر تلك الإصابة إلى (روان) حيث أمضى ستة أسابيع عسيرة وهو يُحتضر وبجانب سريره الفرسان والنبلاء ورجال الدين. وفقا لكتاب (أوردريك فيتاليس) بعنوان «هيستوريا إيكليسياستيكا»، اعترف الملك المحتضر في نهاية المطاف بأن ما اقترفه خلال فترة حكمه كان فضيعا بحق، ورد في الكتاب الآنف:

لقد عاملت السكان الأصليين للمملكة بقسوة غير مبررة، وقمت بقمعهم بوحشية، وحرمت الكثيرين من حقوقهم، وتسببت في هلاك الآلاف بسبب المجاعة والحرب خاصة في (يوركشاير) […] في غضب مجنون نزلت على الإنجليزيين الشماليين مثل أسد هائج، وأمرت بحرق منازلهم ومحاصيلهم وجميع معداتهم وأثاثهم، وأن تذبح وتقتل قطعان ماشيتهم وأسراب طيورهم في كل مكان. لقد عاقبت عدداً هائلا من الرجال والنساء بسوط المجاعة، كنت القاتل الوحشي الذي هلك على يده الآلاف من الكبار والصغار من هذا الشعب العادل.

ويعقب الكتاب بأن الملك أمر بأن توزع ثروته على الكنائس والفقراء:

”حتى يذهب ما جمعته بأفعالي الشنيعة إلى منفعة الرجال الصالحين“.

غير أن المؤرخين في العصر الحديث يشكون في صحة هذا الخطاب ويعتقدون أنه لم تنبس به أبدا شفتا الملك، مثلما أورده (دايفيد بايتس) في كتابه بعنوان «ويليام الفاتح»: ”يروي لنا (أوردريك) كيف أن الملك (ويليام) عبر عن أسفه وندمه على الدماء التي سفكها كجزء من اعترافاته بذنوبه على فراش الموت. على الرغم من أن الخطاب كله من نسج خيال (أولدريك) على حد علمنا، وأنه عبارة عن نسخة فاضلة عما اعتقد أنه كان ليحدث، فإن ما كان يخبرنا به بدون شك هو أنه صدَّق بكون (ويليام) حظي بنهاية جيدة، تماما مثل (إيدمر) و(ويليام من مالمسبوري)“.

في التاسع من شهر سبتمبر، توفي الملك (ويليام الفاتح) أخيرا، وخلت غرفته من النبلاء والفرسان الذين كانوا يحيطون بسريره في آخر أيام حياته، كتب (أوردريك) في وصفه لذلك: ”بعد أن رأوا بأن سيدهم فارق الحياة؛ قام الحاضرون من الطبقة الدنيا بالاستحواذ على الأسلحة والأواني والملابس والأقمشة وكل الأثاث الملكي، وفروا مسرعين تاركين جثة الملك عارية تقريبا على أرضية المنزل“، وأضاف: ”لقد تركوه مثلما لو كان بربرياً“.

وكانت تلك مشكلة كبيرة، حيث لم يكن هناك أي أحد من المقربين من الملك ليسهر على أن يتم دفنه بشكل لائق، ما عدا (آنتر هيرلوين) الذي كتب عنه (أولدريك): ”فارس دفعته طيبته الطبيعية إلى الالتزام بتكاليف الدفن، حبا بالرب وللحفاظ على شرف بلده“، يتابع (أولدريك): ”قام على إثر ذلك باستئجار أشخاص على نفقته الخاصة من أجل القيام بأعمال التحنيط ونقل جثة الملك، استأجر نعشا وعربة لنقل الأموات وأمر بنقل الجثة داخلها إلى مرسى نهر السين، وحملها على متن قارب ونقلها من هناك إلى مدينة (كاين) في النورماندي“.

استغرقت تلك الرحلة على مسافة مائة كيلومتر وقتا معتبرا، خلالها شقت جثة الملك طريقها ببطء إلى مدينة (كاين)، وخلالها أيضاً تسربت البكتيريا من داخل أحشاء الجثة إلى بقية الجسم، وبدأت تعمل على تحليل الأنسجة بسرعة مخيفة مما جعل الجثة تمتلئ بالغازات.

بعد أن وصلت الجثة إلى (كاين) أخيرا تم تأجيل الجنازة بسبب اندلاع حرائق مهولة في المدينة مما دفع بمعظم السكان إلى الهرع إلى إطفائها، ثم خلال الجنازة، جاء رجل إلى المنتحبين —من ضمنهم ملك إنجلترا المستقبلي (هينري)— وقال بأن الأرض التي أوصى الملك بأن يدفن فيها كانت ملكاً له ولعائلته وسلبه إياها الملك حتى يبني عليها كنيسة، ومنه تحولت الجنازة إلى جلسة مشاورات قانونية مطولة، التي تمت تسويتها في نهاية المطاف.

كان لهذا التأخير تبعات كارثية، تسبب في انتفاخ جثة الملك المتوفي بشكل كبير بسبب الحرارة، وعندما حاولوا إنزالها لوضعها داخل القبر، وجدوا أنها أصبحت أكبر حجما ولم يعد القبر يتسع لها، وفي نهاية المطاف، ووفقا لـ(أولدريك): ”انفجرت أحشاؤه المنتفخة، وخرجت منها رائحة كريهة أزعجت مناخير الحاضرين“، لم تكن هناك أية وسيلة لإخفاء الرائحة الكريهة ومنه تم إنهاء مراسيم الدفن على عجالة.

بعد هذا الدفن الذي أقل ما يقال عنه أنه مهين، لم ”يرقد (ويليام) بسلام“ أيضاً، حيث تعرض قبره للنبش ثلاثة مرات، واحدة بأمر من روما [أعيد دفنه بعدها]، ومرة على يد الكالفينيين، ثم مرة خلال الثورة الفرنسية، اندثرت على إثرها عظام جثمانه كلها باستثناء عظم الفخذ الذي عُلّم عليه اليوم بلوح حجري.

صرح (ويليام الفاتح) في قصر (فاليز) في النورماندي.
صرح (ويليام الفاتح) في قصر (فاليز) في النورماندي.

مقالات إعلانية